أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد طه حسين - الهروب من العقل .... الأدمان بالجهل!!!















المزيد.....



الهروب من العقل .... الأدمان بالجهل!!!


محمد طه حسين
أكاديمي وكاتب

(Mohammad Taha Hussein)


الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 19:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الهروب من العقل ....
الأدمان بالجهل!!!
محمد طه حسين *
ربما يهزنا هذا العنوان اول وهلة و ذلك لخطورة النطق به امام الآخرين الذين نعتبرهم دائما من باب التصنيف بأنهم كائنات اجتماعية مفكرة و متكلمة و متخيلة و لهم ايضا احلام خاصة بهم و رؤى و وجهات نظر، يجتمعون و يخططون و ينفذون تلك المخططات و يلقون الخطابات و يلقنون بعضهم بعضا و يستمعون الى ما ينطقونها، يرشدون بعضهم منذ الأزل و يلتزمون بها الى حد ما، يزرعون و يجنون الثمرات، يقايضون ما يقبضونه باشياء اخرى يحتاجونها، يبنون المباني و البيوت و يحفرون الجداول للري و يخزنون المياه بواسطة الحواجز الترابية المتواضعة، يغنون و يرقصون و يأثرون موسيقا و الحان و فولكلور و تراث خاصة بهم............الخ.
كل هذه التي اشرنا اليها تحتاجها بعضا من العقل و التفكير و لكن هي بالاساس نتاج قسط بسيط و متواضع منه لا نتردد ان نعتبر هذا النوع من التفكير بالبدائي و الدائري المتواصل معنا الى يومنا هذا. التواصل مع النماذج الاولية في التفكير يجعلنا (كما يشير اليه داريوش شايغان في كتابه النفس المبتورة) نعيش نفسيا في تأريخ غيبي يختلط القبل و البعد مع ماوراء التاريخ و التأريخ اللاحق .
الخلط في ادراك الزمن بين القبل و البعد لا يعني غير ما يعنيه اعادة انتاج الماضي و البقاء فيه الى الابد و الدوران الاسطوري في انتاج الافكار النمطية التي لا تضع حجرا على حجر في البناء الحضاري لاي مجتمع كان و كذلك الخلط هذا هو فقدان الاحساس بالزمن و الشعور بماجريات الطبيعة و الخوض في تفاصيل وقوعها و انما الاكتفاء باعتبارها قدرا من اقدار الحياة لابد ان نتساير معها.
الشلل الادراكي سمة بارزة في الميراث الثقافي لنا فالمعارف و المستجدات العقلية التي نصطدم بها لا تكلفنا الكثير في التعامل معها كون الموائمة مع المعطيات الجديدة هي الحد الاقصى في نظامنا المعرفي فالجديد لا نقارنه بالصور الجاهزة المخزونة في ذاكرتنا الجمعية، التطابق الى حد كبير مع النماذج الاساسية يشهد للفرد التوافق معها و الخروج به الى العلن، و لكن الموائمة تخفي فاعلية الذات التي تتجلى حسب ما يحللها جان بياجيه عند التمثل مع المعارف الجديدة حيث تبقيه في حدود التاثر بالمنبهات الخارجية و مشاركة الذات هنا تكون ضعيفة و بهذا يكون المخزون الابستيمولوجي للكائن فقيرا كون الحالة بقت عند الردود الانعكاسية فقط و لم تدخل حيز التبادل الجدلي بين الذات و الموضوع لكي تصبح المعارف تكوينية و اساسية.
العقل كبناء فوقي معرفي لا يبنى فقط على اساس احد القطبين(الذات و الموضوع) دون الآخر فالجدلية في علاقة الاثنين تقود الفرد الى التحرك نحو الاشياء و التفاعل معها و من ثم يظهر الفرد فاعلية ذاته عليها، الفاعلية كما يؤكدها هيغل في فينومينولوجياه هي الروح التي تظهر وجود الكائن و تقرر ان كان موجودا عاقلا او شيئا كباقي الاشياء المصنفة في المحيط.
اذا كنا عشنا طيلة التأريخ مع الخلط الزمني بين القبل و البعد كيف تتكون ذاتا فاعلة و واعية تعي ما تحركها من الاشياء في ما حولها و كذلك تستجيب لما تثيرها من المواضيع التي تنجذب النفس نحوها؟. الخلط الذي يتحدث عنها شايغان لا يعني غير الهبل و الغباء و الجمود و الصفات العقلية هذه تنم عن شيخوخة الفكر لا من حيث تكامله بل بالمعنى الانحطاطي للنمو.
العقل لا ينفع معه التعاريف و الشروحات التقليدية له فهو لا يتظاهر في البهلوانيات التاريخية من حروب و مخططات حربية و حيل للتوسع على حساب الاخر العدو و لا تختزل في التراتيل و القصص و الحكايات الصغيرة و الكبيرة و مستوى التأثير لها على حياة الافراد و الجماعات، بقدر ما هو ايقون جديد ينهض مع نهوض الروح الفاعلة و يقرر بأن يغادر الزمن الغابر و المضي نحو آفاق الحاضر، يقول آلان تورين في كتابه(نقد الحداثة) : ان العقل لا يعترف بأي مكتسب من الماضي بل على العكس يتخلص من الاشكال التنظيمية الغابرة التي لا تؤسس عليها الاساس العلمي للاشياء و يقول تورين في مكان آخر داخل الكتاب بأن الحداثة هي انتشار لمنتجات النشاط العقلي، العلمي، التكنولوجي، الاداري .
العقل يجبر الفرد ان يلاحق الزمن و يبقى داخله و لا يدع الوسائط بان يطبخوا له الافكار و القوالب الجاهزة، عند التشبث بالآخر في التعاطي مع موضوعة التفكير بمعنى انك عجزت في التنقل الى حدود الموضوع و لم تتمكن من الدخول في تفاصيل العلاقة معه. و الحالة هذه هي الرخوة الفكرية و الأنكى من ذلك هي الخوف من جعل الجديد مادة للبناء المعرفي لك، كانط يسمي التجاذب الايجابي في مواجهة الاشياء (العقل في ذاته) اي العقل المحض، و السلبية الازلية في علاقتنا بما حولنا يسميها داريوش شايغان (الاجازة داخل التأريخ)، بمعنى الغياب الازلي في الحضور الفعال للعقل و امكانية وضع أثر هذا العقل في التراكمات الفكرية و النتاجات التي تحصل من احتكاكه مع الزمان و المكان، فالحالة الغيابية تلك تؤسس اللازمانية و اللامكانية للعقل و الترهل العقلي هذا نلحظه دوما في التقدم نحو الخلف لايجاد الحلول لما تصادفنا من وخزات معرفية.
عندما نتصفح صفحات الفكر الكوردي عبر التأريخ الحكائي لهذه الافكار لا نجد غير اعادة تثبيت الكليشات الجاهزة للتأويل و التفسير و كذلك التركيب في البنيان الفكري، فالنمطية في البناء على هذه الشاكلة هي ارث فطري و غريزي حيواني مطبوع على صبغياته الجينية و لم تنتقل بالكائن الى مرحلة الادراك و ايجاد المعنى لما يدركها و بهذا يستلزم الكائن البشري فقط الدوران حول الدورة الحياتية تلك و العقل لا يعني شيئا بالنسبة له.
يتسائل أمانويل كانط في ( نقد العقل المحض) الآتي: هل يمكن عزل العقل؟ و هل يظل العقل مع ذلك مصدرا خاصا للافاهيم و الاحكام التي لا تصدر الا عنه و التي بها يكون على صلة بالموضوعات؟ أم تراه مجرد ملكة مساعدة من اجل تزويد المعارف المعطاة بصورة معينة هي الصورة المنطقية التي بها تنسق معارف الفاهمة فيما بينها و تلحق القواعد الدنيا بقواعد اعلى منها؟ .
تساؤلات كانط تسدد و تثبت ما نراها في ميتاتأريخية التكوين العقلي لنا حيث الفهم السائد بيننا أو بالأحرى التعاطي الغالب للفكر مع ما حوله هو من نوع الملكة التي يقدمها كاختيار لمن لا يجد امامه غير التشبث بها كي يريح باله و لا يحمل عناء التفكير و لا يحرك ساكنا. عزل العقل بمعنى التوجه الى الاماكن الاخرى للتفكير حيث توجد هناك اسرار ما يدغدغ حواسنا و مداركنا و كي نحصل على اجوبة الاسئلة الاسطوانية التي ما نزال نسألها انفسنا و نحن مترددين في تقبلها.
يقول شايغان في الكتاب المذكور (النفس المبتورة) ان الافكار الجديدة التي تداهمني، الأشياء الجديدة التي اراها في مواجهتي ممتدة و منشورة بكل كثافتها، كلها غريبة عني، و لا املك لمعرفتها الكلمات المناسبة و لا التمثلات الملائمة في فكري . فالنتسائل نحن لماذا هكذا يرى شايغان ؟ عندما يحدد في تصويبه العقلي مفهوم التمثلات التي لا يرى بأنها موجودة في النظام المعرفي الفارسي او الاصح ان نقول المجتمعات الايرانية فهو يقصد المخزون الرمزي و الرأسمال العقلي لمجتمعاته التي غالبا ما تتماثل في الانظمة المعرفية للافراد و لكن الزمن داهمهم و لم تسجل اي جديد او ناتج يعتبرها مملوكة باسمهم و عنوانهم، فالأشياء التي تظهر كموضات جديدة و كناتج معرفي و عقلي غربي لا توجد في القاموس المعرفي لمجتمعاتنا و لم نجد لها مسميات و لهذا تعجز اللغة في ايجاد مشتقات أو رموز لغوية ترمز اليها، فالعجز هذا لا يدل غير الغربة تجاه المعطيات العقلية التي ظهرت اساسا بفعل التحرر العقلي من الاغلال العقائدية و الغيبيات التي تسد الشهوة المعرفية و تغلق الفتحات للتلاقح مع العقول المجازفة الغربية.
التيارات الكبرى و الموجات التي تشبه بعضها البعض في ثقافتنا اصطفت كصفوف متراصة و كأسنان المشط لا تستطيع ان تميز بين مكوناتها و طبقاتها التي تراكمت عبر الزمن و الطبقة الفوقانية التي تعود الى اليوم تشبه الطبقة التحتانية التي تقف عليها الكل الثقافي و هذا هو الدليل الاكبر للخلط البنيوي و العضوي بين القبل و البعد أو بين الحاضر و الماضي ، و الكارثة التي حلت بثقافتنا و جعلتها مخصية لا تقدر على التزاوج الحضاري و الثقافي و كذلك التناسل التاريخي ادت الى البقاء بالذات القومية و المجتمعية في طورها البدائي و القبلي و التي لا تقبل غير النتاج المادي للعقل الغربي و الجانب الفكري التي اوجدت كل هذه التقنيات تتجنبها المؤسسات السياسية و الدينية و الثقافية و ذلك جهلا بالتاريخ التطوري و الثورات التي اندلعت لاجلها و العقل الآلي و العلمي و كذلك الديموقراطي و في النهاية الفرداني الذي كانت حبلى اساسا بكل هذه المولودات الحضارية، فنحن اذن ما زلنا في الطور البدائي في الاكتساب الطفولي دون ان نعاني كما أكدنا من قبل المخاض و المسار التي ولدتها و الرأي يتطابق هنا مع رأي شايغان الذي يقول : ان الاختلالات التي تصدر عن تفاوت وجودي قد فرضت هيبة الحداثة على كل ثقافات المعمورة ، و انتهى بها الامر الى التغلغل في جهازنا الادراكي.
دعك من المقارنات بين الانظمة القيمية و الاخلاقية و السياسية و المجتمعية و الثقافية بيننا و بينهم، و اقفز على التأريخ التي وصل بنا الى الآن و أوصلهم الى ما كانوا فيه، فالتجدد و التحديث لا تؤسس على الفوضى و العدمية النسقية الموجودة بيننا و كل حديث ناهيك عن الافعال حول التحرك صوب آفاق الحداثة يتطلب منا البدء بحفريات في الطبقات المعرفية لمجتمعنا و الوقوف عند حدود الانظمة القيمية و ما تنظمها و تحركها و تسوقها، بعد ذلك نجعل من الفرد الانساني محورا اساسيا و مبحثا رئيسيا للبحث و التقصي العلمي و الفلسفي كي نصل الى اعماق و اغوار بنيانه النفسي و عندها نقرر ان نثور على ارث الكهنة الخرافيين من السياسيين و الدينيين و كذلك كهنة الثقافة الكوردية الذين لا جديد في طروحاتهم غير مجالسة اهل السلطة الخرافيين و الاباطيل الذين يمشون على الارض. من هنا نتسائل : هل بالامكان ان يتحرك الفرد بل المؤسسات التي تبغي الحداثة في البنية المجتمعية لنا؟ هل لدى من ينوي التحديث في العقل الكوردي الفهم الكافي للاهداف المرسومة؟ هل يمكنهم ان يبدأئون من انفسهم المغلولة و يشعرون بأهمية التحرر الوجودي و التخلص من ملكية الأطر و الحكايات الكبرى على حد قول جان فرانسوا ليوتار؟.
الاسئلة لا تنتهي بشأن البدء كون لحد الآن لم يتحرك اي مجموعة و اية ثورات لأجل الحرية الاكبر و الأنبل و التي هي حرية الفرد من اغلالها الداخلية و من ثم من الايقونات التي سلمت لها طوعا حرياتها وفق المنظور الفرومي للحرية و الخوف منها.
ان العلمنة و ازالة سحر الاوهام اللتان يتحدث عنهما ماكس فيبر و اللتان تحددان الحداثة باعتبارهما عقلنة كما يرويها آلان تورين في نقده للحداثة تبرزان القطيعة الضرورية مع الغائيات المختلفة المتجسدة في الجمود في الفكر الديني و الذي ينادي دوما بتبخيس الحياة و تقديس النهايات التي لم نتعايشها بعد و لم تأتي و كذلك المختزلة في الاوهام الايديولوجية قومية كانت ام عبر قومية. القطيعة تلك لا تعني التخلي عنها بالمطلق بقدر ما تدل عن البدء بمشروع جديد على اساس الخبرات السابقة التي ادت بمجتمعاتنا الى الاهوال و الهلاك التي نحن فيها. النزول الى الارض و الولوج الى الداخل الانساني الفرد هو في حد ذاته انقطاعا عن مشاريع عقيمة من حيث المنتجات الفكرية و العقلية و البدء من الكائن الفرد لكي نؤسس عليه بناء انسان جديد متحرر من ما يقيد حركاته و يحد من مخيلته.
هذه الامنية بالثورة تحتاج لا فقط البدأ بالتحرك نحوها بل تحتاجها الجرأة في الحديث و النطق بها كون الالغام الثقافية المنتشرة هنا و هناك في جغرافية مجتمعنا تنفجر بك و لا تدعك ان تخطو حتى الخطوة الاولى، هذه هي حلم أنواري قد حلمه الاوربيين الغربيين قبل اكثر من اربعمائة سنة و خطط لها بعد ابائهم الاوائل (دانتي و بوكاشيو و غاليلو و كوبرنيكوس) ديكارت الذي عد الفرد المفكر هو الموجود الاصلي و جعل من التفكير كعملية عقلية و نفسية راقية اكسير الوجود الانساني و بعده جاء الى الذات و اعتبرها مبحثا انطولوجيا للبحث الفلسفي، و من ثم تبلورت الحركة الثورية عند سبينوزا و شوبنهور و هيوم و ميل و......الخ الى ان وصل الى هيغل و ماركس و تكامل المشروع التحرري للعقل عند هايدغر و من بعده لدى الفرانكفورتيين. هذا بالتوازي مع الحركة العلمية و الطبية و المعمارية الهندسية التي كانت تجسدت فيهما الفكر الفلسفي السابقة الذكر.
الانطلاقة التخيلية التي نحن نتأملها بحاجة الى اشخاص اسطوريين أمثال ابن سيناء و المعري و ابن العربي و كذلك حتى الافغاني التي نادى بالتلائم بين التراث و الحداثة و التي نادى قبله به توما الاكويني هذا المزج و الخلط بين القبل و البعد كي يتمكن المجتمع ان يقوم بتحديث اطواره و جوفه العقلي.
يقول ريتشارد تارناس في كتابه البالغ الدقة من حيث التنظيم الاكاديمي و التأريخي (آلام العقل الغربي) ان البرتوس و الاكويني لهما خصوصية حقبتهم، و هذين الرجلين تحديدا هم الذين جعلوا هذين الولائين - الايمان بالكتاب المقدس من ناحية و المراهنة على العالم الطبيعي و على عقل الانسان من الناحية الثانية – يبدوان متضافرين يتبادلان الدعم، بدلا من ان يكونا متناقضين. ان الخصوصية التي يفرضها الزمن على البشر هي الاضافات على المتراكمات و تحويل الصور الفكرية لها الى لوحات ذهنية و عقلية تلائم المعطيات التي تحركنا و تؤثر فينا قريبا كانت تلك المنبهات و المؤثرات ام بعيدا، فالزمن لا يعيد الكرة لأي شيئ على هيئتها و مكوناتها السابقة بقدر ما يضع على الاشياء و الموجودات آثار الزمن المستقيم التي تبدأ بنقطة و تنتهي عند نقطة ثانية.
كان الانسان الحداثوي قد نجح عبر استخدام ذكائه الطبيعي الخاص في اختراق ألغاز الطبيعة و فكها و هذا يؤكده تارناس ايضا و لكن العامل الرئيسي للمنجزات كلها هي الحرية الفردية و التحرر الجهري من الداخل و هم سألوا قبل ان يبدأوا المشوار الطويل هذا انفسهم لماذا هم ليسوا احرارا؟ عند الاجابة على هذا السؤال وجدوا العقدة العويصة و التي هي عبودية الانسان لخارجه من الايقونات المتنوعة التي سلمتها منذ طفولته كافة حرياتها كي يطمئن و هو يضع حمل التفكير على الآخرين و يرتاح باله من الاعباء تلك.
من المعقول بمكان ان نشير الى احد آراء بل استنتاجات فلسفية لفيلسوف الجرأة و العناد كانط و هو يقول في كتابه نقد العقل المحض بشأن تطورات عصره و مجتمعه : عصرنا بوجه خاص هو عصر النقد الذي يجب اخضاع كل شيئ له، و حين يحتج الدين بقداسته و التشريع بجلالته، انما يريدان عادة الانفلات من النقد، و لكنهما يثيران حينئذ شبهات صحيحة حولهما و لا يمكنهما ادعاء وقار صادق لا يمنحه سوى العقل لكل شيئ استطاع ان ينجح في امتحانه العام و الحر.
كانط يقول هذا الكلام و الزمن يرجع بنا الى ما يزيد من ثلاثمائة عام من قبل، العقل الاوربي الخالص بدأ بالتغيير قبل هذا الموعد بكثير و لكن التفكير النقدي الذي هو اللغة الثانية للبشر مثلما يقول جيل دولوز في كتابه ( حوارات في الفلسفة و الادب و التحليل النفسي) بدأت بالتحول الى التقنين في العلاقات البين شخصية للمجتمعات الغربية من خلال الثورات الكبرى المتحولة كالثورة الصناعية و الثورة الفرنسية و التحولات المرنة و الموزونة للعقل على كل الصعد.
النقد هو الغور في تفاصيل الاشياء للبحث عن المعرفة بالقوى المحركة لها و السبر الى المجاهيل التي ظلت تستأسرنا منذ بداية العقول الاسطورية و لحد الآن و لهذا لا يمكثون الكهنة بأنواعهم المختلفة و يتحركون بأعلاء كلماتهم المقدسة و القصاص لمن تجاوز الاطر النزيهة!! و الحكايات التي تسرد منذ الازل على عقولنا.
فالنأتي الى الاجابة على بعض الاسئلة التي طرحناها هنا و هناك من هذا الاستطراق و نبدأ بالاسئلة التالية :
هل بالامكان ان يتحرك الفرد بل المؤسسات التي تدعي الحداثة في البنية المجتمعية لنا؟
هل لدى من ينوي التحديث في العقل الكوردي الفهم الكافي للاهداف المرسومة؟
هل يمكنهم ان يبدأون من انفسهم المغلولة و يشعرون بأهمية التحرر الوجودي و التخلص من ملكية الأطر؟.
تحرك الفرد مرهون بمدى ولعه و حبه في تحرير ذاته اولا من سطوة القداسة من العرف و العادات و التقاليد الاجتماعية و الدينية و السياسية و نزع تلك القداسة منها، نزع القداسة لا يعني الغائها بقدر ما يعني اعطائها حقها و مكانتها و وضعها في المكان الصحيح لها، مفهوم النزع يعني الحصول على اللون و الوجه الحقيقي للشيئ الذي أخذ صفة القداسة، الوصول الى اللون هذا تبدأ بنزع اللثام و القناع و البدأ بمناقشة التفاصيل و الولوج الى الداخل المظلم الذي يخفى فيه المكارون و المتحايلون على العقول سر الاعيبهم و شعوذاتهم.
لا نصل الى الحدود و السدود الممنوعة تلك الا بالغور نقدا في شبكة الخطابات الدينية و المجتمعية و التراثية و اعطائها صفة المحاور و ذلك لتكملة ثنائية الانا و الآخر أو الانا و الأنت شريطة ان لا يكون الأنا متحدا عاشقا مع الأنت فالشعور بالأنا كما يقول فرويد عرضة للتحريف و التشويه كون حدوده ليست ثابتة، نحن نبحث عن مقومات اساسية لتكملة الحوار الحداثوي و هذه تحتاج الابتعاد عن حالة العشق و الوله التي يهابها فرويد و هي تهدد بأمحاء الخط الفاصل بين الذات و الموضوع. الموضوع يجب ان يكون شيئا يتكامل وجودنا العاقل معه و ذلك بالتصرف به و الدخول الى حدوده الانطولوجي و التبادل معه.
نحن عبر الازمنة غير المنفصلة وحداتها عن بعضها كنا عاشقين لعار التأريخ كما يقول عبدالله القصيمي بشأن بني جلدته، نعشق كل شيئ نتوحد بها نذوب فيها نغرق في حالات وجد ازلية دون ان يأتينا اي ايعاز بالحركة طوعا الى ما نميل و نحب و نبغي. دروشتنا هي فقط للتيه في التفاصيل و الكليات كي لا نقترب ابدا من حدود الاجزاء التي تدغدغ عقولنا. التأريخ أفضحنا لكونه هو الذي يمضي و يخطو بنا الى المجاهيل و الفرد ليس له اي قدرة على ان يتحرك كي يشعر بأن الزمن له، و حركية الزمن مرهون بحركية الأنا العاقل و الذات المحترمة الشاعرة بنفسها و بقدرتها.
نحن لم نشعر ابدا بحركية الزمن و التأريخ لم يسرد لنا غير الحكايات المملة التي لا نقدر ان نغور فيها نقدا بل علينا دائما ان نحاكيها و أخذها نماذجا لنمذجة سلوكنا و شخصيتنا وفقها، و الحالة هذه هي السائدة و بامتياز الآن. أخذ النماذج للأقتداء بها و الاستقواء بطاقتها الروحية الكلية لا يدع لنا مجال اوسع للتفكير اكثر من التطواف حول النماذج البدئية الاسطورية التي يتأسس عليها الاحلام البشرية منذ الازل و هذا ما يؤكده كارل كوستاف يونك.
اذن الحركة مقيدة تأريخيا و ملتحمة اساسا بمارد فكري نائم في داخلنا تتطلب استيقاظه الجرأة الكانطية و السبينوزوية و العناد التوينبوي( المفهوم لآرنولد توينبي)، و الشجاعة الحلاجية و الرومية و الاكوينية في مناقشة النصوص و ملائمتها للباطن الغريزي و الداخل الفرداني العقلاني.
كيف تستطيع الحركة و انت لا تقدر ان تصاحب في ايامنا هذه زوجتك و بناتك في نزهات في الاسواق و الحدائق و العيون الغارقة و الجائعة تصطادك و كأنها تغتصبك و تمارس الجنس من خلال الاعين؟ و الحق انها مؤلمة هذه النظرات فمن جهة نحزن عليهم لأنهم بقوا عند المعارف و الاشباعات الحسية، في كل الاحوال النظرات الجائعة تلك لا تدعك ان تأخذ حريتك في الحركة كيف تستطيع ان تتحرك بحريتك و الآخرون من الجوار و مكان العمل و الاماكن العامة الاخرى يقيسون سلوكاتك بسلوكاتهم هم و سلوكات الاجداد و ما تقولبت عليها امزجتهم؟ هل بامكانك ان تترجم ما تجول من القناعات الفكرية داخلك الى اقوال بين العامة و في الفضاء العام دون ان تحاسب بدأ من قبل الهيئات الحكومية و بعدها من الاتحادات و النقابات و .....الخ؟.
هل تستطيع ان تتصرف بجسمك و قيافتك و تلبس ما تحلو لك من الازياء وسط الجسد الاجتماعي الكبير الذي يتحرك لا على التعيين و وفق انثروبولوجياه المشوهة الحزينة؟ هل تقدر ان تعلو صوت ابداعاتك الفنية و الادبية و حتى العلمية و تسمع صداها عند المتربعين على مقاليد الامور؟ هل نحن وسط مجتمع يعتبر المبدعين ثروات قومية للبلد مثل ما يقول تورانس في وصف المبدعين؟ هل اللانظام التربوي السائد ترعرع عبر منهجيات ظهوره ام اقتباس و استعارات من ذاك النظام و تلك؟ هل اللانظام هذا يسير بمرونة هارمونية و يستجيب له العقول الفردية و الاجتماعية؟ (لاء) لكل الاسئلة تلك و المعنى الوحيد الذي نستنتجه هو عدم التعاطي الجدي و الديموقراطي مع حاجة (الحرية) سواء للأفراد أم الجماعات و عدم اعتبارها كالعامل الأقوى للأنتاج المعرفي على الأصعدة كافة.
من اللذين ينوون اذن التحديث في العقل الكوردي اذا كان اهل السياسة و الدين و الاعراف لا يعيرون للمسألة من أهمية؟ و هل انهم على فهم و دراية كافية بالجراحة على العقول و الجرأة في استئصال مجموعة أورام و غدد سرطانية مختبئة في اللحاء تحتاج قدرات معرفية هائلة و متوازنة للتخلص منها أو على الأقل جعلها فقاعات و اكياس حميدة لا تضر بأعلان جمهورية جديدة للعقل داخل الادمغة؟.
هؤلاء هم من يسمونهم (المثقفين أو الاكاديميين)، و لكن يا ترى انهم ينجحون وفق المسميات الحداثوية ان ينالوا هذا اللقب الثقيل(المثقف)؟، بالتأكيد(لا) لأن محوريتهم قد ضاعت و اكثريتهم يركضون وراء الحصول على الاحتياجات الحياتية البايولوجية، و الاستغلال السياسي لهذا الوهن النفسي للمثقف تزداد يوما بعد يوم و الذي يجعل من السياسة أن لا تنظر اليهم و كأنهم ثروات وطنية يجب ان لا يستخف بهم. نلاحظ هنا بانهم انزلقوا الى هاوية الحزبية الضيقة و ركنوا الى زوايا الجرائد والمجلات و المؤسسات الاعلامية و الثقافية الحزبية الاخرى بدل ان يجعلون من مساحة الوطن و المجتمع مكانا لهم للحركة و التأثير. نلاحظ ايضا بان ظاهرة الاستغابة و الاستخفاف بالآخر الحزبي و الفكري و الآيديولوجي أشياء لا يمكن انكارها، و النفاق و السرقة الفكرية و السلوكيات العدوانية و الانفعالات. فالظواهر النفسية هذه و ظواهر أخرى اصبحت نلاحظها بوضوح وضعت تاثيراتها على المنتديات و الملتقيات الثقافية بحيث يقاطعها البعض الذي يحسب نفسه و هو الآخر المختلف المنفصل على الجهة التي قامت بالترتيبات لها. اذن اين المثقف الذي نبحث عنه و هو دائما على الطرف الآخر للمجتمع و نضع عليه آمالا عدة للتحولات الجذرية؟ لا يوجد بالتأكيد فأن الجذور التي ينمو بواسطتها المثقف معلقة في السماء و لا تمس الاراضي الخصبة للتغيير!!.
فهم التحديث يجعل المثقف ان لا يسكر من الآن فصاعدا بالافكار المؤطرة اللاعلمية و عليه ان يفهم قبل الآخرين ان قواعد النقد مستقلة عن الايمان و العقيدة و يجب ان يكون لديه القدرة على معرفة الهندسة الاجتماعية و فن المعمار الثقافي كي تكون خطواته ممنهجة و لا تقدر عليها حراس العرف الاسطوريين و ذلك للوصول بالافكار و المخططات الى ذاكرة و معارف العامة و هذا يراد له انفاس طويلة كون العمل على العقول الفاسدة و العفنة و جعلها تتلائم و مستجدات الحداثة يحتاج مجازفات و مخاطرات من النوع الغربي، فالغربيون يوصفون بأنهم ولدوا في احضان مجتمعات مخاطرة و الوصف هذا للسوسيولوجي الانكليزي غيرتز.
الى الآن نحن مملوكون لغير انفسنا و الملكية الوجودية هذه اوجد لنا آليات دفاعية نفسية بل ستراتيجيات دفاعية لاشعورية نصون بها وجودنا على هذا النمط الهزيل و العبودي، سلمنا حرياتنا و انفسنا كي نحصل على الراحة الروحية أو الرضا النفسين نهرب باتجاه الآخرين لا طلبا للاتحاد بهم بقدر ضروريات التوحد و الذوبان فيهم، لا نقدر على مواجهة الصعاب لأنها تكلفنا بذل طاقات عقلية للصراع و تحمل ثقالها.
الغياب الازلي للروح الواعية أو للروح التي يؤسسها العلم بالمعنى الهيغلي ابقانا في غياهب التأريخ و جعلنا كائنات لا تريد الا الاحتماء بالجهل و ذلك لاظهار وجوده الباطل غير النشط بانه كائن ذات روح بسيطة لا يؤذي غير نفسه، و الظهور بهذا الشكل لا يشكل خطرا على الآخرين من التيارات الثقافية و لهذا يبقى حيا و لكنه بشكله و جوهره الهزيل غير الفعال.
يقول هيغل في فينومينولوجيا الروح : ليس من الصعب ان نرى أن عصرنا هو عصر ميلاد عهد جديد، فقد انفصلت الروح عن العالم الذي تسكنه و تتخيله حتى الآن،و هي عاقدة العزم على ان تتركه يغوص في الماضي، الروح مشغولة و الكلام لحد الآن لهيغل بتشكيل ذاتها من جديد و لكن ببطء و هدوء و تتفتت القديم قطعة قطعة.
اذن البقاء في الماضي لم يكن مشكلتنا نحن اهل كردستان و انما مشكلة الاوربيين قبل اكثر من ثلاثمائة سنة حيث تألم فلاسفتهم و مثقفيهم الكبار من أثر هذا الداء الخطر (الماضوية و تقديس الاصول) . كان هيغل شديد التأثر بالثورة الفرنسية و تمنى كثيرا بأن تصله شمس ثورتها و لهذا السبب رآها بأنها بزوغ النهار سرعان ما تنير المانيا ايضا، و يظهر للعيان عالم فكري جديد و طريقة جديدة للتفكير فلم يعد العالم يتحرك في اطار المعتقدات القديمة ضيقة الافق، عالم الفكر هذا يراه هيغل بأنه يتأسس على العقل و النقد.
الاقبال الهيغلي للحركة الحداثوية الفرنسية لا يحط من أهمية الفكر الالماني، حينها الألمان كان لهم شروطهم الموضوعية الخاصة بهم حيث بعد ان نهضوا ابهرتنا بماكينتها الجبارة في الصناعة و الفلسفة و الفكر على المستويات كافة. التقارب الثقافي بين الكيانين و المنافسة الكلاسيكية بينهما اسرعت حركة التأريخ و الفرنسيون كانوا اكثر حظا في انطلاقاتها لا اكثر و لا اقل. الاوروبيون لهم عقول كبار امثال ديكارت و كانط و هيغل و.....الخ راهنوا من خلالهم على الحفاظ على الهارمونية الاجتماعية و الثقافية، نحن لدينا من؟
نحن لم نكن نقتدي الا برجالات الماضي و منظومتهم القيمية ، الاوروبيون الغربيين لم يحطوا من قيمة ماضيهم ابدا بقدر ما جعلوه ارشيفا عقليا و حضاريا تمكنوا حتى من الاستثمار عليها و توظيفها في القطاع السياحي و التنقيب الاركيولوجي و....الخ و هذا هو بالضبط العمل داخل الماضي و ليس تقديسها حد الاصنام المعبودة مثلما فعلنا نحن و لا زلنا نفعل.
عند التعرف اول مرة على مظاهر الحداثة في معمورتنا لم نكن واعين الى المضي صوب الجذور الفكرية المنتجة لهكذا افكار و اشياء، لم يكونوا روادنا سواء ذوي النزعات القومية أو النزعات الليبرالية أو الدينية اذكياء لهذه الدرجة ان يقارنوا المنتجات العقلية بالعقول المنتجة لها، فالتغربن تارة تستولي علينا و التأسلم تارة اخرى، التراث ينادينا دوما و يجرنا نحوه حينا و الحداثة تدوي طبولها و تحضر الى منازلنا حينا آخر، عند المواجهة في هكذا ظروف لم يكن اكوينيا موجودا لكي يقول لذاكرتنا الجمعية بأننا بامكاننا التلاقح بينهما و ذلك انطلاقا من حتمية التفاعل و التشارك بين الحضارات. الخوف العياني من ظواهر التمدن و الحداثة تعمق في سايكولوجيتنا و في المقابل القلق الازلي من البقاء كما نحن عليه نخر وجود الكيان المجتمعي لنا و جعلها عرضة دائمة للمشاريع الخارجية و كذلك حاضنة مناسبة للعقول الارهابية و العنف الديني و المذهبي.
لم يتمكن المشاريع القومية للأمم في الشرق الاوسط و خاصة المشروع القومي الكوردي ان يتلاقح مع الفكر الحديث كي يبني مجتمع مدني حر حيث الشرق اوسطيون بدأوا في الاصلاح من فوق
اعتقادا منهم بأن الجذور الفكرية منتشرة في الهواء و ليس في العمق الثقافي للارض.
الاقداء من هذا النوع باتت غير رشيدة الى ان ظهرت نتيجة الكساح و الشلل القاعدي للأطر المرجعية الواهنة افكار و ايديولوجيات ذات النزعات العدوانية و الارهابية، تقدم نفسها و كأنها لديها الحل الديني الاسلامي لمشاكل بلدانهم فالنماذج من هذا النوع تفضل الرؤية في منظار واحد و بعد واحد يكون طاغيا على كل الابعاد الاخرى المكونة للمجتمع. اضافة على ذلك لم يقدم الخيار اليساري اي جديد لتخليص المجتمعات من عبأ الماضي الثقيل.
اذن الهروب بدأ منذ امد طويل من الحلول العقلانية و ذلك لسهولة التعاطي مع النماذج القديمة و عدم الوقوع في تهلكة الجديد كون كل جديد تعتبر مشكلة بحد ذاته و الخوض في الجديد يحتاج قدرات عقلية من(النقدية و التباعدية و الابداعية الاستدلالية و المنطقية و .....الخ) فوجع الرأس من الاباطيل تكفينا حيث يبقينا عائمين فوق امواج الحداثة و هذا هو المقصود عند التيارات الدينية و السياسية الحاكمة اذ يراودهم دائما افكار مؤدلجة لتدجين الافراد و تهيتهم للعبودية و الرضاعة الابدية.
الالتجاء الى احضان الاحزاب الحاكمة و غير الحاكمة و كذلك العودة السريعة للانضمام الى المؤسسات القبلية و العشيرية الكلاسيكية لا تعني التنظيم المدني داخل الاحزاب بالمعنى الليبرالي و الحداثوي للمفهوم بقدر ما تعني التشبث بهم استنجادا للقوة التي بحوزتهم كي يحمون تقليديا وجودهم الفيزيكي و ليس العمل و النضال السياسي وفق مشروع و برنامج مخطط لا كثر و لا أقل.
الظهور السريع و المنتشر للحركات الاسلامية الجهادية كان جوابا قاسيا لأصحاب المشاريع القومية و اليسارية و الليبرالية الذين حكموا في القرن الماضي بلدانهم على انهم لم يكونوا يوما البديل الوافي للحكم و لهذا انهم يرفعون من جديد البدائل الغابرة زمنيا كحلول جذرية لكل ما آلت اليها الاحوال، و اثر هذا سرعان ما وجدو آذان صاغية وسط الرعية و بدأوا العودة بالأمم الى الماضي السحيق و من هناك ينطلقون بقفزات اسرع الى النعيم الابدي.
كل هذه الافرازات الناتجة من الظواهر السياسية و الدينية و الاجتماعية و الثقافية السلبية تقع على عاتق الربابين الذين ادعوا يوما بأنهم يسيرون بالمجتمع الى البر الأئمن الا و هي الليبرالية و المدنية و لكنهم فشلوا في الممارسة و التطبيق و انزلقوا نحو النرجسية و حب الذات و الانوية الضيقة و اصبحوا اليغارشيات الاسواق السوداء. من أثر هذه الاحباطات المتتالية نجحت الافكار الظلامية القابعة في ظلمات الذات الفردية و المجتمعية ان تكتسح الذوات الواهنة تلك و تسيرهم وفق هواهم.
هذه الاطلالات للافكار الظلامية ماهي الا نوع خطير من الهروب الجماعي من العقل الذي يبنى عليه الحضارة و التمدين كون الحضارة وفق ما يراها فرويد تظهر من خلال التضحيات الأليمة للطاقة الحيوية للافراد و توظيف جلها في البناء الابتكاري للحضارة، فالهروب من العقل معناه قتل الابداع و الابتكار و لهذا نراهم دوما لا يخفون هذا العداء للعلم و الثقافة و المنتجات العقلية للانسان المتحضر.
من جهة اخرى تخلى الافراد من انتماءاتهم الوطنية و القومية و حتى الحزبية و التمسك فقط بشعرات المعاوية بينهم و بين المؤسسات تلك لا يدل غير البقاء مدجنا وسط ماكينة التدجين الاوليغارشي، و كذلك الهروب و الابتعاد عن هموم العقل و مشقاته.
........................................................................................
• كاتب و اكاديمي | اربيل – كردستان العراق.



#محمد_طه_حسين (هاشتاغ)       Mohammad_Taha_Hussein#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الذات السياسية و العودة الاسطورية
- أردوغان..... التقمص الفاشل لشخصية السلطان
- الهشاشة الوجودية... قراءة لخلفيات الآيدز النفسي و السوسيوثقا ...
- اللازمان و اللامكان الداعشي
- ما زلنا في حدود الذات.... ثالوث الذات ..القارئة و الكاتبة و ...
- ذات تتقنع........ذات تحن الى طفولتها!!
- مالك الدم الحزين!!
- الاصل الميتافيزيكي و السيبرنيتيكي للذات
- الذات المثقفة و الذات الاكاديمية
- اننا محكومون بأن نتلقى أكثر مما يعطي!
- أنانا لا يساوي ذاتنا
- ذاتنا و القلق الاخلاقي
- نحن كائنات المآزق
- مجتمع من الجماجم...مقبرة للتماثيل....حديث عن الديموقراطية و ...
- اطلاق التسميات في العراق ...هلاوس ام جهل معرفي؟.
- لماذا فشلت الديموقراطية كسابقتها الشيوعية في الشرق؟!!
- قلق الجغرافية....جغرافية القلق


المزيد.....




- وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور ...
- بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
- ” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس ...
- قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل ...
- نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب ...
- اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو ...
- الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
- صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
- بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021 ...
- كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - محمد طه حسين - الهروب من العقل .... الأدمان بالجهل!!!