|
السوفسطائيين واثرهم علي الفلسفات اللاحقة الجزء الاخير
ديفيد ج. كوج
الحوار المتمدن-العدد: 4680 - 2015 / 1 / 2 - 00:21
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
3 بين الفلسفة السوفسطائية ومابعد الحداثة:
ليس من العسير توضيح أو ايجاد توافق بين مابعد الحداثة وبين السوفسطائية مع ان الفارق بين الاثنين كبير اعني الفارق الزمني فالسوفسطائية قامت في القرن الخامس قبل الميلاد ( المسيح) ومابعد الحداثة قامت في النصف الثاني من القرن العشرين وحتي الآن. ومع هذا الفارق الا ان فلاسفة مابعد الحداثة وافقوا السوفسطائين في بعض ارائهم تماماً وكذلك البراجماتيين خاصة جيمس وديوى. وقد قامت او ظهرت مابعد الحداثة علي يد الفليسوف الفرنسي جاك دريدا صاحب نظرية التفكيكية . ومابعد الحداثة هي احد الاتجاهات الفلسفية المعاصرة وتؤكد علي نسبية الحقيقة . أو لنقل تؤكد ما بعد الحداثة نسبة جميع المدلولات والحقائق وتفكر مابعد الحداثة علي نسبة جميع المدلولات والحقائق وتنكر المبادئ الاساسية اي الحقاق المقبولة لدى الناس عموماً ( مثل انا موجود) والتي تشكل نقطة البداية التي تنطلق منها البحث الفلسفي. بمعني انه ليس هناك حقائق مطلقة مثل ما كان سائداً بل هناك فقط حقائق نسبية ، فربما كان المسيحية صحيحة بالنسبة لك ولكنها ليس كذلك بالنسبة لي أو فكرة ما مثل اهمية احترام الاخرين هي نسبية لان لكل مرء رايه. ولذلك يفترض ما بعد الحداثة ان تكون بالنسبة شيئا ما صحيحة بالنسبة لك ليس بالضرورة ان تكون بالنسبة لكل الناس كما انه لاشئ يصلح لكل الناس وكل الاوقات فكل شئ نسبي حسب رايهم. وهذا بالضبط ماذهب اليه السوفسطائيون في السابق حول نسبة الاشياء ، فالمعرفة نسبية وكذلك الاخلاق وهي الدين . فما قاله هؤلاء في القرن الخامس قبل الميلاد ، اعاده دريدا وليوتار وغيرهما من فلاسفة مابعد الحداثة اعادوه الي العالم بصورة اخرى بل واشد من الاول. ويرى ليوتار ان ما بعد الحداثة post modernity تشكل قمة من حالة التغير الثابت فلاشئ ثابت بعد الان كل شئ متغير من حالة الي مابعد الحداثه تتحدى العالم وكل جهات النظر المحيطة سواء كانت سياسية ، دينيه أو اجتماعية . انها تقلل من شأن الماركسية ، المسيحية ، الفاشية ، الاستالينية ، الراسمالية ، الديموقراطية الحرة، العدالة الاجتماعية، والعلوم الحديثة بنفس الاسلوب وتستبعدها جميعاً كانها مركزية المعني.*اي انه لاشئ ثابت يمكن ان يرجع او يستند اليه البشر فكل شئ نسبي . وهذا اشبه بل هو ماقاله السوفسطائيين سابقاً خاصة في نقدهم للعادات البالية التي كانت عند اليونان في ايامها. ولكن مابعد الحداثه تذهب الي ابعد من ذلك حيث ترفض حتي الفلسفات السابقة ايضا بما فيها السوفسطائية والبراجمانية اللتين اشتقت منها هذه المعرفة والنقد. فما بعد الحداثه لاتعترف باي مذهب أو حركة فلسفية ابتداء من المدرسة الملطية مروراً بالعصور الوسطي انتهاءا بالحداثة البنيوية ومدرسة فرانكفورت ). ومن السمات الاساسية التي تقوم عليها مابعد الحداثه هي عدم تطابق الحقيقه مع الواقع. وقد كان سائدا ان الحقيقة هو ما يطابق الواقع وبدات هذه الفكرة تتغير بعض الشئ وخاصة عند البراجماتيين الذين رأوا انه ليس بالضرورة ان تطابق الحقيقة الواقع. ولكن مابعد الحداثة قالت ذلك بصريح العبارة انه لا توجد قصة تصلح علي كل الواقع . لان القصة الكبرى عندهم هو مجرد خرافة والمعني بالقصة الكبرى هو المذاهب الفلسفية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية كل هذه القصص كما يسميها فلاسفة مابعد الحداثة ، ترى انها عالمية وهذا غير صحيح في رأيهم. ويرى ما بعد الحداثة ايضا اننا لا نستطيع ابدا في مجال علم المعرفة ان نتقابل مع الشئ في ذاته. اي ان ما يحاول البشر الوصول اليه لن تخرج شئ مفيد لنا سوى روايات وانشاءات تدمجها العقل الانساني ليس اكثر . لان عملية الكشف تصبح عبارة عن عملية اخبار او اشاعة ، نصبح مفقودين في كلمات ونفشل في الدخول في علاقات بالاشياء ذاتها. فان ما نفعله في هذه الحالة هو الدوران حول الشئ ولن نستطيع الولوج الي الحقيقة الموضوعية ، كان هؤلاء والناس يكررون ما قاله جورجياس انه لا شئ يوجد وان وجد فلا يمكن معرفته. في البداية انكروا تطابق الحقيقة مع الواقع ( لايوجد شئ ثم قالوا بصعوبة الوصول الي المعرفة الذاتية لانه غير ممكن ان وجد فلا يمكن ادراكه). وفي هذا يهتم مابعد الحداثة باللغة لان اللغة نظام اصطلاحي خالص ولايمكن ان نؤكد الحقيقة. ويضيف دريدا ان اللغة ليست الا انها ذاتية الاستشهاد وهي علامة تقود لعلامة اخرى. لذلك فاللغة عنده هي سلسلة من العلامات تدل وتشير نحو علامات اخرى وكل علامة بها تصبح اشارة الي علامة اخرى. م ايريد دريدا قوله هو ان المعني ليس ساكنا ولايعطي مفهوماً ثابتاً ودائماً بل المعني يتغير مع تغير الرموز وبمرور الزمن وتحفيز المحتوى، لذلك فلا يمكن نسب المعني للاشياء. وفي مجال اللغة هذا قال فيه السوفسطائيون انه عندما نتحدث عن شئ فهذا لايعني اننا ننقل نفس الشئ بل ننطق اسمه فقط. لذا فالمعني والشئ مختلفان كل الاختلاف. ويركز مابعد الحداثة كذلك علي انه لا يوجد اساس مطلق ترتكز عليه المعرفة أو الحقيقة وكذلك الموضوعية ليس حقيقة بل وهم والحقيقة نفسه تصورية. ففي رفضها لامكانية او وجود اساس للمعرفة ينتقد ما بعد الحداثة البنبوية والايمان لانها تتكون من مجموعة من الاعتقادات تقود لاعتقادات اخرى لذا فلا داعي لاخذها. ولان مابعد الحداثة تؤمن بتغير العالم تغيراً مستمراً فانها ترفض البنيوية تماماً. وتقول ان الموضوعية وهم لان موضوعية المعرفة مرفوضة ولايمكن ان تكون موضوعية بدليل ان المعرفة ليست وسيلة حيادية للاستكشاف. اما المفهوم القائل بان الحقيقة تصورية فهي تعتقد اولا علي فكرة دريدا القائلة بموت المؤلف (موت النص). وهذا يعني ان الشئ الذي يذكر المؤلف مصنوع فقط من قبله وليس موجوداً . ولذلك فعلي القارئ اثناء القراءة ، ان يقرأ النص ويعيد بناؤه لكي يتخلص من المؤلف ويجعل النص حياً ككلمة مرة. فالقارئ لاي نص هو الذي ينتج او يعمل عملية انتاج النص وكل ماهو وارد فيه ويفهمه جيداً لان المؤلف ليس موجود اي انه مادة . فالاعتقاد سيكون علي النص وقبل ذلك يجب تحريره. وقد سبق ان دعي ديوى وجيمس الناس الي التحرر والتخلي عن فكرة تثبيت الحياة الاخلاقية والاعتقاد الديني علي اسس فلسفية. فما يطلبه هذان الفليسوفان هو انه لابد ان يكون الناس وبكل بساطة فان مابعد الحداثة ترى ان العالم اصبحت او اضحت مجرد مجموعة من النصوص لابد من دراستها ومعرفته فقط. عكس ما كان شائعاً من قبل حول وجود حقائق ثابتة ومطلقة. ولكن ما يعيب ما بعد الحداثة هو رفضها التام لما قبله وثانياً قولها بنسبية مطلقة للحقيقة . فهل يمكن ان يشرب المرء السم مثلا اعتقاداً منه انه ليموناده ؟! الا يتطابق ذلك علي الواقع . فهل لايطابق كل شئ الواقع؟ وعلي كل حال فان ما بعد الحداثة يمكن ان تعد مع الفلسفات التي تأثرت بالحركة السوفسطائية قديماً بل وحديثاً. ذلك ان السوفسطائية تنادى بنسبة الاشياء فكل شئ عند هؤلاء نسبي ولاشئ مطلق وهذا ما قاله فلاسفة مابعد الحداثة ايضاً. ومع ان السوفسطائيون لم ينكرون العالم الواقعي بل جعلوا الانسان هو المدرك لهذا العالم. فإن مابعد الحداثة ربما جعلت الانسان غريبا عن عالمه ، لانهم رأوا ان العالم هي مجموعة من النصوص . وهذا يعني ان الانسان ليس له دور في العالم بل عليه متابعة النصوص فقط. وحتي هذه النصوص هي التي تقرأ الانسان وتوجهه وليس العكس! ويرجع الحكم لك ان كانت ما بعد الحداثة قد اصابت في هذا الامر؟!
#ديفيد_ج._كوج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السوفسطائيين واثرهم علي الفلسفات اللاحقة الجزء الثاني
-
السوفسطائيين واثرهم علي الفلسفات اللاحقة
-
لماذا فشلنا؟؟؟
-
الفلسفة السوفسطائية
-
علي الرغم من الالم نحتفل
-
علي المسلمون ان يكونوا اكثر تسامحاً
-
الحركة السوفسطائية
-
البحث عن سلام غير مرغوب به في الجنوب
-
الداعرة الشريفة! قصة قصيرة
-
جنوب السودان.. وجامعة الدول العربية
-
ريك والحركة هل سينتصر منطق القوة مرة اخري؟
المزيد.....
-
بالصور..هكذا يبدو حفل زفاف سعودي من منظور -عين الطائر-
-
فيديو يرصد السرعة الفائقة لحظة ضرب صاروخ MIRV الروسي بأوكران
...
-
مسؤول يكشف المقابل الروسي المقدّم لكوريا الشمالية لإرسال جنو
...
-
دعوى قضائية ضد الروائي كمال داود.. ماذا جاء فيها؟
-
البنتاغون: مركبة صينية متعددة الاستخدام تثير القلق
-
ماذا قدمت روسيا لكوريا الشمالية مقابل انخراطها في القتال ضد
...
-
بوتين يحيّد القيادة البريطانية بصاروخه الجديد
-
مصر.. إصابة العشرات بحادث سير
-
مراسل RT: غارات عنيفة تستهدف مدينة صور في جنوب لبنان (فيديو)
...
-
الإمارات.. اكتشاف نص سري مخفي تحت طبقة زخرفية ذهيبة في -المص
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|