|
أربع سنوات من عمر الثورة المصرية الإنجازات والتحديات
محمد حسن خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4675 - 2014 / 12 / 28 - 11:53
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
بعد مضى حوالى أربع سنوات على ثورة 25 يناير يبدو من الضرورى إلقاء نظرة شاملة حول مسار الثورة ودروسه، حول ما أنجزته، وهو كثير، وحول مالم تنجزه وهو أكثر. وبالطبع ليس الهدف من هذا هو السعادة بما أنجز ولا الإحباط لمساوئ الوضع الحالى، حيث مرت أربع سنوات ونحن نرى سلبيات كثيرة أبرزها رجوع أسوأ رموز النظام القديم للتبجح وكأن الثورة لم تنجز شيئا، وكأن هناك دورة عبثية تمت. وهذا هو إحساس قطاعات من الشباب تدفعهم إلى الإحباط. إلا أن الموقف العلمى الثورى لا يعرف الإحباط، بل يعرف تقييم ميزان القوى الاجتماعية والطبقية، وتحليله فى كل لحظة، مع حساب دقيق للمكاسب والخسائر، وأطراف قوى الثورة والأطراف المضادة، خروجا بتكتيك ثورى لتطوير وضع الطبقات الشعبية إلى الأمام. ومن القوانين الأساسية للثورات، التى رغم وضوحها كثيرا ما يغفلها الكثيرون، أن الثورة دائما هى بداية المطاف وليس نهايته. الثورة هى فعل شعبى جماهيرى واسع وتضحيات هائلة من أجل تغيير جذرى للنظام. وبما أن الثورة لا تجرى فى الفراغ، ولكنها تجرى ضد النظام القديم وامتيازاته غير العادلة، فإن فعل الثورة نفسه يستثير النظام القديم ويزيد شراسته عشرة أضعاف وهى ترى امتيازاتها تتهدد عند إقرار حقوق الشعب المظلوم، سواء فى العدالة الاجتماعية أو فى الحريات. المعركة بين الثورة والنظام القديم هى مسار كل ثورة وقدرها، وبالطبع من بينها ثورتنا. كان هذا واضحا فى العام التالى للثورة الذى انبرى فيه المجلس العسكرى، رغم تمجيده للثورة وموافقته على التضحية بمبارك إنقاذا للنظام، ورغم تحياته اللفظية للثورة، يقاوم كل تغيير ولو صغير فى أركان النظام القديم، ليس فقط فى مؤسساته، بل حتى فى رموزه، ولا يقدم على أى تنازلات إلا تحت أعنف الضغوط الجماهيرية. لم تتم إقالة وزارة شفيق إلا بعد مليونيتى مارس 2005، ولم يتم القبض على رجال مبارك المقربين وأنجاله إلا بعد مليونيتى إبريل 2005 ، ولم يتم نقل مبارك للقاهرة والشروع الجدى فى محاكمته وحل المحليات إلا بعد الموجة الثورية الهائلة فى شهر يوليو عام 2011. كل هذا فى إطار محاولة النظام القديم وفى القلب منه المجلس العسكرى تقليل التنازلات للثورة فى حدها الأدنى والحفاظ على الحد الأقصى من ملامح النظام القديم دون تغيير. اعتمد تكتيك المجلس العسكرى فى تصفية الثورة على محور آخر شديد الأهمية: ألا وهو التحالف مع قوة معارضة لنظامه القديم، الإخوان المسلمين ومعها كل الجماعات الشبيهة، ضد الثورة. بالطبع أخذ فى الاعتبار أن تلك القوى تشاركه نفس المصالح كقوة تنتمى لنفس الطبقات المالكة الكبيرة. المعادلة المفهومة للتحالف هى أن النظام القديم يدخل ذلك الجناح القوى اقتصاديا للمشاركة فى الحكم بنصيب فى كعكة السياسة بعد طول استبعاده منها، فى مقابل تعاونه لأداء المصلحة المشتركة ضد ثورة الجماهير، خصوصا وهو له وزن بين الجماهير. كانت هذه أول تنازلات قيادات النظام القديم للثورة، وبالطبع أعنى بقيادات النظام القديم أجهزته العسكرية والمخابراتية. لقد فهمت جزءا من رسالة الثورة ضد الحكم المزمن الذى طال ثلاثة عقود حتى تعفن واستوطن فيه الفساد وسعى للتمديد والتوريث، لذا كان التنازل الفورى فى أعقاب 11 فبراير هو الإعلان عن أن مدة الرئاسة ستخفض إلى 4 سنوات ولمدتين غير قابلتين للتجديد، كما اشتمل ضم فئات جديدة، رغم أنها لا تخرج عن الطبقات المالكة الكبيرة، الإسلاميين ثم الاتجاه الليبرالى بعد 30 يونيو، اشتمل هذا على تطوير شكل الحكم من التعددية المقيدة فى عهد مبارك إلى شكل تداول محدود للسلطة داخل الطبقة المالكة الكبيرة، مع محاولة عدم تقديم التنازلات فى مجال الديمقراطية للجماهير الشعبية إلا فى أضيق الحدود. كانت أقسى سنين الثورة هى السنة الأولى من فبراير 2011 إلى فبراير 2012 عندما اتحد النظام القديم هو والإخوان فى مواجهتها. وأثبتت الثورة صلابتها وقدرتها على كسب الكثير من النقاط من الأعداء. مكن المجلس العسكرى الإخوان من لجنة الدستور والمجالس التشريعية، وراهن على تعاونه معهم كجزء من الطبقة الحاكمة. تعاون الإخوان والمجلس العسكرى فى تمرير استفتاء مارس 2011 ومبدأ الانتخابات أولا، كما تعاون المجلس العسكرى مع الإخوان فى أول انتخابات للبرلمان بالتغاضى عن كل أشكال رشوة الناخبين وخرق قانون الدعاية الانتخابية وخرق فترة الصمت الانتخابى وخرق حرمة اللجان الانتخابية مما ساهم (بجانب شعبيتهم وسط قطاعات من الجماهير بالطبع) فى فوز الإسلاميين ب70% من مقاعد أول برلمان منتخب. بل وشارك الإخوان فى القمع المباشر للجماهير كما فى مظاهرة مجلس الشعب. بعد شهور التنازلات الأولى للجماهير بعد الثورة انتهاء بالشروع فى محاكمة مبارك ورجاله بعد يوليو 2011 بدأ مسلسل القمع السافر ضد الجماهير فى مذابح العباسة (يوليو) وماسبيرو (أكتوبر) وأحمد محمود (نوفمبر) ومجلس الشعب (ديسمبر) 2011، كل هذا بتأييد الإخوان للمجلس العسكرى. وصمدت الثورة متحدية كل تلك المذابح واستمرت الثورة. بدأ الصدام بين الإخوان والمجلس العسكرى من أواخر فبراير 2012 حينما لم يكتف الإخوان بالسلطة التشريعية وطلب موقع قدم فى السلطة التنفيذية ممثلا فى أربع وزارات، ثم بعد الجدال والصدام قرر الإخوان ترشيح مرسى للرئاسة رغم تعهد المرشد العام سابقا بعدم تقديم مرشح رئاسى. انتهى الصدام بتولى مرسى الرئاسة، بمساهمة ضخمة من الضغوط الأمريكية. وكان المأمول من النظام القديم بالطبع أن يؤدى إشراك الإخوان فى السلطة إلى نوع من الاقتسام للسلطة يعين على تصفية الثورة، ولكن برز عنصران جديدان أفشلا ذلك المخطط: الأول هو طموح الإخوان الزائد إلى إزاحة النظام القديم والانفراد بكل أو معظم السلطة، بدءا من مؤامرة اغتيال الجنود فى رفح للإطاحة بالمجلس العسكرى، وحتى الصدام مع أجهزة الدولة، بادئا بمذبحة القضاء (حصار المحكمة الدستورية، ثم محاولة إحالة 70% من القضاه للمعاش بتخفيض سن المعاش من السبعين للستين، مع استبدالهم بمحامين إخوان)، والصدام مع الإعلام وحصار مدينة الإنتاج الإعلامى، وتعيين 13 ألف موظف فى جهاز الدولة بالذات المتحكم فى الانتخابات فى وزارات الحكم المحلى والتعليم، هذا غير محاولات الإخوان اختراق الجيش والبوليس وتسليم قوائم بأسماء القيادات والمناصب وغيرها من أسرار وزارة الداخلية وأسرار تمس الأمن القومى من رئاسة الجمهورية إلى قطر كما ظهر فى قضية التخابر. والثانى هو التحالف القوى الذى ظهر بين الإخوان والغرب بالذات الولايات المتحدة الأمريكية، التى كانت قد اتفقت مع الإخوان على مساعدتهم على تولى السلطة فى مقابل مشاركتهم فى تنفيذ مخطط الشرق الأوسط الكبير القاضى بتفتيت دول المنطقة إلى أقليات دينية وطائفية وعرقية مختلفة. يكسب الأمريكان القضاء على مصر الدولة الكبيرة، وعلى كل دولة ذات وزن فى المنطقة، ولا يبقى قوة تذكر يمكن أن تتحدى نفوذهم فى أى مستقبل منظور. بينما يكسب الإخوان مظلة الخلافة الإسلامية الشكلية على دويلات موالية سياسيا واقتصاديا للغرب. بدأ الشعب تحركه ضد الإخوان منذ تفجر أول موجة إضرابات عمالية فى عهد مرسى منذ أغسطس –سبتمبر 2012، كما بدأ تصدى الشعب كله ومعه جهاز الدولة والنظام القديم بجيشه وشرطته وبيروقراطيته لحكم مرسى والمطالبة بإسقاطه منذ الإعلان الدستورى فى نوفمبر 2012 حتى سقط مرسى أخيرا فى 30 يونيو. إننا من الناحية الموضوعية إزاء نوع من التحالف المؤقت بطبعه بين الشعب وأحد العدوين، أو بالأحرى السير منفردين والضرب معا ضد هذا العدو المشترك شديد الخطورة على وجود الدولة ذاته، بالسير مع رجال النظام القديم، ضد الإخوان الذين أرادوا تدمير جهاز الدولة والعودة بها إلى الدولة البدائية التى يدعون أصالتها باعتبارها دولة الخلافة الإسلامية، ضد الديمقراطية الحديثة والقضاء الحديث والصحافة الحديثة، كما تواطئوا مع المخطط الاستعمارى الخاص بالشرق الأوسط الجديد وتآمروا مع أمريكا بالذات على تفتيت مصر والدول العربية، بدءا بتحويل سيناء إلى إمارة إسلامية بإطلاق يد الإسلاميين المصريين الخارجين من السجون والقادمين عبر أنفاق غزة بمعرفة حماس. كسب الشعب الكثير بعد 30 يونيو 2013. كسب أولا إزاحة كابوس الإخوان عن الحكم، والإطاحة بأحد عدوية، الذى أصبح العدو الأخطر منذ تآمره مع الغرب فى مخطط الشرق الأوسط الجديد للتفتيت الطائفى. كما كسب دستورا يعد افضل دستور حصلت عليه مصر فى تاريخها رغم مثالبه. دستور يقر مبدأ حقوقه الاقتصادية والاجتماعية والحريات الأساسية للشعب ومبدأ تداول السلطة، رغم أن تلك النصوص لن تفعل نفسها بنفسها. فنضال الشعب الضرورى هو وحده الذى يستطيع تحويلها إلى قوانين، ثم بعد ذلك تنفيذ تلك القوانين. إن تفعيل الدستور والقوانين هو موضوع صراع وميزان قوى بين الشعب والسلطة، ولكن يبقى الدستور ذخيرة هامة فى ذلك الصراع. كما كسب الشعب بعض الحقوق الاقتصادية واستمرار ممارسة حريات الأمر الواقع بممارسة حق الاجتماع والإضراب وتشكيل الأحزاب والمنظمات الجماهيرية، على الرغم من توالى صدور القوانين المقيدة للحريات مثل قانون التظاهر. تسبب تعقيد الموقف فى تمايز المواقف داخل اليسار: فمن رأى أن الخطر الأساسى هو تفتيت الدولة باسم الأخونة وتنفيذ مخطط التقسيم انحاز للمعسكر المعادى للإخوان بما فيه من تحالف مؤقت ضرورى مع جهازالدولة القديم (أو بالأحرى السير منفردين والضرب معا ضد الإخوان)، أما من لم يقدر مثل ذلك الخطر بهذا القدر فقد تركزت معارضته على محاولة النظام القديم إحياء جهاز الدولة القديم وعودة البطش ممثلا فى بعض التجاوزات التى حدثت أثناء فض الاعتصامات، ودور الدولة فى سن قوانين رجعية معادية لحركة الجماهير غير القبض على بعض نشطاء الثورة مع الإخوان والحكم عليهم. ظهر هذا فى الانتخابات الرئاسية، فمن رأى خطر المخطط الأجنبى للتفيت ودور الإخوان فيه هو الخطر الرئيسى أيد انتخاب السيسى، ومن رأى الأولوية لخطر محاولات استعادة قمع جهاز الدولة القديم أيد حمدين صباحى. أما بخصوص الشعب الذى خرج عن بكرة أبيه ضد الإخوان فقد انعكس موقفه المقدر لدور الجيش فى المساعدة الحاسمة فى التخلص من الإخوان على تأييده الساحق للسيسى فى انتخابات الرئاسة. إلا أن انتخاب السيسى بما يشبه الإجماع لا يعنى تناسى مطالب الثورة، فقد توقفت سياسة التوكيل على بياض لأى حاكم، ومازال الشعب فى حالة انتظار لتحقيق أهداف الثورة فى العدالة والحرية، ولسان حاله يقول: عملنا ما علينا وننتظر الآن تحقيق مطالب الثورة. لقد تراجع التناقض مع الإخوان إلى الصف الثانى بعد إسقاط حكمهم، رغم عدم انتهائه، ورغم بقاء خطورته نظرا استمرار المخططات الأجنبية الداعية له، ونظرا لحصار مصر بوجود حلف الأطلنطى أو قوات الإرهاب الإسلامى على حدودها الغربية فى ليبيا والجنوبية فى السودان والشرقية ببروز داعش وحلف الأطلنتى معا. ولكن أيضا يبرز من جديد المعركة بين الثورة والنظام القديم، وهى معركة بالنقط دون أن تستبعد بالطبع إمكانية السخونة فى أى لحظة سواء من الجماهير المنتظرة أم من السلطة التى تحاول تقييد حقوق الجماهير، ومحاورها حل الأزمة الاقتصادية على حساب الأغنياء وليس على حساب الجماهير، ووقف الخصخصة وتقليص التبعية الاقتصادية للغرب وإقرار حريات الجماهير. ولكن يهمنا هنا استعراض أحد أهم الملامح التى صاحبت الصراع بين الإخوان والنظام القديم. لقد فوجئت الطبقات الحاكمة القديمة، العميلة تاريخيا للغرب، بتفضيل الغرب للتحالف مع الإسلاميين الأكثر تبعية لتنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد وتفتيت الدول العربية، ونشأ شرخ بين الطبقات الحاكمة والولايات المتحدة سواء فى مصر أو فى دول الخليج من بيع أمريكا لها وسعيها لتدمير وتقسيم حتى دول الخليج بواسطة الإسلام السياسى. من هنا نشأ تحالف موضوعى، لم يوثق رسميا، بين النظام القديم والقوى الثورية ضد الإخوان. ومما له دلالة شديدة على هذا الشرخ بين الغرب وأمريكا وبين النظام الحاكم القديم الجديد هو التمهيد ل30 يونيو بزيارة السيسى لكل من السعودية يتلوها روسيا وهو مازال وزيرا للدفاع فى عهد مرسى، أى محاولة للاتفاق على تنويع مصادر السلاح من روسيا بعد الأزمة مع أمريكا، مع ضمان تمويل سعودى للصفقة. ولعل قرار تنويع مصادر السلاح، الأول من نوعه منذ عام 1974، هو قرار استراتيجى تأخذه الطبقة الحاكمة لتواجه به الشرخ الحادث فى علاقتها بالغرب، ويتيح لها قدرا من استقلالية القرار وفكاكا من بعض أشد قيود التبعية. فى أعقاب نجاح هذه الكتلة فى الإطاحة بالإخوان فى مصر فى 30 يونيو 2013 استفاد شعبنا بالطبع زيادة تسييسه وتنظيمه ومشاركته فى صنع مستقبل بلاده، وهذا هو المكسب الرئيسى منذ التحضير لثورة يناير حتى اليوم، وكسب أيضا النظام القديم العودة إلى الحكم على أنقاض حكم الإخوان. من هنا يأتى إحباط العديد من الثوريين، حيث بدأنا بحكم النظام القديم وانتهينا به فيما يبدو وكأنه دورة كاملة تعود إلى نقطة الصفر. إلا أن الصورة الحقيقية ليست كذلك. إنها دورة صاعدة تنقلنا للأمام كما يظهر فى مكاسب الدستور الجديد فى مصر، وفى دخول الشعب كطرف مستقل لا يمكن تجاهل أهدافه فى أى حكم، وينتظره المزيد من الجهد فى التسييس والتنظيم لمعاظمة قدرته على المشاركة فى صنع مستقبل بلاده. ولكننا خسرنا أن النظام الجديد ما أن استتب له الأمر نسبيا حتى استعاد السياسة الاقتصادية لمبارك، رغم تعديلات محدودة، فى الخصخصة (كما ظهر فى طرح خصخصة المستشفيات الجامعية) وإلقاء عبئ الأزمة الاقتصادية على عاتق الجماهير، بدءا بتقليص دعم الطاقة. ولكن الموضوع لا يخضع للتفاؤل والتشاؤم، بل يقتضى حساب دقيق لميزان القوى الاجتماعية فى بلدنا وصولا لتكتيك سليم للحركة. وهدف حركتنا، بجانب استئناف المعركة مع الإرهاب الإسلامى للقضاء عليه، يجب أن يكون الدفاع عن مصالح الجماهير الاقتصادية ورفض إلقاء عبئ الأزمة على عاتق المطحونين، وتحميل الطبقات القادرة أعباء الأزمة الاقتصادية من خلال الضرائب التصاعدية والحد من تبديد الفائض فى استهلاك الطبقات المترفة، والدخول فى تنمية تعتمد على الذات بحيث نصل للاكتفاء الذاتى الغذائى والإنتاج الصناعى الموجه لإشباع احتياجات الجماهير وتكامل الهيكل الصناعى. وعلينا تعميق الشرخ مع أمريكا والغرب كبديل عن محاولة رأبه الآن، مع تعميق العلاقات مع الأقطاب الأخرى وبخاصة مجموعة البريكس (روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا) من أجل التنمية المستقلة ومواجهة التبعية. وفى الحقيقة فإن الجانبان شديدا الترابط، فلا يمكن توسيع الشرخ الحادث فى علاقة مصر بأمريكا بقرار تنويع مصادر السلاح ومواجهة مخطط الإرهاب والتقسيم والاستفادة من الأقطاب الدولية الصاعدة بالذات روسيا والصين فقط مع بقاء التبعية الغذائية والاقتصادية للسوق الدولية، ولن تأخذ تلك المواجهات مداها دون مد نطاقها لمحاولة الفكاك من قيود التبعية والسيطرة المتزايدة على الإنتاج وعلى شروط تجدد الإنتاج بالسعى للاكتفاء الذاتى الغذائى وتوسيع الصناعة والدخول فى الصناعات الثقيلة وصناعة الآلات فضلا عن صناعة التكنولوجيا. إن الفترة الحالية هى فترة استمرار المطالبة بمطالب واستحقاقات الثورة التى لم تتحقق بعد، ومن الهام فى تقدير ميزان القوى تقدير المزاج الجماهيرى وتحديد أساليب الكفاح على أساس ميزان القوى وطبيعة المزاج الجماهيرى. بالطبع هناك قطاعات من الجماهير أيدت السيسى رغبة فى الاستقرار الذى يمكنها من مواصلة كسب عيشها، إلا أن الجماهير قد خرجت عن الطوق وعن وصاية النظام الحاكم وأساليب وصايته وأخذت تأخذ أمورها بأيديها. كان دورنا قبل الثورة مثلا، حينما كان الشعب يعى فساد النظام القائم ولكنه لا يتحرك بشكل كاف، كان دورنا هو حفز أخلاق المقاومة وتحويل السخط السلبى إلى عمل جماعى إيجابى ضد النظام. أما اليوم حيث الشعب فعلا فى حالة مقاومة تمثلها الحركات المطلبية والإضرابية، وفى حالة نمو لتنظيماته المستقلة السياسية والنقابية (النقابات المستقلة والأنشطة والنجاحات داخل النقابات المهنية) فإن هدف تحركنا لابد وأن يكون تنظيم تلك المقاومة، ورفع وعى الشعب باستمرار بترابط مطالبه المهنية والمطالب السياسية فى الحريات وشكل الحكم، واستمرار المقاومة الجماهيرية (وليس الأمنية فقط) للتيار المتأسلم واجتثاث قاعدته الاجتماعية سواء بإقرار العدالة الاجتماعية أو بالنضال ضد الأفكار الرجعية التى تشكل قاعدته. فالثورة غيرت الشعب، رفع حاجز الخوف، وعودته على أساليب الكفاح، وأصبح من المألوف تهديد العاملين بأى مجال عند أى مشكلة باللجوء إلى الأساليب النضالية التى تم التعود عليها (إضراب، وقفة احتجاجية، عريضة، مقابلة مسئولين، مخاطبة الرأى العام من خلال البيانات والصحافة والإعلام). أيضا هناك انتشار المؤسسات التى تبلور المطالب وترفعها وترفع أفقها السياسى وتوصلها بالإعلام نتيجة لوشائج الصلة التى تتنامى كل يوم بين حركة الجماهير والمنظمات السياسية والنقابية المعبرة عن مطالب الجماهير. ولعل فى المثل الأخير حينما أضرب مصنع الكوك لمدة أربعة أيام، ثم علق الإضراب فى نهاية الأسبوع ليعود فى بداية الأسبوع الذى يليه باشتراك مصنع الحديد والصلب معه، لعل فيه درسا هاما. لقد كان مجرد تهديد عمال الصلب بالإضراب كافيا لتحقيق مطالب الإضراب قبل أن يضربوا! فى هذا السياق تمثل مناسبة الانتخابات البرلمانية فرصة هامة يتيح فيها اهتمام الجماهير بالسياسة والمرشحين فرصة للثوريين للارتباط بالجماهير والاستمرار فى رفع وعيها وتنظيمها وتطوير مقاومتها للنظام القديم فى معركة الثورة المتواصلة. وهنا لابد من التمييز بين عنصرين هامين: النظام القديم يعتبر أن المطلوب هو الاستقرار الذى يعنى استكمال شرعية الحكم عن طريق الخطوات الثلاث لشرعية النظام فى رأيه بإقرار الدستور وانتخاب رئيس الجمهورية والبرلمان، ويتوافق مع هذا الصبر وشد الأحزمة على البطون والبعد عن المطالب والاحتجاجات "الفئوية" كما يقولون. أما نحن فندرك جيدا أنه لا مكان لخطاب مبارك المحسن حول شد الأحزمة على البطون الخاوية مادام هناك ذلك التمايز الخانق فى دخول الطبقات الغنية التى لا تمس إلا بأقل القليل، والحاسم هو متابعة المعارك المتعددة لتطبيق الحد الأقصى للأجور وتقليص الفارق إلى 20:1، ومتابعة معركة تطبيق الضرائب التصاعدية، ورفض تحويل حقوق الشعب إلى شحاتة من الأغنياء. لقد كان أحمد عز قبل الثورة يفخر بأنه يدفع سنويا 400 مليون جنية ضرائب، ومعنى هذا أنه يعترف بأن أرباحه السنوية 2 مليار جنية (الضريبة وقتها 20%)، ولا يعقل فتح باب التبرع للاثرياء الآن لكى يتبرع أحدهم بخمس ملايين بينما لو تم تطبيق ضريبة تصاعدية 50% مثل متوسط الدول الرأسمالية أو 42% كما كان فى مصر حتى عام 2005 لدفع أمثال أحمد عز حوالى مليار جنية سنويا دون الحاجة إلى تسول التبرعات منه! الاستقرار فى عرفنا ليس برنامج الخطوات الثلاث ولكنه تنفيذ استحقاقات الثورة من حرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية ورفع مستوى الشعب إلى مافوق حد الفقر، وتخصيص الموارد الجديدة لتطوير التعليم والصحة والخدمات والمرافق، وكذلك تخصيصها لتطوير الإنتاج الصناعى والزراعى ودخول التنمية التى تأخرنا فيها كثيرا، واستقلال الإرادة الوطنية بالاستفادة من العالم الواسع والأقطاب الجديدة البازغة فيه بدلا من سياسة إلقاء كل البيض فى سلة الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. أواخر ديسمبر 2014
#محمد_حسن_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العدالة الاجتماعية فى مجال الصحة فى العالم العربى
-
الانتخابات البرلمانية ووضع الثورة الراهن
-
خصخصة الخدمات ودور الدولة
-
مستقبل الثورة وتضارب مواقف اليسار (1/2)
-
اللحظة الراهنة من عمر الثورة المصرية
-
هل هناك خطر جدى لتفتيت الدول العربية؟
-
صعود الإخوان ومستقبل الثورة
-
فى العام الثانى للثورة الإصرار المقاتل على الثورة مستمرة يقا
...
-
عندما يتقاطع مسار الثورة مع الانتخابات البرلمانية
-
انتخابات مجلس الشعب تحت شعار استمرار الثورة
-
مستقبل الثورة: قراءة فى ميزان القوى الراهن
المزيد.....
-
بعد وصفه بـ-عابر للقارات-.. أمريكا تكشف نوع الصاروخ الذي أُط
...
-
بوتين يُعلن نوع الصاروخ الذي أطلقته روسيا على دنيبرو الأوكرا
...
-
مستشار رئيس غينيا بيساو أم محتال.. هل تعرضت حكومة شرق ليبيا
...
-
كارثة في فلاديفوستوك: حافلة تسقط من من ارتفاع 12 متراً وتخلف
...
-
ماذا تعرف عن الصاروخ الباليستي العابر للقارات؟ كييف تقول إن
...
-
معظمها ليست عربية.. ما الدول الـ 124 التي تضع نتنياهو وغالان
...
-
المؤتمر الأربعون لجمعية الصيارفة الآسيويين يلتئم في تايوان..
...
-
إطلاق نبيذ -بوجوليه نوفو- وسط احتفالات كبيرة في فرنسا وخارجه
...
-
في ظل تزايد العنف في هاييتي.. روسيا والصين تعارضان تحويل جنو
...
-
السعودية.. سقوط سيارة من أعلى جسر في الرياض و-المرور- يصدر ب
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|