|
الاسلاموية الجديدة المتسامحة_قراءة في تجربةالشيخ نحناح في الجزائر
البشير رويني
الحوار المتمدن-العدد: 1312 - 2005 / 9 / 9 - 12:02
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
في الوقت الذي كانت فيه المواجهة بين الجيش والتيار الاسلامي على اشدها في فترة التسعينات في الجزائر، اختار زعيم حركة المجتمع الاسلامي خطا جديدا غريبا يتمثل في الملاينة مع السلطة بل والاتدماج فيها وتقديم الكثير من التنازلات. هذا الاتجاه جعل الكثيرين حينها يتهمون قائدها بانحرافه عن النهج الدعوي الاصيل وانغماسه في السلطة السياسية وجريه وراء مكاسب انتخابية وحزبية آنية فيما هو كان متيقنا من سلامة اختياره وواصل الدفاع عنه. وعندما توفي في جوان 2003 كانت كل رموز السلطة والجيش حاضرة في جنازته، وهي السلطة التي كان يقبع في سجونها من قبل لانه عارض الدستور انذاك وكان اكبر عدو لها. من خلال تجربة الشيخ محفوظ نحناح زعيم حركة مجتمع السلم في الجزائر يمكن استنتاج عدة ملاحظات نجملها في النقاط التالية :
1- المعارضة والمعارضة الاسلامية
تنشأ المعارضة من حاجة السلطة الى تقييم ومتابعة، وقد رعت الدساتير الحديثة المعارضةعلى اساس انها الضمان الوحيد لعدم وقوع السلطة في أي تجاوزات. هذه المسألة تستدعي انتباها شديدا من جانب المعارضة لكل هفوات السلطة ومتابعة مستمرة لكل نشاطاتها. هذا من جهة، ومن اخرى لتكريس مبدأهام يتمثل في التداول على السلطة والذي يحقق مبدأ أهم وهو المساواة في الحظوظ السياسية أيضا. ففي الديمقراطية تصبح الفرصة متاحة أمام أي مواطن يملك كفاءات تمكنه من الارتقاء في السلم الاجتماعي والسياسي. والمعارضة الاسلامية تأتي استجابة لهذبن المبدأين المهمين : مبدأ المشاركة ومبدأالمحاسبة ، غير أنها أيضا تحمل مشروعا سياسيا بديلا. المشروع في طبيعته مختلف تماما عن كل المشاريع، لانه يقتنع ويدعو ويريد ان يقنع بضرورة الدولة الدينية لأنهاالاجابة الوحيدة لكثير من المشكلات العالقة في عالم اليوم، فالمشروع الاسلامي يحاسب الحاكم ويثير المحكوم ويبشر فوق ذلك بجنة العدالة في الارض وجنة السماء في العالم الاخر. هذا الذي صنع في رأيي نقطة تميزه. وقد رأينا أن هذه النقطة الاخيرة جعلت المشروع الاسلامي يقف ضد كل الاحزاب في المعارضة،وهو ضد السلطة ولكن ضد المعارضة، وا لحليف الوحيد اذن هو الشارع الناقم بسبب حدة مشكلاته اليومية. وهذا ولّد للتيار الاسلامي معارضة "المعارضة" لتنضاف الى معارضة السلطة له. الخطاب الديني يعد بحل للمشكلات الآنية خارج المعطى الآني، أي بمعنى ان هموم الارض لها حلول من السماء. هذا أثار حفيظة المعارضة أيضا، فاستغلت الاسلام نفسه على أنه إرث جماعي مشترك ونادت بعدم احتكاره من أي جهة كانت لكونه إرثا جماعيا. لكن الموروث الجماعي ما كان له ان يخيف الى هذا الحد، والاسلام يعرفه الجميع على أنه دين تسامح ومحبة وبالتالي فهو دين المعارضة والسلطة أيضا، وليس دين الاحزاب الاسلامية فقط. في تقديري هذا ولد نقاشا مثيرا حول من له الاحقية في التحدث باسم هذا الارث المشترك. وعندما تدخل القانون –كآخر خطوة- قرر ان الحل هو منع الاسلام من ان يكون منطلق واسم أي جهة سياسية كما أكد الدستور. نحناح بسرعة قفزت حركته من حركة المجتمع الاسلامي الى حركة مجتمع السلم، وهذا له عدة معان : - الاول : أن رمز الحزب لن يتغير، ففي الحالتين نحتفظ بالرمز(حمس)،وهذا جانب تكتيكي قبل كل شئ. - الثاني ان هذا الرمز يذكرنا دائما بحركة حماس الفلسطينية وبقضية فلسطين وما تحتله في قلب المواطن العربي والمسلم. - الثالث : ان السلم من اهم اهداف الاسلام، فالحديث عن الاسلام في مفهوم الحركة هو حديث السلم وحديث عن السلم. - والرابع : ان السلم كان المفهوم الغائب فعليا في الجزائر انذاك، وكان من حسن الالتفات انتباه الشيخ نحناح الى هذا المعنى، فالحديث عن السلم في ظل ازمة قاتلة تدك المجتمع الجزائري هو تعبير عن اهم وأول ما يحتاجه المجتمع في ظل حرب اهلية طاحنة تحصد اكثر من مائة الف من الارواح. - والخامس ان في الاسم رمي للكرة في ملعب السلطة، فعندما نقول للسلطة اننا مجتمع السلم فاننا نقول ايضا ان مسؤولية العنف تقع على السلطة وحدها فهي السبب في كل هذه التراجيديا وتتحمل وحدها النتائج الوخيمة التي حصلت من ذلك، وهذا في حد ذاته دفع للسلطـــة للدخول في حوار مع الاسلاميين. والخلاصة ان الاسلام ملك للاطراف الثلاثة: السلطة والمعارضة والمعارضة الاسلامية، وعندما نتحدث بالاسلام في معركتنا الانتخابية في العالم العربي فاننا –كما تصور نحناح انذاك- نخسر اكثر مما نكسب، وهذا لانها الورقة المتاحة للجميع. 2- القاعدة الشعبية والقاعدة الانتخابية
الكل ينطلق في عمله السياسي معتمدا على قاعدة انتخابية. والمعارضة كما السلطة تعول في ممارسة شرعية وجودها على عدد الاصوات التي تنتخب لها وهذه اشكالية كبيرة في العالم العربي، من عدة زوايا : من حيث ان القاعدة الانتخابية لا يمكن ضبطها ومعرفتها بالتدقيق لكون ان السلطة تستطيع دائما ان "تنفخ" أرقامها وتزيد حجمها، والمعارضة كذلك تمارس ذات الاسلوب. فالمواطن البسيط يضحك عندما يسمع ان الرئيس الفلاني فاز بنسبة 99%، لكنه يصدق حين يكون رقم شبيه بهذا يصب في جهة المعارضة وخاصة عندما تكون هذه المعارضة اسلامية. لكن القاعدة الشعبية للاحزاب هي في الاخير مواطنون يطالبون بحقوق لهم ويرون ان السلطة قصرت في ذلك وان المعارضة الفلانية قد أجادت في توفيرهاعلى الاقل بلاغيـــًا مما يعني انها الافضل. علما ان الحماس الخطابي في الحقيقة لا يحمل أي ضمان صحيح في امكانية تجاوز تلك المشكلات اليومية وتوفير السكن والوظيفة والعدالة الاجتماعية.. المعارضة الاسلامية تنطلق من الدين، ومعنى ذلك انها تجعل المواطن في حيرة : أنت مع أو ضد الدين ؟ أي : أنت مؤمن أم كافر ؟ صحيح ان هذا لا يقال صراحة، لكنه على الاقل ما يفهمه المواطن الذي ينتخب معتمدا على هذه الفكرة. أي ينتخب وهو ينظر للجنّة ليطالب بحقوقه في الدنيا..وهنا اشكالية : لما نختار من نختار ؟ وكيف نختار ؟ الجانب المهم الاخر : ان القاعدة الشعبية الكبيرة جعلت بعض الاحزاب الاسلامية تغــــتر بها وتعول عليها، فقد اعلنت جبهة الانقاذ في الجزائر عن قرب قيام الدولة الاسلامية وانتهاء السلطة الراهنة الظالمة، وهذا الاعلان تم بناء على معطيات الانتخابات، فماذا حدث ؟ بقيت السلطة وذهب حلم الدولة الاسلامية ولم تتحرك القاعدة العريضة التي كانت صوتت لهؤلاء، ولم يتحقق حتى السلم الذي كان من قبل ولم يمنع كل ذلك من سقوط الاف الضحايا. التجربة مريرة بالفعل :البعض يقول لم تتحرك القاعدة الشعبية التي ضربت في عقيدتها ودينها، لم تتحرك لان الجماهير تبحث عن السلم والامن وباقي حقوقها التي يضمنها في الاصل القانون. هل نفس الجماهير ستتحرك مستقبلا ان اعلن أي حزب اسلامي فوزه في الانتخابات واعلن قيام الدولة الاسلامية واقامة الشرع الذي لا يفهم منه الناس الا الحدود وقطع الايدي والارجل؟. وفي رأيي هنا فإن الجماهير تحب دينها ولكنها تريد السلم والامن، الكل يحب قيام دولة اسلامية تحكم شرع الله في الارض ، لكن الكل لا يريد ان يدفع حياته ثمنا لتلك الدولة ولا حياة ابنائه وعائلته وعشيرته. عندما نعطي الاختيار للناس بين السلم والاسلام فانهم سيقولون ويصرخون الاسلام ولكنهم سيختارون في الواقع السلم، أقول هذا لان القاموس الحالي يرى الكلمتين متضادتين. معنى ذلك ان الحكومة التي تأتي عبر الدماء لا نريدها ولو كانت حكومة اسلامية. ان التضحية لا يفهمها الجميع وبنفس الدرجـــــة، وفقه الجها د ظل دائما حكرا على أ ناس معينين لانه ليس من الممكن ان يفقه الجميع ادبَ وفضائل الجهاد. اقول هذا وانا افكر في التجربة الجزائرية التي عشنا مرارتها ورأينا سعارها ، كان الاسلاميون يعلنون الجهاد ويباركونه ويسمون انفسهم المجاهدين وخصومهم الاعداء والطاغوت، فيما كانت السلطة تتكلم بذات الاسلام وتعلن انها تملك الاسلام المتسامح الاكثر انسانية. وبلغ الامر ان المسلم والكافر(!!) يكونان من عائلة واحدة، ولنا بعدها ان نتصور حدة المواجهة وهي تصل البيوت وتدب بين الاخوة الاعـــــــــــــداء. هل كان نحناح يعي ذلك ؟ في تقديري نعم، وحديثه المتكررعن السلم والذي كان يثير ضحك بعض الناس هو ذات المشروع الذي يحمله الان الرئيس بوتفليقة ويبشر به في كل مناسبة وينظم له الان انتخابات تفرح بها كل الجزائر. 3- عن العنف في العمل الاسلامي
بمجرد شعور جبهة الانقاذ مثلا في الجزائر بضياع حقها الانتخابي الذي اعطته اياها الجماهير الناقمة على السلطة، انطلق مسلسل عنف رهيب يعرف الجميع عواقبه ويتهم ذات الحزب بكثير مما حدث فيه. لكن القضية تحتاج الى وقفة متأنية. الشرخ زاد بين الاحزاب الاسلامية والسلطة، وبين الاحزاب الاسلامية والاحزاب الاخرى بل وحتى بين الاحزاب الاسلامية فيما بينها بتهمة التورط وموالاة السلطة والمسؤولية عن كل الذي يحدث. الجميع يتهم الجميع وينادي بحياة الدولةالقائمة على شعارات كل طرف، على الديمقراطية بالنسبة للديمقراطيين، على حب الوطن بالنسبة للوطنيين، والقائمة على الاسلام بالنسبة للاسلاميين. والحق انه لا خلاف في الاصل بين الديمقراطية والاسلام والوطنية على الاقل في الحالة الجزائرية. فالشارع الجزائري يحترم الاسلام ويحب وطنه وينشد كغيره الديمقراطية والعدالة، وهي اذن ليست مفردات متضادة فيما بينها، وتستطيع الدولة كما يستطيع أي حزب ا ن يكون اسلاميا ووطنيا وديمقراطيا على اساس الانسجام التام بين الثلاث. ..لا خلاف هنا اقصد به -ايضا-ان الدين يخص جانب العقائد والوطن ملك للجميع والديمقراطية هي تعايش بين الجميع وضمان للجميع. في تقديري ان نحناح واحد ممن فهموا هذه القاعدة عندما اعلن تقاربه مع الوطنيين وتعايشه مع الديمقراطيين. ليس هذا فحسب، لكنه كان يبشر بعهد جديد لاسلام يخرج من دائرة العنف والاتهام ليدخل الحقل السياسي لا كمهيمن بل كطرف فاعل في الممارسة السياسية. وكما كان الاسلاميون في حاجة الى تجريب الممارسة السياسية من موقع الحكم لمعرفة الصعوبات الميدانية، كانت الحكومة ايضا بحاجة الى تجريب الاسلاميين باختيار بعض منهم قبل السماح لهم بدخول الحكم عبر الانتخابات. ان من طبيعة العمل السياسي والديمقراطية ان نرى على الحلبة اطرافا متناقضة ومختلفة في كل شئ إلا في شئ واحد : انها على حلبة واحدة وكلها مسؤولة عن هاته الحلبةوالا اقتلعت منها وذهبت تماما للغياب. والعنف الذي تولد من حرمان طرف سياسي فاعل حقه في نشوة الانتصار الذي حصل عليه هو الذي ولد المسلسل التراجيدي الجزائري مثلا. العنف الذي نتهم به طرفا هنا هو من مسؤولية كلا الطرفين: السلطة والمعارضة، واللجوء للعنف رفضه السياسيون والكتاب والمحللون انذاك كما رفضه العالم ككل، لكن كان لابد مع الاسف من تجربة العنف المريرة ليشعر الجميع بعد ذلك بمرارة ما اقترفوه. أنك تشعر مع انطلاق الحملة الانتخابية الجديدة في الجزائر اليوم بمدى المرارة التي يحتسيها الجزائريون وهم يتذكرون تجربة العشرية الحمراء، أي فترة الـ90 وما را فقـــها من دماء ودموع. هل اللجوء الى العنف هو مسعى للدفاع عن الحق السليب ام عجز عن اقــــــــناع الآخر,؟ في تقديري ان نحناح كان يراه في شقه التاني ولذلك اقترب من السلطة مهما كلفه ذك من تنازلات، ولكنه مع ذلك تمكن من التسلل الى السلطة واقناعها بضرورة اشراك جزء من الاسلاميين ولو كانوا على الاقل من حزبه هو، لان الخوف حينها كان خوفين : خوفا من الفيس(جبهة الانقاذ) وخوفا من الاسلام. ونحناح اراد ان يقول ان الخوف من الفيس يمكن ان نقـــــبله، ولكن الخوف من الاسلام غير مقبول لان الاسلام دين الجميع ومن مزاياه التسامح والسلم. السلطة وهي ترفض عبر الفيس كل حزب بمسمى ا سلامي، هي نفسها يتسلل اليها بهدوء و روية رجال من حزب نحناح اكبر رموز الاسلاميين الجزائريين وأحد اشهر معارضي حكم الرئيس السابق بومدين. في تقديري ان في تجربة القطيعة الجزائرية مع كل الاحزاب الاسلاموية حدثت ثغرة استغـــلها نحناح خاصة لتتحول الهزيمة الى نصريتزايد مع الزمن. ففي الوقت الذي كان الجزائريون يتساقطون فيه تحت رصاص الجهتين كان نحناح وبدرجة اقل جاب الله بدخلون الحقل السياسي الفعلي ويتمكنون من التحكم في مناصب قيادية وصلت الى البرلمان والوزارات، وهذا في تقديري شئ مهم من الحكمة والتروي والتأثير على السلطة.
4- عن الاحزا ب الاسلامية والمنظومة الدولية الجديدة
نحناح من القلائل الذين فهموا أثر الظروف الدولية على مصير الدول العربية وعلى مسار الحركات الاسلامية. وقد صرح في أحد خطاباته وهو يرد على من اتهموه بموالاة السلطة، فقال : أن الغرب لا يريد منا إقامــــة دولة ديمقراطية، فكيف سيسمح بإقامــــة دولــة إ سلامية ؟ والواقع ان نحناح كان يرى ان الاسلاميين يجب ان يتعقــلوا ولا يتسرعوا، وأ ن يتعاملوا مع السلطات الموجودة في بلدانهم لأن القــانون ا لدولي والمواثيق الدولية الحالية تسمح بملاحقة هؤلاء في كل مكان، والافضل اذن أن يبقوا في بلدانهم ويتعاملوا مع واقعهم بعقلانــــــية. ثم أن هناك مجال واسع لتربية الجماهير وارشادها وتوجيهها، وهذا يتطلب جهدا ربما فاق الجهد المبذول في العمل السياسي. والقضية الاهم أنــــنا لسنا في حاجة، على الاقل في الوقت الراهن ، الى الدخول في مواجهة مع الدول الغربية القوية لأن امكانياتنا محدودة جدا بينما هي تمتلك العلم والتكنولوجيا والاموال والاسلحة وقوة القرار السياسي. وما دامت كل الانظمة العربية خاضعة للغرب، فان المصلحة تقتضي التعامل بحذر مع هذا الغرب ومع نموذجه الغربي في الديمقراطية والتسيير السياسي.
5- ما بعد الاسلاموية
Post-islamismeما بعد الاسلاموية مصطلح استعمله اول مرة أوليفيي روا
و جيل كيبل، ثم شاع بين الباحثين في موضوع التيارات والحركات الاسلامية للحديث عن ما بعد الاسلام السياسي وما بعد العمليات الارهابية. المصطلح وجد قيمته بعد احداث الـ11ايلول/سبتمتبر وجاء تعبيرا عن فشل الاسلوب المنتهج حتى الان في مواجهة السلطة.وانتقال المواجهة منذ الـ11سبتمبر الى الغرب ا فضل دليل على فشل المشروع الاسلاموي-برأيهم- في العالم العربي والاسلامي. لكن القسم الثاني من ما بعد الاسلاموية هو الجانب السلمي والذي ضاع الاهتمام به في غمرة صدى الاحداث الاخيرة الدامية، وا رى الكثير من الباحثين لم يعطوه حقه من البحث. فالحديث عن ا بن لادن لا يجب ان ينسينا ان هناك الاخوان المسلمين مثلا و الذين لهم مكانهم على الحلبة السياسية وهم طرف مهم في الحقل السياسي في مصر حتى و لولم يدخلوا الانتخابات. نحناح في تقديري فهم ذلك حين تحدث في اكثر من مناسبة عن مسألة المشاركةوالتي تعني وتشترط قبول الاخر. كان ذلك سبقا غير معهود في تاريخ الحركات الاسلامية، وربمـــا كنا نحتاج الى كل هذا الوقت لفهم اهمية ذلك النوع من الخطاب، لكن التجربة ذاتها تكررت في تركيا مثلا. فالتكفير والاتهام بالردة والالحاد وغــــــير ذلك من المواصفات يقل في خطابات نحناح ويعوض بمفردات السلم والتعايش ، وفي حملته الانتخابية بدا في صورته يحمل وردة وخلفه شعار يدعو للسلم، ولا حديث في كل ذلك عن الاسلام والدولة الاسلامية. الاسلاميون الجدد يدخلون الميدان السياسي ويساهمون في تشكيل الحكومات وتنتهي الدهشة : انهم مثل الاخرين تماما ، لهم ما لهم وعليهم ما وعليهم.
6- دمقرطة الاسلام ام دمقرطة الاسلاميين ؟
لا اناقش هنا قضية حكم الاسلام في الديمقراطية والتي لا ارى الادلة كافية لدحضها، كما لا اناقش حكم الديمقراطية في الاسلام. غير ان هذه المسألة بالفعل مثيرة للجدل . فقد كان الجـــــدل قا ئما حول قبول الاسلام للديمقراطية وشاع القول بان الديمقراطية كفر وتقليد اعمى للغرب. لكن الاحداث أثبتت ان النقاش الذي لم يكن واقعيا عاد الى وا قعيته بمجرد ما قبل ادخال الاسلاميين في اللعبة الديمقراطية. نحناح مثلا وهو زعيم المعارضين المتشددين من قبل ادرك ان الديمقراطية لا تتعدى كونها وسيلة لتحقيق غاية مهمة وهي التعايش والسلم والتنا وب على كرسي الحكم والذي هو من اصول الاسلام. فالمسألة في ملخصها ان الاسلاميين الذين كانوا لا يؤمنون البتة بالديمقراطية كانوا-لو ادركوا- في أمس الحاجة ا ليها على الاقل مرحليا. وقد صاروا يدركون قيمتها ويدا فعون عنها بمجرد وجودهم في الحكم لانها الضمان الوحيد لوجودهم هناك. كما ادركوا ان الحديث عن كون الديمقراطية تمس الاسلام في اصوله لا يستند على اساس علمي مادام من في الحكم قد وصل اليه بالديمقرطية ولا يزال وهو في منصبه اسلاميا يحتفظ بلحيته وربما بزيه وقبلهما بافكاره. والغريب العجبيب ان حديث كفر الديمقراطية في كثير من انحاء العالم العربي ينتهي بمجرد وصول اصحابه الى مناصب القيادة، أي ان الديمقراطية كفر لاننا لسنا في الحكم فاذا وصلنا الحكم لم تعد الديمقراطية كفرا. ولو فهم الكثير من الانظمة العربية هذا لتجاوزنا الكثير من الجدل القائم ، وضيـــقـنا العديد من بؤر الخلاف. والمستقبل سيشهد دخول الكثير من الاسلاميين مناصب الحكم في عدد من جها ت العالم العربي، وهذا جميل لكنه سيفتح شرخا مفتوحا مسبقا مع الفصائل الاسلاموية التي لا تؤمن بالحل الديمقراطي وتفضل المواجهة والعنف. والباحثون يؤكدون ان لا مستقبل لهؤلاء ما داموا مرفوضين في بلدانهم العربية اولا، ثم في الدول الغربية مؤخرا والتي تلاحقهم وتشدد عليهم وتراجع قوانينها الديمقراطية وقوانينها للهجرة والاقامة للتضييق عليهم.
7- الشورقراطية : موقع جديد للاسلاميين
المصطلح الذي يحتفظ الشيخ نحناح ببراءة اختراعه يلخص الايديولوجية الجديدة للاسلام السياسي. لقد جاء المصطلح اجابة على الجدل المطروح من قبل والى اليوم حول كفر الديمقراطية وتناقضها الصارخ مع مفهوم "الشورى" في القرآن. ..... والذين يحكمون بكفرها يعتمدون عل اصل نشأتها، فهي نتاج حضارة غربية ذات أصول يونانية وكل هذا يتناقض مع مفهوم الاسلام للحكم. لكن في كل هذا لا تتم مناقشة الامور بروية وتعقــل. فاذا كانت الديمقراطية جهدا بشريا وضعه اصحابه لتسيير مصالحهم الدنيوية فآن الفقه السياسي الاسلامي في كثير من جوانبه هو أيضا جهد بشري. واذا كان رفضها كاعتقاد يمكن ان يكون مقبولا بالنسبة للمسلم، فآن رفضها كواقع صعب قبوله. ان المسلم لا يستطيع اليوم ان يرفض السيارة والتلفزيون والانترنت وو..وهي ادوات جاعت من الغرب تماما مثل فكرة الديمقراطية. لكن التعامل معها يسمح، وفي اطارها دائما،بالاستفادة منها لتسييرها عبر افكارنا ومشكلاتنا الخاصة بنا. نحناح كان لا يرى تناقضا بين الاسلام والديمقراطية أبدا، على الاقل في الجانب العملي من الديمقراطية. فاذا حققت لنا الديمقراطية مبدأ الحرية والامن المشاركة السياسية والتداول على الكرسي فآن ذلك من صميم الاسلام. والاسلام يستفيد من تجارب الاخرين كما رأينا عمر بن الخطاب يستفيد، في وقت ما، من النظام الاداري الروماني مثلا. هل سنحكم بكفر عمر ام بكفر ما اقتبسه وأثبتت الايام نجاعته ؟! وتاريخيا لقد عجزت الكثير من الدول التي قامت على أساس الدين في تحقيق العدالة، ولذلك قال ابن تيمية في السياسية الشرعية ان الله قد ينصر الدولة العادلة ولو كانت كافرة ولا ينصر الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.... 8- ما بعد الاسلاموية والتسامح :
مصطلح(Post-islamisme)مابعد الاسلامويــــة تردد في كتابات جيل كيبل و أوليفيي روا ، وهو المفهوم الذي يتحدث عن حالة الاسلام السياسي الذي اختار العنف وسيلة للتعبير عن ارائــــه. هذا التيار لما عجزعن تحقيق اهدافه في الدول العربية التي نشأ فيها اتجه الى اوربا وامريكا باعتبارها القوى التي تؤيد وتساند الانظمة العربية الفاسدة والمتهمة بالعمالة.الفشل في العالم العربي لحقه فشل في اوربا وامريكا، ومعنى ذلك ان الاسلام الذي يستعمل العنف اصبح مطاردا في كل مكان وهذا وحده كاف لرؤية الفشل القاتل الذي منيت به الحركات الاصولية. لكنني على خلاف كيبل وروا ، أحب ان اتحدث عن الشق الثاني في الاسلام، ذلك الشق الذي لا يرى العنف وسيلة ناجعة، ويؤمن بان الديمقراطية حتى ولو لم تكن من الدين فانها بالامكان ان تحقق اهدافا هي من صلب الدين. فاذا اعطتنا الديمقراطية الامن والاستقرار لا يستطيع العقل ولا النقل ان يرفضها. التجربة التي اتحدث عنها هنا مهمــــة اذا استقرأنا مسيرة الاخوان المسلمين مثلا. وستكون اهم عندما نتأمل تجربة نحناح الذي حقق وهوالخاسر في انتخابات1991 انذاك ما لم تحققه الكثير من الاحزاب الفائزة. وبقي من ذلك التاريخ تقريبا الى اليوم حاضرا وممــــثَلا في كل الحكومات. اذا اعتبرنا أنه لن يكون هناك مستقبل للاسلام الذي ينتهج العنف وسيلة للتعبير في ظل الحصار المعلن عليه والمطاردة المستديمة لأعضائه، فان هذا النوع الثاني من الاسلام يمكن له في المستقبل ان يحدث الكثير من المفاجآت ويصل الى اكبرقدر من النجاحات. الاسلاموية المتسامحة تحضر الان وتشارك في السلطة في كثير من مناطق العالم الاسلامي ، من الجزائر الى تركيا الى مصر، وهي في أحيان كثيرة أكثر ديمقراطية من الديمقراطيين أنفسهم، وتجربتها في رأيي هي التجربة الجديرة حالياومستقبلا بالقراءة والتأمل.. ________ ROUINI Bachir, Post-islamisme pacifique, Le cas de Mahfud Nahnah en Algérie.- .
#البشير_رويني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كيف وقعت أحداث لندن ؟
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|