|
قراءات في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا (2)
عادل صوما
الحوار المتمدن-العدد: 4687 - 2015 / 1 / 10 - 20:53
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
عندما تمسك معاوية بن ابي سفيان بالخلافة، اشتد الصراع السياسي الاجتماعي سعيا للوصول الى الحكم. ومن المتفق عليه بين كل المؤرخين العرب والمسلمين ان معاوية حارب لتأسيس دولته وجعل الخلافة فيها وراثية، ولم يذكر احد ان معاوية حارب داخليا لرفعة شأن الدين. استخدم معاوية السيف والخديعة والرشوة في تمسكه وسعيه للخلافة لتأسيس مملكته وجعلها وراثية، وحارب مسلمين مثله؛ مسلمون اقاموا الاسلام ودولته مع النبي محمد، عندما كان هو جاهلي غير مسلم فى ذلك الوقت. وفي هذا الصراع السياسي البحت، ارتدى كل فريق زيا دينيا اسلاميا، وكانت بدعة وحيلة الاستناد الى السنة النبوية والاحاديث، وليس القرآن الذي جمعه ودوّنه الخليفة عثمان بن عفان، ويستحيل تغيير آياته أو اضافة حرف عليها. القرآن المصدر الاول في الاسلام والتشريع والفقه. وكانت بداية هذه الوسيلة الخطيرة عندما نسب معاوية وردد فقهاؤه حديثا موضوعا غير صحيح للنبي. قال بن ابي سفيان للناس: والله ما اردتها لنفسى، يقصد الخلافة، لولا اني سمعت رسول الله يقول: يا معاوية ان حكمت فاعدل. التراكم الثاني حدث الامر نفسه مع ابنه يزيد، واصُطنعت ووضعت احاديث لفرض يزيد خليفة على المسلمين. ومن المرجح ان هذا الامر هو الذى حث الدكتور طه حسين، ان يطالب بمراجعة كل الشعر العربي في العهدين الاموي والعباسي، لعدم اتساق مفردات الشعر المنسوب لتلك الفترة من اشعارها الى المفردات اللغوية في ذلك العصر. لم يكن الامويون وحدههم من واضعي الاحاديث النبوية، بل تفوق العباسيون عليهم في وضعها. فعندما اتوا على رماح فارسية وبقوة عسكر موالي العراق فى بغداد (على محبي الاستزادة قراءة ثورة الموالي وكيف اخمدت) و هزموا بني امية بحد السيف ودعم الموالي في صراع اجتماعي سياسي لا شأن له بالدين، انتقموا من الامويين أشد وأعنف انتقام وطاردوهم أعنف مطاردة، وفرضوا الثقافة الفارسية، لغة وتقاليد وثقافة، على هؤلاء البدو، كما اسموههم. ولم يقتصر انتقامهم على الامويين فقط، بل امتد الى كل العرب. وهذا يفسر سر انتشار كل الحركات الباطنية ذات التوجهات السياسية مثل القرامطة وغيرهم في ذلك العصر. واصبح الموالي هم سادة بغداد، حتى ان المتنبي قال في شعره: واصبح الفتى العربى فيها غريب الاهل و اليد واللسان ملاعب جنة لو سار فيها سليمان لسار بترجمان ولكي يستتب وضع العباسيين في الدولة الجديدة، ويتسق مع الفكر الاجتماعي السياسي المكون لها، تم وضع احاديث نسبوها الى النبي محمد، تبرر سلطانهم وتقليدههم للسلطة. قالوا: ُسئل رسول الله عن الاية "وان تتولوا نول قوما غيركم..." من هؤلاء القوم يا رسول الله؟ فوضع يديه على منقبي سليمان الفارسي قائلا: هذا الفتى ورهطه، والله لو كان الايمان منوطا بالثريا لناله قوم من فارس. في ظل هذا الصراع الاجتماعي السياسي، تبارت الاطراف في نسج أو اختراع أو وضع الاحاديث المنسوبة الى النبي محمد، حتى ان البخاري جمع ستمائة ألف حديث، وبعد الفحص والتدقيق والمراجعة والتوثيق، لم يصح لديه ووثقه في صحيحه سوى ثمانية الاف حديثا فقط . كان بعضها مكررا، بمعنى ان روايته وردت بأكثر من نص بمضمون واحد. ومن المعروف ان صحيح البخاري من الكتب المعتمدة، عند كل طوائف المذاهب الاسلامية. التراكم الثالث قال ابن الأثير فى كتابه الجزء 3 الصفحة 77: " ولقد افسح المجال لكثير من المنافقين ان ينفثوا سمومهم مثل عبد الله بن سبأ الملقب بابن السوداء،الذي قال بالرجعة، أي رجوع الرسول. وقال: العجيب ممن يصدق ان عيسى يرجع ويكذب ان محمدا يرجع. وقال تعالى: ان الذي فرض عليك القرآن لرادك الى معاد. ومحمد أحق بالرجوع من عيسى. ثم قال: "انه كان لكل نبي وصي وعلي وصي محمد، ومحمد خاتم الانبياء، وعلي خاتم الاوصياء." من اخطر الامور التى خرجت من ثنايا تدّيين السياسة، واصبحت مع عرف تداولها قاعدة، لا يجوز مناقشتها أو بحثها كأنها قاعدة شرعية واردة فى القرآن نفسه مصطلحات مثل: جماعة المسلمين. هذا التعبير موجود منذ ايام وعصر النبي نفسه، والمقصود به تمايز المسلمين الذين نطقوا بالشهادتين؛ اشهد ان لا اله الا الله وان محمدا رسول الله، عن الذين انكروا الدعوة وحاربوا الرسول والدعوة والنبوة. رغم وضوح المعنى والمقصود من مصطلح "جماعة المسلمين" ايام النبي محمد، وفي ظل الصراع السياسي الاجتماعي على الحكم والسلطة والامساك بزمام الامور القيادية، زعمت كل جماعة من جماعات الصراع انها هي "جماعة المسلمين"، والاخرين خارج ملة الاسلام ، ونعتوهم بالكفر. وقد نحت حسن البنا كلمة "الاخوان" عوض عن "جماعة" ليمّيز جماعته عن بقية المسلمين. هناك ايضا مصطلح "اهل الحل والعقد" ويعني باختصار شديد: هم صحيح الدين والعقيدة والباقون ليسوا في قلوبهم عقيدة أو دين، من خالفهم خالف صحيح الاسلام ومن فارقهم فارق الاسلام. وقد وردت هذه الجملة لأول مرة فى كتاب "الاحكام السلطانية" للامام المواردي المتوفي 400 هجرية. ومن المعروف لدى معظم باحثي التاريخ الاسلامي أن المواردي لا يُحسن العربية، رغم ان المرجعية المفروضة فى هذا الامر هي القرآن والاحاديث، وهما باللغة العربية، ولم تكن الاحاديث او معاني القرآن قد ترجما للغات اخرى ايامها. ظهر من فقهاء المسلمين الذين دخلوا اللعبة السياسية موالون لأي خليفة أو سلطان، فجعلوا للسلطان الخضوع والولاء التام الذي يصل لدرجة التقديس الذي تماثل سلطة روما وصكوك الغفران الشهيرة، وسلطة كهنة عهود التفتيش الجهلاء، وملوك اوروبا الذين كانوا في فلك الكاثوليكية. ذكر الطرطوشي في كتابه "سراج الملوك" ان: "الله سبحانه وتعالى جبل الخلق على عدم الإنصاف. فمتى لم يكن سلطان قاهر، لم ينتظم لهم امر، ولم يستقر لهم معاش. ومن الحكم التي وردت في إقامة السلطان انه من حجج الله على وجوده سبحانه ومن علاماته على توحيده. العالم بأسره في سلطان الله كالبلد الواحد في يد سلطان الارض". ومن اجل تلك النظرة السياسية البعيدة تماما عن الدين مجّد الطرطوشي صراحة القهر والاستبداد فذكر في "سراج الملوك" الباب السابع الصفحة 156: "كذلك السلطان اذا كان قاهرا لرعيته كانت المنفعة به عامة. وكانت الدماء محقونة والحرم في خدورهن مصونة والاسواق عامرة والاموال محروسة". تلك المقولات التي ابدعها فقهاء السلطان وجعلوا الصفوة الحاكمة تنتهجها في عصور ماضية، للاستفادة منها في صراع سياسي اجتماعي، تلقفتها وتبنتها بكل امتنان الجماعات الحديثة المستفيدة من الاسلام سياسيا، وقولبوها على صورة عصرنا ومثالهم، فرفضوا سلطة سلاطين الجاهلية وخرجوا عليهم، لأنهم هم "جماعة المسلمين" و"اهل الحل والعقد"، واضفوا عليها مبدأ السمع والطاعة، وتباروا بدون أدنى تورع باستخدام فقه الدين لأغراض سياسية بحتة، واصدار الفتاوى في وسائل الاعلام الفضائية والارضية كافة، لبث الرعب في نفوس خصومهم السياسيين، واباحة هدر دم من يقف في طريقهم، لأنهم يتحدثون باسم الله، ومن يستطيع ان يقول لا لمن يمتلك هذه القوة، وبيده سلطان السموات والارض.
للموضع صلة
#عادل_صوما (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءات في فقه المستفيدين من الاسلام سياسيا
-
التنويريون والمرأة اعداء المستفيدين من الاسلام سياسيا
-
إذا كان الله لا يخاف فالبشر يخافون
المزيد.....
-
شاهد: لحظة إطلاق سراح الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود وتسليمه
...
-
تسليم الأسيرة الإسرائيلية أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يو
...
-
تردد قناة طيور الجنة الجديد على القمر الصناعي النايل سات وال
...
-
مستعمرون يقطعون أشجار زيتون غرب سلفيت
-
تسليم رهينتين في خان يونس.. ونشر فيديو ليهود وموزيس
-
بالفيديو.. تسليم أربيل يهود للصليب الأحمر في خان يونس
-
الصليب الأحمر يتسلم المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وجادي
...
-
القناة 13 العبرية: وصول الاسيرين يهود وموسيس الى نقطة التسلي
...
-
الكنائس المصرية تصدر بيانا بعد حديث السيسي عن تهجير الفلسطين
...
-
وصول المحتجزين الإسرائيليين أربيل يهود وغادي موزيس إلى خان ي
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|