خالد حسن يوسف
الحوار المتمدن-العدد: 4687 - 2015 / 1 / 10 - 14:52
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إعتداء مجموعة إرهابية فرنسية وتدين بالاسلام على مقر صحيفة شارلي ايبدو, في الأسبوع الأول من شهر يناير 2015 بالعاصمة الفرنسية, أدى إلى صدور مواقف على المستوى المحلي الفرنسي والدولي, حادث يمكن القول إنه مفصلي نظرا لصعود أدوار اليمين الديني المتطرف على المستوى العالمي, وفي ظل إتساع الصراعات المسلحة دوليا, ومع حالة التأزم الاقتصادي العالمي المستمر, وتزايد أعداد الدول التي تشهد واقع خلل سياسي عام ويسير في إتجاه بلوغ العديد من الدول نحو حالات إنهيار الدولة والبنية السياسية المركزية بفعل عوامل شتى, إضافة إلى وجود حرب كونية على موجة الإرهاب العالمي, والذي تختلف الدول على مضامينه وتعريفه, نظرا لإختلاف الحسابات السياسية للدول والانظمة السياسية, جاءت في ظل هذه الظروف العالمية المعقدة والمركبة, حادثة جريمة شارلي ايبدو, ويمكن تخيل الأثر السياسي الذي قد تتركه هذه العملية الإرهابية بعد تبني تنظيم القاعدة في اليمن, على واقع هذا البلد وتجاذبات الصراع القائم فيه ما بين تنظيم القاعدة وجماعة الحوثي, وإنعكاس ذلك على حالة السلم الأهلي والتعايش الطائفي في اليمن, عبر إستحضار حادث شارلي بيدو إلى الصراع اليمني القائم.
فعلى المستوى القطري الفرنسي, أصبح هذا المجتمع بهدف مباشر للفكر الديني المتطرف والذي يمارسه مجاميع من المسلمين هنا وهناك, وبدافع مسوغات غير مبررة ومنطقية وعلى المستوى الدولي تأتي على حق البشرية جمعاء, ناهيك عن الضرر الجسيم في حق من يدعي الإرهابيين المتطرفين, في أنهم يحافظون على دينهم وقيمهم الثقافية العليا, وهم معتقدي الدين الاسلامي تحديدا, والذين يتعرضون دوما إلى حالة إستهداف مباشر من قبل الكارهين لدين الاسلامي, إضافة إلى بعض المسلمين ممن يحملون الدين الاسلامي والمسلمين, العمليات الإرهابية وكل التجوزات الانسانية والتي ترتكبها دول,جماعات,أفراد مسلمين, ويتفق مع أولئك في تلك النظرة العديد من الدول والجماعات الغير مسلمة, ممن يحملون المسلمين ما لا يمكن تحميله لهم وما يمكن أن يحملوا تنيجة لتناقضات المسلمين ذات البعد الداخلي وما يسببه بعض الإستهداف الخارجي في حق معتقدي هذا الدين.
وشهد حادث شارلي ايبدو, حالة رد فعل إعلامي دولي جمعت قوى اليمين الدولي المتشدد الغير مسلم, ومعهم قوى ليبرالية ويسارية, عند النظر لتغطية الإعلام الدولي المكتوب,المرئي والإذاعي, وحمل الغالبية الساحقة لتلك التغطيات جريمة الإعتداء على صحيفة شارلي وبعض المواطنيين الفرنسيين, للمسلمين ودينهم عموما, ودون التمييز ما بين مرتكبي الجريمة ومعتقدي الاسلام والذين تم رمي تهمة الإرهاب الجماعي في حقهم دون تمييز! وبما في ذلك في حق الضحايا المسلمين للجريمة والذين بدورهم يمثلون بإرهابيين في نظر من يؤمن بحالة إرهاب المسلمين, وبتالي سيدفع في مرحلة معينة وقادمة نحو خلق واقع تمترس متطرف في أوساط مسلمين في أنحاء عديدة من العالم والدفع في إتجاه واقع إستقطاب ديني إيديولوجي لن يكون سوى وبال على الإنسانية عموما.
وجريمة شارلي ايبدو, لكونه حدثت في الدولة الفرنسية والتي تضم عدد كبير من المواطنيين الفرنسيين المسلمين لن يكون وقعها مجرد حادثة إرهابية وواقعة عنف منظم ستمر مرور الكرام, نتيجة لثقل الفرنسي وحالة التنوع الثقافي والعرقي القائمة في فرنسا, وفي ظل وجود روابط سياسية,ثقافية وإجتماعية قائمة ما بين المجتمع الفرنسي والمجتمعات المسلمة على إمتداد العالم, ناهيك عن عمق المصالح السياسية والاقتصادية ما بين الطرفين والتي تفرض الضرورة الحفاظ عليها من قبل كل الأطراف ذات العلاقة.
وبغض النظر عن الخلفية الفكرية والدينية لمرتكبي الحادث, فإن القضية تمثل بحالة تحدي إنساني وفكري ماثل أمام المجتمع الفرنسي والاسلامي عموما, وذلك ما يفرض أن يخلق ويتجه كلاى الطرفين إلى خلق قيم إنسانية مشتركة تدفع في إتجاه توطيد التعايش الانساني ليس على مستوى التراب الفرنسي فحسب بل على الصعيد العالمي, وأن يكرس ذلك عبر مدخل الميثاق العالمي لحقوق الانسان والذي قد أكد صراحتا على حق الاعتقاد والعديد من الحريات الانسانية ولكنه يتطلب المزيد من التحسين ومواكبة التاريخ.
وهو ما يستدعي بشدة أن يستوعب هذا الميثاق بدوره موقف مشترك من القضايا الفكرية والمعرفية في العالم, وذلك عبر وضع معايير معرفية وقانونية تحث وتؤسس لإحترام المعتقدات الدينية والانسانية وعدم الإزدراء تجاهها, وبتالي أن يتم إنزالها عبر الدساتير والقوانين المعمولة بها في دول العالم, حفاظا على السلم العالمي, ويمكن الإنطلاق من تجارب إنسانية أسست لمعاقبة معادي المسألة السامية والتي أصبحت بحق مكفول لمعتقدي الديانة اليهودية, ولا يمكن تجاوزه في ظل العالم الراهن, بسبب التبعات التي القانونية التي يتعرض لها المعادي للسامية اليهودية, أكان دولة,جماعة,قوة سياسية وأفراد.
والمسلمين نظرا لكون عقيدتهم الدينية تمثل بالنسبة إليهم بقيمة معرفية وثقافية عامة أكد عليها التاريخ الانساني الاسلامي خلال القرون الماضية وأصبحت بقيم حتمية ترتبط بها حياة الانسان المسلم بغض النظر عن جغرافيته وعرقه الانساني, ناهيك عن مراعاة الثقل السكاني والجغرافي الاسلامي, فإن الضرورة العالمية الحريصة على إنتشار السلم الدولي تفرض بقوة حضور ضمان الميثاق العالمي للحقوق المعنوية للإنسان العالمي المسلم, خاصة بعد أن أكدت حوادث عديدة أن الانسان المسلم وبما فيهم الفئة الهامشية الصغيرة المرتكبة لمثل حوادث التطرف والإرهاب, كرد فعل على إستهداف أفراد غير مسلمين تحديدا للقيم المعرفية والرموز الاسلامية وفي مقدمة ذلك النيل من رسول الاسلام محمد بن عبدالله(صلعم), بين فترة وأخرى, فإن المسلك يفرض مرعاة المنظومة الاسلامية من قبل غير المسلمين.
وفي ظل تفهم أن من يستهدفون نبي الاسلام عادتا لا يتورعون من النيل من رموز دينية إنسانية أخرى ومنها المسيح والنبي موسى, وفي ظل واقع اجتماعي وسياسي غربي لا يتحسس من تلك الممارسات إنطلاقا من بلوغ هذا الواقع الانساني مرحلة الترفع عن نصرة الدين والرموز الدينية, وإختراق ذلك من واقع الحريات المكرسة في داخل المجتمعات الانسانية تجاه التعاطي مع الحالة الدينية والتي تبلغ مستوى أن يتم الضرب بها في عرض الحائط مقارنة مع الحالة الاسلامية الانسانية والتي ترفض أدبياتها وروح الاعتقاد على المستوى الاسلامي, في بلوغ ممارسة واقع التعرض للإسلام ورسوله, وبما في ذلك العقائد الدينية لعموم البشر.
وفي إتجاه آخرفإن الأمر يفرض أدبيا,معنويا وقانونيا على المجتمعات المسلمة في أن تكرس بدورها واقع تعاطي معرفي وفكري وفقهي جديد ويقطع بعدا مع خطاب المسلمين المعهود في النيل من القيم المعرفية الكبرى لمجتمعات إنسانية أخرى, وبغض النظر عن مدى تباين تلك القيم المعرفية والفكرية مع القيم الاسلامية المعرفية, وخاصة وأن ثلاثي البشرية سكانا هم من غير المسلمين, وبغض النظر عن العدد ذاته, إنطلاقا أولا وأخيرا من حق الإحترام المتبادل والمشترك على المستوى الانساني, ولاشك أن الطرف الاسلامي هو الذي تقع على عاثقه حالة معالجة التحدي لمعالجة خطابه الديني والفكري والذي أثبت الواقع الاسلامي عدم قدرة المسلمين على خلق خطاب ديني مشترك فيما بينهم, ويسهم في أجواء التباعد فيما بين مذاهبهم ومجتمعاتهم حتى على صعيد المجتمع المشترك, ناهيك عن الجنس البشري عموما.
وبتالي أن يطرح هذا الخطاب إمكانية حل إشكالية التقارب الاسلامي ذاته والذي بدوره يستدعي حضور خطاب فكري معرفي مشترك في إطار الأوساط والمجتمعات الاسلامية المتباينة, والذي تستدعي حتمية التعايش لتكريس أعراف وقوانين تحفظ المسلمين من بعضهم البعض, عبر مدخل ميثاق حقوق الانسان الدولي, وبتالي أن تطرح كل تلك التحديات الانسانية المشار إليها كحزمة واحدة لا تنفصل عن بعضها البعض, بغية خلق أجواء تعايش إنساني على المستويات الدينية,والمعرفية الاجتماعية الانسانية, في سبيل الوصول إلى التقارب الانساني المشترك. إلى أن محاولات السعي لإيجاد خلق التوافق وتجنب الصدام المعرفي الانساني المعرفي وتحديدا على المستوى الانساني.
فلاشك أن ذلك سيأتي على حساب أصحاب الرأي والرؤى من عموم البشر والذين سيجدون ذاتهم واقعين فعلا ما بين المطرقة وسندان التوافقات الدينية والمعرفية لمعتقدي الأديان وبعض الأفكار, وبتالي فإن ذلك سيخلق تجاههم المزيد من التعقيد لتعاطيهم الموضوعي الفكري والمعرفي في صدد تناول الشؤون الدينية والفكرية, وبتالي يعترض خلق الحراك الفكري والمعرفي الجاد بعيدا عن الكم الكبير الذي يعثري الفكر الديني والاجتماعي الانساني, حقا إنها صعوبة إيجاد إجراءات توفيقية كان يستحسن أن يتم تناولها إنطلاقا من مقاربة الضمير الانساني والفكري أولا وأخيراً!
#خالد_حسن_يوسف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟