|
استباحة السيادة الوطنية
طلعت رضوان
الحوار المتمدن-العدد: 4685 - 2015 / 1 / 8 - 22:17
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الفعل الإجرامى الذى قام به الارهابيون الإسلاميون ضد جريدة (شارلى إبدو) الفرنسية ، أعاد لكل أصحاب العقول الحرة ، سلسلة الجرائم التى ارتكبها الإسلاميون على مدار تاريخهم ، ومن أمثلة ذلك ما فعله تنظيم (القاعدة) منذ عدة سنوات ، وقبل ظهور تنظيم (داعش) يمتلك الإرهابيون أخطر سلاح واجهته البشرية منذ فجرتاريخها ، ألا وهو الاعتقاد بأنهم يمتلكون الصواب المطلق ، ومن منطلق هذا الاعتقاد يندفعون نحو الشرالمطلق الذى يُهدد أى مجتمع . تحت هذا التأسيس الإرهابى ارتكب الإسلاميون جريمتهم ضد صحيفة (شارلى إبدو) الفرنسية ، وهو عمل لا يختلف عما فعله تنظيم القاعدة (فرع العراق – المجاهدون فى دولة العراق الإسلامية) منذ عاميْن عندما وجّه أعضاؤه إنذارًا إلى رئاسة الكنيسة المصرية ، بحجة أنها تحتجز ((مسلمات مستضعفات أسيرات فى أرض مصر المسلمة)) والإفراج عنهنّ من ((أديرة الكفر وكنائس الشرك فى مصر)) تواكب مع إرسال الإنذار إلى مصر القيام بشن غزوة مسلحة على كنيسة عراقية. وكان نتيجة الغزوة (المباركة) قتل 56 إنسانًا وإصابة 37 أثناء تأديتهم شعائرالصلاة. يعتقد (المجاهدون) المجرمون أنّ قتل المختلف مع معتقداتهم ، هو السبيل إلى دخول الجنة المفروشة بدماء الأبرياء ، لذلك فإنهم (نظرًا لشدة إيمانهم) يلفون حول أجسامهم الأحزمة الناسفة ، أى أنهم يفتحون صدورهم للموت مقابل حياة الأغيار (من الكفار) وإذا كان هؤلاء (المجاهدون) يتحرّكون وفق معتقداتهم أوتنفيذا لمصادر تمويلهم ، إيران بالتحديد والدور التخريبى الذى تـُخطط له داخل العراق (أنظرالتفاصيل فى كتاب الخطر الإيرانى : وهم أم حقيقة - إعداد الشاعرالفلسطينى د. أحمد أبومطر- شركة الأمل للطباعة- عام 2010أكثر من صفحة) فإنّ ما ستوقفنى : 1- (الإنذار) المحمّل بالصفاقة والإجرام والتحدى لدولة عريقة مثل مصر ولمشاعرأصحاب العقول الحرة والضمائر الحية من المصريين (مسلمين ومسيحيين) 2- رد فعل بعض (المصريين) من صحفيين وكتاب ونشطاء سياسيين الذين ظهروا فى الفضائيات والأرضيات ليؤكدوا أنّ تنظيم القاعدة لا يمكن أنْ يخترق السيادة المصرية ، وأنّ الإنذار مجرد تهديد لا يحمل مقومات الفعل . يقولون هذا وكأنّ شعبنا المصرى مجموعة من البلهاء وليست له ذاكرة ، إذْ أنّ تنظيم القاعدة اخترق أكثر من دولة (من الصومال إلى اليمن إلى أسبانيا إلخ) وأنّ (المجاهدين) يتباهون بجرائمهم ويعترفون بها ولا ينكرونها . وأعتقد أنّ التهوين من شأنهم يُشكل خطورة على الأمن القومى المصرى ، لأنّ خطاب التهوين يدعو إلى الاسترخاء بدلا من الاستنفار. وأنا أقصد بالاسترخاء (فى المقام الأول) العقل المصرى الذى قد يبتلع هذا الكلام ويُصدّقه (خاصة وأنه صادر عن من يصفهم الإعلام بالمتخصصين فى شئون الإرهاب) ولأنّ الاسترخاء ضد الاستنفار، فعلينا أنْ نستعد لتلقى الضربة الأولى ، ثم نُفكر- إنْ فكرنا- فى الهجوم المضاد ، ولكن بعد دفن جثث الضحايا وعلاج المصابين ورفع الأنقاض عن دورالعبادة . الأوطان قبل الأديان فى عبرة التاريخ : لذلك أرى أنّ الاستنفار لا يكون مهمة أجهزة الأمن وحدها ، وإنما يجب أنْ يكون للتعليم والإعلام الدور الأساسى الذى يُرسخ للحقيقة التى تؤمن بها الشعوب المتحضرة ، وهى أنّ الاعتداء على دورعبادة الأقلية الدينية لا يختلف عن الاعتداء على دورعبادة الأغلبية ، وتتأسس هذه الفلسفة على أنّ الاعتداء هو اعتداء على السيادة الوطنية ، لا فرق بين أقلية وأغلبية. وبالطبع فإنّ هذه الغاية النبيلة هى هدف استراتيجى لأى تعليم ولأى إعلام وطنى ، أى أنه يستبعد تمامًا الانحياز لدين معين بمراعاة أنّ الشعب (أى شعب) أبناء وطن واحد ، لا فرق فيه بين إنسان وإنسان على أساس الانتماء الدينى ، لأنّ الانتماء الدينى شىء ذاتى بينما (الموضوع) هو الوطن الذى يسبق أى ولاء وفق صياغة أ. خالد محمد خالد الذى كتب ((وُجد الوطن فى التاريخ قبل الدين ، وكل ولاء للدين لايسبقه ولاء للوطن فهو ولاء زائف)) (روزاليوسف 30/10/1951) . ربط الظواهر ببعضها يُنير العقل الحر: استوقفنى (ثالثًا) أنّ هجوم تنظيم القاعدة على السيادة المصرية ، جاء بعد أسبوعين من تصريحات بعض الأصوليين المسلمين (المصريين) من أنّ الكنائس المصرية تتكدس بها أسلحة. إنّ هذه التصريحات لا تقل خطورة عن إنذار المجاهدين فى دولة العراق الإسلامية ، فالرسالة واضحة لا تحتاج إلى تفسير أو تأويل ، وتقول للمصريين (المسلمين) انتبهوا إنّ المسيحيين يستعدون لقتالكم والدليل هو تخزين الأسلحة فى الكنائس . أى أنّ هدف هذه التصريحات هو إشعال الحرب الأهلية بين المصريين أبناء الوطن الواحد على أساس دينى . وهو هدف يسعى الأصوليون إلى تحقيقه بوضع المزيد من الحطب فى (موقد) الاحتقان الدينى الذى شهدته مصر طوال السنوات الماضية. وهل يمكن تجاهل أنّ الترويج الزائف لمقولة تخزين السلاح فى الكنائس تكرار لما قاله الأصوليون عشية الاعتداء على الكناس الثلاث فى الإسكندرية عام 2006 وعشية الاحتفال بمولد المسيح الذى شهد مذبحة نجع حمادى ؟ أوذلك التعليم الذى يُفرق بين المصريين على أساس الانتماء الدينى ، فيتعلم التلميذ أنّ المواطن المسيحى ليس له حق الإقامة فى مصر، ويقول النص ((يُمنع الذمى من أخذ الركاز(= الموارد الطبيعية) بدارالإسلام ، كما يُمنع من الإحياء بها لأنّ الدارللمسلمين وهودخيل فيها)) (مقررالصف الأول الثانوى الأزهرى ط 97/ 98 ط 2002/ 2003ص355فى الطبعتين) وفى باب شروط الوقف يتعلم التلميذ أنّ الوقف الصحيح يجب ((أنْ لا يكون فى محظور أى محرم كعمارة الكنائس ونحوها من متعبدات الكفار)) (مقررالصف الثانى الأزهرى 2002/2003ص 309، 316) ويتعلم أنّ أحكام القتل خمسة : واجب وحرام ومكروه ومندوب ومباح ، فالأول قتل المرتد إذا لم يتب والحربى إذا لم يسلم أويُعطى الجزية. ولاقصاص بين عبد مسلم وحر ذمى لأنّ المسلم لا يُقتل بالذمى والحرلا يُقتل بالعبد)) (الصف الثالث الثانوى الأزهرى من ص 172- 177) أو فصل ذلك عن الدور التخريبى لبعض الفضائيات (المصرية) التى تستضيف من يهدمون الولاء الوطنى مثل حديث د. سعاد صالح التى قالت أنه (لا ولاية لكافر على المسلم) بعد انضمامها لحزب الوفد ؟ أو مافعله مذيع فى إحدى الفضائيات عندما استضاف سيدة ترتدى الاسدال واتهمتْ الصحفى نبيل عمر بأنه رجل (لا دينى) لأنه يُحيى الناس بتحية صباح الخير ولا يقول السلام عليكم (جيهان الغرباوى- أهرام 19/2/2010) أو (الجبهة المُسماة (علماء) الأزهر) فى موقعهم الالكترونى عندما وصفوا جابرعصفور((بأنه سفيه وملحد)) أعتقد أنّ جرثومة التكفير ترتبط ارتباطــًا عضويًا بجرثومة (الجنسية تكون للدين وليس للوطن) وهى الجرثومة التى نشرها جمال الدين الإيرانى الشهير بالأفغانى عندما قال ((لا جنسية للمسلمين إلاّ فى دينهم)) (العروة الوثقى 26/7/1884) وجاء بعده رشيد رضا وكرّر نفس المعنى فقال ((المسلمون بوسعهم أنْ يجدوا مبدأ الوحدة والولاء فى دينهم)) وأكمل حسن البنا مسيرة الاعتداء على الانتماء الصحيح فقال ((إننا نعتبر حدود الوطنية بالعقيدة وليس بالتخوم الأرضية. فكل بقعة فيها مسلم وطن عندنا)) (هالة مصطفى- الإسلام الساسى فى مصر- مركزالدراسات بالأهرام عام 92 ص 93) واستمرالدور التخريبى على يد سيد قطب الذى تكلم عن (عصبية الأرض) وينقل عن الرسول وصفه لها ب (المنتنة) وكان تعليق سيد قطب ((منذ ذلك اليوم لم يعد وطن المسلم هوالأرض ، وإنما وطنه هو (دارالإسلام) التى يستشهد لحمايتها.. وأنّ دار الإسلام هى لكل من يدين بالإسلام . والدار التى لا يُهيمن فيها الإسلام هى (دارالحرب) بالقياس إلى المسلم وإلى (الذمى) يُحاربها المسلم ولو كان فيها مولده وفيها قرابته من النسب. لقد أطلق الإسلام البشر من اللصوق بالطين ليتطلعوا إلى السماء. وأطلقهم من قيد الدم - قيد البهيمة- ليرتفعوا فى عليين)) (معالم فى الطريق من ص 157- 159) لذلك لم تكن مفاجأة أنْ يقول مرشد الإخوان المسلمين السابق (محمد مهدى عاكف) طظ فى مصر وفى المصريين وأنه لايرى مانعًا أنْ يحكم مصرمسلم ماليزى. أعتقد أنّ خروج مصر من مأزقها الحضارى لن يتحقق إلاّ بتقوية جهازالمناعة الثقافى لمجابهة طغيان اللغة الدينية. ونتعلم من درس إغتيال فضيلة د. محمد الذهبى وزيرالأوقاف الأسبق على يد أصوليين يعتقدون أنهم (وحدهم) الذين يفهمون (صحيح الدين) والمأساة أنّ فضيلته وصفهم فى كتيب أصدرته وزارة الأوقاف بأنهم ((فئة صالحة يلتمسون نقاء العقيدة وصلاح الدين)) (نقلا عن د. بنت الشاطىء أهرام 18/6/92) يدخل فى مشروع المجابهة الثقافية تدريس مادة (الأديان المقارنة) وتدريس (مادة الأخلاق) كبديل عن حصة الدين ، فيجلس التلاميذ المسلمون بجوارالمسيحيين ويدرسون نماذج من الأناجيل الكريمة ومن آيات القرآن العظيم التى تُمجد فى حب الخير، ونماذج من تعاليم جدودنا المصريين القدماء ، مثل قول الحكيم (آنى) ((إذا كنتَ قد تعلمتَ شيئًا فأين أنت من بحور المعرفة)) إنّ الفعل الإجرامى ضد الصحيفة الفرنسية ، سوف يتكرّر – سواء فى أى دولة أوروبية ، أو فى أى دولة من دول العالم ، طالما كان (جهاز المناعة القومى) فى حالة ضعف ، وهذا الجهاز لا يقوى ويسترد عافيته إلاّ من خلال منظومة ثقافية ، ترتكز على تعميق وترسيخ معنى الولاء للوطن ، باعتبار أنّ هذا الولاء هو (الموضوع) الذى يجمع كل أبناء الوطن ، بينما الانتماء الدينى له صفة الشخصية.
#طلعت_رضوان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسماعيل أدهم ودوره التنويرى
-
حرب الاستنزاف بين الحقيقة والوهم
-
كتابة التاريخ بين الرأى الشخصى والواقع
-
الفرق بين القدر اليونانى والزمان المصرى
-
توفيق الحكيم والوعى بالحضارة المصرية
-
مراجعة لتاريخ الحقبة الناصرية
-
كزانتزاكيس وصديقه زوربا
-
آفة الآحادية وأثرها على البشرية
-
التشريعات الوضعية تتحدى الأصولية الإسلامية
-
العلاقة بين الواقع والفولكلور
-
الإخوان المسلمون بين الشباب والشيوخ
-
الفيلسوف والتخلص من آفة الثوابت
-
الفلسفة والبحث عن التحرر
-
خطاب التنوير (2)
-
خطاب التنوير (1)
-
قواعد اللغة والتنقيط فى القرآن
-
الإكراه فى الدين إبداعيًا
-
الخطاب الدينى : هل يقبل التجديد ؟
-
اختلاف المصاحف (7)
-
اختلافات المصاحف (6)
المزيد.....
-
تأسست قبل 250 عاماً.. -حباد- اليهودية من النشأة حتى مقتل حاخ
...
-
استقبل تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024 بجودة عالية
-
82 قتيلاً خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
82 قتيلا خلال 3 أيام من أعمال العنف الطائفي في باكستان
-
1 من كل 5 شبان فرنسيين يودون لو يغادر اليهود فرنسا
-
أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
-
غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في
...
-
بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
-
بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|