|
الفلسفة قراءة مستمرة لتاريخها
جبوري يونس
الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 17:02
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
ما علاقة الفلسفة بتاريخها ؟ أو بالأحرى هل تاريخ الفلسفة هو تاريخ قطائع وتجاوزات وانفصالات ؟ أو بمعنى آخر الاشتغال على القضايا الفلسفية يمثل استمرارا لقضاياها ؟ أو لنقل هل الفلسفة قراءة مستمرة لتاريخها ؟ ما ذكرناه جزء لا يتجزأ من الإشكالات والأسئلة التي طرحت ولا زالت تطرح داخل الحقل الفلسفي ، صحيح أن الفلسفة كما يذهب دولوز هي إبداع للمفاهيم الجديدية لكن هذا التحديد يجعلنا أما سؤال يطرح نفسه وهو كالآتي : هل هذا يعني أن هذا الإبداع تجاوز لماهو ماضي أو قديم ؟ وهل العودة إلى الماضي تساهم في إنطلاقة قوية لماهو مستقبلي ؟ أم أنها درجة من التنقيص والتقوقع داخل ماهو قديم ؟ الإجابة بالطبع لن تكون بسيطة إن لم نقل بعدمها . عموما وبالاستناد إلى تاريخ الفلسفة يمكن القول إن الفكر الفلسفي يمثل تيارا متصلا و خطا متماسكا غير متقطع ، فحتى إن كان هناك تباين أو اختلاف فهو لا يصل إلى مستوى الخلاف الجذري والمطلق ، إذ من الصعب دراسة فلسفة بمعزل عن الفلسفات الأخرى ، لأن هنالك علاقة جدلية تفيد عملية التأثير والتأثر الواقع بينهما ، وفي هذا الإطار يؤكد ليون روبانLéon robin على أن تاريخ الفلسفة يختلف عن تاريخ العلم ، إذ أن هذا الأخير ــــ تاريخ العلم ــــ ليس جزء من العلم المعاصر ، بقدر ما هو ماضي العلم أي الجزء الفاني والمتجاوز من المحاولات التي قام بها العلماء بغية بلوغ الحقيقة ، منه يكون إغفال ماضي العلم أمر ميسور ، بخلاف تاريخ الفلسفة الذي هو جزء لا يتجزأ من الفلسفة والمشكلات التي أثارها الفلاسفة القدماء لا زالت حاضرة إلى الآن ، والعودة إلى ماضي الفلسفة يغرينا بحب الحقيقة ويعلمنا منهاج البحث فيها فهي عودة تجعلنا كما يقول إميل بريهيه قادرين على معرفة مواطن الأخطاء التي سقط فيها الفلاسفة القدماء وكذا القدرة على معرفة مواطن قوة تفكيرهم ، وهو ما يثير في النفس النقد الحر ، و يؤكد ألكسندر كواريه A. Koyré في كتاب " ثلاثة دروس في ديكارت " على أن الفلسفة تسير ببطيء لكن هذا أمر لا يؤثر على مكانتها من داخل منظومة العلوم الإنسانية ، على أساس أن اهتمامها يتأسس على اتجاهات واضحة وهي الوجود ، والمعرفة ، والقيم ، وهي أمور يظل الإنسان يرتبط بها على مر الأزمنة والعصور ، ولذلك نجد جل الفلاسفة إن لم نقل عامتهم يعملون على تقديم أجوبة أو على الأقل تقديم رؤى ومقاربات تختلف باختلاف الفلاسفة ، وكذا تباين مرجعاتهم وخلفياتهم الفكرية ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الفلسفة والفكر الفلسفي في حاضر مستمر ، ويبرز ذلك من خلال طرحه سؤال مفاده هل انقطعت صلة الفيلسوف الفرنسي ديكارت Deskarte بالماضي الذي كان يحاربه وهو يعيد بناء الفلسفة ؟ الإجابة بالطبع بينة بذاتها ، إن وضعنا في إعتبارنا أن ديكارت استمد اللبنات الأساسية التي أقام عليها فلسفته من القديس أغسطين ، وكذا القديس أنسليم ن وهم بدورهم ينتمون إلى العصور الوسطى حيث كان لأرسطو المكانة القصوى داخل الأوساط العلمية والدينية والمعرفية على حد سواء ، في العالم المسيحي ، ليظهر السؤال من جديد لكن هذه المرة لا يفيد إثارة الإشكال أو السؤال بقدر ما يبتغي إثارة الإجابة ، إذن أليس معنى هذا أنه كان على اتصال وثيق بالماضي وأن الماضي كان له التأثير الخفي النفاذ على فلسفته ؟ ومنه فإن الاشتغال مثلا على موضوع الأخلاق أو السياسة أو التربية لا يعني أن الأمر يفيد التقوقع حول مرحلة زمنية قديمة ، بل على العكس من ذلك تماما فالسؤال الفلسفي والفلسفة عموما تظل تتجدد يوما بعد يوم ، وحقبة بعد حقبة وهذا هو سر الاختلاف الفكري بين الفلاسفة والذي يعد في الحقيقة سمة أساسية من سيمات الفلسفة ، ولا أدل على ذلك من الشعارات التي رفعت في الأحداث التي وقعت في البلدان العربية خلال الأمس القريب ، والتي كانت تهتف بـــــ لا نريد خبزا ولا ماء ولكن نريد كرامة ، فالأخلاق كمبحث ليست نظرية يتم تجاوزها مع كل إحداث جديد ، وإنما هو مبحث لا زال يثير الجدل والخلاف بين الباحثين ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا بصدد موضوع أساسي نظرا لارتباطه الوطيد بالإنسان بل وهو الذي يعطي لهذا الأخير معنى لوجوده ، ولذلك كان كانط يقول الإنسان ليس إلا ما تصنعه التربية ، ويمكن أن نختتم القول بالطرح الهايدغيري حيث يقول إن تاريخ الفلسفة هو في حد ذاته فلسفة أو على الأقل جزء لا يتجزأ من الفلسفة ، ومنه فإن العودة إلى الفلاسفة القدماء الفلاسفة الطبيعيين مثلا إنما هي عودة إلى الأصول وكل بناء إلا ويجب أن ينطلق من الأسس والأصول ،ب ل ويقول هؤلاء هم الذين ابتدأوا في إشارة إلى بارمنيدس وهيراقليطس .
Younes jabbouri
#جبوري_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الفلسفة بما هي نمط للحياة
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|