أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - النّوارس، أو مناديل لوركا














المزيد.....


النّوارس، أو مناديل لوركا


نعيم الخطيب

الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 01:20
المحور: الادب والفن
    


لا أشعر بالتّعاطف مع أدوارٍ نمطيّةٍ كشخصيّة (هادوك) القبطان السّكّير السّاخر في مغامرات (تان تان)، أو آدم بريكر، الطّبيب الدّاعر في مسلسل (قارب الحبّ)، ولا حتّى جاك ـ هذا مثالٌ للمستجدّين على قارب الحياة ـ وهو يسلّم كامل إيرلنديّته لروز في المقعد الخلفيّ لسيارة الرّينو في قلب الباخرة (تايتا)! لستُ تقيًّا، ولكنّني لا أحبّ أن أعبد الله على حرفٍ، أو أثناء العاصفة، أو قبل احتمال الغرق بدقائق. وأمقتُ صبيانيّة البحّارة، عندما ترسوا السّفن في المرفأ؛ فأوّل ما يقومون به، وفق بروتوكولٍ مسبقٍ، هو تبادل أشرطة الفيديو مع أترابهم على ظهر السّفن الأخرى، لينتهي بك الأمر وقد شاهدت الفيلم الكلاسيكيّ (الفرج المتكلّم) مئة مرّة. شيءٌ يخبرني أنّني لستُ بحّارًا، ليس مثلهم على الأقلّ، ولا أعرف ما الّذي أتى بي إلى هنا!

ربّما تعود بداية الحكاية إلى ما قبل خمسةٍ وعشرين عامًا، عندما استقبلتنا قوارب القوادين في عرض البحر، قبل وصولنا مرفأ طنجة. كم بدا الأمر محرجًا للقبطان وهو يطردهم مفسّرًا أنّها باخرة تدريب، تحمل فتيةً يركبون البحر لأوّل مرّة. ثلاث ليالٍ فقط كانت كافيةً لكي يصبح لليتم تعريفًا آخر. في طريق العودة، انفرد كلٌ منّا بوجعه، وقد ترك خلفه قصّةً، وفتاةً سمراء تلوّح مودّعةً بمنديلها على الرّصيف. التّمرين العمليّ الأوّل قد تمّ: كيف تترك قطعةً من قلبك في كلّ مرفأ؟

استلم كلٌّ منّا تصريحه للتّو. فما إن ترسو سفينتنا في جونيه، حتّى يرتقي الرّفاق إلى بيت (إمّ طوني) في (المعاملتين). تقرأ الزّبائن جيّدًا، فالبعض لم يأتِ طلبًا لكوب الشّاي بالنّعناع فقط. كم أتمنّى أن لا تقوم (إمّ طوني) بتقديم الخدمة بشكلٍ شخصيّ، فقد بدأتُ لتوّي صداقةً مستدامةً مع طيب العِشرة (أبو طوني). عند عودتي في آخر اللّيل، خرجت من قمرة القبطان الشّاب فتاةٌ تتلفّظ بأفظع الشّتائم، بعد رفضها الخضوع لاختبار الخلوّ من الأمراض المنقولة جنسيًّا ـ الّذي ورثه القبطان عن والده ـ وكان الأمر يتطلّب استخدام خلّ التّفاح الطّبيعيّ. همستُ في أذن القبطان: "يا رجل ما كانت السّيدة العذراء لتجتاز اختبارًا كهذا!".

تقترب سفينتنا من الإسكندريّة، أتذكّر أنّني كنتُ قد وعدتُ نفسي أن أدلّلها بقضاء ليلةٍ في فندقٍ متهالكٍ في (المعمورة)، في ذات الغرفة الّتي كان عبد الحليم حافظ قد استأجرها أثناء تصوير فيلم (أبي فوق الشّجرة). في الطّريق أشاهد محطّة القطار الملكيّ في قصر المنتزة. كان الملك فاروق يحمل حكومته كاملةً في هذا القطار إلى الإسكندرية صيفًا. تستطيع أن تحكم العالم أجمع من هنا، ولو لم تكن مقدونيًّا!

أحاول فعل النّوم أو اليقظة، أجلس معتدلًا في السّرير، أدقّ رأسي برأسه كعادة عبد الحليم. الملك فاروق في شرفة قصره، يدير مصر، ويدير ظهره لها تارةً أخرى، مراقبًا البواخر المغادرة. (أبو طوني) يفعل ما يجيده فقط ـ إرضاء (إمّ طوني)، وصناعة العرق البيتيّ وتحضير المازة من حواضر حديقة المنزل. القبطان الشّاب أجهز على مخزون النّبيذ كاملًا، وأتى على ما تبقّى من خلّ التّفاح. السّمراوات في طنجة يلوّحن بمناديلهنّ البيض، المناديل تحلّق فوق سطح الماء. السّاعة الآن الثّانية صباحًا، تستيقظ زوجتي منزعجةً من صوت هدير الموج، وتغلق النّافذة. تسألني ما حكاية البحر هذه اللّيلة. وكيف لي أن أعرف؟ ما كنتُ بحّارًا يومًا، ولا أعرف ما الّذي تفعله كلّ هذى النّوارس في رأسي.



#نعيم_الخطيب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وهكذا ابْتَدَأَت
- اوتو ستوب
- ثوابت غير وطنيّة
- يا ورَادِي يا مْعَلِّمْتي!
- في انتظارِ السّيّدة، أو قِفَا نحكِ
- ليس في بيتي مدخنة
- أربعٌ وعشرون
- هنا اسمي كاملٌ
- وهبطَ كَهْلاً
- ستريت بيرفورمرز دليلُ المُشَاهِد


المزيد.....




- سربند حبيب حين ينهل من الطفولة وحكايات الجدة والمخيلة الكردي ...
- لِمَن تحت قدَميها جنان الرؤوف الرحيم
- مسيرة حافلة بالعطاء الفكري والثقافي.. رحيل المفكر البحريني م ...
- رحيل المفكر البحريني محمد جابر الأنصاري
- وفاة الممثل الأميركي هدسون جوزيف ميك عن عمر 16 عاما إثر حادث ...
- وفاة ريتشارد بيري منتج العديد من الأغاني الناجحة عن عمر يناه ...
- تعليقات جارحة وقبلة حميمة تجاوزت النص.. لهذه الأسباب رفعت بل ...
- تنبؤات بابا فانغا: صراع مدمر وكوارث تهدد البشرية.. فهل يكون ...
- محكمة الرباط تقضي بعدم الاختصاص في دعوى إيقاف مؤتمر -كُتاب ا ...
- الفيلم الفلسطيني -خطوات-.. عن دور الفن في العلاج النفسي لضحا ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - نعيم الخطيب - النّوارس، أو مناديل لوركا