أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الشربيني عاشور - الله الغاضب على المصريين














المزيد.....

الله الغاضب على المصريين


الشربيني عاشور

الحوار المتمدن-العدد: 1311 - 2005 / 9 / 8 - 07:29
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


كنت أعمل في دولة عربية شقيقة عندما ضرب الزلزال مصر عام 1992 ، وذهبت أصلي الجمعة فإذا بخطيب ( ولد ) يصعد المنبر عندما تأملته استرجعت تلك الشخصيات التي قدمتها السينما المصرية لكفار قريش : وجه عابس وعينان تقدحان شررا وحقدا ولحية شعثاء منفرة أما الجزء المكشوف من رجليه أسفل الثوب الذي بالغ في تقصيره فكان القرف بعينه .. باختصار بني آدم لا أشتريه من سوق النخاسة بدرهم أو بدينار !

وبعد أن بسمل وحمد وأثنى على الله ورسوله إذا به يدخل في موضوع الخطبة فماذا قال هذا التافه قال إن ذلك غضب من الله على الفسق والفجور الذي يعيشه إخواننا المصريون بأفلامهم الخليعة وراقصاتهم ونسائهم الكاسيات العاريات .. وواصل ذلك الولد الخطيب تحليلاته الموغلة في الجهل والشماتة وقلة الأدب إلى أن ختم بالدعوة إلى الرجوع إلى الله ثم عقب سريعا بالدعاء الذي كان مقررا في كافة مساجد هذه الدولة الشقيقة في ذلك الوقت وهو نصرة المجاهدين في أفغانستان . وهو دعاء كان يلتهم خمس دقائق من نهاية كل خطبة.

لم أنس صورة هذا الخطيب الجلف الجاهل ولم أنس هذا الموقف وكنت أسخر في نفسي طيلة الخطبة بأن أبسط فلاح مصري لم يدخل الكتاب ولم يتعلم كيف يفك الخط يمتلك وجدانا دينيا أعمق وأكثر إنسانية ورأفة ورحمة بالناس من ذلك السطحي المتخلف الذي ينتعل فكر البداوة عقله وضميره والذي عينوه ليؤم الناس في الصلاة ويخطبهم في المساجد وينشر بينهم جهله وحقده ودمويته من على المنبر مصحوبة بتشنجات جسده ونبرات صوته الممتلئ بالوعيد والتهديد والرعب .

ولأيام ظللت أتعجب كيف يمكن أن يشمت مثل هذا المدعي بأنه مسلم حقيقي من شعب مسلم آخر في نكبة قدرية لها ما يفسرها علميا . بدلا من أن يواسيه ويدعو لمؤازرته في محنته !! ووجدتني أنساق وراء تساؤلاتي عن الله الغاضب من شعب مصر لماذا لم يغضب من الشعوب الأخرى بما فيها شعب هذا الخطيب الجاهل على ما فيه من فسق وفجور ظاهر ومستتر إذا أخذنا بمنظور هذا الخطيب الجاهل . لماذا لا يعاقب الله إسرائيل بزلزال يمحوها من الأرض بدلا من تركها تعيث نكالا وتقتيلا في إخواننا بفلسطين . ألف لماذا .. وليس إلا إجابة واحدة هي الحكم بجهل وضحالة هذا الولد التافه الذي عينوه خطيبا وإماما .

تذكرت هذه الحادثة وأنا أقرأ عن الشماتة التي يبثونها وينشرونها اليوم بمناسبة إعصار كاترينا وتذكرت موقفا حدث لي مع أبي رحمه الله وكنت طفلا صغيرا وكان أبي لا يحب شيئا اسمه عبد الحليم حافظ ويعتبره مسئولا عن إفساد الشباب والأغنية الطربية وكثيرا ما كان يطلب منا إغلاق الراديو أو التليفزيون إذا كانت الأغنية أو كان الفيلم لعبد الحليم .. ويطالبنا بسماع محمد عبد الوهاب أو أم كلثوم ورياض السنباطي .

وحدث أن مات عبد الحليم حافظ فعدوت إلى أبي كي أعلمه بالخبر ظنا مني أن ذلك شيء سيفرحه فإذا به يحزن ويحوقل ويهتم مما زاد ارتباكي .. فقلت : ألست تكرهه ؟! فقال الرجل الذي لم يتلق سوى تعليمه الابتدائي لكن عقله نما في بيئة صحية تفرق بين الاختلاف في الرأي والخلاف على الشخصية وتفرق بين الصراع والمواجهة بشرف وبين المصائب التي تصيب الناس : يا بني .. أيا ما كان فانه مصري ثم انه واحد من المسلمين . ثم دعا له بالرحمة والمنزلة الحسنة عند رب العالمين !

أدقق في كلمات أبي فإذا هي الدرس الإنساني العظيم واسترجع صورة الخطيب الجاهل وهو يرعد ويزبد بالغل والحقد وأقرأ وأسمع ما يردده البعض الآن عن إعصار كاترينا فإذا هي شماتة في غير محلها وسلوك غير أخلاقي لا يجب أن يصدر عن أناس يدعون الإيمان والتدين فضلا عن تسويقه على أنه انتصار الهي .. وتفسيره بما يكرس لمزيد من الجهل والتسطيح والتخلف وكأن الله راض عنهم وعن شعوبهم وساخط على هؤلاء المساكين الضحايا الذي ذهبوا نتيجة لهذا الإعصار .

ثم أتساءل ألا يكرس الإسلام ثلاثة أنواع من الأخوة بين بني آدم وهي أخوة الإيمان وأخوة الدم وأخوة الإنسانية وهذه الأخيرة يدخل فيها عموم الناس على اختلاف مشاربهم وألوانهم ومعتقداتهم ألسنا لآدم وآدم من تراب كما يؤكد المفهوم الديني .. لماذا إذن يتجاهلون ذلك ويقتطفون من حديقة الدين ما ينفر ويعمق القسوة والخلاف والغلظة بين الناس . لماذا يتجاهلون ما يغذي قيم التسامح والعدل والرحمة ويرفع من شأن التقدم والتحضر والمدنية ؟ ..

في اعتقادي ليس إلا النرجسية الدينية الجريحة كما يوصفها المفكر الكبير العفيف الأخضر والتي عجزت عن إثبات ذاتها في التقدم والحضارة والمدنية فانكفأت على العنف والإرهاب والغل الذي لا ينتج إلا تشفيا ودموية وعالما متجهما خاليا من الوسامة لا يكسب إلا التعتيم والقتامة كما يقول شاعرنا صلاح عبد الصبور . وتلك كارثة الكوارث التي تفوق كاترينا في همجيته ومأساويته.










#الشربيني_عاشور (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حوار مع الشاعر عبد الرحمن الأبنودي : هزيمة الحلم هي خبرة الأ ...
- من دفتر العشق والذاكرة 1
- لعنتة B.B أو ما يشبه السعادة
- مشكلة المنابر والخطاب التنويري
- وهل اعتنقنا الأسلام أولا .. حتى نرتد عنه ؟
- رئيس تحرير وهابي ارهابي متعجرف


المزيد.....




- كرادلة الكنيسة الكاثوليكية يجتمعون في روما لانتخاب خليفة للب ...
- الخطاط المبدع “علي عاشور” رحل تاركًا نبضات قلبه مزركشات وزخا ...
- قرابة 300,000 شخص ألقوا نظرة الوداع الأخيرة على نعش البابا ف ...
- بالصور: فتح أبواب كاتدرائية سانتا ماريا ماجوري أمام الجمهور ...
- لقاء ترامب وزيلينسكي في الفاتيكان.. لمن كان الكرسي الثالث؟
- ساكو بشأن -الترشيح- لمنصب البابا الجديد: تكهنات.. وعلى الكني ...
- السلطات الأردنية تعتقل قياديا بارزا بجماعة الإخوان المسلمين ...
- نتنياهو: رفض الاعتراف بالدولة اليهودية هو سبب النزاع القائم ...
- نتنياهو: الحاجز الأكبر أمام تحقيق السلام هو رفض الفلسطينيين ...
- آلاف الكاثوليك يتجمعون في ساحة القديس بطرس حدادا على البابا ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الشربيني عاشور - الله الغاضب على المصريين