|
رأس المال والتفاوت العالمي
محمد خضر خزعلي
الحوار المتمدن-العدد: 4677 - 2014 / 12 / 30 - 13:07
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
ينطلق الباحث الفرنسي الشاب توماس بيكتي استاذ الاقتصاد السياسي في مدرسة باريس للاقتصاد _وهو باحث ليس ماركسيا ، لكنه مناهض لديناميات الرأسمالية _من فرضية مفادها :ان الاقتصاد بشكل عام في ضل النظام الرأسمالي العالمي حاليا سيؤدي الى ازمات اقتصادية ، والازمات الاقتصادية ستؤدي بدورها الى حروب ، وازمات سياسية ، وانهيار دول ...الخ. كيف ذلك؟ يفترض بيكيتي ان الليبرالية الاقتصادية التي ترى بأن التنافسية ، والاقتصاد الحر ، والسوق المنفلت من اي قيود سيؤدي في النهاية الى نمو اقتصادي يشمل الجميع ، لأن قانون التساقط الذي يفترض ان معدلات الاستفادة من النمو الاقتصادي تتناسب عكسيا مع معدل حجم الدخل ، وهنا فإن الهوة بين الفقراء والاغنياء ستتقلص مع مرور الزمن . فكما قال ادم سميث:"ان في سعي الافراد الى تحقيق مصالحهم الخاصة ، تعزيز دون قصد منهم للمصلحة العامة" ، لكن ابحاث توماس بيكيتي في كتابه رأس المال للقرن الواحد والعشرين الصادر عام 2013 بالنسخة الفرنسية والمترجم الى الانجليزية عام 2014 يثبت عكس المقولة السابقة ، ويذهب من خلال دراسته الى ان الاغنياء سيزدادون غنى والفقراء سيزدادون فقرا. النقطة الثانية لفرضية توماس بيكيتي والمرتبطة عضويا بالفرضية الاولى هي:ان ازدياد الاغنياء غنى والفقراء فقرا ليس قضية ومشكلة في العدالة التوزيعية للثروة فقط ، انما هي مشكلة انتاج بالضرورة ، ويركز توماس على مشكلة الانتاج الناتجة عن عدم العدالة التوزيعية للثروة ، ويتوقع انهيار النظام الرأسمالي في المستقبل القريب بسبب مشكلة الانتاج. كيف ستؤدي مشكلة الانتاج الى انهيار النظام؟: يوضح توماس بيكيتي ان النظام الرأسمالي العالمي قائم اساسا على تصريف ما ينتجه من خدمات وسلع ، لتكتمل الدورة الاقتصادية ويعود الربح والنفع على الجميع ، لكن الاتجاه المتزايد لتركيز الثروة بيد القلة واتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء ستؤدي حتما الى مشكلة في الانتاج ، لان هناك علاقة طردية بين ارتفاع الفجوة بين الاغنياء والفقراء وارتفاع عدم القدرة الشرائية للمجتمع ، فالقدرة الشرائية تتجه نحو الانخفاض مع مرور الزمن ، بينما القادر على الشراء هي شريحة القلة الاثرياء الذين يزدادون ثراء ، ينما المستهلكين المتبقيين وهم الاكثر بدرجات شاسعة سيصل بهم الامر الى فقدان اي قوة شرائية للمنتجات ، وهنا ، فإن هذا الامر يعني ببساطة ...الكساد ، اي فائض في الانتاج وغائض في الاستهلاك. كيف يثبت توماس بيكيتي نظريته؟: بالاستناد الى تحليل الاتجاه التاريخي ، قام توماس بيكيتي بدراسة وتحليل احصاءات عدم عدالة التوزيع في الثروة في 26 دولة من دول العالم ، و على مدار ثلاثة قرون ، من القرن الثامن عشر وحتى القرن الحالي ، يتبين له : ان الفجوة بين الفقراء والاغنياء تزداد مع مرور الزمن وبتسارع مستمر ، والسبب الرئيسي في هذه الفجوة هو : أن معدل ربحية رأس المال يزداد دائما وبلا سقف محدد عن معدل نمو الانتاج ، الامر الذي يسير باتجاه تركيز الثروة بيد الاغنياء الذين لم يكسبوا هذه الثروة بجهد او عمل ، وانما ورثوها عكس المستهلكين الذي لا يملكون الا قوة العمل. ولو اخذنا مثالا على اتجاه اتساع الفجوة بين الاغنياء والفقراء تاريخيا سنجد انه في عام 1820 كانت النسبة هي 1:3 ، لكن في عام 1913 كانت النسبة هي 1:11 ، اما في عام 1950 كانت النسبة 1:35 ، وفي عام 1973 كانت النسبة هي 1:44 ، وفي عام 1992 كانت النسبة هي 1:72 ، وهذا يدل على ان الاتجاه التاريخي لاتساع الفجوة هو لصالح زيادة غنى الاغنياء وتركيز الثروة بيدهم ، بينما الفقراء يزدادون عددا وتقل الثروة بين ايدهم. ويرى توماس بيكيتي ان نسبة ما يملكه الاغنياء في العالم كانت في فترة سابقة 80% من الثروة العالمية ، ويقدر عددهم 20% من سكان العالم ، بينما لكل سكان العالم المتبقيين ونسبتهم 80% يملكون 20% من الثروة العالمية ، بينما معدل الحالي يتناقص بشكل متسارع ليصل الى 10% من سكان العالم يملكون 80% من الثروة العالمية ، بينما بقية سكان العالم البالغة نسبتهم 90% يملكون 20% من الثروة العالمية ، وستتغير هذه النسب الى ان تصل 2% من سكان العالم وهم الاغنياء سيملكون من الثروة العالمية ما مقداره 80% ، وبقية سكان العالم البالغة نسبتهم 98% سيملكون ما مقداره 20% من الثروة العالمية. ومما يدلل على ان الازمات ستتلاحق ، الامر الذي سيؤدي الى انهيار النظام الرأسمالي العالمي هو ان الفترات الزمنية بين الازمة والازمة الاخرى تتسارع وتتقلص المسافة بين الازمتين ، فبين ازمة الكساد الكبير عام 1929-1930 وحتى ازمة النفط عام 1973 اربعين عاما ، بينما في 25 عاما الاخيرة ومن عقد التسعينيات في القرن العشرين فقد شهد العالم 5 ازمات اقتصادية ، عام 1992 في اوروبا ، 1997 في اسيا ، 1999 في روسيا والارجنيتين ، 2001 في الولايات المتحدة خلال انهيار اسهم الشركات العقارية ، ثم الازمة العالمية عام 2007/2008. وهنا ، فإن توماس بينيكيتي يذهب للقول ان النظام الرأسمالي آيل للانهيار في المستقبل القريب الى المستقبل المتوسط ، بسبب اتساع الفجوة بين من يملكون ومن لا يملكون ، حتى ان دول الرفاه لا تستطيع ان تقلل من الفجوة رغم التدخل الحكومي لتقليل من نسبتها ، ومن ناحية اخرى ، ان حدة الازمات تكون اكثر حدة من الازمة التي تسبقها ، وان الفارق الزمني بين الازمة والاخرى هو تقلص ، ولا يرى حلا للخروج من هذه المعضلة الا من خلال قيام كل دول العالم بعدد من الاجراءات ، هي: لتجنب عدم المساوة في توزيع الثروة عالميا ، وحفاظا على مبادئ السوق الحر ، وبالتالي تجنب مشكلة الانتاج ، لابد للدول الا ان تقوم بما يلي: 1-قيام تكتلات سياسية اقليمية من قبل الدول الوطنية كخطوة اولى للتصدي لتغول ديناميات الاقتصاد العالمي. 2-ضرورة اتفاق الدول الوطنية المتكتلة اقليما مع الدول الاخرى في اقاليم اخرى على ضرورة فرض ضريبة تصاعدية على الثروة العالمية. 3-فرض ضريبة تصاعدية على الثروة ، اي زيادة الضريبة بزيادة الثروة تمكن الدول من تجنب الدوامة المستمرة من عدم عدالة توزيع الثروة. وخلاصة الامر ، لتجنب مشكلة الانتاج الناتجة عن عدم عدالة توزيعية الامر الذي سيؤدي الى انهيار النظام الرأسمالي لابد لدول من اتخاذ الاجراءات الضرورية للحد من عدالة التوزيع عالميا ، ولا تتم هذه الخطوة الا من خلال قيام تكتلات اقليمية بين الدول الوطنية ، لان الدولة لوحدها لا تقدر على مواجهة هذه المشكلة لوحدها ، اذ لا بد من التنسيق بينها بين الدول الاخرى ، وتجدر الاشارة الى ان توماس بينيكيتي ليس ماركسيا ، ولا يدعو الى تغير ثوري للنظام الرأسمالي ، بل يدعو الى اصلاحه وضرورة تجنب التناقضات المتأصلة داخل الرأسمالية ، لخير البشرية العام ، ويرى الباحث ان فكرته الاساسية هي تطوير للأفكار الماركسية التقليدية خصوصا فكرة ماركس عن قوانين اللاتناسب ، وتدني معدل الربح ، وتراكم رأس المال.
#محمد_خضر_خزعلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ايمانويل والرشتاين والنظام العالمي الحديث
-
التوسل في العقلية العربية
-
حرب غزة بين الاهداف المعلنة وغير المعلنة:
-
فقر ورق فكري :علم النفس بين الملحد والمؤمن:
-
مشكلتك مع الاخر
-
بين الحرب والسياسة ج1
-
كيف استفادت ايران من علاقاتها مع دول اميركا الجنوبية
-
القوة وانتقالها الى جهات غير رسمية :
-
الخميني وبوليفار
-
النكتة والسياسة
-
مستقبل حسم النزاع ...في سوريا 1
-
مستقبل حسم النزاع في سوريا:
-
الكرامة عند المهدي المنجرة و الاستعمار الثقافي
-
العمالة الوافدة :وكأس العالم ليس في قطر
-
مستقبل الدولة الاسلامية في العراق والشام :
-
مستقبل الدولة الاسلامية في العراق والشام
-
العلاقات الهندية الاسرائيلية : الجزء الثاني
-
العلاقات الهندية الاسرائيلية: الجزء الاول
-
الى من يحاربون باسم الله
-
ارهاب استفحل مبكرا
المزيد.....
-
مصر تحظر الهواتف غير المطابقة للمواصفات.. ومسؤول: -مُقلدة وت
...
-
غارات أمريكية في الصومال.. ترامب يعلن استهداف أحد كبار تنظيم
...
-
كيف تجيب عن أسئلة طفلك -المحرجة- عن الجنس؟
-
الشرع: الرياض ستدعم سوريا لبناء مستقبلها
-
الاتحاد الأوروبي والرد على واشنطن
-
واشنطن تجمد ملياري دولار من أموال روسيا المخصصة لمحطة -أكويو
...
-
- الجدعان الرجالة-.. مشهد بطولي لشباب ينقذون أطفالا بشجاعة م
...
-
مفاجأة غير سارة تنتظر أوكرانيا من أحد حلفائها
-
زيلينسكي لا يعرف أين ذهبت الـ200 مليار دولار التي خصصتها أمر
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في ثماني مقاطعات أوكرانية
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|