|
النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-2
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4675 - 2014 / 12 / 28 - 10:30
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
يذهب البعض إلي أن جماهير الفرق الأرمنية كانت قاصرة علي بني جنسهم أو من يعرفون لغتهم فقط. ولكن يتأكد من الصحافة المعاصرة أ جميع عناصر الشعب وعلي رأسهم الخديو وأفراد أسرته كانوا من مشاهدي العروض المسرحية الأرمنية التي قوبلت بنجح جماهيري كبير. فعند العرض الأول لمسرحية " ليبلبيبيجي خور خور أغا" اكتظ مسرح الأزبكية بالمشاهدين حتي أن كثيرا ممن حجزوا مقاعد لم يجدوا مكانا يجلسون فيه.أكثر من هذا ، أعيد عرض المسرحية ثلاث مرات بناء علي رغبة المشاهدين. وقد كانت الفرق الأرمنية علي مستوي المنافسة مع مثيلاتها الأوربية في النواحي الفنية بل فاقتها أحيانا . فعلي سبيل المثال ، عرضت فرقة أرمنية مسرحية " جيروفيليه جيروفيلا" الفرنسية علي مسرح الأزبكية ، في نفس الوقت التي كانت تعرضها فرقة فرنسية علي مسرح الأوبرا، فانجذبت الجماهير واحتشدت في مسرح الأزبكية مما أدي إلي رحيل الفرنسيين إلي أوربا رغم ريادتهم في الفن المسرحي. بيد أن أهم ما حققته الفرق الأرمنية من وراء عروضها الفنية في مصر هو تعاقد إحداهن مع نظارة الأشغال للعمل علي مسرح الأوبرا خلال موسم 1886 . وكذا ، تعاقد سيروفبي بنجليان ويغيازار ميلكيان مع نظارة الأشغال علي تزويد المسرح الخديوي بالأوبرا بثلاثين ممثلا وممثلة من الأرمن الذين يجيدون اللغة التركية . هذا ، وقد استفادت الفرق الأرمنية من تواجد شخصيات أرمنية مرموقة مثل ديكران آبرويان ويعقوب آرتين وبوغوص نوبار كأعضاء في لجنة التياترات التابعة لنظارة الأشغال. ولم تقتصر استفادتهن علي استدعائهن للعمل علي مسارح الدولة فقط، بل شملت أيضا مساعدتهن ماليا في حالة تعثرهن. فمثلا ، توقفت عروض فرقة بنجليان في مارس 1888 علي أثر وفاة الأمير حسن- شقيق الخديو توفيق – مما اوقعها في أزمة مالية. اضطر بنجليان علي أثرها إلي رهن مؤلفات الموسيقار الأرمني ديكران تشوهاجيان ونوتات أوبراته الموسيقية وملابس الفرقة مقابل قرض ولكنه مع هذا لم يف بمتطلبات الفرقة. بيد أنه بفضل وساطة بعض كبار الموظفين الأرمن في الحكومة المصرية خاصة الأعضاء منهم في لجنة التياترات، فقد أحسنت الحكومة ب"250" جنيه للفرقة نظير الخسائر التي ألمت بها من جراء وفاة الأمير حسن . علي أن هذه المنحة جاءت في وقت بدأت فيه الفرقة تفقد شعبيتها بين الجماهير. وعبثا ، حاول بنجليان ان يسترد شعبيته بين الجماهير عن طريق تخصيص إيراد بعض الحفلات للمدارس الخيرية التي يتعلم بها الفقراء. كما دب الخلاف بين بنجليان وفرقته حول توزيع منحة الحكومة. بيد ان أسوأ ما ارتكبه بنجليان من أخطاء هو انتقاده الخديو توفيق بطريق غير مباشر أثناء مشاهدته شخصيا مسرحية " ليبليبيجي" مما عرضه لغضب الخديو وحاشيته. ورغم تصاعد المسألة الأرمنية خلال تسعينيات القرن التاسع عشر ، فقد ظلت الفرق الأرمنية تفد إلي مصر من الأستانة . ففي فبراير 1891 ، قدمت فرقة عروضها الموسيقية الراقصة في قاعة كونليانو بالإسكندرية . كما أقام فهرام سيفاجيان في أبريل 1893 حفلة موسيقية بدار الأوبرا تحت إشراف أحمد مختار الغازي- المعتمد العثماني في مصر- . هنا يلاحظ أن فرق التسعينيات لم تستقبل بنفس الجماهيرية التي استقبلت بها فرق الثمانينيات. ويرجع هذا بالأساس إلي تعاطف المسلمين مع السلطان العثماني ضد ثورة الأرمن ناهيك عن الدعاية السيئة التي شنتها بعض الجرائد المصرية ضد الفرق الأرمنية واتهامها بالدعوة إلي الانحلال والرذيلة والكفر. ولم تقتصر إسهامات الأرمن في مجال المسرح علي الإنتاج باللغات الأرمنية والتركية فحسب ، بل ساهمت فئة قليلة منهم للإنتاج المسرحي باللغة العربية خاصة أن الأرمن الكاثوليك النازحين إلي مصر من بلاد الشام هربا من معارضة طائفتهم بشدة الفن المسرحي. ومما هو جدير بالذكر هنا ن أن أديب إسحق الأرمني الكاثوليكي قد اشترك مع سليم نقاش في تمثيل أول رواية عرضت باللغة العربية في مصر ألا وهي رواية أندروماك او شارلمان. ولكن، تعد فرقة ( جوق) يوسف خياطيان الأرمني الكاثوليكي أهم إسهامات الأرمن في مجال المسرح العربي. فقد قدمت الفرقة عددا من العروض المسرحية في مصر مثل "شارلمان" ، " العلم المتكلم" ،" المظلوم" ، " هارون الرشيد" وغير ذلك. وبعامة، اتسمت هذه المسرحبات بالطابع الدرامي الجاد ، واستوحت موضوعاتها من مواقف تاريخية أدبية ذات مغزي اجتماعي إصلاحي . ولكنها لم تكن فنيا علي مستوي المنافسة مع مثيلاتها الاجنبية. فمما يذكر مثلا عن فرقة يوسف خياط أنها لم تجد سيدات تقمن بالأدوار النسائية ، فعهدت بها إلي غلمان لم يتقنوا أدوار النساء مما أدي إلي اهتزاز عروضهم بعض الشيء. وهكذا ، شارك الأرمن في نشأة الفن المسرحي وتطويره في مصر. ورغم كثرة إنتاجهم باللغات الأجنبية ، إلا أنهم قدموا صورة متكاملة نسبيا عن مكونات العمل المسرحي للكتاب والممثلين والجماهير. وأيضا ، اشترك الأرمن في تأصيل بعض الفنون الجميلة في مصر خاصة التصوير الشمسي . والحق أن كثيرا من الفنانين المصورين في العالم قد انجذبوا إلي مصر خلال القرن التاسع عشر بسبب الاهتمام الدولي بتاريخها وفنها وعاداتها في أعقاب الحملة الفرنسية (1798-1801) وما نتج عنها من استكشافات خاصة حجر رشيد. ويغذي هذا الاهتمام من الخلف الميول الرومانسي التقليدي إزاء الشرق بعامة. وتقنيا ، امتاز مناخ مصر بهوائه النقي وضوئه القوي العمودي مما يلائم متطلبات التصوير. وأخيرا ، أصبحت صور مصر الخلابة مطلوبة تجاريا باستمرار في السوق العالمي. ولكن، قوبل التصوير بمعارضة شديدة من التقاليد الإسلامية التي سمحت باستخدام الصور المجردة والهندسية وحرمت التصوير الآدمية . ولهذا ، لم يمارس المسلمون هذا العمل ، في حين مارسه الأوربيون والأرمن المسيحيون علي نطاق واسع. هنا ، يلاحظ أيديولوجيا ارتباط المصورين الإنجليز والفرنسيين علي وجه الخصوص بالاهتمامات السياسية والفكرية لبلديهما في مصر ، علي خلاف الأرمن الذين زاولوا التصوير لتحقيق الربح فقط. وجدير بالذكر أن الأرمن قد استفادوا من التقنيات الحديثة في مجال التصوير وفتحوا استوديوهات كبيرة ذات إمكانيات فنية رائعة علي غرار مثيلاتها الأوربية. ثم تطور التصوير الشمسي تقنيا وفلسفيا وتجاريا علي المستوي العالمي منذ ثمانينيات القرن التاسع عشر. ولم تكن مصر بمنأي عن هذا التطور خاصة بعد تزايد حركة المرور فيها علي أثر افتتاح قناة السويس. وكذا ، أصبح التصوير وسيلة ضرورية لتوثيق التحديث الذي طرأ علي مصر. لهذا بعامة والمذابح بخاصة . فقد توافدت أعداد كبيرة من المصورين الأرمن إلي مصر منذ تسعينيات القرن التاسع عشر. ومن أشهرهم : صباح وخاتشيك، ليكيجيان وشركاؤه ، مجر آيفازيان وغيرهم. وجدير بالذكر أن نشاطات هؤلاء المصورين الأرمن لم تقتصر علي القاهرة فحسب، بل امتدت أيضا إلي الإسكندرية والمنصورة والزقازيق وأسيوط والأقصر.. ومما يدل علي براعة المصورين الأرمن وتقدير الحكومة المصرية لهم أن ليكيجيان قام بتمثيل مصر في المعارض الفنية التي أقيمت في باريس وشيكاغو منذ نهاية القرن التاسع عشر. وأخيرا ، اشتهر الأرمن منذ نهاية القرن التاسع عشر بالرسوم الشعبية المطبوعة التي استبدلت ببعض الرسوم التي كانت تصور يدويا علي المخطوطات وغير ذلك. وتركزت هذه الرسوم في تصوير الأساطير الشعبية مثل قصص " عنترة" و" سيف بن ذي يزن" و " الظاهر بيبرس" . وجدير بالذكر أن نشأة هذه الرسوم قد ارتبطت بدخول الطباعة في مصر لا سيما طباعة الصور الملونة علي الحجر التي اشتهر بها الأرمن.
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النشاط الفني للجالية الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر-1
-
صحافة الأرمن في مصرخلال القرن التاسع عشر -2
-
صحافة الأرمن في مصرخلال القرن التاسع عشر -1
-
نشاط الجالية الأرمنية في التعليم في مصر خلال القرن التاسع عش
...
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-4
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-3
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-2
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-1
-
الأيتام الأرمن في مصر (1923-1927)
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -7
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -6
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -5
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -4
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -3
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -2
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -1
-
النظم الإدارية للأرمن الكاثوليك والبروتستانت في مصر
-
أمور الزواج والطلاق عند طائفة الأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-3
المزيد.....
-
سفير الإمارات لدى أمريكا يُعلق على مقتل الحاخام الإسرائيلي:
...
-
أول تعليق من البيت الأبيض على مقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
حركة اجتماعية ألمانية تطالب كييف بتعويضات عن تفجير -السيل ال
...
-
-أكسيوس-: إسرائيل ولبنان على أعتاب اتفاق لوقف إطلاق النار
-
متى يصبح السعي إلى -الكمالية- خطرا على صحتنا؟!
-
الدولة الأمريكية العميقة في خطر!
-
الصعود النووي للصين
-
الإمارات تعلن القبض على متورطين بمقتل الحاخام الإسرائيلي تسف
...
-
-وال ستريت جورنال-: ترامب يبحث تعيين رجل أعمال في منصب نائب
...
-
تاس: خسائر قوات كييف في خاركوف بلغت 64.7 ألف فرد منذ مايو
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|