نضال نعيسة
كاتب وإعلامي سوري ومقدم برامج سابق خارج سوريا(سوريا ممنوع من العمل)..
(Nedal Naisseh)
الحوار المتمدن-العدد: 1309 - 2005 / 9 / 6 - 11:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أصبح ,وللأسف,موت الناس ,ومآسيهم وكوارثهم مادة للفرح والسرور والتشفي,وإطلاق الصيحات والتكبيرات ,والتهليلات عند قصف الأعمار من تلك العقلية الآثمة المريضة المشوهة التي أنتجتها ,وروجتها,وصدرتها للعالم, وبنجاح ,أنظمة القهر والاستبداد.وقد وصلت الأمور بعضهم إلى حد إرسال برقيات التهنئة والتبريكات بهذه"المناسبة السعيدة "والمجزرة الطبيعية, ,وزهق الأرواح الذي فاق حدود التصور والخيال,وتجاوز كل التوقعات .فما إن تنزلق حافلة بفعل ما ,أو أن ينحرف قطار عن مساره,أو أن يأخذ الله أمانته من نفس بشرية بفعل التقدم بالعمر ,أو أن تتحرك الطبيعة بشكل ما ,وبفعل عوامل جيولوجية ,مخلفة وراءها دمارا وخرابا حتى ينبري هؤلاء العجزة لاستثمار هذه الظواهر في سوق الجهل والظلام .تلك الظواهر الطبيعية التي لا تحتمل البتة أي تأويل أسطوري أو ميتافيزيقي على الإطلاق ,ولاتخرج عن أسبابها الطبيعية البحتة .ويستثمر هؤلاء, المفوضين من الله, تلك النائبات والنازلات بعباد الله في عملية المفاضلة ,وكشف الحساب والثأر والانتقام من هذه الدول بعد أن فشلوا في مقارعتها حضاريا ,وعلميا, وإنسانيا,واندحروا أمامها عمليافي كل المجالات .وكثيرا ما تلقى هذه الأطروحات الخرقاء صدى ورواجا وتجاوبا لدى شرائح مختلفة ومتباينة من الناس ,ومن بينهم ,وللأسف مرة أخرى,من محا أميته بشهادة دكتوراه فقط لا غير من محافل وأكاديميات الرعيان.مع العلم ,وحسب ما جاء في الأخبار,فإن معظم أولئك الضحايا هم من السود ,والفقراء ,الذين تقطعت بهم السبل, ولا حول لهم ولا قوة,والذين اقتلعت الذراع الإمبريالية المتوحشة في القرنين السابع و الثامن عشر أجدادهم وآباءهم للعمل كعبيد في مزارع البيض,وتنمية الرأسمال الاحتكاري لأغنياء أمريكا الذين لم يصبهم "غضب الله" بسوء والحمد لله,وعلى رأسهم عائلة بوش وشلة الأنس من دعاة الحرب والمحافظين المودرن آخر طبعة.فهل يعاقب الله الفقراء لفقرهم ولوحدهم دائما؟
ومن المعلوم تماما أن البراكين ,والزلازل والأعاصير هي بفعل أسباب طبيعية وتحولات ,وتغيرات جيولوجية خالصة لا علاقة لها بما يشيعه سفهاء قوم مهزومون,مختبئون في الكهوف والأوكار, من أن هذه التحولات الطبيعية هي غضب إلهي أصاب هؤلاء "الكفار"الذين غالوا في الفسق والانحراف والابتعاد عن دين الله الذي هو حكرا عليهم لوحدهم من دون الناس.و تؤكد البراكين والزلازل,وبعض الظواهر الطبيعية الخارقة ,إلى حد ما,النظرية العلمية في تفسير ما يحصل, وفي عدم استقرار المناخ والطبيعة بشكل نهائي حتى الآن. وماذا,مثلا , عن زلزال أغادير,والجزائر؟والقاهرة؟وفيضان النيل ؟والمجاعة والجفاف في السودان؟
وإذا كانت السيول, والأمطار الجارفة,والأعاصير عقابا إلهيا ,ألا يقف التصحر ,وندرة المياه ,والجفافولهيب الحر القائظ الذي يفتك أيضا بالناس على الطرف الآخر والنقيض منها تماما ؟ويسبب الموت والهلاك للنبات والحيوان والإنسان ,ويمنع نمو واستمرار الحياة بشكل طبيعي .فكما هو معلوم هذه هي البيئة الطبيعية السائدة في هذا الجزء من العالم الذي احتضن هذه الثقافة منذ آلاف السنوات, والذي لا يوجد فيه لا بحيرة ولا نهر جار ,ولا أمطار,وتصل درجة الحرارة فيه حد الشواء, ويصبح فرنا بشريا في الصيف يقذف برعايا هذه الدول جميعا للهرب من أتونها نحو الشمال بشكل عام, حيث ينعم "الصليبيون الكفار" برغد العيش,والبرودة,والخضار,والوجه الحسن والجمال, وجنات عدن التي تجري من فوقها وتحتها وعلى جنباتها المياه والأنهار ,والخضرة والخيرات .كما تركت هذه الظروف البيئية القاسية بصمتها الواضحة جدا على عقلية ,ونفسية,وطريقة تفكير شعوب هذه المنطقة برمتها الذي كان من أحد تجلياته ما نراه من تشدد وغلو وتطرف في شتى مناحي الحياة.وحيث تقام سنويا ,وبشكل منتظم صلوات الاستسقاء والتضرع لله لكي تنهمر الأمطار وتعم الخيرات.هل هذا القحط والتصحر والجفاف وندرة المياه غضب من الله,حسب مفاهيم هؤلاء؟ أليس هو بالمآل ظاهرة طبيعية مرتبطة بالبيئة والمناخ؟ والسؤال الأهم ,لماذا لا يستجيب الله سبحانه وتعالى للكثير من صلوات ,ودعوات الاستسقاء التي يقيمها هؤلاء القوم سنويا ويستمر الجفاف وانحباس الأمطار لعدة سنوات أحيانا,فيما تنهمر الأمطار مدرارا,صيفا ,شتاء فقط في كافة دول العالم شمالا وجنوبا دون صلاة استسقاء ,ودون لحى ,وجلابيب,وعمامات وفقهاء يسوقون الوهم والخيال ,ويبيعون القصور في الهواء؟إن استثناء جميع المناطق الصحراوية في العالم من الأمطار ,وليس عند العربان فقط, هو محض ترتيب جيولوجي مناخي لا علاقة له البتة باجتهادات ,وفذلكات ,وفلسفات هؤلاء المتحذلقين الشطار.
ويجادل بعض من هؤلاء أن الله أنعم عليهم بالنفط – الذي استخرجه لهم نفس هؤلاء "الكفار" ويديرون عملية إنتاجه وتسويقه من الباب إلى المحراب,ويعيشون بنعمته- وهذا صحيح ,ولكن النفط كان موجودا أيضا في الاتحاد السوفييتي "الشيوعي", وكان أكبر مصدر له,ويستمر في روسيا الأورثوذوكسية الفوضوية حتى الآن,وفي بحر الشمال عند الإنكليز البروتستانت,وفنزويلا الكاثوليك التابعة لبندكيت بابا الفاتيكان ,وعند "الروافضة" الشيعة في إيران,كما تمتلك الولايات المتحدة فائضا ورصيدا استراتيجيا مهما منه سيجعلها في يوم ما تتحكم, ولوحدها , بهذه السلعة الإستراتيجية الهامة.
وإذا كان إعصار كاترينا قد ضرب نيو أورليانز ربما مرة واحدة في العمر, بهذه القسوة التي لم ترحم ,فماذا عن كاترينا الاستبداد ,والقهر ,والتخلف ,والجهل ,والفساد الذي يضرب منذ قرون مظلمة خلت شواطئنا ,ومدننا ,وزوا ريب,حاراتنا وكل ركن من أركان حياتنا البائسة التي تحولت جحيما قاتلا لا يطاق أين منه كاترينا الذي دغدغ ومزح مرة واحدة مع الأمريكان.ولماذا لم يستفق العالم على هول الكارثة التي تحيق بنا منذ أن لازمنا القهر والعبودية والاستعباد؟ وآه لو ضربنا كاترينا الحقيقي عشرات المرات لكان ذلك أرحم بألف مرة من كاترينات الاستبداد,والفقر ,والإفقار,وفكر الظلام والمافيات الجاثمة كالأقدار فوق الصدور بلا حراك ,والتي تضربنا بلا هوادة يوميا عشرات المرات ,ونرى فيها الموت الأسود الزؤام, ونموت دون أن يصلي أحد عليناأو يذكرنا بالخير الفقهاء, أو يرفع الآذان.إن ضحايا "كاتريناتنا" المشئومة السوداء قد فاق,وبحق, كل ضحايا الأعاصير ,والزلازل ,والبراكين ,والانهيارات ,وحوادث الطائرات ,ونحن في كاترينا مفتوحة,في الهواء الطلق, ومستمرة على الدوام ,وبدون أن يقدم أحد,يوما, أية مساعدات أو دولارات أو بطانيات تلف بها الأجساد النحيلة العارية في ليل الزنازين الباردة الموحشة الظلماء حيث يقبع الأحرار من ضحايا كاترينات الاستبداد.
آه "ياكاترينا"الإعصار اللطيف كم أنت رحيم ورؤوف أمام ,فكر الظلام, وجبروت وسطوة أنظمة الاستبداد!!!
#نضال_نعيسة (هاشتاغ)
Nedal_Naisseh#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟