|
-يجب تدمير قرطاج- الامبريالية الامريكية مصممة في حربها على العراق
بيان الدفاع عن الماركسية
الحوار المتمدن-العدد: 1310 - 2005 / 9 / 7 - 11:35
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
"يجب تدمير قرطاج" الامبريالية الامريكية مصممة في حربها على العراق
لقد تعلم الامبرياليون الامريكيون كثيرا من اجدادهم الحقيقيين: الرومان. فاثر الحرب البونية الثانية و بعد ان تمكنت روما في الاخير من دحر حنبعل و بسط تفوقها في البحر الابيض المتوسط ظل هاجس عودة قرطاج يقلقها. و قد تزعم كايتو – عضو مجلس شيوخ روما – حزب الحرب وكان دائما ينهي خطابه - مهما كان موضوع الخطاب - بعبارة: "يجب تدمير قرطاج".
و قد اخذ بهذه النصيحة جملة و تفصيلا. فبعد ثلاث سنوات من الحصار لقي على اثره العديد من مواطني قرطاج حتفهم بسبب الجوع – مثال اول عن نجاعة الحصار - تم تسوية المدينة بالارض و ارسل بسكانها الناجون في العبودية و حرثت الارض و نثرت ملحا. و كان ذلك بمثابة خطاب تحذير ومصير كل من لا يعترف بتفوق قيم الحضارة الرومانية.
بالطبع لقد تحركت عجلة التاريخ منذ ذلك الوقت و اصبحت العبودية امرا غير "مقبول". الا ان الشعوب اليوم ترزح تحت عبودية الية السوق العالمية. و هذا ما يطلق عليه ب"العولمة" حيث هيمنة القوي على الضعيف تتحقق بطرق غير مباشرة: قوانين التجارة و الديون الخارجية. وهذا اكثر مردودية من الحروب و تجارة العبيد لدى الرومان. ومن حين لاخر تتوفر حالات حيث ان وسائل الرومان في حروب الغزو و احتلال اراضي الاخرين تكون مناسبة. و هذا ما ينطبق على مثال العراق.
الا انه في هذه الحالة يوجد شكل متطور على الوسائل القديمة. فالامريكان عقدوا العزم على احتلال العراق. لا يوجد ادنى شك في ذلك. بل انهم وضعوا خططا مفصلة لكيفية عمل ادارة المستعمرة الامريكية و كيف سيعيد الحاكم المستعمر اعادة بناء البنية التحتية المحطمة – بداية بحقول النفط طبعا. فهدف الامبريالية الامريكية هنا ليس جعل ارض العراق عاقرا للابد بطرحها ملحا ولكن لجعل الصحراء تدر خيرات و النفط يتدفق- من اجل مجد الالهة و مصالح رجال النفط الامريكيين و عائدات خزينة الدولة الامريكية.
مهزلة عملية "التفتيش"
في الوقت الذي تطول فيه لعبة القط و الفار الخطرة مع بعثة التفتيش هناك تصورات من بعض الاوساط ان الامور يمكن ان لا تؤول الى اندلاع حرب. فرامسفيلد مثلا يمنح صدام حسين خيار النفي الى مكان غير معلن وهو الحل الذي يجنبه التتبع القضائي. ان هذه الرقصات الديبلوماسية يجب ان لا تخدعنا اذ ان ما يؤخذ في الحسبان هو ان عملية الحشد العسكري بلغت طريق اللاعودة.
ويعلم صدام حسين ان وعود واشنطن ما هي الا وعودا واهية و لا تمثل الا جزءا من الغطاء الديبلوماسي لاخفاء النوايا الحقيقية لامريكا و اشعار العالم و العراق باحساس كاذب بالامن قبل بداية العدوان. لذا فقد كان ظهوره على الشاشة الصغيرة يوم 17 جانفي/يناير ليحذر ان كل من يحاول غزو بلده سيلقي الهزيمة و " يجبر على الانتحار على ابواب بغداد".
تاتي هذه الكلمات الحماسية وقد مرت 12 سنة على حرب الخليج التي انهزمت فيها العراق بسرعة و تكبدت خسارة فادحة بفقدانها 200 الف من الارواح البشرية. و يعد الامريكان الان العدة لتكرار نفس السيناريو الا انه لا احد يبدو متاكدا من ذلك. وتوترات الاسواق المالية العالمية لخير دليل على ذلك.
"مذنب حتى تثبت براءته"
ان وعي العراقيين بضعفهم امام قوة عالمية ضاربة جعلهم يذهبون الى الاخر في التعبير عن ارادتهم للتعاون مع مفتشي الامم المتحدة في العثور على اثبات وجود اسلحة الدمار الشامل. و لكن بدون جدوى! و بعد اكثر من 200 بعثة صرح هانز بليكس اواخر شهر ديسمبر انه لم يقع العثور على شيء و انه عليهم مواصلة البحث للعثور على "الدليل الساطع" لاقناع العالم بالتهديد المزعوم الذي يشكله العراق. وفي ديسمبر ايضا صرح كوفي عنان بانه لا يجد اي مبرر لتدخل عسكري ضد العراق.
و كان رد الامريكان – المطول- هو بما انه لم يقع العثور على شيء يثبت ان العراقيين يخفون شيئا ما! هذه الطريقة المعوجة في التفكير تذكرنا بمحاكمات التفتيش في القرون الوسطى في اوروبا. فتتهم امراة مثلا بممارسة السحر و تخضع للتعذيب لحملها على الاعتراف. فان اصرت على عدم الاعتراف يقال انها تستمد قوتها من الشيطان و ان اغمي عليها من جراء التعذيب يقال ان الشيطان انامها و هكذا الى ان تعترف المسكينة او تموت.
ان العثور على احد عشر صاروخا كيميائيا فارغا و في حالة جيدة مثلت فرصة سانحة لمعذبي العراق لتجديد صيحات فزعهم. و هذه – كما صرح متحدث باسم المفتشين- لم ياتي على ذكرها الملف ذي الاثنتي عشر الف صفحة الذي اعده العراق عن برامج التسليح التي لديه. وقد زعم مسؤول رسمي عراقي من اعلى مستوى بان السبب في عدم التصريح بهذه الصواريخ هو انها غير مدرجة في قائمة الاسلحة المحظورة و انها لم تعد تصلح للاستعمال
فتم وضعها في صناديق خشبية و دخلت طي النسيان.
انه من الممكن جدا ان العراقيين يقولون الحقيقة و كما يتبين ذلك في اكتشاف اخر لكميات كبيرة من الوثائق الغير مصرح بها في احد منازل العلماء العراقيين. و قد احتج العالم مصرحا بان تلك الوثائق ليست لها اية صلة بالبرنامج النووي العراقي و من ضمنها وثائق هي محاضرات لطلبته. و لكن كل هذا لن يساعد صدام. فامريكا تتصرف مثل أليس في بلاد العجائب تريد تمرير قرارا بالادانة و تنظم
محاكمة في وقت لاحق. و لن تقبل بشيء غير هذا.
و يعمل مفتشي الامم المتحدة على اعداد تقريرهم الاول لتقديمه لمجلس الامن يوم 27 جانفي/يناير. و قبل تسليم تقريرهم هذا قام كل من رئيس بعثة التفتيش للامم المتحدة هانز بليكس و رئيس الوكالة الدولية للطاقة النووية محمد البرادعي بزيارة العراق و حذروا العراقيين بان الوضع شديد التوتر و الخطورة. و قد اعلن بليكس انه اذا ارادت العراق تجنب الحرب فان عليها توفير الدليل على تخلصها من البرامج النووية و الكيميائية و البكتيرية.
في المحاكمة العادية عملية اثبات التهمة هي من مهام النائب العام. و لكن في الحالة التي لدينا فان المتهم مذنب كحقيقة مسلم بها و مطالب منه ان يقدم دليلا على براءته! اكثر من ذلك فان عليه ابداء تحمس كبير لمساعدة النائب العام في العثور على الدليل المطلوب اي ما يثبت انه مذنب! و يذهب المسؤولون في واشنطن ان العراقيين لا يقتضي ان يكونوا في حالة خرق للقانون. بمعنى اخر انهم مذنبين حتى تثبت براءتهم.
لما الحرب؟
ان تصرفات الولايات المتحدة تشبه تصرفات فيل هائج يتخبط في اي حاجز يعترضه معتقدا ان حجمه الضخم سيكون كافيا لازاحة كل ما يعترضه. و من سوء الحظ ليست هي الحالة دائما. فمهم هنا مقابلة سياسة امريكا المتشددة تجاه العراق بسياسيتها تجاه كوريا الشمالية. فمع الاخيرة يدفع بوش بالحوار الديبلوماسي و قد عبر انه سينظر في المساعدة الغذائية و شحن كميات من الطاقة اذا ما تخلت كوريا عن برنامج الاسلحة النووية. و من جهته فان نظام كوريا الشمالية لا يخفي اي سرا حول امتلاكه لاسلحة نووية لهذا فان ارسال بعثة تفتيش اممية امر غير ضروري. و مع ذلك فان بوش لا يهدد بغزو كوريا الشمالية! و السبب واضح. فكوريا الشمالية تملك السلاح النووي و جيشا قويا و بامكانها الحاق ضرر جسيم بالعدو في حالة نشوب حرب. و لكن العربيد دائما يختار من هو اصغر و اضعف منه.
حقيقة الامر هو ان الطبقة الحاكمة في وشنطن كانت قد قررت منذ و قت طويل – قبل احداث 11 سبتمبر – بان تزيح صدام حسين و تحتل العراق. فما هي دوافع هذا العناد و الاصرار؟ نعتقد انه توجد دوافع سياسية و استراتيجية و اقتصادية و حتى شخصية. فجورج والكر بوش الذي "فاز" صدفة في الانتخابات الرئاسية الاخيرة عن طريق عملية تحايل سافرة يسعى و بكل الاثمان الى البقاء في البيت الابيض. و قبل موعد الانتخابات القادمة التي ستنتظم في ظرف سنة من الان تتمثل حسابات بوش في ان احراز انتصار في حرب صغيرة لن يضر بحظوظه في ولاية جديدة. الم يكن ذلك الحال بالنسبة لمارغريت تاتشر في علاقة بحرب المالوين! و حقيقة ان العديد سيلقي حتفه خلال هذه الحرب هو اعتبار تافه مقارنة بمستقبل جورج بوش السياسي!
و بطبيعة الحال فان مصير جورج بوش الشخصي غير كاف لتعليل توريط امريكا في نزاع دموي – لا يهم ان قيل عكس ذلك - و غير مضمون النتائج. اذ توجد اسباب اقوى ذات صبغة استراتيجية و اقتصادية.
فبعد انهيار الاتحاد السوفياتي اصبحت الولايات المتحدة القوة الوحيدة الضاربة. اذ يمثل الإنفاق العسكريّ الامريكي 37 في المئة من الإنفاق العسكريّ العالميّ وتنتج الولايات المتحدة 40 في المئة من الانتاج العالميّ للأسلحة و لا توجد قوة اخرى تنافسها في ذلك. و بهذا منح الامبرياليون الامريكيون انفسهم لعب دور بوليس الراسمالية العالمية. و قرروا نقض جميع المواثيق التي شكلت اسس "القانون الدولي" شعارهم في ذلك "لا صوت يعلو فوق صوت القوة" و لن يتسامحوا مع اي نظام لا يقبل بهيمنتهم. وهو فحوى الحرب التي شنوها في كوسوفو وهو ايضا فحو الحرب القادمة على العراق.
برغم الضربة الساحقة التي تكبدها و برغم الحصار البربري الذي رمى بالشعب العراقي في الجوع و التسول يظل العراق قوة ذات شان في المنطقة. و لكن تسعى الولايات المتحدة و كلفها ذلك ما كلفها الى تحطيم هذه القوة و اعطاء درسا لا ينسى الى شعوب الشرق الاوسط و الى العالم ككل. و لسان حالها يقول: ذلك هو مصير كل من يقف ضدنا. هذه هي الرسالة التي تريد الولايات المتحدة تبليغها للجميع.
و مع انه من البساطة ان نصف الحرب القادمة بحرب "من اجل النفط" -اذ توجد عناصر اخرى في المعادلة- يلعب النفط بدون ادنى شك الدور الرئيسي في هذه المعادلة. فالولايات المتحدة تعتمد على النفط بشكل كبير و اهم احتياط للبترول يوجد في الشرق الاوسط. و ينحدر جورج بوش من عائلة من تكساس جمعت ثروتها من النفط كما يملك ديك شيني نائبه علاقات وثيقة مع شركات النفط. و معلوم ان رجال اعمال النفط في الولايات المتحدة يمثلون اقوى مجموعة في صفوف الاوليغارشية الامريكية و يملكون تاثيرا حاسما في سياسة البلاد. و مع التجمع الصناعي العسكري السيء السمعة لهم كذلك تاثير قوي في السياسة الخارجية الامريكية.
العربية السعودية
الى وقت قريب كانت الولايات المتحدة مطمئنة لاعتقادها ان امدادات النفط تضمنها لها قوة صديقة هي العربية السعودية. هذا و تحكم الزمرة الطفيلية الفاسدة في السعودية شؤون بيتها بقبضة حديدية. فهي في حقيقة الامر ديكتاتورية اصولية تمارس التعذيب ضد معارضيها و التمييز ضد النساء و تقطع يد السارق. و هذا يرشحها مباشرة كعضو في التحالف الامريكي للانظمة الديمقراطية.
ففي الوقت الذي يتكلمون فيه باسم الله فان عائلة ال سعود المالكة مشهورة بفسادها. فهؤلاء المدافعين عن الدين و حاميي الاماكن الاسلامية المقدسة يشربون الوسكي ويملكون السيارات الفخمة و تحت تصرفهم عاهرات للمتعة. وقد تمكنوا من البقاء في الحكم عن الطريق القمع الوحشي من جهة و عن طريق العائدات الكبيرة من النفط التي بواسطتها قدموا تنازلات للشعب. و هو ما لم يعد بالامكان مواصلته الان.
فانخفاض عائدات النفط يعني انخفاض مستوى عيش اغلبية السعوديين.اذ يمثل مستوى العيش اليوم 20 في المائة مما كان عليه قبل 20 عاما. و تشهد نسبة البطالة ارتفاعا مستمرا خاصة بين الشباب و هذا يعني ان الاستياء يشتد و لن يكون ممكنا من احتواء الوضع عن طريق القمع و حده.
و قد كانت بمثابة الصدمة بالنسبة للامريكيين ان اغلبية منفذي عمليات 11 سبتمبر لم يكونوا من افغانستان او العراق بل من العربية السعودية. و في الحقيقة كان ذلك منتظرا فالزمرة الحاكمة المنحلة في السعودية و وعيا منها بضعفها انعزالها عن الشعب توصلت الى ابرام صفقة مع رجال الدين من الطائفة الوهابية تمنح الاخيرة كامل الحرية في النشاط داخل البلاد شريطة ان لا تشجع على الجهاد الا خارج السعودية.
و قد تم مساندة و تمويل و تسليح عصابات اصولية رجعية من شاكلة مجموعة بن لادن – التي لها علاقات وثيقة بالعائلة الحاكمة في السعودية – من طرف وكالة الاستخبارات الامريكية و النظام السعودي من اجل محاربة القوى السوفياتية في افغانستان. في تلك الفترة تم بناء البنية التحتية للقاعدة التي لم تكن تمثل اي مشكل لهم اذا ما انحصرت نشاطاتها في قتل الروس. و لكن في الاخير و بعد سقوط الاتحاد السوفياتي وجهت القاعدة اهتمامها نحو امريكا.
وجدير بالملاحظة ان وكالة الاستخبارات الامريكية كانت تثق كثيرا بالسعوديين الى حد عدم وضعهم تحت المراقبة. و قد صرح احد العاملين المنشقين عن السي اي اي ان الوكالة لم تتكلف لو عناء تكوين ملف عن السعودية. هذا الاهمال الغريب يفسر سبب مباغتة السلطات الامنية الامريكية اثناء احداث 11 سبتمبر.
و بعد الثقة العمياء في هذا النظام اصبح الامريكيون اكثر فاكثر ريبة بالنظام السعودي. و يخشون ان يقع الاطاحة بالنظام عاجلا و ليس اجلا. ان الانقسام الجاري داخل العائلة الحاكمة يدعم تحليننا هذا. ان فقدان العربية السعودية سيكون كارثة بالنسبة لامريكا التي تعتمد على النفط السعودي الى حد كبير. خاصة و ان البلد يحتفظ باكبر احتياط عالمي من هذه الثروة.
و من الواضح ان الطبقة الحاكمة في امريكا تفكر مليا في هذا السيناريو و تعد له. و تواجد القوى العسكرية الامريكية على الارض السعودية بتعلة الدفاع عن المملكة من اي تهديد بالغزو – من قبل العراق –هو في الواقع سياسة لضمان مصالحها. ففي حالة الاطاحة بالنظام ستقوم الولايات المتحدة فورا باحتلال – لا كامل البلاد و لو ان ذلك سيكون مهمة عظيمة – و لكن حقول النفط التي يوجد معظمها على شريط ساحلي ضيق. و يتم عزلها عن بقية البلاد و ترك الرمال للسكان العرب.
وياتي العراق لتكتمل لنا الصورة. اذ يمتلك هذا البلد ثاني احتياط من النفط العالمي بعد العربية السعودية. و حيازة هذا المدخرات القيمة سيكون اساسي جدا بالنسبة لامريكا خاصة مع احتمال عدم استقرار النظام في السعودية. علاوة على ذلك فان اي غزو للعربية السعودية ستكون محطة انطلاقه العراق. لهذا فان اقامة قواعد امريكية قوية في هذا البلد هي ضرورة استراتيجية. و لهذه الاسباب نرى الامريكان عاقدي العزم على غزو العراق. و الافضل ان يكون ذلك اليوم قبل الغد.
حيل بليكس
ان العثور على عشرة او اكثر بقليل من الصواريخ الفارغة مستبعد ان تقنع جميع اعضاء مجلس الامن لاعتبار صدام حسين خارق للتزاماته و بالتالي اعلان الحرب. و لا ايضا الفجوات و الحذوفات المختلفة التي ذكرها المفتشون في تقريرهم. و يقول السيد بليكس انه ينتظر من مجلس الامن ان يطلب منه اعداد تقرير اخر في شهر فيفري/ فبراير. و بحلول ذلك الوقت فان غيثا من الاعلانات الجديدة ستكون قد اعدت في شكل دليل لتظهر ان العراق لا يزال يخفي الحقائق.
الا ان في اندفاعها الجنوني نحو الحرب يعترض الولايات المتحدة جملة من العقبات. فالانظمة المجاورة يرتعد جميعها من عواقب غزو العراق. و قد بدا تيار معاد لامريكا في التدفق في الشرق الاوسط. و قام صدام بارسال مبعوث خاص لاجراء محادثات مع عدة زعماء من ضمنهم السوري بشار الاسد. و سوريا التي كانت قد شاركت في العمل العسكري سنة 1991 الذي اخرج القوى العراقية من الكويت ربطت علاقات مع العراق اثر ذلك و تعارض اليوم ضرب جارتها. الا ان هذه الانظمة لا يمكنها مساعدة العراق اذ انها ستعمل للمحافظة على ذاتها قبل كل شيء! ان الخطر الحقيقي لامريكا متات لا من الحكومات و الجيوش العربية بل من ما يطلق عليه "الشارع العربي" اي الجماهير.
و اظهر استطلاع للراي تم في مصر مؤخرا ان 6 في المائة فقط من المصريين يسنادون امريكا في حين يعارضها 69 في المائة. في الاردن بلغت نسبة المؤيدين لامريكا 25 في المائة و 75 في المائة يعارضون اي تدخل. ان انظمة هذه البلدان تعيش و ضع حرج جدا و غزو العراق سيعمق وضعية عدم الاستقرار التي تعيشها و يثير موجة من الغضب في كامل الاشرق الاوسط. كما ستزيد العمليات الارهابية ضد الاهداف الغربية في احتداد حالة العنف. و ما اغتيال المدنيين الامريكان في اليمن اخيرا الا انذار بما يمكن ان يحدث.
و بعيدا ان تكون حربا على الارهاب فان اعمال الامبريالية الامريكية اي ارهاب الدولة سيعمل على تفاقم الازمة خالقا شعورا من الحقد و المرارة و يسهل على المنظمات الارهابية من كسب انصار جدد
هذا و ان مشاغل واشنطن غير منحصرة في الشرق الاوسط. فاوروبا اصبحت قلقة و مغتاظة من تعجرف "حلفائها" الامريكان. و السبب الحقيقي و راء مواصلة بليكس و زملائه لنشاطهم في العراق هو الضغط القادم من عدة اعضاء من مجلس الامن الذين لا يبدون حماسا للحرب و اولهم فرنسا. اذ يرى الرئيس الفرنسي جاك شيراك انه يجب اعطاء المفتشين مزيدا من الوقت و ان عملا عسكريا احادي الجانب ضد العراق سينتهك القانون الدولي. و هذا لان الامبرياليين الفرنسيين لهم مصالحهم الخاصة في الشرق الاوسط. و ما انفكوا يمضون العقود مع منتجي النفط مثل العراق و ليبيا الامر الذي اثار حنق الامريكان. و بما ان هذه العقود تم امضاؤها مع شركات فرنسية لا يمكن ان تعقد ثانية مع شركات امريكية.
و لكن مع مرور كل يوم يزداد صبر جورج بوش نفاذا. "فلم يبق لصدام اي وقت" كما يقول. "لقد سئمت الالاعيب و المراوغات و هذا هو رايي النهائي". ان هذا التحذير ليس موجها فقط للعراق و انما كذلك لباريس فما لا يجهر به النص البوشي هو الاتي: " ان تعارضوننا على العراق فاننا على اية حال سنمضي في ما عزمنا عليه. سنمزق العقود التي امضيتموها و لن تنالوا شيئا. اما اذا وقفتم معنا فستحصلون على فتات الخبز في نهاية الوليمة". و هكذا يوافق الفرنسيين بحسرة و دمعة على مساعدة "اصدقائهم" الامريكان و ارسال قوات الى الخليج.
اما روسيا فقد ارسلت بمندوب الشؤون الخارجية للعراق من اجل "محادثات حول نزع السلاح"- اي خذلان العراق. هذا تكرار لديبلوماسية ميخائيل غورباتشوف في الخليج قبل بداية الحرب على العراق في 1991 حين تركت موسكو العراقيين يعيشون على الاوهام. و يبدو ان التاريخ يعيد نفسه. فلروسيا اليوم عقودا نفطية هامة مع العراق حيث معظم التجهيزات و الالات تم توريدها من الاتحاد السوفياتي و كذلك فان العراق مدان لروسيا بمبالغ ضخمة. و قد وعد الامريكيون الروس باسترداد اموالهم. اما الى اي حد يمكن ان تكون هذه الوعود صادقة فهذه مسالة اخرى.
استعداد حرن
في الوقت الذي يستمر فيه العرض الكوميدي تتدفق القوات الامريكية و البريطانية على الخليج. ان اهم شيء هنا هو ليس الالعاب الديبلوماسية في الامم المتحدة و انما هذا الحشد المتعنت للقوات فلاول مرة ترسل الولايات المتحدة بفرقة كاملة متكونة من 11.000 فوج. و اقاموا قيادة مركزية في قطر. ومن جهتها اعلنت بريطانيا عن ارسال 30.000 من قواتها وهو الربع من اجمالي القوات البريطانية و دبابات و مدفعيات. و الهدف من ذلك هم حشد 100 الف من القوات المقاتلة و ضعف ذلك من القوات المداعمة. ان مثل هذا التحرك للقوات العسكرية ليس الهدف منه مجرد المزاح. ان هذه القوات توجد الان هناك ليقع استخدامها!
انه من الممكن في النهاية ان الولايات المتحدة ستلجا الى مجلس الامن لتضمن قرارا يدعم استعمال القوة. و في نفس الوقت يكونوا قد قطعوا خطوات لاشتراء الفرنسيين و الروس الذين سيدعمون قرار مجلس الامن او لا يستعملون حق النقض في اسوا الاحوال. اما اذا راى الامريكان انهم لن يحصلوا على قرار من مجلس الامن فانهم سيمضون قدما في مخططهم معللين ان الامم المتحدة "قد سبق و ان اصدرت قرارا في ذلك.
كيف يمكن لصدام حسين ان يثبت عدم حيازته لاسلحة الدمار الشامل و يرضي تماما جورج بوش؟ الجواب واضح و بسيط: لا يمكنه ذلك. ففي احسن الاحوال سيعود المفتشون و معهم قرار "غياب البرهان" عوض عن "البراءة". و كما اشارت مجلة الاقتصادي مصيبة: "لو ان امريكا تهاجم العراق على هذا الاساس فانها بالطبع ستسبب الفزع. و لكن في نفس الوقت فان منطق الحرب سيتبع مجراه و حتى بدون دعم الامم المتحدة فان بريطانيا و فرنسا من الممكن ان تلحق بامريكا.
برغم الهمهمة و الغمغمة في لندن و واشنطن و برغم احتجاجات السيد بليكس ليس لدينا شك في ان امريكا عازمة على حربها ضد العراق بقرار من الامم المتحدة او بدونه. و ان جميع المهاترات حول التفتيش عن الاسلحة و قرارات مجلس الامن ما هي الا مسرحية هزلية. فان لم يجد الامريكان اثباتا لتدعيم اتهاماتهم فانهم سيختلقون واحدا. و غير مستبعد ان يحدث استفزاز بشكل او باخر في المستقبل القريب. في الواقع ان الامريكان و البريطانيون ما انفكوا يقصفون مواقع عراقية في ما يسمى بمناطق الحضر الجوي. و لو حاولت القوات العراقية رد الفعل فانه سيقع اعتبار ذلك مبررا لاعلان هجوم مفتوح وهو ما يمكن ان يحدث في اي وقت.
ان الذين يتوهمون ان الامم المتحدة يمكن ان توقف الحرب قبل حدوثها مخطؤون. ان النداءات الى الامم المتحدة تحول مجرى الاهتمام مما يحدث على ارض الواقع. فالحرب يمكن ان تندلع في اي وقت اسرع مما يتوقع اغلب الناس. ان المهمة الفعلية هو بناء حركة معادية للحرب من بين الجماهير. و لا يوجد وقت لاضاعته.
لندن – جانفي / يناير 2003
المصدر : www.marxy.com
#بيان_الدفاع_عن_الماركسية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بخصوص المسعى -الوحدوي- الجديد للعصبة الشيوعية الثورية
-
إسرائيل: الانسحاب من غزة... هل هو خطوة نحو السلام؟
-
الثورة الفنزويلية طليعة الثورة العالمية إن عالما آخرا ممكن ف
...
-
النازيون لا هم حزب عمال و لا هم اشتراكيون
-
أسباب انهيار الأممية الرابعة و محاولات التروتسكيين البريطاني
...
-
الثورة في بوليفيا كل السلطة للجمعيات الشعبية
-
من اجل فدرالية اشتراكية في الصحراء الغربية
-
بوليفيا: الرئيس الجديد يحاول إيقاع حركة الجماهير في الفخ الب
...
-
موضوعات حول الثورة و الثورة المضادة في فنزويلا - تتمة
-
موضوعات حول الثورة و الثورة المضادة في فنزويلا
-
واشنطن تقرع طبول الحرب: فلنتحرك للدفاع عن الثورة الفنزويلية
...
-
على اليسار الفرنسي أن يحطم جدار الصمت المضروب حول الثورة الب
...
-
بالنسبة للثورة البوليفارية، ليس هنالك من-طريق ثالث- ممكن، يج
...
-
الحركة الطلابية المغربية ومهام المناضلين الماركسيين
-
تونس : الشباب يواصلون تحدي دكتاتورية بن علي
-
عشرات الآلاف من الشباب ينتفضون ضد دكتاتورية بن علي في تونس
-
بين الانتفاضات و الخيانات : موجز لتاريخ اليسار العراقي
-
برنامج الخداع البصري لأطاك*-ضريبة توبان- و الحمائية
-
الحرب الأهلية تتصاعد في النيبال
-
نضال الصحراويين , التاريخ والافاق
المزيد.....
-
مارك زوكربيرغ يلتقي ترامب في منتجع مار إيه لاغو.. و-ميتا- تو
...
-
مقاتلو المعارضة السورية يتقدمون سريعا ويصلون مشارف حلب
-
ترامب: الرئيسة المكسيكية وافقت على وقف الهجرة عبر حدودنا
-
اتفاق وقف إطلاق النار.. هل يمثل فرصة لعودة الاستقرار في لبنا
...
-
المرصد السوري: مقتل عشرات من جيش النظام والفصائل في ريف حلب
...
-
الرئيس الفلسطيني يصدر إعلانا دستوريا لتحديد آلية انتقال السل
...
-
عاجل | سرايا القدس-كتيبة طولكرم: مقاتلونا أطلقوا النار على ق
...
-
مبعوث ترامب لأوكرانيا.. مع إنهاء الحرب أم استمرار الدعم لكيي
...
-
فريق ترامب يوقع مذكرة تفاهم مع البيت الأبيض لنقل السلطة
-
هجمات وقنابل.. فريق ترامب يتعرض لـ-تهديدات مجهولة المصدر-
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|