|
مورفين الخوف
فخر الدين فياض
كاتب وصحفي سوري
(Fayad Fakheraldeen)
الحوار المتمدن-العدد: 1310 - 2005 / 9 / 7 - 10:50
المحور:
حقوق الانسان
في المذكرات الشهيرة لخروتشيف، الذي استلم رئاسة الحزب والدولة في الاتحاد السوفيتي بعد ستالين، يتحدث عن العلاقة التي كانت تربط (الرفاق) أعضاء المكتب السياسي واللجنة المركزية بالرفيق الأكبر (جوزيف ستالين) يقول: إن فكرة اللقاء معه هي بحد ذاتها مغامرة.. وحين تقف أمامه فإنك لا تفكر إلا بمسألة واحدة: هل ستنام عند زوجتك اليوم أم في السجن.. أم بين يدي الله!! إن تحركت بطريقة خاطئة.. أو نظرت نظرة بلا معنى.. أو أجبت على سؤال بتلكؤ أو تردد، فإنك لا محالة قد خسرت المغامرة، ولن تعود إلى بيتك .. كحد أدنى في المدى المنظور!! إنه حديث الرجل الثاني في نظام دولة امتد حتى شمل أكثر من نصف القارة الأوروبية وبعض بلدان أميركا الجنوبية.. فضلاً عن الصين والفيتنام في آسيا، ودول كثيرة " صغيرة الحجم" منتشرة في أصقاع العالم تدور في فلك سياساته.. ومن الصعب أن نقول أن خروتشيف آنذاك كان يتحدث عن زعيم عصابة أو قرصان غليظ الشفتين أوالرجل الذي بعين واحدة وعصابة سوداء يسفك دماء من حوله بإظفر خنصره الصغير.. إنما الشبه كبير!! فالرجل الثاني في النظام كان يقف مرتعشاً أمام جبروته، فكيف بالمواطن البسيط، الذي كان يقف باستعداد أمام تمثال أو صورة للرفيق الأكبر.. ويهمس بإذن زوجته في الفراش عنه حتى لا يسمعه أحد.. هذا إذا وثق بأذن زوجته في الأصل!! إنها الأنظمة الشمولية، دول القمع والخوف والإرهاب والأجهزة الأمنية والحزب الحاكم والأهداف الخالدة والنقابات الموحدة والثكنات العسكرية والمدارس الأرثوذكسية وتلفزيون الأسود والأسود والصحافة ذات اللون الواحد!! ستالينيات العالم حولت الشعوب إلى قطعان من الماشية تقودها إلى السوق.. ليشتريها من أراد الاحتفال بأعياد ميلاده وميلاد محظياته وخصيانه.. ذبائح وأضحيات!! والماشية تخاف وتتنبه عند كل أمر وكل طلقة وكل عسكري ينقل حذاءه الثقيل بخطوات النظام الحاكم. ستالينيات العالم (زرقت) مورفينها في شرايين الشعوب حتى بات هذا المورفين جزءاً من دماء الناس الذين لا يعانون من (كريزة) حرية.. وإنما (كريزة) خوف الناس.. فالناس قد أدمنت الخوف!! والحرية عقار غريب ووافد ويصيبهم بالغثيان حيث تعبق رائحته في سمائهم!! النظام الشمولي يحتاج إلى (حلم إلهي) لعلاج أورام المجتمعات وتضخم قلوبها التي امتلأت بالمأمأة والتأتأة.. والثغاء!! نظام أسطوري السطوة.. لا يسمح لنملة أن تخرج عن رتلها الطويل.. يدوس بنفسجة حلمت برؤية زرقة السماء، ويطلق النار على عصفور زقزق على نافذة وطن!! نظام يلاحق الحلم.. من مدينة إلى أخرى.. ومن شارع إلى آخر.. ومن غرفة إلى غرفة.. كما يلاحق (عاهرة) يعبق المكان بالرغبة لحظة إطلالتها بعطورها ومساحيقها وأناملها الطويلة وبياض كتفيها العاريتين!! امرأة كفّرها عاهرو السياسة والنص.. وظلت حلماً يداعب المخيلة بشمس آتية ورمال آمنة باسترخاء.. وحرية ترقص على أنغام وطن يجمع عصافير الدنيا لتعشش بين المآذن والكنائس دون أن يطلق أحد عليها النار.. مورفين الخوف2 حين يعشش الخوف في قلوب الناس ويحفر كما (الخلد) عميقاً في الأرض.. تتحول الحواس آنذاك إلى رقيب متخلف داخل وجه الوطن.. فالنظر لا يمتد أبعد من الضوء الأخضر، والسمع لا يسبر مساحات أبعد من دوائر المسموح و(الشرعي).. وبقية الحواس تسير كما العجائز وراء النعش، بثياب سوداء مهلهلة.. وحين يعتاد الناس ظلمة الأقبية وقرقعة الأبواب الحديدية وصوت السجان يعلو كما السوط في القلب.. يتحول الوطن آنذاك إلى نغمة خوف لا يتوقف إيقاعها.. والخوف عدو تاريخي للكلمة والإبداع والحرية.. والحلم.. وحين نتحدث عن الإصلاح فلا شيء يقاوم هذا المفهوم.. بقدر مقاومة الخوف!! وبالتالي فالإصلاح يخرج عن كونه قراراً آتياً من الأعلى.. رغم أهمية هذا القرار.. إلا أنه لن يأخذ طريقاً حقيقياً عند الناس إلا إذا عممنا ثقافة الحرية وثقافة الحقيقة والمواجهة.. ولن يجرؤ أحد على معارضة موظف أو شرطي أو حذَّاء، إلا إذا استند إلى قانون، وأنه لن يأتي إليه (زوار) فجر أو ظهر.. لا يحب مرافقتهم ولا (قانونهم).. ولن يجرؤ أحد على الاقتراب من الجدران العالية.. إلا إذا اقتنع أنها جدران داخل الوطن وتحت سقف العدالة.. ولن يجرؤ أحد على (بق البحصة) إلا إذا اقتنع أنها لن تتحول إلى رصاصة في قلبه.... ولن يجرؤ أحد أن يقول لقاضٍ إنك تتاجر بأعمار الناس ومستقبل أبنائهم إلا إذا اقتنع أن قوس المحكمة لم يعد مقصلة.. رحم الله أبا ذر حين قال للخليفة عمر ابن الخطاب: (والله لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا) ورحم الله عمر الذي ابتسم لأبي ذر.. واعتبر أن الدولة بخير ما دام أبو ذر بخير.
#فخر_الدين_فياض (هاشتاغ)
Fayad_Fakheraldeen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
امرأتان.. في ظل النظام العالمي الجديد
-
لا تنتقدوا النظام السوري في لبنان حتى لا يغتالكم - الشرق الأ
...
-
مصباح -علي بابا-.. والديموقراطية!!
-
فيدرالية.. ومن بعدي الشيطان!!
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|