أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - بدر الدين شنن - لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟















المزيد.....


لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟


بدر الدين شنن

الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 5 - 12:38
المحور: العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
    


منذ بداية الهجوم الإرهابي المسلح على حلب ، قبل أزيد من عامين ، كان في مقدمة أهداف الهجوم ، السيطرة على قلعة حلب التاريخية . وذلك لموقعها الهام ، الذي يمكن أن يؤمن سيطرة الإرهاب على مساحة كبيرة من أحيائها القديمة ، ومعالمها التاريخية الأخرى ن وعلى أسواقها القديمة العريقة . إذ أن ارتفاها البالغ أكثر من أربعين متراً ، يسمح بوضع كل المدينة القديمة في مرمى الإرهاب ، التي تشمل أحياء المعادي وساحة بزة وباب المقام والمغازلة والأصيلة جنوباً ، وأحياء جب القبة وقاضي عسكر وباب النير والصاخور وباب الله شرقاً ، وأحياء باب الحديد والجبيلة وأقيول والجابرية والسيد علي وقسطل الحرامي والميدان شمالاً ، وأحياء الجلوم وقلعة شريف والعقبة والكتاب والمشارقة والجميلية وباب أنطاكية غرباً . كما يمكن استخدام الأنفاق في أعماقها ، للتغلغل الحربي لمسافات غير قليلة تحت المدينة . ما يشكل تهديداً تدميرياً كارثياً واسعاً .
ومن أول غرب القلعة ، تقع أسواق حلب القديمة ، التي تعتبر عماد الحركة التجارية في حلب ، والمنطقة الشرقية الشمالية من البلاد ، وتسهم بعمليات التصدير إلى الخارج ، والتي تمتد من سوق الزرب إلى باب أنطاكية ، ومن السويقة إلى سوق القطن ، تتوزع فيها عشرات الأسواق المتنوعة وآلاف المحال التجارية ، وعشرات الخانات التجارية ، التي يشكل كل منها سوقاً قائمة بذاتها، وأبرزها : خان الجمرك . وخان الحرير . وخان العلبية . وخان الصابون . وخان الصوف . وخان الوزير . وخان النحاسين . وخان البنادقة . وخان الجاكي .. ألخ ..

بيد أن المضمر من غاية السيطرة على القلعة ، هو قيمتها المعنوية ، التي في حال وضع يد الإرهاب عليها ، تشكل إضافة سياسية هامة ، وإضافة رمزية حربية ، لصالح الإرهاب ، الأمر الذي كان سينعكس على موازين القوى المعنوية والسياسية والعسكرية ، سواء على مستوى حلب المدينة وأريافها ، أو على مستوى سوريا ، أو على مستوى الأوساط القومية العربية التحررية .
فعندما تذكر حلب ، تذكر قلعتها الشامخة ، وأسواقها العامرة ، وتاريخها العريق ، ويذكر فارسها سيف الدولة الحمداني ، المقاوم للإمبراطورية الرومانية البيزنطية ، وتذكر الدولة الحمدانية العربية القوية ، التي كانت حامية للحدود الشمالية للوطن العربي ، وسنداً لدولة الخلافة ببغداد في أزماتها الداخلية والخارجية الخطيرة .

إن قلعة حلب وسيف الدولة والإباء العربي ، يشكلون رمزاً مشتركاً ، يجسد معنى عروبياً ووطنياً . هكذا كان الواقع .. وهكذا كتب التاريخ . فالقلعة ببنائها العملاق ، تعبر عن الأصالة .. والكبرياء .. والتحدي ، التي يتسم بها سيف الدولة . وسيف الدولة الأمير .. الفارس الشجاع .. راعي العلم والعلماء ، يمنح القلعة .. الجلالة .. والخشوع .. والروعة . وكلاهما القلعة وسيف الدولة .. كانا الحصن .. وكانا الحضن .. الجامع للفروسية .. وللعلم والأدب والفن .
ففي قاعة العرش منفذ يعقبه ممر يؤمن التواصل بين أركان الجيش .. والأمير . وهذا المنفذ يستخدم عندما تدعو اللحظة الحرجة لعمل طارئ ، له علاقة بالجيش ، والأمن ، والحرب . وعلى أرائكها قرب النوافذ المطلة على المدينة الجميلة ، يجلس الأمير العاشق للعلم والأدب والفن .. مع العلماء .. والشعراء .. والفلاسفة .. أمثال : أبو الطيب المتنبي . وأبو نصر الفارابي . وابن خالويه . وأبو بكر الرازي . وابن سينا وأبو الفرج الأصفهاني الذي يقال ، أنه بعد أن أنجز كتابه الكبير " الأغاني " قد قام بإهدائه إلى سيف الدولة .

وقد سجل التاريخ ، استناداً إلى المعطى الواقعي ، اسم سيف الدولة كرمز تاريخي ، لعب دوراً كبيراً في بناء دولة ذات مهابة وقوة.. ترع وتضرب الطامعين بها . وإن تكن مساحة هذه الدولة لا تتجاوز كثيراً مساحة سوريا الراهنة ، إلاّ أنه أعطاها بجرأته وبطولته وذكائه وزناً تستند إليه في مواجهة مختلف الأعداء . وقد وضعه الوزن الذي صنعه لدولته ، في مصاف القادة الكبار عبر التاريخ العربي .

ورغم أن فنون وآليات الحرب قد تغيرت مع الزمن ، حيث لم تعد الأسوار والأبراج والقلاع من الآليات الناجعة في التصدي لنيران الطائرات والمدافع والصواريخ المعادية ، إلاّ أن قلعة حلب قد حافظت على قيمتها المعنوية .. والحربية .. إلى حد يحسب حسابه من قبل الأطراف المتحاربة ، مقارنة بقلاع أخرى ، تقع في مناطق بعيدة عن العمران ، وبعيدة عن التأثير المباشر في مصائر محيطها السكاني والجغرافي .
كل هذا يعطينا جانباً معقولاً من الجواب على السؤال العنوان " لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟


وكما كان من الجريمة بمكان ، عسكرة التغيير الديمقراطي ، وتدويل الحراك السياسي ، وإدخال قوى الإرهاب الدولي ، كعامل رئيس ، في تغيير الخريطة السياسية والجغرافية السورية والإقليمية . ، كان تحويل المدن ومعالم البلاد الحضارية والتاريخية والإنتاجية ، وأماكن العلم والعبادة والصحة ، إلى مواقع وميادين حربية . ما أدى إلى هجرة سكانية ومآس إنسانية واسعة ، وإلى تدمير عمراني كارثي مروع . وقد كان لقلعة حلب مصير مخطط له ، كان سيقوم الإرهاب الدولي بتنفيذه ، هو أسوأ بما لا يقاس مما تعرضت له مساجد وأضرحة تاريخية ، ومعالم هامة أخرى . وذلك من خلال انعكاساتها البشعة على القيم العمرانية العريقة ، وانعكاساتها السكانية ، والمعنوية ، والحربية المتوحشة . خاصة وأن الهجوم الإرهابي الدولي على القلعة كان يهدف بإيجاز : امتهان وإذلال روح الفروسية والشجاعة في تاريخية سيف الدولة الحمدانية ، وإذلال حلب الشهباء ، الصامدة عبر آلاف السنين ، وإذلال شعبها العاشق لقلعته ، والذكي الشجاع صانع مقومات البقاء ، وتواصل الحياة ، والارتقاء الحضاري ، كما كان الهجوم يهدف إلى نشر الإحساس على المستوى الشعبي السوري والعربي بفقدان الكرامة والهوية .

ومن أجل السيطرة على القلعة ، استغلت بمشاركة الخيانة ، أنفاق وقنوات قديمة موجودة منذ مئات وآلاف السنين ، كانت تستخدم أيام الحصار ، للاتصال الخارجي ، أو لإيصال مياه الشرب من مسافات بعيدة .. وقد جرى إصلاح وتطوير الكثير منها ، لتكون ملائمة للأسلحة المعاصرة ، ولحرب العصابات الجديدة .
غير أن للقلعة أسرارها العصية على الغزاة والخونة . وحين الإمعان في انتهاك أسرارها ، تصب لعنتها على من يقوم بذلك والتي لا ينجو منها غاز أو خائن .وهي كما يقال بسبعة أرواح . إذ ما أن تدمر في عدوان .. لا تلبث بعد انتزاع حريتها وأمانها ، أن تتجدد أقوى وأجمل مما كانت قبل العدوان . وعند قراءة طبقات المقطع العامودي للحفريات في باطنها ، تظهر مجموعة الحضارات المتعاقبة ، التي .. وتواجدت فيها وطورتها ، وذلك على امتداد عهود موغلة في القدم حتى عهدنا الراهن . وابتداء من القرن العاشر الميلادي اقترنت القلعة بسيف الدولة الحمداني .

إن من ينظر إلى القلعة من الخارج ، من كافة الجات ، وخاصة من الجهة الجنوبية ، حيث مدخلها الرئيس ، الأنيق ، المهيب ، وتسمح له الظروف للاطلاع الدقيق ، في داخلها ، على المواقع الهامة فيها ، ويأخذ فكرة عن أساس عمرانها الاستراتيجي الحربي والحضاري ، الذي اهتم بمتطلبات الدفاع والحرب ، كما اهتم باتصالها بمدن وحواضر عمرانية أخرى ، وتأمين المياه ، والخزن الغذائي ، وتعدد وترابط أقسامها ومؤسساتها ، يكتنفه العجب .. والخشوع .. والاحترام ، لأولئك الرجال الذين بنوها .. وجددوها .. مرات .. ومرات . ولأولئك الذين كانوا فرسانها ، وأقربهم إلى الذاكرة سيف الدولة الحمداني .

لاشك أن الإرهابيين المأجورين والمرتزقة والغرباء عن سوريا وتاريخها ، والذين غرر بهم ، وحقنت أدمغتهم بالأوهام والتخلف ، وركبهم الغرور ، بعد أن ركبوا السلاح ، يعتقدون أن القوة والتوحش والدم ، يصنع العظمة والعظماء . ويتصورون أنفسهم ، أنهم أعظم من عظماء الشعوب التي يستبيحون أرضها ومقدراتها وقيمها ودمائها . ولذلك قطعوا رأس تمثال الفيلسوف الشاعر الجليل أبي العلاء المعري ، ورأس تمثال الشاعر الكبير أبي تمام ، وهم يطلبون الآن بحلب رأس سيف الدولة الحمداني ، لتأكيد عظمتهم الغالبة .. وتسجيل نصر يغطون به عجزهم عن احتلال المدينة . فيما هم وكل ما تحتويه رؤوسهم من خرافات وأفكار ولى زمنها ، لا يعادلون عظمة أبي العلاء المعري وعلومه ، وأبي تمام وأشعاره الخالدة ، وسيف الدولة وفروسيته وثقافته ، أكثر من الصفر . وهم يتجاهلون عن عمد ، أن " جنكيز خان . وتيمور لنك . وهولاكو " كانوا سابقين عليهم بالتوحش وسفك الدماء ، وتدمير وإحراق المدن .. وقد مروا من حلب ودمروها وأحرقوها مع تدمير وإحراق قلعتها .. لكنهم لم يبلغوا مستوى عظيماً بل ظلوا يراوحون في وحول الفظاعة ولعنات الشعوب . وبعد فشل اجتياحاتهم الهمجية رحلوا إلى الأبد ..

وبقيت حلب .. وبقيت قلعتها .. وذلك بفعل ، وذكاء ، ووفاء ، وشجاعة أبنائها ، الذين يفتخرون أنهم ولدوا فوق أرضها .. وترعرعوا .. وكبروا من هوائها ومائها وثمارها ، وتمثلت مركبات ترابها في أجسامهم ، وترسخت في خلايا دمائهم وعقولهم أرواح جدودهم ، الذين قاوموا كل الغزاة ، وحافظوا عليها وعلى قلعتها ، وأعادوها وجددوها مرة .. إثر مرة .

ولأن قلعة حلب العظيمة ، بشعبها ، وقيمها التاريخية والمعنوية .. هي حاضنة الإنسان .. والحياة .. والتحضر .. داخل وخارج أسوارها .. في الماضي والحاضر والمستقبل .. على مدار آلاف السنين .. فإن الغزاة الجدد راحلون .. كما الذين أتو قبلهم ورحلوا .. وهي باقية .. تتجدد . وتحيا .. وتواكب التاريخ .



#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لأجل عودة آمنة كريمة للوطن .. إلى الطفولة المهجرة
- الأستاذ
- التعذيب جريمة حرب وجريمة استبدلد
- حلب تصنع ربيعها القادم
- الصراع السوري مع الغرب الآن .. لماذا ؟
- مائة عام من الصراع مع الغرب .. إلى متى ؟
- داعش على ضفاف الراين - إلى ريحانة كوباني -
- في التصدي للوجه الآخر للإرهاب
- طعنة في ظهر ابن رشد
- النقابات السورية والنضال العمالي والحرب
- كوباني .. هذه المدينة البطلة
- ضد الإرهاب وحرب الخديعة الجوية
- بدر الدين شنن - كاتب يساري ونقابي عمالي سوري - في حوار مفتوح ...
- وليمة لذئاب حرب الإرهاب
- مع غزة .. أم مع .. تل أبيب ؟ ..
- السؤال المستحق في اللحظة العربية الراهنة
- متطلبات مواجهة الإرهاب الدولي
- أنا والحرية والحوار المتمدن
- أنا مقاوم من غزة
- غزة تستحق الحياة والحرية


المزيد.....




- النسخة الإليكترونية من جريدة النهج الديمقراطي العدد 583
- تشيليك: إسرائيل كانت تستثمر في حزب العمال الكردستاني وتعوّل ...
- في الذكرى الرابعة عشرة لاندلاع الثورة التونسية: ما أشبه اليو ...
- التصريح الصحفي للجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد خل ...
- السلطات المحلية بأكادير تواصل تضييقها وحصارها على النهج الدي ...
- الصين.. تنفيذ حكم الإعدام بحق مسؤول رفيع سابق في الحزب الشيو ...
- بابا نويل الفقراء: مبادرة إنسانية في ضواحي بوينس آيرس
- محاولة لفرض التطبيع.. الأحزاب الشيوعية العربية تدين العدوان ...
- المحرر السياسي لطريق الشعب: توجهات مثيرة للقلق
- القتل الجماعي من أجل -حماية البيئة-: ما هي الفاشية البيئية؟ ...


المزيد.....

- مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة / عبد الرحمان النوضة
- الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية ... / وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
- عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ ... / محمد الحنفي
- الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية / مصطفى الدروبي
- جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني ... / محمد الخويلدي
- اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956 / خميس بن محمد عرفاوي
- من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963.......... / كريم الزكي
- مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة- / حسان خالد شاتيلا
- التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية / فلاح علي
- الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى ... / حسان عاكف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية - بدر الدين شنن - لماذا القلعة بحلب هدف للإرهاب ؟