|
كي لا نقع ضحية الغباء ثانية
رائد عبد الرازق
الحوار المتمدن-العدد: 1312 - 2005 / 9 / 9 - 07:36
المحور:
القضية الفلسطينية
كي لا نلدغ من الجحر مرتين ، كي لا نقع ضحية الغباء ثانية ،، و يضحك علينا تعلمنا و مازلنا نتعلم كل يوم بأن إسرائيل لا تفي بتعهداتها مع أي طرف تتفق معه على أي شيء و أنها جاهزة لنقض أي اتفاق أو معاهدة مع أي طرف كان و لو أميركا و ليس لديها مانع مطلقاً من أن تتراجع عن أي تعهد تقدمه لأحد ، إنها كيان من نوع خاص لا شبيه له على الأرض على الأقل حتى اللحظة ، و لعل الحال الذي وصلنا إليه اليوم خير دليل ، فبعد أن تم الاتفاق بينها و بين الجانب الفلسطيني على عدة قضايا و أمور تتراجع عنها ، و تماطل و تتبع أسلوب التسويف لدرجة أن يتم نسيان المطلوب منها من الجميع .
عندما انتهت حرب الخليج و انطلق مؤتمر مدريد للسلام كان الأمل كبيراً ، لكنه أخذ يخبو شيئاً فشيئاً لأن وصلنا لما نحن فيه اليوم من زيادة لسلب الأراضي و توسيع للاستيطان و سلب للحقوق و تجاهل للمطالب و التعهدات ، قاد آنذاك الوفد الفلسطيني المفاوض المناضل الكبير الدكتور حيدر عبد الشافي الذي لا يختلف اثنان على مقدار نزاهته و شرفه و أخلاقه ، و يذكر الجميع بأن حيدر رفض التقدم خطوة واحدة في المفاوضات الا بعد وقف جميع النشاطات الاستيطانية الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية ، لأنه مرتبط بالأرض و الواقع و يعرف جيداً ماذا يدور على الساحة ، و لديه الخبرة الكافية في التعامل مع إسرائيل و يعرفها جيداً من خلال نضاله الطويل اللامع ، فحشر إسرائيل في الزاوية الحرجة آنذاك ، لكن للأسف المؤلم لُدغ حيدر و لُدغ الشعب الفلسطيني معه و بأيد فلسطينية ، حيث أنقذ إسرائيل من الزاوية في ذلك الوقت اتفاق أوسلو الهزيل الذي لم يناقش لا مياه و لا مستوطنات و لا لاجئين و لا سيادة و لا معابر و لا حدود و لا قدس و لا شيء ، فأي اتفاق هذا الذي يغفل كل ما ذكر من نقاط حساسة ؟
الأكثر فظاعة أن ذلك الاتفاق اختصر منظمة التحرير في حركة فتح فقط و عزل فلسطينيي الشتات عن الداخل و قسم الداخل إلى مناطق أ و ب و ج ، و كان المدافعون عن أوسلو يقولون أن بقية القضايا مؤجلة للمفاوضات النهائية ، أين هي هذه المفاوضات النهائية و متى ستتم ؟ قبل يوم القيامة بيوم أو يومين ؟ مات اتفاق أوسلو ، بل لا يوجد اتفاق من الأساس ، توجد املاءات إسرائيلية فقط لا غير ، و دليلنا أنه عندما انتهت مرحلة الحكم الذاتي المؤقتة تم نسف الإعلان عن الدولة و نصب أعضاء المجلس التشريعي أنفسهم حكاماً لنا كبقية الحكام العرب مدى الحياة ، لا هم استقالوا و لا هم عادوا للشعب ، بل اعتبروها فرصة للربح و جني المحاصيل الشخصية فقط لا غير ، حيث أنهم أبعد ما يكون عمن انتخبهم من الناس ، و بالتالي قتل كل شيء ، و كل ذلك حدث بسبب غياب الرؤية الفلسطينية الاستراتيجية و غياب المعرفة بفنون إدارة الصراع ، بل ما تم فقط هو السعي لقطف بعض الثمار القليلة هنا و هناك و لصالح أشخاص محددين و ليس لصالح الشعب . ما حدث في أوسلو يجعلنا نؤيد و نكرر و نلح في إثارة النقطة التي يطرحها الدكتور مصطفى البرغوثي كل يوم و هي " فن إدارة الصراع " نعم يا سادة ، نحن نتعامل مع إسرائيل و ليس مع كيان طبيعي ، لابد من إدارة جيدة للصراع و ليس ترديد للشعارات و ضحك على الذقون و تلاعب بمصالح الشعب . . نحن نتعامل مع كيان من نوع خاص يدعمه العالم بشكل كبير بحجة عقدة الذنب و لا نتعامل مع تجار صغار أو مستثمرين مبتدئين و لا مع باحثين عن مراتب ، نحن نتعامل مع كيان يدافع فيه كل من يصل للمسؤولية بمنتهى القوة و الحنكة عن مصالح شعبه .
اليوم تنتشر في شوارع غزة يافطات كتب عليها " اليوم غزة و غداً الضفة و القدس " هذا الشعار يعيد للأذهان شعار أوسلو " غزة أولاً " فلا حصلنا على غزة و لا على أولاً و لا على أخيراً ، و أي غزة هذه التي حصلنا عليها ، غزة تحتل إسرائيل 42 % منها عبر مستوطناتها التي تبتلع الأراضي الخصبة و شاطئ البحر الجميل و الآبار الجوفية للمياه ، و يسرق الرمل منها كل يوم عبر شاحنات تمر على أعين كل الشعب الفلسطيني ليل نهار ، و شاركتنا إسرائيل حتى في الشركات الكبرى التي تم إنشاؤها فيها مثل الاتصالات و المطاحن و غيرها ، كما و أعيد احتلالها بالكامل عام 2000 ، فأي أولاً هذه ؟
الكل اليوم فرح و يحتفل و يجهز جيوشه للنصر القادم و لكل مبرراته و حججه ، لكن الكل نسي أن ما تم الحصول عليه اليوم كان لابد من أن نحصل عليه قبل 11 سنة ، غزة واحدة و ليست غزتان ، واحدة نحصل عليها في 1994 و الأخرى في 2005 ، اليوم نحن متأخرون عن الحقيقة بـ 11 سنة ، فبماذا ستحتفلون أيها المحتفلون ؟
للأسف يعتقد المحتفلون أن شارون قهر و خرج من غزة قهراً ، لكن من يعرف كيف تفكر إسرائيل يفهم جيداً أنها لا تعبث ، بل هي تطبق و بالقوة ما تريد و تعيد ترتب أولوياتها حسبما تقتضيه مصلحتها وفق الظروف المحيطة بها، الصهيونية ترفض مبدأ التراجع و الارتداد كما يقول شيخ المناضلين الفلسطينيين د. حيدر عبد الشافي ، فهي ضحكت على وفدنا " السري " للمفاوضات في أوسلو و أبقت على مستوطنات غزة لتستخدمها في الخطوة التالية ، و ها هي تستخدمها ، فبماذا ستحتفلون ؟
شارون ابتلع 57 % من أراضي الضفة الغربية عبر جدار الفصل العنصري و حاصر القدس و نحن فرحين ب 6 % تركها لنا من الأرض كان من المفترض أن نحصل عليها قبل 11 عاماً . شارون لا يلعب هو يعرف جيداً ماذا يفعل ، بينما نحن على وشك التناحر من أجل 42 % من غزة .
شارون لم يغادر غزة بمفاوضات و لا باتفاقات ، بل وحده و كأنه يقول لنا لتشربوا البحر ، و بذلك هو متجاهل لكل ما هو مطلوب منه بعد خروجه من غزة ، و هنا الكارثة التي على جميع المحتفلين أن ينتبهوا لها ، أميركا تعد شارون بشطب مصطلح احتلال عن غزة ، هل يعرف قادتنا معنى ذلك ؟ لو أنهم يعرفون لما احتفلوا ، فبماذا تحتفلون ؟
قبل حوالي أسبوعين وقع المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية على قرار بناء جدار يقسم الضفة الغربية إلى قسم شمالي و آخر جنوبي ، و قرأنا قبل أيام على الأشرطة المتحركة لوكالات الأنباء خبر يفيد بارتفاع عدد المستوطنين في أراضي الضفة الغربية المحتلة عام 67 م إلى 261 ألفاً ، أي أن شارون يأخذهم من هنا و يضعهم هناك ، و هنا و هناك حسب مهزلة أوسلو يفترض أنها مناطق سيادية فلسطينية .
نحن نرجع للخلف يا سادة فلماذا ستحتفلون ؟ هل تعلمون أن احتفالكم إدانة تامة و اعتراف ضمني كامل بالغباء ( آسف ، لكن الكارثة كبرى ) ، لماذا ؟ لأنهم سألوا بيريس قبل عدة سنوات في لقاء صحفي نقلته القدس لنا سؤالاً " لماذا لم تخرجوا من مستوطنات غزة في 1994 م " فأجاب بكل حنكة و ذكاء " لم يطلب منا الفلسطينيون ذلك " .......... هذه الأراضي التي سيخليها المستوطنين كان من المفترض أن تكون لكم منذ 11 عام ، لكننا دفعنا ثمنها غالياً جداً في السنوات الخمس الأخيرة ، لدرجة تصفية القضية كلية ، فهل فهمتم لماذا كلمة الغباء ؟ هل رأيتم لماذا نحن بحاجة لتعلم فنون إدارة الصراع ؟ لأنهم يصطادون انتصاراتهم من غبائنا و قراراتنا الغير مدروسة و عشوائيتنا .
شارون يا سادة يضع الخطوط العريضة للحل النهائي و يتلاعب بالحدود كيفما يريد و يطالب بالتطبيع العربي و الذي بدأ بالفعل مقابل خروجه من غزة الذي كان من المفترض أن يكون دون أية مطالب في العام 1994 م ، انه يضحك علينا علنا و نحن نضحك و نعتقد أنه يخدمنا و نفرح و نحتفل .
لو كان لدينا إدارة جيدة للصراع لما وصلنا لكل هذا الذل و الهوان و لكنا نعيش اليوم في دولة فلسطينية كاملة السيادة منذ 99 ، لكننا للأسف نفتقد لكل مقومات العمل المنظم و نتصرف بعشوائية و فوضى و جهل .
الحديث مؤلم و طويل جداً ...
نحن في المراحل الأخيرة لتصفية القضية الفلسطينية ما لم ننتبه هذه المرة انتباهاً كلياً و ما لم نفكر معاً مجتمعين و نستنفر كل طاقاتنا من أبناء شعبنا المعذبين في الداخل و الخارج و من مختلف الألوان السياسية ، لم يعد هناك متسع من الوقت ، الخطر كبير داهم و الطوفان لا يرحم أحداً ، علينا اليوم أن نلغي كافة أسماء أحزابنا و عائلاتنا و قبائلنا و فئويتنا الغبية التي تقودنا من نازل إلى هابط إلى قاع البئر ( أصر على كلمة الغباء مرة أخرى ) ، علينا أن نذوب و ننصهر معاً في كتلة حديدية نارية ملتحمة شديدة التماسك كي لا نقع مرة أخرى في الغباء .
نحن لا ننتصر ، نحن يضحك علينا و نصدق و نحتفل بالمهزلة ، هل سمع الجميع بأن إسرائيل ما تزال مصرة على نقل معبر رفح إلى منطقة أخرى ؟ هل تعرفون لماذا ؟ لكي لا تكون لكم السيادة ، هل تعرفون أنه بعد خروج المستوطنين ستبقي إسرائيل على حكمها لمجال الاتصالات و المجال البحري ؟ فأي نصر تحتفلون به يا سادة ؟ و اليوم ستحيط إسرائيل قطاع غزة بسياج أو جدار فاصل حيث ستبدأ في ذلك مع بداية سحب جيشها من غزة أواسط شهر سبتمبر الحالي ، فكيف انتصرنا اذا ؟ و ما هو هذا النصر ؟ و لماذا تتناحر الأحزاب ؟ النوايا واضحة .
لقد ضحكت علينا إسرائيل في أوسلو ...
و تريد أن تضحك علينا أيضاً اليوم بتصويرها خروج المستوطنين ( أعيد أيضاً " الذين من المفترض أنهم خرجوا في 1994 م " ) تنازلاً كبيراً و مؤلماً قدمته من أجل السلام و لا يمكن مطالبتها بأكثر من ذلك بعده .
انتبهوا و ارحمونا من حزبياتكم و أفيقوا و لو مرة في الزمن ( هل يعقل أن تكون نتائج جميع ثورات شعبنا و انتفاضاته و صبره منذ 1948 م إلى 2005 م فقط 1.4 % من فلسطين ، أي انتصار هذا ؟ ) هل نتاج صمود الشعب الفلسطيني خلال الحرب البشعة التي شنها علينا شارون و باراك منذ 2000 لغاية 2005 هو فقط 5.8 من أراضي عام 67 ؟ و متى سنحصل على الباقي و كم سيموت منا من أجله ؟
انتبهوا جيداً ؛ كل انتصارات إسرائيل قطفتها منا في لحظات غباء و غباء مطلق لنا .
#رائد_عبد_الرازق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أطفال غزة و الصيف
-
حديث في النساء
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|