|
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي 9
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1311 - 2005 / 9 / 8 - 11:16
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
من هنا نفهم أن الصراع السياسي بين المسلمين هو الذي خلق الحاجة إلى توظيف المعتقدات " الهرمسية " وليس كما ظن الأستاذ طلابي أن معتقدات الماسونية هي التي خلقت أسباب هذا الصراع . وهذا ما أكد عليه د. الجابري بقوله ( لقد أدركت الأرستقراطية الفارسية التي ركبت التشيع ل " آل البيت" في ثورتها على الدولة الأموية ، أن السلطة في المجتمع العربي الإسلامي آنذاك هي بالدرجة الأولى للإيديولوجيا . فالإيديولوجيا ( وهي هنا الدين الإسلامي ) هي التي تصنع القوة المادية : تخفف من الصراعات القبلية وتدفعها إلى تجاوز نفسها وتقمع الصراعات الطبقية أو توجهها وجهة خارجية ( الفتوحات ) . ولذلك قررت أن تخوض الصراع في مصدر قوة الدولة العربية ، أي في المجال الإيديولوجي ذاته ، سلاحها في ذلك تراثها الثقافي الديني المبني على الغنوصية .. هكذا شنت الأرستقراطية الفارسية الموتورة هجوما إيديولوجيا واسع النطاق مستعملة تراثها الثقافي الديني الزرادوشتي ـ المانوي ـ المزدكي . والهدف هو التشكيك في الدين العربي وهدمه وصولا إلى الإطاحة بسلطة العرب ودولتهم )( ص 51 نحن والتراث ) . إذن تأثير الهرمسية بمختلف عقائدها على اليهود والمسلمين ثابت ، وخاصة فرق الشيعة . يقول الجابري ( ونجد تأثير هرمسية أهل حران في الشيعة أيضا وخاصة الإسماعيلية الذين لم يعد الآن شك في نسبة رسائل إخوان الصفا إليهم . وكما يقول كوربان فلقد كانت الشيعة أول من " تهرمس" في الإسلام ، وقد ظهرت الهرمسية لديهم وكأنها " حكمة لدنية أي فلسفة نبوية" ( ص 179 نحن والتراث ) . أما ما يتعلق بالماسونية في اليمن التي قال عنها ذ. طلابي ( فكان محفل سبأ الماسوني باليمن . هذا المحفل الذي عقد مؤتمرا سريا بسبأ فيه تقرر إنزال فرقة يهودية إلى المدينة المنورة بقيادة كعب بن مانع بن هيوع لتشهر إسلامها ) . فإنها لسيت سوى اليهودية وقد تهرمست . وهذا ما أكد عليه الجابري ( ولا بد من التأكيد هنا على حضور المعتقدات لليهودية في هذا التراث خصوصا وقد كانت اليهودية المتهرمسة منتشرة في اليمن وبين سكانه منذ عصور سابقة )( ص 297 العقل السياسي العربي ) . إذن لما كانت اليهودية في اليمن " متهرمسة" كان طبيعيا أن تتخذ " الإسرائيليات" مضمونا هرمسيا ، سواء تعلق الأمر بالرجعة ، أو العلم اللدني ، أو الكشف وغيرها من المعتقدات . ولا تخرج عن هذا الإطار الأفكار التي عمل على نشرها عبد الله بن سبأ أو كعب الأحبار ، أو وهب بن المنبه . يقول الجابري ( إذا استعرضنا الدور الذي قام به في العصر نفسه كل من كعب الأحبار ، وهو يهودي من اليمن كذلك ، ووهب بن المنبه ، وهو يمني أيضا من أصل فارسي ، في نشر " الإسرائيليات" في أواسط الصحابة والعامة ، وقد روى عنهما ابن عباس وأبو هريرة وغيرهما ، إذا استحضرنا هذا الدور الذي قامت به هاتان الشخصيتان فإننا لا نستغرب أن تكون هناك شخصية ثالثة ، من " مُسلِمة اليهود" اليمنيين ، قامت في ميدان السياسة يسوء نية ، أو حسن نية سيئة ، بمثل ما قام به وهب بن منبه وكعب الأحبار في مجال التفسير والحديث وقصص الأنبياء الخ ، خصوصا ونحن نعلم أن من جملة " إسرائيليات" السياسة : القول بالرجعة والوصية والمهدي )( ص 233 العقل السياسي العربي ) . لقد تجاهل الأستاذ طلابي عنصر الموروث الثقافي القديم وأثره في بروز الفرق الباطنية ، وعزى الأمر كله إلى " مؤامرة" الماسونية على الإسلام والمسلمين ، بل جعل من الماسونية " محرك" التاريخ وصانع الأحداث . في حين يؤكد الأستاذ الجابري أن ( الهرمسية كانت من أقوى التيارات في الموروث القديم ، وقد احتلت مواقع أساسية ، ولو في صورتها العامية ، في جل المناطق التي أسلم أهلها ، من مصر إلى فارس ، كما كانت لها مراكز " عَالمة" قبل الإسلام في فلسطين وأفامية وحران وغيرها . لقد انتقلت الهرمسية إذن إلى الثقافة العربية الإسلامية ضمن ذلك " المركب الجيولوجي" من الآراء والملل والنحل الذي نتحدث عنه هنا باسم : " الموروث القديم" .. فلقد حاربها أهل السنة ، وبكيفية عامة المتمسكون ب " المقول" الديني البياني العربي محاربة شديدة ، لأنها كانت تشكل الخلفية النظرية لآراء الشيعة والفرق الباطنية )( ص 188 بنية العقل العربي ) . وبذلك تكون الهرمسية قد احتلت المواقع الرئيسية في الثقافة العربية الإسلامية عبر تعدد أشكال حضورها في هذه الثقافة ، كما يبين الأستاذ الجابري ( فمن الغلاة الأوائل إلى الرافضة والجهمية وبعض التيارات " المجسمة" ، إلى مؤسسي التصوف النظري الأوائل إلى رسائل إخوان الصفا . إلى الفلسفة الإسماعيلية في أعلى مراحل نضجها إلى التيارات الصوفية الباطنية والفلسفة الإشراقية ، مرورا بأصحاب الحلول وأصحاب وحدة الشهود )( ص 209 ، 210 بنية العقل العربي ) . ينبغي القول إذن أن الصراع بين المسلمين حول السلطة ، لم تتسبب فيه " الماسونية" ، كما لم يكن من تخطيط عبد الله بن سبأ أو كعب بن مانع بن هيوع اليهودي . إذ أن هذا الصراع نشب مباشرة عقب الإعلان عن وفاة الرسول (ص) . وإذا تمكن المسلمون من تجاوزه بمبايعة أبي بكر خليفة ، فإنهم لم يقضوا على أسبابه . وهذا ما عبر عنه الشهرستاني بقوله ( أعظم خلاف بين الأمة ، خلاف الإمامة ، إذ ما سل سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سل على الإمامة في كل زمان )( ص 22 الملل والنحل ) . ولم تفلح الأمة في تجنيب نفسها ويلات الصراع السياسي الذي فجرته أول وهلة عوامل يأتي في مقدمتها عنصر القبيلة الذي ظل نشطا حتى خلال الدعوة المحمدية ، ولم يختف أثره رغم أن الرسول (ص) ( شجب العصبية الجاهلية وأمر عماله على المناطق أن يحاربوا الدعوة إلى القبائل : " وليكن دعواهم إلى الله عز وجل وحده لا شريك له ، فمن لم يدع إلى الله ودعا إلى القبائل والعشائر فليقطف بالسيف حتى تكون دعواهم إلى الله وحده لا شريك له " ومع ذلك فـ " القبيلة" بقيت حية في النفوس ولم يكن من الممكن القضاء عليها بسرعة الفتح العام . إن اجتثاث " مفعول القبيلة" من النفوس يتطلب ، ليس فقط " فتح" كل نفس على حدة ، بل يتطلب قبل ذلك وبعده قيام نظام اجتماعي على أسس مختلفة تماما عن تلك التي تكرسها " القبيلة" و " الغنيمة" .. من ذلك مثلا ما يروى من أنه عندما جاء العباس عم النبي بأبي سفيان إلى الرسول (ص)، وهو في طريقه إلى مكة لفتحها، أصر عمر بن الخطاب على أن يضرب عنقه ، فقال : " يا رسول الله هذا أبو سفيان قد أمكن الله منه بغير عقد ولا عهد فدعني فلأضرب عنقه " فقال العباس : " يا رسول الله إني أجرته " ، فلما أكثر عمر في شأنه قال العباس " " مهلا يا عمر ، فوالله أنْ لو كان من بني عدي بن كعب ما قلت هذا ، ولكنك قد عرفت أنه من رجال بني عبد مناف " . كما يروى أن شخصا يسمى قزمان أبلى في قتال المشركين يوم أُحُد ، فلما بشروه بالجنة قال : " أيُّ جنة ، والله ما قاتلت إلا حمية لقومي " )( العقل السياسي العربي . د. الجابري ) . وتؤكد الروايات أن الصراع حول من يخلف النبي (ص) قام على أسس قبلية ، إذ سرعان ما طفت إلى السطح المنازعات والحزازات والضغائن التي ترسبت في النفوس منذ الجاهلية . ومما أورده الأستاذ الجابري الرواية التالية التي تصف الجو الذي ساد بين طالبي الخلافة ( ويتناول الكلمة عمر بن الخطاب ليرد على قضية " منا أمير ومنكم أمير" بلهجة لا تخلو من تهديد فيقول : " هيهات هيهَات ، لا يجتمع سيفان في غمد واحد . إنه والله لا ترضى العرب أن تؤمِّركم ونبيها من غيركم . ولكن العرب لا ينبغي أن تولي هذا الأمر إلا من كانت النبوة فيهم وأولو الأمر منهم . لنا بذلك على من خالفنا الحجة الظاهرة والسلطان المبين . من ينازعنا سلطان محمد وميراثه ونحن أولياؤه وعشيرته إلا مدل بباطل أو متجانف لإثم أو متورط في هلكة " . ويرد عليه الحباب بن المنذر بلهجة أعنف وتهديد أكبر فيقول : " يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أيديكم ولا تسمعوا مقالة هذا وأصحابه فيذهبون بنصيبكم من هذا الأمر ، فإن أبوا عليكم ما سألتم فاجلوهم عن بلادكم وتولوا هذا الأمر عليهم . فأنتم والله أولى بهذا الأمر منهم فإنه دان لهذا ، من لم يكن يدين له ، بأسيافنا . أما والله إن شئتم لنعيدنها جدعة . والله لا يرد على أحد ما أقول إلا حطمت أنفه بالسيف " . تدخل عمر بن الخطاب وقال : " فلما كان الحباب هو الذي يجيبني لم يكن لي كلام معه لأنه كان بيني وبينه منازعة في حياة رسول الله (ص) فنهاني عنه " )(ص 143 بنية العقل العربي ) . لا شك إذن أن بذرة الخلاف بين المسلمين حول السلطة لم تزرعها " الماسونية" ، وكيف للماسونيين أن يؤثروا على صحابي من طينة عمر بن الخطاب الذي خاض الصراع ولم ينهه عن مقاتلة الحباب سوى نهي الرسول (ص) عن منازعته . من هنا يمكن القول إن التفسير الذي اعتمده الأستاذ طلابي بشأن المؤامرة الماسونية ضد الصحابة والمسلمين عموما ، تفسير لا يستند إلى التحليل الموضوعي ، ويقصي العوامل الحقيقية التي تدخلت في التأثير على مجرى الأحداث . إن المسلمين ظلوا تحت تأثير الانتماء القبلي الذي لا يترك فرصة إلا ويفصح عن نفسه ، كما هو الحال بعد ( بيعة الأنصار لأبي بكر اجتمع الناس في المسجد جماعات حسب انتمائهم القبلي . وتذكر إحدى الروايات : " أن بني هاشم اجتمعت عند بيعة الأنصار إلى علي بن أبي طالب ومعهم الزبير بن العوام ،وكانت أمه صفية بنت المطلب وكان يعد نفسه من بني هاشم وكان علي كرم الله وجهه يقول مازال الزبير منا حتى نشأ بنوه فصرفوه عنا . واجتمعت بنو أمية إلى عثمان ، واجتمعت بنو زهرة إلى سعد وعبد الرحمان بن عوف فكانوا في المسجد الشريف مجتمعين . فلما أقبل عليهم أبو بكر وأبو عبيدة وقد بايع الناس أبا بكر قال لهم عمر مالي أراكم مجتمعين حلقاً شتى ، فقوموا فبايعوا أبا بكر فقد بايعته وبايعه الأنصار . فقام عثمان بن عفان ومن معه من بني أمية فبايعوه ، وقام سعد وعبد الرحمان بن عوف ومن معهما من بني زهرة فبايعوا . وأما علي والعباس بن عبد المطلب ومن معهما من بني هاشم فانصرفوا إلى رحالهم ومعهم الزبير بن العوام " )(ص 144 ) . إن موقف علي بن أبي طالب من مبايعة أبي بكر هو الذي سيفتح باب استيراد المعتقدات الهرمسية وتوظيفها في الصراع السياسي والإيديولوجي حول السلطة . وبسبب الأطماع السياسية والقناعات الإيديولوجية التي ترفض الاحتكام إلى الديمقراطية ، عانت الأمة الإسلامية من الاستبداد والقهر .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي-8
-
فكر الحركات الإسلامية أفيون النساء
-
مطارحة من صميم المصارحة حوار مع صديق إسلامي7
-
ومَكْرُ أولئك الشيوخ هو يَبُور
-
شيوخ الإرهاب يكفّرون القوانين الوضعية ويحتمون بها
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي 6
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي5
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي 4
-
الناس في الناس والشيوخ في امشيط الراس
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي3
-
مطارحة من صميم المصارحة ـ حوار مع صديق إسلامي-2
-
مطارحة من صميم المصارحة(1)
-
ألا رفقا بالسيد القمني
-
هل صارت حقوق الإنسان علامة تجارية ؟
-
على أي أساس تطالب المنظمات الحقوقية الحوار مع شيوخ السلفية ا
...
-
قراءة في كتاب- ما هو سبيل الله ؟- لسمير إبراهيم حسن :
-
لندن ضحية احتضانها لشيوخ التطرف وأمراء الدم
-
نادية ياسين : الشجاعة المأمرَكة لن تكون إلا وقاحة
-
الحركات الإسلامية والدولة الديمقراطية
-
أية مصلحة للأمريكيين في تحالفهم مع الإسلاميين ؟
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|