|
آلية الحرب الفكرية
حامد الشريفي
الحوار المتمدن-العدد: 4688 - 2015 / 1 / 11 - 22:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
آلية الحَرب الفِكرية
اليوم ، الكل يتحدث عن ضرورة الحرب الفكرية على داعش الى جانب الحرب التقليدية ، ولكننا لم نسمع شيئاً عن آلية تلك الحرب .
كون امريكا عرفت من خلال تجاربها الفاشلة خلال السنوات الماضية ، ان ضرب العصابات الارهابية لوحده كانت نتائجه عكسية وأدت الى زيادة في اعدادهم ، وكذلك زيادة في حواضنهم بسبب تعاطف الشعوب المسلمة المحرومة معهم ، لذلك بدأت بالتفكير بضربهم فكرياً وعقائدياً .
فهي تضرب القاعدة لاكثر من ثلاثة عشر عاماً في افغانستان واليمن والصومال وباكستان ، والنتيجة هي وليد جديد اسمه هذه المرة داعش ، الذي هو اكثر شراسة وضراوة وارهاباً ممن سبقه من المسميات العديدة كطالبان والقاعدة والنصرة وجندالله وغيرها، المشتقة من ذلك الارهاب الديني .
فمن اجل ضرب الفِكر بفِكر مغاير ، يجب ان نكون محيطين تماماً بذلك الفكر العدو ، من خلال فهم حقيقي ناتج عن دراسة معمقة له ، وبعكس ذلك سنخسر هذه الحرب ايضاً .
ما هو فِكر داعش ؟
فكر داعش ببساطة هو الشريعة الاسلامية التي يستمدونها حرفياً ونقلياً من القرآن الكريم ، لتتغوَل تلك الشريعة عندهم على باقي العقائد الاسلامية الاخرى ، اذن فهم مسلمون ومصدر تشريعهم هو القرآن .
نحن اليوم احوج الى طبيب ليساعدنا على القضاء على خلايا تنموا بشكل كبير على حساب خلايا اخرى ، من خلال علاج فعال يُحَجم تلك الخلايا المتسرطنة التي تريد القضاء على الاسلام الحقيقي .
سؤال يطرحه الكثير ، ماهو الاسلام الحقيقي ؟
الاسلام الحقيقي هو الاسلام المتكامل والشامل لهذه الاحكام الثلاث بالتساوي .
1- الالهيات ( العقل ) 2- المعاملات ( القلب ) 3- الشريعة ( العضلات )
عندما تسير تلك الاحكام الثلاثة معاً وبصورة متوازنة نحصل على دين متكامل وصحيح ، وهو الاسلام الحقيقي الذي يمكن ان يكون دستوراً لحياة المسلمين جميعاً على مدى الازمان .
مَثّلنا الالهيات بالعقل كونها مجرد تفكير بحت في شؤون الخالق ، ومَثّلنا المعاملات بالقلب كونها مجرد علاقات البشر فيما بينهم مبنية على الاحاسيس والمشاعر ، ومَثّلنا الشريعة بالعضلات كونها لا تفكر ولا تحس ، فهي مجرد سيف لتنفيذ العقوبات .
فالعقل والقلب هنا ، يعملان كصمام أمان من سطو تلك العضلات المسلحة والفتاكة ، دون السماح لها من ان تتغول عليهما كما هو حاصل اليوم بسبب خلل في النمو .
اذا كان كارل ماركس اعتقد آنذاك بأن الدين هو افيون الشعوب ، فالكثير يراه اليوم قنبلة هيروشيما الشعوب .
في الدول الاسلامية المتطرفة والمنتجة للارهاب ، نجد جيوشاً من الجهلة والرعاع من العاطلون عن العمل يُحَفِظونهم القرآن بلا فهم مقابل اجور مادية ومعنوية ، وذلك من اجل تجميد وتعطيل عقولهم كي لا تفكر او تبدع ، علماً بأنه لا يوجد نص قرآني يحث على حفظ القرآن .
فنجد الشاب يحفظ آيات تقول جاهد وقاتل الكفار والمشركون الخ. من دون شرح للتأويل الذي هو في اغلب الاحيان مغاير تماماً للنص ، اي لا يغذون لديه العقل ولا القلب سوى العضلات .
إسلام اليوم الذي تغولت فيه تلك الشريعة التي نسبتها من الدين هي الثلث ، وبسطت نفوذها على الثلثين الاخرين الالهيات والمعاملات ، هو النسخة المشوهة من الاسلام الحقيقي ، والتي هي غاية في الخطورة على بني البشر ، وبعيدة كل البعد عن القيم الحقيقية التي اتى بها الدين المحمدي الحنيف .
وكذلك يسمى فكر داعش "بالاسلام السياسي" الذي يكون خال من كل رحمة وعقل ، وهو من فتك بالنسخة المحمدية الاصلية .
اذن يمكننا استنتاج ما يلي :
فكر داعش او الاسلام السياسي هو نسخة مشوهة من الدين تكونت بسبب ما ذكرناه .
فمن اين تبدأ الضربة الفكرية ؟
الحل الجذري والنهائي هو ليس بضرب اي شئ على الاطلاق ، بل هو صياغة اسلوب جديد لفهم القرآن الكريم ، وهذا الاسلوب اساسه القرآن الكريم نفسه .
القرآن الكريم ليس بالكتاب البسيط والسهل الفهم على الاطلاق ، ففيه الظاهر والباطن والمحكم والمتشابه والناسخ والمنسوخ ، وفوق كل ذلك فيه التأويل الذي قال فيه تعالى لا يعلمه الا هو ، من خلال الاية الكريمة ،
بسم الله الرحمن الرحيم وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ، اذن فهناك تأويل لكل آية فيه يعلمها الله تعالى ولا نعلمها نحن ، فكيف وصل المفسرون الى تلك التفاسير التي يضرب بعضها البعض ؟
اذن فالقراءة الخاطئة للقرآن هي من انتج داعش ومن قبله تيارات دموية كثيرة ، وبالتأكيد ستنتج في المستقبل المزيد من التطرف والتشدد والاجرام .
فهناك آيات كثيرة تبدوا للكثيرين انها تتناقض فيما بينها ، خصوصاً في ما يخص الكافرين والمشركين واهل الكتاب ، هناك تخبط واضح عند المسلمين من هو المشرك ومن هو الكافر ، وهل ان اهل الكتاب من ضمنهم ام فقط البوذيون والهندوس والسيخ ؟ والتي يعتبرها المفسرون بأنها لا تعبد الله .
ومهما تكن تلك الديانات فنحن متخبطون حول التعامل معها ، هل يشملهم القتل والسبي ام الجزية ام التسامح ؟ ومتى نطبق آيات التسامح الديني مثل لكم دينكم ولي دين ، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
اتفق جميع المسلمين على ان القرآن لا يخص زمناً محدداً بل هو لكل زمان ومكان ، وهذا الامر لا يتحقق الا من خلال التأويل فقط ، خصوصاً تأويل آيات القتل وقطع الاعناق وشد الوثاق والجزية وهم صاغرون الخ.
تلك الايات التي تُدَرّس للشباب في مدارس القرآن من دون تأويلها الصحيح ، انتجت لنا هذا التطرف الدموي المقيت الذي اضر بالمسلمين قبل غيرهم .
ما يخص التفسير ، على سبيل المثال لا الحصر :
قال تعالى ؛ فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ .
فمن هُم اولائك الكُفار الذين حض الله المؤمنين على ضرب رقابهم وشد وثاقهم ؟ وخيَّرَ المؤمنين فيهم بين القتل والاسترقاق او مبادلتهم بأسرى ، هل من المعقول ان يكونوا بشراً مسالمون ونافعون ولكنهم مسيحيون او يهود او بوذيون مثلاً ؟ ومن هم المؤمنين المقصودين في تلك الاية الشريفة وفي كل آيات القرآن الكريم ؟ هل من المعقول ان يكون اولئك القتلة من الطغاة ومتعطشي الدماء كون هويتهم الاسلام المحمدي ؟ فهاذا سوء ظن كبير بالخالق تعالى وهذا هو الكُفر بعينه . كان هذا احد التفاسير الاسلامية للاية القرآنية !! اليس هذا بالضبط ما تفعله داعش ؟
وهنا اود الاشارة الى ظهور بعض التوافه من المعممين في السنوات القليلة الماضية ، الذين طعنوا بصحة القرآن وبأصل الدين الاسلامي برمته ، والذي ادى الى مزيداً من التعصب كون القرآن يشكل دستور الحياة المكتوب لاكثر من مليار مسلم .
لذلك يجب ان تتضافر الجهود الدولية ، ليس من اجل الضرب والحصار الاقتصادي ، الذي لم ينتج عنه كما اسلفنا سوى المزيد من التجنيد لذلك الارهاب العالمي والتعاطف معه ، وبالتالي حواضن شعبية واسعة لرعايته ، بل للعمل على تبني مشروع بحثاً معمقاً وواسعاً في علم التأويل الحديث ، والذي يجعل القرآن يتماشى مع كل زمان .
ومن اهم واكبر الدول الاسلامية المعنية بالامر ، هما ايران والسعودية كونهما من الدول الغنية والمتشددة اسلامياً ، احداهما شيعية والاخرى سنية ، وبما ان نسبة الشيعة في العالم قليلة اذا ما قارناهم بالمسلمين السنة ، لذلك فحركاتهم المتشددة والمتطرفة نسبتها اقل ايضاً .
ولا ننسى بأن ايران تُعتَبَر دولة مارقة ومخالفة للقوانين الدولية ، برأي امريكا وكثير من دول العالم الحُر ، لذلك لا يمكن الاعتماد عليها .
فاملنا الوحيد يبقى بالمملكة العربية السعودية لاسباب كثيرة ، اهمها كونها هي المصدر لذلك التشدد والتعصب ، المتمثل بمذهبهم الوهابي الذي تتبناه العائلة المالكة ، والمشتق من الفكر المتشدد لابن تيمية .
والتي بذخت تلك العائلة الاموال الطائلة لنشره في اغلب دول العالم الاسلامية ، بل حتى في اوروبا وامريكا واستراليا وكندا والهند ودول افريقيا ، وهو نفس المذهب الذي تبنته القاعدة والنصرة وداعش وباقي الحركات الاصولية والسلفية الجهادية .
والسبب الثاني هو انفتاحها على الغرب وعلاقتها الدولية المتميزة ، وكذلك امتلاكها للمال والسطوة والنفوذ على الكثير من الدول الاسلامية ، لذلك نطالبها بالعمل الجاد والحثيث لتغيير ذلك الفكر الهدّام الذي فشل العالم كله في القضاء عليه ، ومن خلال تبني مشروع التأويل الصحيح للقرآن .
#حامد_الشريفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
خير لباس لباس اهل زمانه
-
الكيمياء والتطرف الديني
-
يا اوباما ، من يتغوط في الطرقات هو المسؤول عن تنظيفها
-
العبادي والعصا السحرية
-
الجِزيّة في الميزان
-
طوبى للمهاجرين ..
-
الفايروسات الدينية .. سلاح خاسر
-
انتخابات العراق 2014 .. تحليل بسيط
-
علاقة العراق مع اسرائيل .. سترى النور قريبا !
-
بغداد والمندوب السامي
-
الاسلام السياسي يعود ديموقراطياً
-
الحج .. ما بين العبادة والتجارة
-
حرب اكتوبر .. دروس وعبر
-
متى تبدأ الخطة العربية باء
المزيد.....
-
القائد العام لحرس الثورة الاسلامية: قطعا سننتقم من -إسرائيل-
...
-
مقتل 42 شخصا في أحد أعنف الاعتداءات الطائفية في باكستان
-
ماما جابت بيبي..استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي وتابعو
...
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|