|
ماهية اللغة..!
سامي فريدي
الحوار المتمدن-العدد: 4679 - 2015 / 1 / 1 - 16:36
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
(عمانوئيل 10)
الحسابات الكمية شكلت القاعدة التي قام عليها علم الرياضيات، وشكلت الرياضيات الأساس الذي تأسس عليه علم الفيزياء. ولعبت الفيزياء دورا في ظهور العلوم الطبية والحِكمية (الكيمياء)، وهذه مع غيرها شكّلت ما يعرف بعلم الظواهر [Phenomenology]. وبقدر ما يبدو الاطار النظري لهذه (العلوم) اكتشافا عقليا محدثا، فأن أسس وأصول المعارف الرياضية والفيزيائية والطبية كانت جزء من دراسة الحكمة أو الفلسفة الاغريقية [Philsophy]. لكن الفلسفة وتطورها على ايدي قدماء الاغريق لم تتوقف عند حدود الظاهراتية وانما تجاوزتها لما بعدها [Metaphisic]، في محاولة متقدمة لدراسة وعقلنة معارف الشعوب والحضارات العريقة التي وصفها الاغريق بـ[myths]- [Mythologies] التي تمثل محاولة القدماء لاستكناه أصل الوجود وسرّ الحياة ومتعلقاتها. هذه الصلة البنيوية ما بين الميتافيزيك والميثالوجيك تعرضت للتهشيم وتوارت أزاء تنامي حركة العلوم واعتبارها المعيار المعرفي الوحيد القائم على دعامتي العقل والمادة. والواقع.. لا جديد بالمطلق. لم يكن في حركة العلوم وتكنولوجيا الالكترون ما يشكل مفاجأة لفلاسفة الاغريق الأقدمين. وذلك لأمور ثلاثة.. 1- ما يتعارف -اصطلاحا- بفلسفة الاغريق، لا يشكل مدرسة فلسفية واحدة جامدة، انما هي مدارس متعددة متعاقبة متنامية، ولكلّ منها رموزها ومنجزاتها ودائرتها. 2- معرفتنا بفلسفة الاغريق ورموزها ينحصر بما استخرجه الجوار الاغريقي ممثلا بالاسكندرية (المصرية) وروما (الايطالية). وفي الحالتين جرى اختزالها في مسائل [لاهوت المسيح] وتحوّلها إلى قوام ديانة دوغمائية متنافسة في اتجاهين [أرثوذكس وكاثوليك] تبعا لحيثيات المركزية السياسية ودعاوى التوحيد والهيمنة. 3- هناك مدرستان أو اتجاهان رئيسيان وسما الفكر الفلسفي اللاحق؛ أولهما ما عرف بـ(الافلاطونية الحديثة) التي يعتبر أوغسطين التاجستي [354- 430م] أبرز رموزها، و(الأرسطية الحديثة) على يد مؤسسها ورائدها توما الأكويني [1225- 1274م]. وبهذه الأخيرة وابتعاثها أفكار أرسطو مجددا سيما في مسائل الحواس والمنطق، تنطلق بوادر الثورة العلمية واستكشافاتها المادية. * العودة إلى الرياضيات أو [Post- Wittgenstein] في عام 1911م وبعد سنوات طويلة من دراسة الميكانيك، وجد لودفيج فيتجنشتاين نفسه ملتبسا في كتاب [The Principles of Mathamatics] لبرتراند رسل [1872- 1970م]، إلى الدرجة التي نقلت اهتمامه وتخصصه من (هندسة الميكانيك) ليكون خامس فلاسفة العالم في مجاله، بعد كلّ من[أرسطو- أفلاطون- كانت- نيتشه]. هل كان قرار لودفيج اقراراً بوصول العلوم الميكانيكية إلى نهاية النفق، أم شعورا استباقيا بالشيخوخة المبكرة والمدمرة للانسان، مما حفز لديه ضرورة العودة للحفر في البدايات والماقبل-! (ما قبل اللغة). ان فهم اللغة وتفكيكها ودراسة أجزائها وعلاقاتها البينية وتشكلاتها الهندسية كما ابتدرها لودفيج، خطوة أساسية رئيسة لفهم كيفية عمل المفردة وكيفية تشكل المعنى والعلاقة بين الأثنين. احد الأسئلة التي استوقفته كان اكتشافه ان اللفظة والمعنى كائنان منفصلان. أن ثمة ألفاظا متعددة لمعنى واحد، كما أن ثمة معاني متعددة للفظ واحد. وهل المعنى يتصل بذهنية المتكلم أو المستمع/ القارئ/ المشاهد؟. لقد قاد اكتشاف اللغة إلى ثورة في تاريخ الانسان، وشكل اكتشاف الخط والكتابة نقلة جديدة في الحياة البشرية حتى اليوم. من العسير تصوّر حياة الانسان من غير وجود اللغة، وليس أدنى من ذلك تصور الحياة بدون وجود الكتابة!. ولكن.. أليس أولى إذن، أن يعرف المرء ما هي اللغة وكيف تتشكل الألفاظ ومن أين تتولد المعاني؟. سائر البشرية يجيدون الكلام، وأكثر من نصفهم اليوم يجيدون الكتابة. ولكن كم منهم يعنى أو يفكر في أصولها وفصولها؟!. لا أحد يمنع أحدا من الكلام، ولكن الأولى أن يعرف المتكلم: ما هو الكلام. تقول الحكمة: من له أذنان للسمع فليسمع! – والسمع دالة العقل!-. ولكن لم يرد في الأقوال: من له لسان فليتكلم!. فالكلام ليس بالمجان. للكلام معنى، وللكلام ثمن. والفرد مسؤول. * الأعزب هو شخص لم يتزوج، والعذراء فتاة لم تعرف رجلا. الزواج نظام شراكة حياتية ورابطة يتفق اثنان من خلالها على تكوين اسرة واطفال. أشياء تفسر نفسها دون اتيان بجديد. والكلام الذي فيه جديد لغو وحشو. ومن غير كلام لا يوجد تواصل اجتماعي [social communication]، لذلك يلتقي الناس أو يتهاتفون ويقولون كلاما مكرورا، يضمنونه احيانا همزا ولمزا، وترتاح الصدور. لماذا يقول المرء كلاما يعرف أنه حشو. في رواية لأمين معلوف، يقول الأمير للحكيم ما معناه: ناسنا يريدون أن يسمعوا الكلام الذي يعرفونه، بذلك يتأكدون أنهم على حق!. هذه فائدة التكرار والتكرار.. "ما أرانا نقول ألا معارا.. أو معادا من قولنا مكرورا" لماذا لا يخضع الكلام لتطبيقات الجدوى الاقتصادية ومعايير السيطرة النوعية؟!. * عمل الفكر يقوم على اللغة. والانسان يفكر بواسطة اللغة ومن خلالها. يترتب عليه ان ثمة صلة بنيوية بين الفكر وبين اللغة. يترتب عليه أن حالة اللغة ومستواها تنعكس على [حالة ومستوى] الفكر. اللغة + الفكر = الثقافة الأساسية (العقلية) تفاوت اللغات – تفاوت الأفكار- تفاوت الثقافات = اختلاف والبشر وتفاوتهم, لكن الانسان لا يختار لغته – انما يولد بها ويتوراثها-، مما يترتب عليه جملة – إرث- عقلي ينعكس اجتماعيا في صورة المعتقد والقومية. فاللغة إذن؛ أداة اجتماعية – قهرية - لتدجين الفرد في البوتقة العامة [قبيلة/ طائفة/ أمة] وتسخير امكانياته الجسدية والفكرية لخدمة المنظومة العامة. انها قرار ملزم مسبق بجعل الفرد نسخة [copy] في جملة السياق التراثي العام. فالخروج من القطيع يكون قرارا فرديا يتطلب جرأة ومقدرات استثنائية لمواجهة التيار واشتقاق طريق ورؤية خاصة. والواقع.. ان في داخل انسان رغبة – ومقدرة- خاصة للتميز،ولكن تلك الرغبة تذوب غالبا تحت سنابك القهر والعبودية الاجتماعية للبيئة. وتمثل بيئة الشرق أحد أعرق وأقسى المنظومات العبودية في التاريخ. ومن خلال فهم اللغة والياتها ووظائفها، يتم التوفر على فهم جديد للمعرفة والحياة، تقود إلى طرق وأساليب محدثة للتعامل مع البيئة والوجود والذات.
#سامي_فريدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
واحد + واحد= ثلاثة
-
أنا أشكّ، إذاً أنا انسان!..
-
بلا عقل.. أفضل!..
-
قطيعي أو مقطوعي..!
-
القناعة صدأ النفوس!..
-
فردوس أم جحيم..
-
الغاية المستحيلة..
-
رياضيات هندسية Geometric Mathamatic
-
الانسان كائن إشكالي!..
-
عزت مات عزيزا..
-
سايكلوجيا الحرف (25)
-
سايكلوجيا الحرف (24)
-
ساسكولوجيا الحرف (23)
-
ساسكولوجيا الحرف (22)
-
ساسكولوجيا الحرف (21)
-
ساسكولوجيا الحرف- 20
-
سايكولوجيا الحرف- 19
-
[حماس.. داعش.. حزب الله]
-
كِتَابُ الْمَاءِ - رِسَالَةٌ إلَى بَيْتِ نَهْرَيْنَ-
-
بَيْتُ نَهْرَيْنَ (52)
المزيد.....
-
تحليل: رسالة وراء استخدام روسيا المحتمل لصاروخ باليستي عابر
...
-
قرية في إيطاليا تعرض منازل بدولار واحد للأمريكيين الغاضبين م
...
-
ضوء أخضر أمريكي لإسرائيل لمواصلة المجازر في غزة؟
-
صحيفة الوطن : فرنسا تخسر سوق الجزائر لصادراتها من القمح اللي
...
-
غارات إسرائيلية دامية تسفر عن عشرات القتلى في قطاع غزة
-
فيديو يظهر اللحظات الأولى بعد قصف إسرائيلي على مدينة تدمر ال
...
-
-ذا ناشيونال إنترست-: مناورة -أتاكمس- لبايدن يمكن أن تنفجر ف
...
-
الكرملين: بوتين بحث هاتفيا مع رئيس الوزراء العراقي التوتر في
...
-
صور جديدة للشمس بدقة عالية
-
موسكو: قاعدة الدفاع الصاروخي الأمريكية في بولندا أصبحت على ق
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|