أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عن التفاؤل والتشاؤم، وعن -الشعب الطيب- ومسؤوليته















المزيد.....


عن التفاؤل والتشاؤم، وعن -الشعب الطيب- ومسؤوليته


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 4684 - 2015 / 1 / 7 - 13:54
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


تعطي مقالة حسام عيتاني "الطوبى وطريقها المعبد بجثث الجماهير" (الحياة، 4 كانون الثاني 2015) انطباعا بأن مقالتي: "خطاب العقل وظهور تيار العقليين" (http://aljumhuriya.net/32962) تنحاز إلى جانب "مشروع" محمد عابد الجابري وطوبى العقل المتفائلة التي نسبتها له، ضد تشاؤمية "مشروع" ناقده جورج طرابيشي. ليس هذا صحيحا، وليس في المقالة ما يثني على عمل الجابري، وإن كنت لاحظت أنه لم ينسق إلى التبشير بالتشاؤم الذي تكرس له ناقده، بالتناسب مع تحويل "العقل" إلى بنية تحتية تفسر أبنية المجتمع الفوقية، السياسية والاجتماعية والفكرية. اختزال مقالتي إلى تفضيل أحد الثقافويين على الآخر غير منصف بتاتا.
مقالة "خطاب العقل"... ترصد اتساع الاهتمام بالثقافة في ثمانينات القرن العشرين، باتصال مع تداعي حركة القومية العربية. لاحظت تحولا في معنى الثقافة مما نتعلمه ونكتسبه من غيرنا وننتجه إلى الثقافة كبنية ذهني ثابتة أو كعقلية، وهذا بالتوازي مع تحول الثقافة إلى أساس ومبدأ تفسيري للسياسة والمجتمع والتفكير. وقلت إن التيار العقلي هو الذي يفسر بالثقافة أو ببنية العقل أوضاعنا العامة، فهو وريث للاقتصادوية الماركسية منهجيا، لا يغير شيئا من مقاربتها الواحدية الاختزالية. وميزتُ على نحو عارض بين ثقافوية يمينية معادية للجمهور وللديمقراطية وثقافوية يسارية منحازة للديمقراطية (وضعت كلمتي يمين ويسار بين قوسين صغيرين تحفظا)، ولا تتعالى على عموم السكان. حسام أغفل استدراكي أنه على أرضية ثقافوية لا يتأسس تفكير ديمقراطي، فبدا مرة أخرى أني أدعو للثقافوية "اليسارية" ضد شقيقتها "اليمينية". هذا غير صحيح أيضا.
أشرت في المقالة المنقودة إلى أن الثقافوية العلمانية (ميزت بين صيغة علمانية للثقافوية وأخرى إسلامية في مواد أخرى)، هي إيديولوجية "العالم الأول الداخلي"، وأن أصحابها دعاة لـ"الاستبداد المستنير" والتشدد في معاملة عموم المحكومين. هذا للقول أن النقاش لا يدور في فضاء الفكر المجرد، بل يحيل إلى مواقف محسوسة جدا في صراعات اليوم الحادة والمصيرية.
تعطي مقالة حسام أيضا انطباعا بأني ضد التشاؤم ومع التفاؤل. أجد التشاؤم موقفا أنانيا بالفعل، مقترنا في كل حال بالتخلي عن المسؤولية الاجتماعية للمثقفين، وهو ما يصدق عليه سلوك جميع من أعرف عملهم من دعاته، لكن لا في المقالة التي ينتقدها حسام ولا في غيرها دعوة إلى التفاؤل أو تبشير به. فإن كان لي أن اقحم هنا تفضيلي الشخصي فهو التفاعل، وليس التفائل، ولا حتما التشاؤم: أن ننخرط في صراعات اليوم بين عموم الناس، وأن نحتفظ بنظرة نقدية.
في أصول هذا التصور للموقع والدور نظرة إيجابية إلى العالم: إنه قابل للتحسين، إن للتعليم والتضامن ثمارا طيبة، إن العالم الدنيوي ليس ملعونا ولا ساقطا، إن من حق الإنسان أن يكون سعيدا على هذه الأرض، وأن يعمل من أجل ذلك. لكن في تحويل هذه الثقة المبدئية بالجهد الإنساني إلى إيديولوجية تفاؤلية تقليص تعبوي وتوظيفي في خدمة مشروعات سياسية خاصة، على نحو شهدناه في شيوعية القرن العشرين.
لست متحمسا لفكر التنوير الفرنسي وتفاؤليته، لكن ألاحظ أن تنويريينا يفصلون، خلافا لسلفهم الصالح، تنويرهم الخاص عن التعليم العام، فيجردون التنوير من التزامه الاجتماعي ومضمونه الديمقراطي، ويجعلونه علامة على تميزهم الذاتي والفئوي، ودعوة متشائمة. بدل تعميم التعليم دعا داع منهم إلى الحجر السياسي على الأميين.
من جهة أخرى، يبدو لي أن رد ستالين إلى تفاؤلية التنوير، على ما فعل حسام، وثيق الصلة بنزعة ثقافوية عالمية يمينية الميول، نخبوية ومعادية للديمقراطية وعموم الناس. وينطبق مثل ذلك في رأيي على كلام حسام على الطوبى، وقد شاع منذ سبعينات القرن العشرين، وتحول إلى عقيدة مقررة منذ انهيار الشيوعية. الطوبى تقتل بضمير مرتاح، أو هي تصنع ضميرا يرتاح للقتل أو يوجبه، على ما نعاين فعلا من طوبى الخلافة أو الدولة الإسلامية، لكن لا تلزم طوبى من أجل القتل، ودولة الأسد لم تحتج إلى أي طوبى بينما هي تقتل السوريين منذ أربع سنوات. ومثلما يمكن التمييز بين وجهة تفاؤلية عامة تنطلق من قابلية العالم للتحسين، بين التفاؤل كإيديولوجية سياسية، يمكن التمييز بين الطوبى كوجهة عامة، كثقافة وسياسة للأمل، وبين الطوبى كمشروع سياسي فوقي. هذا الأخير قاتل، لكن في الإنسان بعد طوباويا أنتج أديانا وثقافات وعقائد متنوعة، رفعت من قيمة الإنسان، وحمت في المحصلة حياة الناس.
ويسوق حسام ما يبدو له مبررات وجبهة للتشاؤم: الشمس ستنطفئ يوما، و"الفشل العربي الشامل". هذه العبارة الأخيرة تنتمي إلى سلالة كئيبة من العبارات، من صنف "الزمن العربي الرديء"، و"الركود العربي"، و"العرب ظاهرة صوتية"، و"انقراض العرب" أو الثقافة العربية، وهي، وليعذرني حسام، عبارات لا معنى لها، ولا يمكنها لذلك أن تكون تسويغا لأي شي. إنها مجرد استمرار لعادات خطابية موروثة، تشبع حاجة ذاتية إلى اللطم والتشاؤم. هناك بلدان عربية متنوعة، لها أوضاع مختلفة، ولشرائح مجتمع كل منها أوضاع مختلفة أيضا، وهي لا تغرق في فشل متجانس أو شامل. ربما تكمن المشكلة في كلمة "عربي"، وهي مشكلة مثقفين تثبتوا على صورة متقادمة للذاتية، ولا يستطيعون الخروج منهم أو اكتشاف ذاتيات جديدة، أو المساهمة في ظهور ذاتيات مغايرة.
أعتقد أن التفاؤل والتشاؤم من نصاب العمل والالتزام الاجتماعي والكوني، وليس من نصاب النظر والمعرفة و"الواقع الموضوعي". قبل أن تنطفئ الشمس يوما، كل واحد منا على يقين أن حياته ستنطفئ، وأن فرصته على الأرض محدودة بعقود يندر أن تساوي أصابع اليدين عددا. كان أبو العتاهية يقول: سبحان ربك كيف يلتذ امرؤ/ بالعيش وهو بنفسه مطلوب! شعور التناهي هذا مبرر وجيه للتشاؤم. لكن مع يقيننا بالموت، ويقين غير قليلين منا بأن لا حياة أخرى، يعمل كثيرون على فعل ما يجعل العالم أقل سوءا. هذا ممكن دوما، ومثمر أيضا. الخيار المعاكس يقترن بالأنانية والانسحاب من العمل العام وعدم التضامن، ولا أعرف إن كانت الحياة الشخصية للتشاؤميين بهيجة. انطباعي أقرب إلى العكس.
التشاؤم الذي اعترض عليه، على أية حال، هو التشاؤم المناضل، العام، وليس التشاؤم كمزاج شخصي قاتم. لذلك أفضل وصف أصحابه بأنهم تشاؤميين، محتفظا بكلمة متشائمين لذوي المزاج الشخصي القاتم. التشاؤم المناضل موقف فكري سياسي مشكك بالمقاومات التحررية ضد هياكل التسلط والاستغلال، وهو فيما يخص أمثلة سورية ذكرتها في مقالة "خطاب العقل..." وغيرها، موقف ملموس جدا في الصراع الاجتماعي والسياسي السوري، منحاز إلى الدولة الأسدية، قبل الثورة وبعدها، وليس تشاؤما وجوديا متصلا بخبرة فنائنا الشخصي، أو بانطفاء الشمس. وتقديري أن المنبع الاجتماعي للتشاؤم هو أوضاع اميتازية، سياسية واقتصادية، يخشى عليها دعاة الثقافوية النخبويون من تهديد العامة المزدراة. يسمونه "طغيان أكثرية العدد"، وله بمشكلات الطائفية والسلطة غير رابطة نسب.
من المؤسف، ختاما، أن يتكلم حسام على طريقة الثقافويين المعاندين عن سلسلة طويلة من "الإخفاقات والهزائم والفوات الحضاري والتاريخي، لا يتحملها أفراد هبطوا بالمظلات من كواكب بعيدة وملأوا الدنيا تآمراً على الشعب الطيب البسيط وباعوا ثرواته واستغلوا مقدراته، على ما تود إقناعنا أسطورة شعبوية يروجها الطغاة العرب وضحاياهم في آن. بل يتحمل جزءاً ليس باليسير منها الشعب ذاته، الذي كلما أتيحت له فرصة للتعبير عن رأيه، اختار الخيار الأسوأ". ليس هذا الكاريكايتر الخشن مناقشة جادة، ولا هو موقف فكري وسياسي عادل. أتكلم على عامة الناس أو على عموم السكان (لم ترد كلمة الشعب في مقالتي المنقودة إلا مرة في سياق يحيل إلى رأي لغيري)، وأعني بهم من لا يملكون سلطة ولا حرية، ومن يشغلون الموقع الأدنى في سلم الثروة، وطبعا التعليم وفرص العيش. بأي معنى من يشغلون الموقع الأسوأ في المجتمع، هم المسؤولون عن "الخيار الأسوأ"؟ هذا تدمير غير مسؤول لمفهوم المسؤولية ذاته. وهو ركن ثابت في موقف نخب الطغيان والأرستقراطيات الرثة الحاكمة في بلداننا: عموم الناس "حوش" ورعاع وحثالات، وينبغي التشدد في معاملتهم، وهو أيضا ما لا أكف عن انتقاده عند الثقافوين اليمينيين. ليس عموم الناس كتلة من الخير والطيبة، ولا من الحكمة بخاصة، وكيف للمفقرين المعنفين المحتقرين أن يكونوا كذلك؟ لكن معنى الالتزام الاجتماعي والأخلاقي هو العمل معهم وبينهم. هناك شيء اسمه التعليم، وشيء اسمه التضامن...
ليس بين الخيارات البشرية ما ليس متناقضا، لكن الانحياز للعامة هو الخيار الأعدل والأكرم.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ربعة وأربعون عاما وأربعة وأربعون شهرا/ 4- فلسطنة السوريين وح ...
- خطاب العقل وظهور تيار العقليين
- السلفية الجهادية كظاهرة مسرحية
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما 3- مقاومة إسلامية، مق ...
- الحق في الدين بوصفه أساساً للحرية الدينية
- خصوصية قضية مخطوفي دوما الأربعة
- مغيّبون: تجارب السوريين في التغييب السياسي خلال جيلين
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 2- حروب ضد العامة
- امرأتان ورجلان من سورية
- سميرة ورزان: وقائع أسطورة معاصرة
- هل الضمير الإنساني واحد؟ والمسلمون شركاء فيه؟
- من تصورات الديمقراطية إلى «النظرية الديمقراطية» في المجتمع؟
- هل سلفيو داعش بشر مثل كل البشر؟ وعقولهم مثل عقول جميع الناس؟
- في أية بيئات سورية ظهرت السلفية العسكرية؟
- أربعة وأربعون شهرا وأربعة وأربعون عاما/ 1- طماشتان
- أنماط الاعتقال السورية من وجهة نظر الأهالي
- علمانيو سورية وإسلاميوها: شراكة غير مؤسسة أو مخاصمة غير تحرر ...
- أنماط الموت السورية، مصنفة حسب القاتلين
- جانب من سيرة الإشاعات السياسية في سورية
- ياسين الحافظ وعبالله العروي


المزيد.....




- مجلس الوزراء السعودي يوافق على -سلم رواتب الوظائف الهندسية-. ...
- إقلاع أول رحلة من مطار دمشق الدولي بعد سقوط نظام الأسد
- صيادون أمريكيون يصطادون دبا من أعلى شجرة ليسقط على أحدهم ويق ...
- الخارجية الروسية تؤكد طرح قضية الهجوم الإرهابي على كيريلوف ف ...
- سفير تركيا في مصر يرد على مشاركة بلاده في إسقاط بشار الأسد
- ماذا نعرف عن جزيرة مايوت التي رفضت الانضمام إلى الدول العربي ...
- مجلس الأمن يطالب بعملية سياسية -جامعة- في سوريا وروسيا أول ا ...
- أصول بمليارات الدولارات .. أين اختفت أموال عائلة الأسد؟
- كيف تحافظ على صحة دماغك وتقي نفسك من الخرف؟
- الجيش الإسرائيلي: إصابة سائق حافلة إسرائيلي برصاص فلسطينيين ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - عن التفاؤل والتشاؤم، وعن -الشعب الطيب- ومسؤوليته