أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال بالمقدم - الرّق الثالث : في ثقافة الموت















المزيد.....

الرّق الثالث : في ثقافة الموت


كمال بالمقدم

الحوار المتمدن-العدد: 4675 - 2014 / 12 / 28 - 19:08
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


[ نحن لن ننتمي لهذا العالم إذا كنا نأمل في عالم آخر ] البير كامو

إنتظار المـــــوت : هو تعريف أو مصطلح مجازي لما أحب أن أسميه الإفراط و المبالغة في التعاطي مع الحياة الأخرى أو مع العالــم الآخر ...

بالتأكيد أن من المشاكل الخطيرة التي لا يمكن تجاهلها في الفكر الديني هو المبالغة في الأمل و التعويل على العالم الآخر و الإنفصال و لو بالقليل سواء ماديا أو روحيا عن عالمنا الحالي الذي نعـــيشه و لا نضمن سواه حتى هذه اللحظة ...

تصادف في حياتك و مجتمعكـ من يكرر عليك كثيرا [ يا الله الجنة ] ... أو [ الله يعوضنا في الجنة ] و من كل تلك الجمل ذات الوقع الإيماني الظريف ... ربما لا تفكر فيها على أنها مشكلة و ربما لا تكون كذلك ... لكن عندما تفكر تفكيرا عميقا فربما تصل إلى نتائج أخرى مختلفة .!

إن الجملة بنفسها غير خاطئة عندما تتفكر فيها كون أنكـ تعلم انها صدرت من شخص مؤمن إيمان مطلق بوجود العالم الآخر و حياة ما بعد الموت لكن ما قد يكون المشكلة هو العقلية التي فضلت إستخدام تلك الجملة في مواضع لا تعد و لا تحصى من الحياة و مواقفها المختلفة..

فمثلا :
تجد أن أحدهم يذكرها كلما تذكر فقره و قلة حاجته و يعتبر أن فيها تعزية لحالته المادية السئية ... دعونا نتفق أنه قد يكون لمثل تلك الأفكار و الجمل تأثير مريح و جميل كالبلسم الشافي لكن دعونا لا نغفل من ناحية أخرى أنها تفصل الشخص و لو قليلا عن واقعه و عن محاولة تغييره .! بمعنى أنه قد يكون لها تأثير المخدر ... لكن ذلك التأثير معيق ..

الشوق أو الرهبة أو الخوف الذي يدفعنا للتفكر في الحياة الأخرى والعبور للعالم الأخر و ما سيكون هناكـ في ذلك العالم هو أمر يؤثر من حيث لا نعلم على تعاملنا و إنتاجنا في هذه الحياة ... إنه يضع على أعيننا غطاء أشبه بالغشاوة يجعلنا لا نرى الأمور كما هي ... بل يجعلنا نفكر و نربط كل ما نقوم به هنا بتلك الحياة الأخرى المنتظرة ... التأثيـــر النفسي لثقافة إنتظار الموت هو مهم أكثر مما نتصور بل أن له تدخل واضح في تكوين و تشكيل نسيج طريقة التفكير و العقلية المتبعة في المجتمع ...و بذلك طريقة عيش ذلك المجتمع نفسه و طريقة تعامله مع الأمور ... و للأسف فقد تكون تلك العقلية عائق حقيقي في الإرتقاء بالنفس و الحصول على الحقوق المشروعـــةةو تحسين الحياة و العيش برفاهية و كرامة .... و الأدهى أن كل هذا قد يحصل و المجتمع لم يعرف بعد السبب الحقيقي لحدوثه ...

قد لا أبالغ و أقول أن حال و وضعية الأمة الإسلامية هو أمر متناسب طرديا تماما مع هذه العقلية ... لكن لا شك لدي مطلقا أن لها آثارها الواضحة على أرض الواقع و على العقلية المسلمة ...

-- التأثير المادي --

للعالم الأخر و الحياة القادمة تأثير ليس فقط روحي معنوي علينا بل تأثير مادي ملموس و واضح و نستطيع ملاحظته في جوانب حياتنا .. و ما ذلك التأثير المادي سوى نتاج للتأثر النفسي و الروحي الذي يتملكنا و بالعاطفة يطوع أفعالنا الحسية بناءا على ما يمليه علينا ذلك التأثير .!

فمثلا : على بعد كل 1 كلم من بلادي تجد مسجدا أو جامعا ضخما كلف مبلغا و قدره ... بينما تعاني و تناضل حتى تجد حديقة محترمة تقضي فيها بعض الوقت ... بإسقاطات المثال فإن ذلك ينعكس على جوانب كثيرة من حياتنا فمثلا قد تجد أن الطريق الذي يقع عليه ذلك الجامع هو طريق غير صالح ... أو مثلا قد تجد أن المربع السكني الذي يقع فيه الجامع يفتقر لأقل معايير النظافة أو لا يوجد به مستوصف صحي ... كل ذلك لا يهم المهم هو الجامع ... طبعا هذا مثال بسيط لإيصال الفكرة من أمثلة لا تحصى للتأثير المادي و الحسي الذي لا يمكن أن ننكر وجوده و الموجود بناءً على فكره العالم الآخر و الحياة القادمة ...

هذ المثال يعطي صورة ايقونية واضحة عن فكرة مدى تأثير العالم الآخر و ترتكته الثقــــيلة على عالمنا الحالي الذي نعيشه ... يجعلني هذا أتذكر مثلا أمر يوم السبت المضحك لدى اليهود ... حسب العهد القديم فإن الله خلق الكون في ستة أيام ... و من ثم استراح في اليوم السابع ...!
و قد كان ذلك اليوم هو يوم سبت ... لذلك فإنه و حسب العهد القديم فإنه ممنوع ممارسة أي نشاط خلال ذلك اليوم ... لأنهم يجب أن يستريحوا كما أستراح الاله ... الزراعة ... التجارة ... و حتى مجرد إشعال النار و أمور أخرى كثيرة تصل للأربعين أو الخمسين ... تعتبر أمور عقوبتها الاعدام فيما لو تم ممارستها يوم السبت .... <<< طبعا هذه العقوبة مستحيل أن تطبق اليوم في القوانين المدنية لهذا السبب التافه لكن هذا لا يعني أنها لم تعد محرمة لدى اليهود ... لذلك اليهود في هذه الأيام ممن لا زالوا مؤمنين بفكرة وجوب الراحة يوم السبت لم يجدوا بد من ضرورة التحايل على إلههم ... فهم مثلا يحتاجون النار يوم السبت كما يحتاجونها في أي يوم آخر ... لكنهم لا يشعلونها بالطريقة المعتادة ... بل يولدون الحرارة بطرق مختلفة حتى لا يرتكبون المحرم... و هذا المحرم غير موجود في الواقع في أي مكان ... سوى في عقولهم ...

عندما تقوم بحسبة بسيطة فإن في الشهر 4 أيام سبت ... و في السنة 12 شهر ... 4×12 = 48 يوم ... أي أنه حتى تكون يهودي جيد فعليكـ أن تضبع هباء منثورا 48 يوم من حياتك كل سنة حتى يرضى عليك آلهك و لا ترتكب المحرمات التي تغضبه لدرجة الإعدام .
بتبسيط أبسط فإنه من كل 7 سنين في حياتك ... فهناك سنة تقريبا عليك أن لا تقوم فيها بأي شيء ... حتى و إن كان ذلك الشيء من أبسط حقوقك مثل إشعال نار مثلا ... طبعا يتم كل هذا بأمر الآله .. فحتى في القرآن فإنه عندما عمل اليهود يوم السبت فقد مسخهم الله إلى قردة و خنازير ... <<< لماذا الدكتاتورية ؟
هذا قد يبين لك مدى خطورة سيطرة فكرة العالم الآخر عليكـ ... و مدى إمكانية تأثيرها على نوعية حياتك في ما لو أخذتها بجدية ...

في المسيحية مثلا و لدى بعض الطوائف شهود يهوه بالتحديد.... فإنه من المحرم تماما القيام بعملية التبرع بالدم و لو كان المريض على شفى الموت و بحاجة ماسة و سريعة للتبرع بالدم لأنهم يعتقدون أن الدم هو حياة الإنسان ... و لا يجب أن تنتقل تلك الحياة من شخص لشخص آخر و لو كان ذلك تحت وطأة ظرف قاسي مثل إحتمالية الوفاة إذا لم يحصل تبرع بالدم ... و ذلك لأنهم يعتقدون أن الدم المخلص الوحيد هو دم المسيح فقط ... أما في طوائف مسيحية أخرى متشددة فإنه من المكروه أو المحرم معالجة الإصبات أو الآلام الجسدية التي تصيب الشخص و ذلك لأنها نوع من الإختبار أو المشيئة الإلهية و يجب أن تتم تلك المشيئة بدون تدخل أو إعتراض ..

في الإسلام و فيما يتعلق بموضوعنا فلن أعلق على الشعائر الصــــغيرة فلست بحاجة لذلك ما دمنا نجد قاعدة كبيرة و بالخط العريض و من أهم القواعد المعروفة إن لم تكن الأهم إطلاقا في الدين الإسلامي .


[ و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدون ] ...

النقد الفلسفي لهذه الآية يحتاج لموضوع آخر مستقل لكن يكفي أن نقول أنها تطالب بالإنفصال التـــــام عن الحياة الواقعية ربما ليس دائما بشكل مباشر و لكن من خلال العقل الباطن و إستقرارها فيه و قدرتها على الظهور في الوقت المناسب ... بمعنى أن وجودك في هذه الحياة هو من أجل عبادة الله و الركوع و السجود فليس هناك أهداف أسمى يمكن تحقيقها و لا بأس إن لم تحقق شيء أصلا ... أنت مجرد واقف في محطة خلال رحلة طويلة أبدية ... فكم منكم سيأخذ محطة على محمل الجــــد .!؟ حباً في الله إنها مجرد محطة ... حياتك هذه ليست بأهمية تلك الحياة القادمة بعد الموت ... لذلك فأن نوعية و كم الجدية والعمل المقدمة لتلك الحياة يفوق نوعية و كم الجدية و العمل المقدمة لهذه الحيــــاة ...و بالتأكيد لك أن ترى الأثار المدمرة لهذه العقلية على مدى تعاملنا مع حياتنا بجدية و طريقة فهمنا لها و تعاطينا معها ...

و لذلك في الإسلام مثلا : فإن الصلاة أهم من الدنيا و ما فيها ... و ليس هناك من ضرر في قطع كل شيء مهم في الحياة سواءا عمل أو نوم أو خلافه من أجل تأديتها و القيام بها ...فتأدية الأعمال للحياة الأخرى الأبدية أهم من تأدية الأعمال من أجل المحطة المؤقتة ...حتى عندما تحدث الإسلام عن الدنيا فقد فعل ذلك على مضض ... و كرس فكرة أن الأساس هي الحياة الأخرى [ و ابتغ فيما أتاك الله الدار الأخرة و لا تنسى نصيبك من الدنيا ] ... الأساس و المهم هو الحياة القادمة ... الدنيا أمر فرعي ... و لا تنسى ... و هنا ترجيح لإحتمالية أنك قد تنسى الدنيا بما فيها أصلا من أجل تلك الحياة الأخرى ...

و كعادة الأفكار الميتافيزيقية ... تستمد هذه الأفكار قوتها من الجدية و المصيرية المحيطة بها .. فالأمر حسب العقلية الدينية جد خطير و مصيري لأنه يتعلق به مصير قد يكون عذاب أبدي في نار حارقة لأبد الآبدين و من هنا تستمد الفكرة قوتها و رسوخها و جدية تناولها لدى الناس ...! بمعنى أن الموضوع ليس لعبة ... فقد تشوى للأبد .

أوروبا لم تكن أفضل منا بكثيرفقد كانت تتعاطى مع الدين بنفس الجدية التي نفعلها الآن .. فقد كانت هناك محاكم التفتيش و إحراق الساحرات و قتل المهرطقين ممن يدعون إلى علوم تخالف ما جاء في الكتب المقدسة و ما إلى ذلك ...
حسنا .... و ماذا بعد ذلك ؟ لم تبرح أوروبا مكانها قيد أنملة ...لذلك فقد حان وقت تغيير اوروبا للدين ... فقد غير الدين أوروبا بما يكفي ... لذلك تم حجر الدين و التضييق عليه و لم يعد سوى مجرد إعتقاد شخصي بالضبط مثل الإعتقاد بضرورة تناول الشاي مساء الأحد مثلا...

من الصعب تخيل أوروبا بشكلها الحالي اليوم ... فيما لو أنها لم تقم بتلك العلمنة القصرية ... و عليه فإن تأثير الدين على الحياة و نوعيتها هو أمر واضح قاطع و محوري لا يمكن حتى التجادل بشأنه ... علمت أوروبا أن التقدم مع الدين هو أمر صعب إن لم يكن مستحيل و لذلك حتى لو لم تترك الدين بالكلية فإنها عمدت إلى تشذيبه و أذكر في ذلك حادثة ظريفة عندما حاولت بريطانيا إلغاء فكرة الجحيم من الإيمان المسيحي و مع الوقت أصبح من غير اللازم أن تؤمن بالنار حتى تكون مسيحي ... أما اذا ما تحدثنا عن الواقع الإسلامي المعاصر.. فالشواهد كثيرة ... فأفضل البلدان الإسلامية على المستوى المدني و الحقوقي و المعيشي هي دول علمانية ... و لا يمكن إنكار ذلك ..

بإختتصار ... و بمعادلة بسيطة ... إما أن يغيرك الدين و إما أن تغيره ..



#كمال_بالمقدم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعصب الديني لا ينشأ اصلا إلا في غياب العقل و المنطق
- أخلاقياتنا المغلقة و مقاييسها التي لا قيمة لها في مجتمع آخر ...
- الرّق الثاني : التنوير هو الحل
- الرَّق الاول : رسالة من كافر
- بين النقد المنطقي و بين الإبتذال و الإسفاف
- نحن أقدم و أعرق من الاسلام
- حياة الملحد هي حياة حيوانية !!!!
- البحث عن الحقيقة
- عدالة ربانية
- قميص عثمان
- تصرف بدائي قديم تجاوزته المجتمعات المتحضرة
- العلمانية هي الحل
- خرافة مطمئنة
- ازمة هوية
- السلفية والأصولية
- حسن الخاتمة وأثرها السيئ على الاخلاق
- قريش بين شرعية النبوة ومشروعية السؤال
- منطق حول قصة الخلق
- انتباه ! القرآن يحاجج
- دين افضل من دينك


المزيد.....




- الخارجية الإيرانية تحذر من إعادة تفعيل الجماعات التكفيرية في ...
- تعويض بمليون جنيه.. بلاغ جديد من الإعلامي المصري إبراهيم فاي ...
- متحدث الخارجية الايرانية يحذر من تنشيط الزمر الارهابية التكف ...
- قائد حرس الثورة الاسلامية اللواء سلامي: حزب الله فخر العالم ...
- تونس.. وفاة أستاذ تربية إسلامية أضرم النار في جسده (صورة)
- هشام العلوي: أية ديمقراطية في المجتمعات الإسلامية ؟
- تعداد خال من القومية والمذهب.. كيف سيعالج العراق غياب أرقامه ...
- وفد الجامعة العربية لدى الأمم المتحدة يدعو لحماية المنشآت ال ...
- ولد في اليمن.. وفاة اليهودي شالوم نجار الذي أعدم -مهندس المح ...
- ماما جابت بيبي..أضبطها الآن تردد قناة طيور الجنة بيبي على ال ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - كمال بالمقدم - الرّق الثالث : في ثقافة الموت