محمد ديب كور
الحوار المتمدن-العدد: 1310 - 2005 / 9 / 7 - 11:19
المحور:
الادارة و الاقتصاد
تسيطر الولايات المتحدة على ثلاثة مؤسسات مالية رئيسية : البنك الدولي (WB) ، صندوق النقد الدولي (IMF)، ومنظمات التجارة العالمية (WTO) ، من خلال وسائل متنوعة وذلك للسيطرة على الاقتصاد العالمي .
تنصح هذه المؤسسات الدول الأخرى أن تكون متعقلة ، بأن لا يكون لديها عجز في ميزان المدفوعات أو في التمويل الحكومي. على أية حال ، فإن الولايات المتحدة الأميركية نفسها لديها من وقت لآخر عجوزات هائلة في ميزان المدفوعات والتمويل الحكومي ، كتلك الحاصلة الآن في ظل جورج بوش ومع ذلك ، ما من أحد في صندوق النقد الدولي يطلب من الولايات المتحدة أن تضبط نفسها . ليس هناك من انخفاض كبير في قيمة الدولار . لا توجد إشارة على إفلاس وشيك لاقتصاد الولايات المتحدة : ما زال الأجانب يهرعون لشراء أصول تجارية أميركية . قد يتساءل المرء لماذا لا تنطبق قوانين الاقتصاد على الولايات المتحدة الأمريكية .
الوضع الفريد للدولار الأميركي :
الجواب : هو الوضع الخاص للدولار الأميركي ، والذي هو الآن مهدد منذ أن أطلقت أوروبا اليورو . أن الدولار هو العملة الاحتياطية العالمية في الواقع ؛ يصل الدولار الأميركي إلى ما يقرب من ثلثي كافة احتياطيات التبادل الرسمي . أكثر من أربعة أخماس كافة التعاملات التبادلية الأجنبية, ونصف مجموع خبراء العالم هم متخصصون بالدولار .
علاوة على ذلك ، فإن كافة قروض صندوق النقد الدولي معينة بالدولار . إن قوة الدولار لا تسوغها القوة الاقتصادية للولايات المتحدة ، لأن ما تستطيع الولايات المتحدة تصديره يمكن الحصول عليه من مصادر بديلة .
بمقدار ما يتداول الدولار خارج الولايات المتحدة ، أو يستثمر من قبل مالكين أجانب في أصول تجارية أميركية بمقدار ما يتوجب على بقية العالم أن يزود الولايات المتحدة بالبضائع والخدمات مقابل هذه الدولارات .
تتكلف الولايات المتحدة تقريباً لاشيء في إنتاج الدولارات ، هكذا فإن واقعة أن العالم يستعمل العملة بهذه الطريقة يعني أن الولايات المتحدة تستورد كميات ضخمة من السلع والخدمات بدون مقابل في واقع الأمر.
إنه كما لو أن البنك المركزي في الهند يطبع نقوداً والهند تشتري كل ما تحتاجه بدون تفكير بكلفة هذه المستوردات ، التي تتم استعارتها من بقية العالم لأمد منظور قابل للتنبؤ . إذا كان للروبية أن تكون في نفس الموقع كالدولار ؛ ما كان هناك من حاجة للهند في عام 1990 أن ترسل كل احتياطيها من الذهب إلى لندن لضمان المدفوعات عن مستوردات الهند ، وأن تسلم الهند إلى صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وكيلي الولايات المتحدة لفرض "إصلاحات اقتصادية " غير شعبية ومضادة لمصالح الشعب . كان كافياً أن يقوم البنك المركزي RAW NARASEMHA بطبع المزيد من الروبيات
وإذا أتيح لكل البلدان النامية نفس التسهيلات فإنها ستكون قادرة على النمو بسرعة كبيرة .
على أية حال فقط الولايات المتحدة لديها الآن هذه الوضعية . كان لبريطانيا نفس هذه الوضعية أيام الإمبراطورية البريطانية. التقييد الوحيد الذي فرضته بريطانيا ذاتياً كان الربط بين الجنيه والذهب ، السبب يعود إلى أن بريطانيا قد استولت على بلدان إثر أخرى تحوي على مناجم ذهب وانتهت باحتياطي من الذهب زاد عن 300 طن في بنك انكلترا . ليس أمام الدولار مثل تلك التقييدات منذ عام 1973 .
وبما انه يوجد العديد من الدولارات المملوكة أجنبيا لا تصرف على السلع والخدمات الأمريكية ، فان الولايات المتحدة قادرة على تحمل عجز تجاري ضخم لسنة أخرى بدون عواقب اقتصادية رئيسية على ما يبدو .
أحد الأهداف الاقتصادية المقررة ، وربما الهدف الرئيسي ، عند إطلاق اليورو كان تحويله إلى عملة احتياطية تتحدى الدولار بحيث تستطيع أوروبا أيضا ًأن تحصل على شيء ما لقاء لا شيء .
مصيبة محتملة أمام الولايات المتحدة :
وهذا سيكون بمثابة مصيبة للولايات المتحدة . ليس فقط ستخسر جزءاً كبيراً من معونتها السنوية من السلع والخدمات المجانية في واقع الأمر ، ولكن كذلك فان البلدان التي تتحول من احتياطيات الدولار إلى احتياطيات اليورو سوف تنقص من قيمة عملة الدولار . ستزيد كلفة المستوردات الاميركية عن ما قبل بسبب أن أعدادا متزايدة من الذين يحتفظون بالدولارات سيباشرون صرفها وسيتوجب على الولايات المتحدة المباشرة بدفع ديونها من خلال توريد سلع وخدمات لبلدان أجنبية ، وبذلك تهبط مستويات المعيشة الاميركية .
إذا حولت البلدان و الشركات أصولها التجارية بالدولار إلى أصول تجارية باليورو فان أوهام الحيازات الاميركية والبورصة ستتبدد بدون شك ، سوف لن يكون البنك الاحتياطي الفدرالي قادراً بعد الآن على طبع المزيد من النقود لإنعاش الاقتصاد كما يفعل الآن ، لأنه بدون أعداد كبيرة من الأجانب المتحمسين والمستعدين لقبول الدولار فإن تضخماً خطيراً سينجم عن ذلك ، والذي بدوره سيجعل الأجانب أكثر تردداً بعملة الولايات المتحدة .
السيناريو المذكور أعلاه قد لا يحدث مطلقاً ، بسبب شبكة الأمان التي تؤمنها التجارة في النفط أو البترول الخام للولايات المتحدة . إن النفط ليس فقط إلى حد بعيد السلعة الأكثر أهمية للتجارة العالمية ؛ إنها نسغ الحياة لكل الاقتصاديات الصناعية الحديثة. حتى فترة قريبة فان كل بلدان الأوبك ( منظمة البلدان المنتجة للنفط ) وافقت على بيع نفطها مقابل الدولار فقط . وطالما بقيت الحال على هذا المنوال ، فليس من المتوقع أن يصبح اليورو عملة الاحتياط الرئيسية .
هذا الترتيب يعني أيضاً أن الولايات المتحدة قد سيطرت بشكل فعال على كل سوق النفط العالمي : يستطيع بلد ما شراء النفط فقط إذا امتلك دولارات وفقط بلد واحد له الحق في طبع الدولار – الولايات المتحدة . هكذا فان الولايات المتحدة تستطيع في الواقع مجرد طبع المزيد من الدولارات واستيراد النفط قدر ما ترغب بدون أن تقلق بالنسبة للسعر .
القرار السياسي للأوبك :
من الناحية الأخرى ، إذا قررت أوبك قبول اليورو فقط مقابل نفطها ، عندئذ ستنتهي السيطرة الاقتصادية الاميركية .
ليس لأن أوروبا لن تعود بحاجة إلى دولارات كثيرة فحسب ، ولكن لأن اليابان التي تستورد ما يزيد عن 80% من نفطها من الشرق الأوسط سوف تحول نسبة كبيرة من أصولها التجارية بالدولار إلى أصول تجارية باليورو . إن اليابان هي مقدم الإعانات الرئيسي للولايات المتحدة ، لأنها تحتفظ بحوالي 400 مليار دولار من سندات دين حكومة الولايات المتحدة الاميركية . بهذه الطريقة فإن اليابان تعين بشكل فعال حكومة الولايات المتحدة الاميركية . الولايات المتحدة من الناحية المقابلة ، كونها أكبر مستورد عالمي للنفط, سيتعين عليها أن تفرز فائضاً تجارياً لتحصل على اليورو . وسيكون تحويلاً مؤلماً جداً كالذي تعانيه أميركا اللاتينية وجنوب شرق آسيا .
إن المناظرة من الناحية الاقتصادية الصرف بالنسبة لتحول الأوبك إلى اليورو ، تبدو على الأقل للوهلة الأولى قوية جداً
إن منطقة اليورو لا تعاني من عجز تجاري ضخم وليست مثقلة بالدين لبقية العالم مثل الولايات المتحدة . وكذلك فان معدلات الفائدة في منطقة اليورو هي أعلى على نحو ملموس . إن منطقة اليورو تملك حصة من التجارة العالمية أكبر مما لدى الولايات المتحدة وهي أيضاً الشريك التجاري الرئيسي للشرق الأوسط . تقريباً كل ما يحتاج بلد ما أن يشتريه بالدولار ، يستطيع أيضاً شراؤه باليورو . أكثر من ذلك ، إذا كان للأوبك أن تحول أصولها التجارية بالدولار إلى أصول تجارية باليورو وعندئذ تتطلب ثمن النفط باليورو ، فان أصولها التجارية باليورو سترتفع قيمتها فوراً ، لأن البلدان المستوردة بالنفط ستضطر لتحويل جزء من أصولها التجارية أيضاً ، مؤدية بذلك إلى رفع معدل سعر صرف اليورو .
على أية حال فان الاقتصاد ليس القاعدة لقرارات من هذا النوع ، ولكن السياسة الدولية هي الفيصل .
بدل إلى اليورو :
حتى الآن ، فقط بلد واحد من الأوبك تجرأ على التبديل إلى اليورو. العراق في تشرين الثاني 2002 .
ولكن عواقب ذلك على العراق لاتخاذه هذا القرار كانت غزوه من قبل الولايات المتحدة والتدمير الكامل للبلد وفقدان الاستقلال .
إيران ، بلد آخر من الأوبك يتحدث علناً عن إمكانية التحول إلى اليورو من العام 1999 ، هذا البلد تم إدخاله مذ ذاك
في "محور شر " جورج دبليو بوش .
فنزويلا ، بلد ثالث من الأوبك ، تدهورت علاقته مؤخراً مع حكومة الولايات المتحدة ، تظهر فنزويلا أيضاً عصياناً بوجه الدولار . في ظل حكم هوجو شافيز ، فإن فنزويلا قامت بإبرام صفقات مقايضة مقابل نفطها مع 12 بلد أميركي لاتيني بما فيه كوبا . هذا يعني أن الولايات المتحدة تخسر ريعها الاعتيادي .ربما يساعد ذلك في شرح الرغبة الاميركية لتقويض الاستقرار في فنزويلا .
في اجتماع قمة الأوبك في أيلول 2000 ، سلم شافيز إلى قادة دول الأوبك تقريراً عن "المنتدى العالمي حول مستقبل الطاقة"
وهو مؤتمر دعا إليه شافيز في وقت مبكر من تلك السنة لتفحص التوريدات المستقبلية لكل من الطاقة الأحفورية والطاقة المتجددة . إحدى التوصيتين الرئيستين للتقرير كانت " على الأوبك أن تستفيد من المقايضات بالإلكترونيات عالية التقنية والتبادلات الثنائية لنفطها مع زبائنها من البلدان المتطورة " يعني انه ينبغي للأوبك أن تتجنب استخدام كل من الدولار واليورو في العديد من التعاملات التجارية .
في نيسان 2002 فان ممثلاً للأوبك في اسبانيا خلال رئاسة الأخيرة للإتحاد الأوروبي ، وهو مسؤول عالي المستوى ، ألقى خطاباً أوضح خلاله أنه بالرغم من الأوبك ليس لديها خططاً بعد لجعل النفط متوفراً لقاء اليورو إلا أن هذا خيار يتم النظر فيه وقد يكون ملائماً وذو منفعة اقتصادية للعديد من بلدان الأوبك وخاصة تلك الواقعة في الشرق الأوسط .
المراحل الثلاث للهيمنة الاميركية :
إن تحالف المصالح الذي التم في الحرب على العراق ، توصل إلى اتفاق على مصالح دائمة قوية يعتمد النفوذ الاقتصادي الأميركي على دورها العالمي ؛ مثل قطاع الطاقة بالغ النفوذ حول هاليبورتون ، اكسون موبايل ، شيفرون ، تكساكو ، والشركات متعددة الجنسية العملاقة الأخرى .
وتتضمن أيضاً المصالح الصناعية الضخمة للدفاع الاميركي حول بوينغ ، لوكهيد– مارتن ، رايثيون ، نورثرب –جرومان وأخريات . إن مبدأ تكتلات الطاقة والدفاع العملاقة هذه هو الاستمرار الفعلي للنفوذ الاميركي للعقود القادمة من القرن الحالي.
ترتكز الهيمنة الاميركية في العالم بشكل جوهري على دعامتين – تفوقها العسكري الساحق خاصة في البحار ؛ وسيطرتها على التدفقات الاقتصادية العالمية من خلال دور الدولار بصفته عملة احتياط العالم , من الواضح وبشكل متزايد أن حرب العراق كانت للحفاظ على الدعامة الثانية – دور الدولار – أكثر من كونها للدعامة الأولى العسكرية . بالنسبة لدور الدولار فان النفط هو عامل استراتيجي .
المرحلة الأولى كانت لمعدل سعر الصرف الثابت ، 1945 -1970 : خرجت الولايات المتحدة من الحرب بشكل جلي بوصفها القوة العظمى المنفردة ، بقاعدة صناعية قوية وأكبر احتياطي للذهب من أية أمة أخرى . كان دور الدولار مرتبطاً مباشرة بدور الذهب . بدأ معدل سعر صرف الذهب بالهبوط حالما نهضت أوروبا على قدميها اقتصاديا وبدأت تصير مصدّراً قوياً في أواسط الستينات . هذه القوة الاقتصادية النامية في أوروبا الغربية تصادفت مع الارتفاع الحاد في العجوزات العامة للولايات المتحدة عندما صعدّ جونسون حربه التراجيدية في فيتنام .
خلال الستينات ، بدأت فرنسا متبوعة ببلدان أخرى تطلب الذهب من البنك الاحتياطي الفدرالي للولايات المتحدة .بحلول أيار 1971 بدا استنزاف الذهب من البنك الاحتياطي للولايات المتحدة منذراً بالخطر ، حتى أن بنك إنكلترا انضم إلى البنك المركزي الفرنسي في طلب ذهب الولايات المتحدة مقابل ما لديهم من الدولار .اختارت إدارة نيكسون أن تتخلى عن الذهب كليةً ، باعتمادها نظام العملات العائمة في آب 1971 .
معدل صرف عائم منذ عام 1979 والبترودولار :
إن الزيادة المفاجئة لأسعار النفط بنسبة 400% في عام 1973 من قبل الأوبك خلقت طلباً هائلاً على الدولار – البلدان المستوردة للنفط من ألمانيا إلى الأرجنتين إلى اليابان ، كلها كانت تواجه مشكلة كيفية الحصول على الدولار لتدفع فواتير استيراد النفط الجديدة باهظة الثمن . كانت بلدان الأوبك تفيض بدولارات النفط الجديدة . أخذت بنوك الولايات المتحدة وبريطانيا دولارات الأوبك وأعارتها على شكل سندات أو قروض بترودولارية لبلدان العالم الثالث المتلهفة لاستدانة الدولارات لكي تمول مستورداتها النفطية .
مئات مليارات الدولارات كان يعاد تدويرها بين الأوبك ومصارف لندن ونيويورك ومن ثم إلى بلدان العالم الثالث المستدينة .
بدأت أزمة ديون العالم الثالث عندما قام باول فولكر وبنك الاحتياط الاتحادي للولايات المتحدة بشكل أحادي وغير متوقع بزيادة معدلات الفائدة في أواخر عام 1979 في محاولة لإنقاذ الدولار من الهبوط . بعد ثلاثة سنوات من سجل معدلات فائدة أميركية مرتفعة ، فان الدولار قد تم "إنقاذه " ولكن مع كل دول العالم النامي في حالة اختناق اقتصادي تحت وطأة معدلات الفائدة الاميركية المرتفعة على قروضهم من البترودولارات . لإجبار المدينين على دفع الدين لبنوك لندن ونيويورك فإن هذه الأخيرة أتت بصندوق النقد الدولي ليلعب دور "شرطي الدين" في العالم.حيث خفض كثيرا الصرف الحكومي على الصحة ، التعليم والإنعاش الاجتماعي بناءً على تعليمات صندوق النقد الدولي وذلك لضمان أن تحصل البنوك بدون تأخير على خدمة دين البترودولارات .
"اجتماع واشنطن لصندوق النقد الدولي " طور لتحصيل الديون القاسية لبلدان العالم الثالث بالإكراه ، بالنسبة لهم فان دفع ديون الدولار يمنع أي استقلال اقتصادي لأمم الجنوب ، وكذلك للحفاظ على بنوك الولايات المتحدة والدولار في حالة عائمة . هذه المرحلة خلال سنوات ريغان كانت ترتكز على استمرار بشاعة الهبوط الاقتصادي في مستويات المعيشة عبر العالم,عندما كانت سياسات صندوق النقد الدولي تدمر النمو القومي الاقتصادي وتفتح عنوة الأسواق أمام الشركات متعددة
الجنسية المعولمة الباحثة عن المصادر ذات الإنتاج الرخيص في الثمانينات وكذلك وعلى نحو خاص في التسعينات
صعود أوروبا مند العام 1990 :تدمير الاتحاد السوفيتي وبزوغ أوروبا واحدة جديدة,والاتحاد المالي الأوروبي في أوائل التسعينات بدا بمثابة تحد جديد كلية للهيمنة الأمريكية.تعتبر واشنطن ,بشكل متزايد,أن البر الأوروبي وخاصة "أوروبا العجوز" التي تتصدرها ألمانيا وفرنسا هي من يشكل التهديد الاستراتيجي الرئيسي للهيمنة الأمريكية.إن حرباً مستترة بين الدولار وعملة اليورو الجديدة, من اجل السيطرة العالمية, هي في قلب هذه المرحلة الجديدة.
الدولار كأوراق مالية تصدرها الحكومة بدون تغطية:باتفاقها الراسخ مع العربية السعودية,بصفتها أكبر منتج للنفط في أوبك,فإن واشنطن قد ضمنت أن النفط,السلعة الرئيسية لكل اقتصاد أمة,والقاعدة لكل اقتصاد النقل ولمعظم الاقتصاد الصناعي,يمكن فقط شراءه في الأسواق العالمية بالدولارات.في 1975 وافقت أوبك رسمياً على بيع نفطها مقابل الدولار فقط.وكان المقابل اتفاقية عسكرية أمريكية لتسليح العربية السعودية.لغاية تشرين الثاني 2000 ما من بلد من بلدان الأوبك تجرأ على انتهاك قاعدة الثمن بالدولار. بمقدار ما كان الدولار العملة الأقوى,كان هناك القليل من الأسباب لانتهاك هذه القاعدة.وقتها فرنسا وبلدان أوروبية أخرى أقنعت في خاتمة المطاف صدام حسين بأن يتحدى الولايات المتحدة من خلال بيع "النفط مقابل الغذاء" ليس بالدولار ولكن فقط باليورو.لو قيض له أن يستمر,كان يمكن أن يخلق حركة بيع مرعبة للدولارات من قبل البنوك المركزية الأجنبية ومنتجي نفط الأوبك.
في الأشهر التي سبقت حرب العراق الأخيرة,فإن ملاحظات في هذا الاتجاه سمعت من روسيا,إيران,اندونيسيا وحتى فنزويلا-أحد رسميي أوبك الإيراني جافاه بارجاني,قدم تحليلاً تفصيلياً عن كيفية بيع أوبك لنفطها, في مرحلة مستقبلية ما,للاتحاد الأوروبي مقابل اليورو وليس الدولار.تحدث هذا الدبلوماسي عن ذلك في نيسان 2002 في أوفيديو بأسبانيا بناءاً على دعوة من الاتحاد الأوروبي.
إن غزو العراق كان أسهل طريقة لتسليم تحذير استباقي مميت للأوبك ولآخرين بأن لا يعبثوا بترك نظام البترودولار لصالح نظام آخر يرتكز على اليورو.بمقدار ما تستمر ما يزيد عن 70 بالمئة من تجارة العالم بالدولار,فان الدولار هو العملة التي تراكمها البنوك المركزية كاحتياط.
لأن النفط هو سلعة رئيسية لكل أمة,فإن نظام البترودولار,المستمر بالوجود حتى الوقت الراهن,يتطلب بناء فوائض تجارية ضخمة من اجل مراكمة فوائض بالدولار.تلك هي الحال بالنسبة لكل البلدان عدا واحدة-الولايات المتحدة,التي تسيطر على الدولار وتطبعه وفقاً لمشيئتها-لأن أغلب التجارة العالمية تتم اليوم بالدولار,فإن الجميع يهدفون لبلوغ أقصى الفوائض بالدولار من صادراتهم التجارية.السندات المالية للبنوك المركزية في اليابان,الصين,كوريا الجنوبية,روسيا والبقية جميعها باستثناء خزانة الولايات المتحدة هي بالدولار.هذا بدوره يسمح للولايات المتحدة أن يكون لديها سنوياً 500 مليار دولار عجز في ميزان المدفوعات مع بقية العالم.يسيطر بنك الاحتياط الاتحادي على إصدارات طبع الدولار,والعالم يحتاج دولارات الولايات المتحدة.
الدين الخارجي للولايات المتحدة
إن عجوزات التجارة الخارجية,والدين الصافي للحسابات الأجنبية كانت تزيد عن 22 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي في عام 2000,وهذه النسبة في حالة ارتفاع سريع.في عام 1999,عام الذروة في فوران الشبكة العنكبوتية, فإن دين الولايات المتحدة الخارجي كان يقرب من 1,4 تريليون دولار.مع نهاية عام 2003 زاد تقديره عن 3,7 تريليون دولار.قبل عام 1989,كانت الولايات المتحدة دائناً صافياً تربح في استثماراتها الخارجية أكثر مما تدفعه للخارج كفائدة على سندات الخزينة أو الأصول المالية الأخرى للولايات المتحدة.بدءاً من العام 1989 أصبحت الولايات المتحدة أمة مدينة للخارج بمقدار 3,7 تريليون دولار.
بعجز في الحسابات الجارية السنوية(بشكل رئيسي في الميزان التجاري)يصل إلى حوالي 500 مليار دولار,يمثل 5 بالمئة من الناتج القومي الإجمالي,يتوجب على الولايات المتحدة أن تستورد أو تجذب ما لا يقل عن 1,4 مليار دولار يومياً,لتجنب انهيار الدولار والمحافظة على معدلات الفائدة لديها منخفضة بشكل كاف لدعم الاقتصاد المشترك المثقل بالدين.
هذا الدين الصافي سيصير أسوأ عند حدوث خطوة دراماتيكية ما.إذا حولت فرنسا,ألمانيا,اليابان,روسيا وعدد من بلدان أوبك النفطية جزءاً ولو صغيراً من احتياطياتها بالدولار إلى اليورو لشراء سندات ألمانية أو فرنسية أو ما إلى ذلك؛فإن الولايات المتحدة ستواجه أزمة قد تؤدي إلى تدمير اقتصادها.
إن مستقبل وضع أمريكا كقوة عظمى وحيدة يعتمد على مواجهة استباقية للتهديد المنبعث من أوراسيا والبر الأوروبي على وجه الخصوص.وهكذا,فإن الأسباب الخفية لاتخاذ قرار "تغيير النظام" في العراق كان لإجهاض هذا التهديد.لقد كان العراق قطعة شطرنج في تلك اللعبة الاستراتيجية ذات الأهمية القصوى,لعبة الرهانات الكبرى.
غزو العراق
هذا الصراع على البترودولار في مواجهة اليورودولار,والذي بدأ في العراق,لم ينته بعد بكل المقاييس,رغم النصر الظاهري للولايات المتحدة في العراق.لقد تم ابتداع اليورو من قبل الاستراتيجيين الجيو سياسيين الفرنسيين من اجل تأسيس عالم متعدد الأقطاب بعد انهيار الاتحاد السوفييتي.كان الهدف هو موازنة الهيمنة الساحقة للولايات المتحدة في الشؤون الدولية.إن تحالفاً ما بين باريس,موسكو وبرلين يمتد من الأطلسي إلى آسيا يستطيع أن يضع حداً لسلطة الولايات المتحدة.
هذا التهديد المنبثق من سياسة اليورو المقادة فرنسياً مع العراق وبلدان أخرى,دفع ببعض الدوائر المتنفذة في المؤسسة السياسية للولايات المتحدة بالبدأ في التفكير جدياً بالتهديد ألاستباقي لنظام البترودولار حتى قبل أن يصبح بوش رئيساً.
في أيلول 2000,فإن "مشروع قرن أمريكي جديد"( (PNAC أطلق دراسة سياسية رئيسية:إعادة بناء الدفاعات الأمريكية:الاستراتيجيات,القوى والمصادر لقرن جديد.وثيقة PNAC هذه شكلت الأساس الجوهري للوثيقة الرئاسية البيضاء في عام 2002؛"استراتيجية الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية".إن وثيقة PNAC تدعم "مخطط المحافظة على التفوق العالمي للولايات المتحدة,والحيلولة دون نهوض قوة عظمى منافسة,وصياغة نظام الأمن العالمي بما يتوافق مع المبادىء والمصالح الأمريكية".يتوجب إتباع هذه الاستراتيجية الأمريكية الكبرى قدر الإمكان في المستقبل.أضف إلى ذلك,على الولايات المتحدة أن "تثني الأمم الصناعية المتقدمة عن أن تتحدى قيادتنا أو أن تطمح إلى دور عالمي أو إقليمي أكبر".
إن أصحاب "مشروع قرن أمريكي جديد" في عام 2000 يضمون في صفوفهم تشيني,زوجته لين تشيني,مساعد تشيني من المحافظين الجدد لويس ليبي,دونالد رامسفيلد,مساعد رامسفيلد بول ولفوفيتز.وتضم أيضاً رئيس قسم الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي NSC إليوت أبرامز,جون بولتون من وزارة الخارجية,ريتشارد بيرل ووليم كريستول.وكذلك نائب رئيس لوكهيد-مارتين بروس جاكسون,ورئيس المخابرات المركزية الأمريكية السابق جيمس وولسي,كانوا في الهيئة, سوية مع مؤسس آخر نورمان بودهوريتز .وولسي وبودهوريتز تحدثا بشكل سافر عن "الحرب العلمية الرابعة".
معظم هؤلاء الأشخاص هم أعضاء أيضاً في مجموعة أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية."اللجنة الأمريكية للسلام في الشيشان"(ACPC),التي تدعم الإرهابيين الشيشان ضد روسيا.لقد أصبح واضحاً بشكل متزايد للعديدين أن الحرب في العراق هي للمحافظة على السيطرة الأمريكية على العالم,ولكن العراق ليس نهاية المطاف.
الشركة البترولية إكسون EXON وبريتش بتروليوم BP تستثمرا بشكل كبير في الجمهوريات السوفييتية السابقة أذربيجان,تركمانستان,أوزبكستان وكازاخستان من اجل إضعاف النفوذ الروسي على هذه البلدان.تحوي كلاً من كازاخستان وبحر قزوين بعضاً من أكبر حقول النفط في العالم.إن حقول النفط الروسية هي في تتارستان,مقاطعة ذات أكثرية مسلمة, وفي سيبيريا.
لدى الشيشان بعض حقول النفط,ولكن تكمن أهمية الشيشان في حقيقة أن خطوط أنابيب النفط والغاز الرئيسية الممتدة من حقول النفط الروسية والكاخازية تمر عبر الشيشان.وهكذا,إذا أمكن فصل الشيشان عن روسيا؛فسوف تتأثر مقدرة الروس على تصدير النفط والغاز الطبيعي للسوق الأوروبية بشكل فعلي.إن استقلال الشيشان سوف يؤدي إلى سلسلة من ردود الأفعال في المقاطعات الأخرى ذات الأغلبية المسلمة في روسيا,تتارستان على وجه الخصوص.إن انفصال كلاً من الشيشان وتتارستان سوف ينقص خزانات النفط الروسية إلى مستوى متدن؛حيث أن حقول النفط السيبيري متوضعة في أكثر المناطق وحشة في العالم.كنتيجة لذلك,فإن روسيا ستهبط إلى مستوى بلد فقير جداً بدون أية أهمية عسكرية.
هذا هو سبب الدعم الأنجلو-أمريكي للإرهاب الشيشاني ضد روسيا.
وهكذا,فإن غزو العراق كان مطلوباً لتأكيد هدفين.الأول هو احتلال ثاني أكبر حقول النفط في الشرق الأوسط؛من اجل تأمين مصادر نفط مستقبلية للولايات المتحدة,ولكي تستمر تجارة النفط بالدولار.الهدف الثاني هو ترويع أية بلدان أخرى من مجرد التفكير بالانفكاك عن الدولار في تجارة النفط.إن انفكاك تجارة النفط عن الدولار سوف يحط من الوضع الخاص للدولار ومن مقدرة اقتصاد الولايات المتحدة على شراء السلع والخدمات من بقية دول العالم بدون مقابل من الناحية الفعلية,وأن تجبر البلدان ذات الفائض التجاري مع الولايات المتحدة على إقراض الأموال للولايات المتحدة.
ذلك بالتأكيد سوف يدمر اقتصاد الولايات المتحدة القائم على الأموال المقترضة.
لأن العراق كان أول بلد منتج للنفط يبدل احتياطياته من العملات الأجنبية من الدولار إلى اليورو,فإنه أصبح أول بلد يتعرض لهجوم الولايات المتحدة.فنزويلا منذ فترة قصيرة كان لديها انقلاب.وحالياً هي عرضة لعملية ضرب الاستقرار بدفع من الولايات المتحدة.بلدان أوبك في الشرق الأوسط متهمة بإيواء الإرهابيين؛لذلك هم مرعوبون من تبديل احتياطياتهم من العملات الأجنبية.كنتيجة فإن قوانين الشيوعيين لا تنطبق على الولايات المتحدة الأمريكية والدولار سيبقى حياً بصفته عملة عظمى.
ترجمة محمد ديب كور/ حلب
مجلة فورين بوليتكس
بقلم ديباك باسو 22 أذار 2005
من موقع FOREIGN POLITICS
#محمد_ديب_كور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟