|
نظرية الاقمشاركة
محمد خضر خزعلي
الحوار المتمدن-العدد: 4682 - 2015 / 1 / 4 - 16:34
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
الاقمشاركة ، نظام اقتصادي بديل لرأسمالية ، فالرأسمالية ومن وجهة نظر مايكل البرت هي نظام يقوم على عدم العدالة في التوزيع ، والتبادل غير المتكافئ ، الامر الذي يزيد من قوة الاقوياء وغنى والاغنياء ، ويزيد من فقر الفقراء وضعف الضعفاء... الامر الذي يعمق الفوارق بين الطبقات بشكل مستمر ، فالاتساع ما بين الطبقات سيستمر الى الحد الذي يهدد فيه هذا الاتساع النظام العالمي بأكمله . فالتعامل في السوق الدولي الحالي قائم اساسا على النظرية الصفرية zero sum game فكل فاعل يتقدم على حساب الفاعل الاخر ، فمنطق " انا اولا" هو منطق ينمي العداوة بين الفاعلين ويقضي على آليات التضامن فيما بينهم. يتضح مثلا ، ان الولايات المتحدة وفي القرن الحادي والعشرين يمتلك فيها 2% من السكان حوالي 60% من الثروة ، في حين ان مجموع كل سكان الولايات المتحدة بالنسبة للعالم ككل هو 3% ، بينما نسبة الاستهلاك الامريكي مقارنة بالاستهلاك العالمي هو النصف تقريبا...! وهنا يتساءل مايكل البرت في كتابه "الحياة بعد الرأسمالية" عن قدرة الرأسمالية على الحياة ! ، ويتضح ان هذه القدرة لن تستمر طويلا ، نظرا لأن عولمة النظام الرأسمالي ادت الى خمس نتائج فادحة : 1- ادت الى عولمة الفقر لا عولمة العدالة. 2-كما ادت ايضا الى عولمة الجشع لا عولمة التضامن . 3-وعولمة المطابقة لا عولمة التنوع . 4-وعولمة الخضوع لا عولمة الديمقراطية . 5-وعولمة السلب والنهب لا عولمة الاستدامة. وهنا يرفض مايكل البرت النظام الرأسمالي والنظم البديلة عنها مثل نظام اشتراكية السوق ، او الاشتراكية المخطط لها مركزيا ، ويقدم نظاما جديدا يرى فيه القدرة على تحقيق المصلحة العامة ، وتحقيق العدالة الاجتماعية محليا وعالميا ، فالرأسمالية خلافا لما نعتقد لم تعد قادرة على تحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية... ويقدم بديلا عن النظامين السابقين وهو نظام الاقمشاركة. بنية وديناميات نظام الاقمشاركة: تقوم بنية الاقمشاركة على ادخال تغيرات ثورية على مستويين ، الاول المستوى الدولي ، والثاني المستوى المحلي ، وذلك بهدف اعادة بناء النظام العالمي : 1-المستوى الدولي: المستوى الدولي ويقوم على ضرورة استبدال الثالوث الرأسمالي والذي يمثل اطرافه الثلاث صندوق النقد الدولي ، والبنك الدولي ، ومنظمة التجارة العالمية بمؤسسات جديدة كونها انحرفت عن الهدف المنشود من انشائها: أ-صندوق النقد الدولي الذي كان هدف انشائه متمثلا في ضمان استقرار اسعار صرف العملات ومساعدة الدول الاعضاء على حماية انفسها من التقلبات المالية ، وهنا يجب استبدال صندوق النقد الدولي بوكالة الاصول الدولية ، لان صندوق النقد الدولي انحرف عن هدف انشائه نحو الغاء كافة القيود على تحركات رأس المال والسعي المحموم نحو تحقيق الارباح. ب-البنك الدولي والذي كان هدف انشائه تيسير الاستثمارات طويلة المدى كوسيلة لتوسيع الاقتصادات من خلال الاقراض اموال استثمارية بأسعار فائدة منخفضة ، الا ان ما حدث هو ان البنك الدولي اصبح اداة بيد صندوق النقد يمنح قروضا للدول التي تفتح مجالا للشركات متعددة الجنسيات ، ليس من اجل تحقيق فائدة للاقتصادات المحلية بقدر ما هي فائدة لرأس المال الاجنبي ، في حين يمنع القروض عن الدول التي ترفض تلك الاجراءات .وهنا يتم استبدال البنك الدولي بالوكالة العالمية لمساعدات الاستثمار. ج-منظمة التجارة العالمية ، حيث ان الهدف من انشائها هو التجارة الحرة من خلال المنافسة والشريفة ، لكن ما يتضح من تتبعها هو انها منظمة تضمن حماية الاحتكارات الرأسمالية الكبرى ، وهنا لابد من استبدالها بوكالة التجارة الدولية. وهذه المؤسسات الجديدة من وجهة نظر نظام الاقمشاركة سوف تساعد على تحقيق العدالة ، والتضامن ، والتنوع ، والادارة الذاتية ، والتوازن البيئي ، في عمليات التبادل المالي والتجاري والثقافي الدولي ، ومن ناحية اخرى سوف تساعد على اعادة توزيع ارباح التجارة والاستثمار الى الاطراف الاضعف والافقر لا الى الاطراف الاغنى والاقوى. وتقوم بنية عمل هذه المؤسسات على هدف اعطاء الاولوية للأهداف القومية والهوية الثقافية والتنمية العادلة على حساب النزعة التجارية ، كما انها ستحمي القوانين والقواعد والتنظيمات التي تحمي مصالح العمال والمستهلكين والبيئة والصحة وحقوق الانسان وحماية الحيوان ، وغيرها من المصالح التي لا تركز على الربح . كما ان هذه المؤسسات تقوم لا على تشجيع التجارة العالمية على حساب التنمية المحلية ، ولن تقوم بإجبار دول العالم الثالث على فتح اسواقها امام الشركات المتعددة الجنسيات ، التي تهدم الصناعات الوليدة والمحلية . كما تشجع هذه المؤسسات الدول الكبرى على ضرورة تنسيق سياساتها الاقتصادية واسعار صرف عملاتها من اجل المصلحة العامة ، لا من اجل الربح الخاص وفق منطق صفري . حيث ان المشكلة عنده ليست طبيعة العلاقات الدولية ، بل المشكلة اساسا في الرأسمالية ، وعولمة الرأسمالية التي تسعى الى تغيير التبادل الدولي لتحقيق مزيدا من الربح بالنسبة للأقوياء والاغنياء على حساب الفقراء والضعفاء. 2-المستوى المحلي: يوضح البرت مايكل ، انه اذا كان من الضروري احداث تغيير ثوري في البنى الاساسية للرأسمالية نحو استبدالها بالنظام الاقمشاركة ، من خلال انشاء مؤسسات جديدة وقد يكون طريقها صعب جدا اذا ما اردنا تحسين العلاقات الكونية ، اذ لابد ايضا من احداث تغيرات ثورية على مستوى الاقتصادات المحلية ، فالرأسمالية تقوم على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج ، وتقسيم العمل ، وتنشأ الفوارق الطبقية بسبب الاختلاف في حيازة وسائل الانتاج ، وهذه التقسيمات الطبقية تحدث فروق في عملية اتخاذ القرار ونوعية الحياة ، وتقوم كذلك الرأسمالية على نزعة فردية مؤذية ، وتتسبب الرأسمالية ايضا بانحدار بيئي ، ولذلك لابد من احداث تغيرات عديدة تمثل الاساس لنظام الاقمشاركة ، تقوم اساسا على مجموعة من القيم ، مثل العدالة ، والتضامن ، والتنوع ، والادارة الذاتية ، والتوازن البيئي، واهم هذه التغيرات هي: 1-ضرورة تعبير المستهلكون والعمال عن رغباتهم ومصالحهم من خلال مجالس ديمقراطية يتم فيها ترجمة الرغبات الى قرارات استنادا الى درجة التأثر والتأثير في اتخاذ القرار. 2-تنظيم العمل من خلال مركبات العمل المتوازنة ، حيث كل عامل يؤدي توليفه من المهام والمسؤوليات توفر له قدرا من التمكين والمردود يعادل ما توفره توليفات المهام والمسؤوليات الاخرى للعمال الاخرين. 3-ضرورة مكافأة العمال بالتناسب مع مشقة العمل وطول العمل ، لا على اساس الموهبة او مدى امتلاكه لوسائل الانتاج المستخدمة او على اساس الملكية. 4-ضرورة تخصيص الموارد عن طريق التخطيط بالمشاركة ، حيث تقوم مجالس المستهلكين والعمال بالتعبير عن تفضيلات المستهلكين وانشطة العمال لمجمل العائد الاجتماعي والتكلفة الاجتماعية المرتبطة بالاختيارات المختلفة التي يقررونها.
على سبيل المثال لا الحصر ، لحل مشكلة البطالة يطرح اقتراب الاقمشاركة حلا بسيطا ، ويقوم هذا الحل على ضرورة تقديم منح للأشخاص العاطلين عن العمل لإدارة مشاريعهم وافكارهم الخاصة من خلال بناء صناديق للتمويل الجماعي ، والاستثمار الجماعي ومراكز تجارة تعود ملكيتها للمجتمعات المحلية ، ويقدم الاقمشاركة حلا لمشكلة الامية والتعليم ، وذلك من خلال استغلال التكنولوجيا والاستفادة من الدروس والمحاضرات المفتوحة على شبكة الانترنت المجانية ، مثل موقع MOOC للتعليم المجاني ، اما لحل مشكلة الجوع ، فيقترح اقتراب الاقمشاركة حلا يقوم على ضرورة تشارك الاراضي الزراعية بين من يملكها ومن يحتاجها للزراعة ، وبهذا يقوم المالك بالسماح للمزارع بزراعة الارض في عملية تشاركية فيما بينهما ، اما مشكلة الفقر يرى اقتراب الاقمشاركة ان هناك حلا لها من خلال مبادرات مكتبية لتبادل الادوات لتخفيض استهلاك الاسر ، حيث من خلال بناء مبادرات لتبادل والتشارك يستطيع الناس ان يأجروا ادواتهم المختلفة للأخرين بأسعار رمزية ، وهنا فأن الفقير يخفض من مصاريف استهلاكه ، ومن ناحية اخرى يتيح لمن يملك بعض الادوات ان يأجرها بأسعار رمزية مما يساعده في جني المال...الخ. ويتم كل ذلك على سبيل المثال من خلال استغلال التكنولوجيا في وصول الناس الى بعضهم البعض ، فمن خلال المنصات الإلكترونية بات بوسع الناس التخلص من شركات الخدمات ، فهناك العديد من المواقع التي تقوم على اساس اقتصاد المشاركة مثل " كيك ستارتر" للإقراض ، حيث تقرض الشركات الصغيرة او اصحاب افكار ومشاريع معينة ، بينما يمكن للناس تبادل الخدمات المختلفة عبر موقع اوبر ، او يمكنهم استئجار غرف وشقق من الناس دون الاعتماد على الفنادق من خلال الاطلاع على موقع Air bnn ، ويقدر عائدات الاقمشاركة لسنة 2013 حسب مجلة فوربس بحوالي 3.5 مليار دولار.
وهنا فأن نظام الاقمشاركة هو نظاما بديلا عن الرأسمالية ، مبني اساس على ضرورة وجود مؤسسات بديلة عن ثالوث الرأسمالية المتمثل في البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية ، اساس المؤسسات البديلة هو النزاهة والشفافية وتوجيه اعمالها نحو تحقيق العدالة الاقتصادية ، ومن ناحية اخرى يقوم نظام الاقمشاركة على ضرورة وجود بنى جديدة في الاقتصادات المحلية ، مثل وجود مجالس ديمقراطية في كل مؤسسة انتاجية تقوم بتوجيه الانتاج والاستهلاك وتخصيص موارد المجتمع من خلال المشاركة في القرارات التشاركية بصبغة ديمقراطية هدفها تحقيق اقتصاد عادلا ومستداما.
#محمد_خضر_خزعلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رأس المال والتفاوت العالمي
-
ايمانويل والرشتاين والنظام العالمي الحديث
-
التوسل في العقلية العربية
-
حرب غزة بين الاهداف المعلنة وغير المعلنة:
-
فقر ورق فكري :علم النفس بين الملحد والمؤمن:
-
مشكلتك مع الاخر
-
بين الحرب والسياسة ج1
-
كيف استفادت ايران من علاقاتها مع دول اميركا الجنوبية
-
القوة وانتقالها الى جهات غير رسمية :
-
الخميني وبوليفار
-
النكتة والسياسة
-
مستقبل حسم النزاع ...في سوريا 1
-
مستقبل حسم النزاع في سوريا:
-
الكرامة عند المهدي المنجرة و الاستعمار الثقافي
-
العمالة الوافدة :وكأس العالم ليس في قطر
-
مستقبل الدولة الاسلامية في العراق والشام :
-
مستقبل الدولة الاسلامية في العراق والشام
-
العلاقات الهندية الاسرائيلية : الجزء الثاني
-
العلاقات الهندية الاسرائيلية: الجزء الاول
-
الى من يحاربون باسم الله
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|