|
دواقنة هذا الزمان !
سهر العامري
الحوار المتمدن-العدد: 1308 - 2005 / 9 / 5 - 08:57
المحور:
حقوق الانسان
بعيد فاجعة جسر الأئمة التي ذهب فيها المئات من فقراء الشيعة العرب العراقيين ، وعلى وجه التحديد من مدينة الكادحين ، والفقراء ، مدينة الثورة في بغداد ، حيث أشارت آخر الإحصائيات أن حصة تلك المدينة من الموتى الذي قضوا في تلك الفاجعة ، قد بلغ ما يزيد على سبعمئة فرد من مجموع الضحايا الذين زادوا على الألف ضحية ، أقول بعيد تلك المصيبة اجتمع السفير الأمريكي في بغداد ، خليل زاده ، برئيس الوزراء ابراهيم الجعفري ، وعلى إثر هذا الإجتماع أعلن فيها أن رئيس الوزراء قد قرر منح كل أسرة من أسر الضحايا مبلغا قدره ثلاثة ملايين دينار ، أي ما يزيد قليلا جدا على ألفي دولار أمريكي ، وبعد ذلك بساعات أعلن في بغداد كذلك أن الجعفري قد تبرع بجميع رواتبه الشهرية لما تبقى من أشهر هذه السنة ، حيث تنتهي ولايته ، والتي يطمح على ما يبدو في الحصول على الولاية القادمة ، والأطول في مدتها الزمنية ، والتي أمدها أربع سنوات ، ومثل الجعفري أعلن رئيس الجمهورية ، جلال الطالباني ، في بغداد أيضا بأنه قد تبرع بمبلغ أربعمئة ألف دولار لأسرة البرزاني الكريمة ، تلك الأسرة التي ضيع صدام من أفرادها في عمليات الأنفال السيئة الصيت ألفا وثمانمئة شخص ، فمن نسائها ، ومثل رجالها ، من دفن في صحارى العراق ، ومن هن من بيعت في دول الخليج ، مثلما تباع سبايا الحروب في غابر الأزمان . ولا اعتراض على ما يتبرع به رئيس الوزراء ، أو رئيس الجمهورية لهذه الأسر المنكوبة التي طحنها صدام بظلمه ، ثم لاحق الإرهابيون غيرها من الأسر بالموت والقتل ، ولكن يظل للعراقيين أكثر من سؤال بصدد تلك التبرعات واهدافها ، ما دامت هي مستقطعة من الخزينة العراقية التي هي خزينة العراقيين في هذا الوقت كما يشاع ! وليس هي خزينة المجرم صدام ، ذلك الرجل الذي حولها من خزينة للدولة العراقية الى خزينة خاصة به وبأسرته ، فللساعة يتذكر العراقيون مكارم السيد الرئيس ! تلك المكارم التي وصلت فيها صلافة صدام الى أن يتبرع لكل أسرة عراقية بدجاجة واحدة بمناسبة أحد الأعياد الدينية ، معتبرا تلك الدجاجة مكرمة من مكارم السيد الرئيس ! فهل هناك سخرية من الناس في العراق أكثر من فظاعة سخرية صدام هذه ؟ وهل ظن صدام أن العراقيين وصل بهم الغباء الى حد لا يفرقون فيه بين أسود الأمور وأبيضها ؟ وعلى هذا الأساس كان المفترض برئيس جمهوريتنا الجديد ورئيس وزرائنا أن يحسبا الف حساب لردود فعل العراقيين ، وأنا واحد منهم ، في مسألة مهمة مثل هذه المسألة ، حيث لا توجد أسرة في العراق لم يأكل فيها ظلم صدام ويشرب ، وبهذا الشكل أو ذاك ، فهو قد أباد الكثير من الأسر العراقية ، وعلى كثرة من عدد أفرادها ، إبادة تامة ، وتأتي في مقدمة هذه الأسرة الكبيرة أسر قضاء الدجيل التي أفناها صدام بعد المحاولة التي استهدفته وهو مار بموكبه بالقرب منها ، ثم أسر قرية جيزان الجول من محافظة ديالى ، وبعدها تأتي في تسلسل الإبادة تلك في التاريخ الزمني أسر المقابر الجماعية ، وأسر قرى أهوار جنوب العراق الكثيرة ، تلك القرى التي سويت البيوت فيها بالأرض ، فقتل من قتل من أهلها ، وشرد من شرد منهم ، ولا أعتقد أن رئيس الجمهورية ، جلال الطالباني ، ولا رئيس الوزراء ، ابراهيم الأشيقر ، ( الذي لقب نفسه بالجعفري ) على حد قول بعضهم ، لم يصلهما خبر إبادة قرى عرب الأهوار ، والتي يعيش أهلها تلك المأساة للان ، فلا سقفا يأويهم بعد رحلة التشرد التي قضوها على الحدود العراقية الإيرانية ، ولا موردا ثابتا يسدون به رمقهم من الجوع ، رغم زوال حكم صدام منذ ما يزيد على السنتين من الآن . وعلى هذا يمكنني القول أن دوافع تبرعات رئيس الجمهورية ، ورئيس الوزراء الحالين لا تخلو من هدف كسب بعض التأييد لهما من هذا الطرف أو ذاك ، فهما في تبرعاتهم تلك انطلقا من دوافع شخصية بحتة ، وليس من دوافع وطنية ، ولو كان الحال عكس ذلك لوضعت الحكومة العراقية ، وهم في قمتها ، برنامجا منظما تحصل من خلاله كل أسرة عراقية متضررة ، سواء أكان هذا الضرر قد لحقها في عهد صدام أو عهد الأمريكان ، على مقدار من مال ، وأن يقدم هذا المال باسم الدولة ، وليس باسم هذا الرئيس الذي يريد أن ينصب نفسه خليفة يهب من المال بما لا يملك هو منه . لا يستطيع رئيس الجمهورية ، ثم رئيس الوزراء أن ينكرا أن أغلب الناس في العراق الآن تغرق في يم كارثة رهيبة ساعة بعد ساعة ، وبعد سنوات جوع عجاف مرت على العراق وأهله زمن صدام ، وزمن الحصار ، وعلى هذا فإن السيد جلال ومن بعده السيد ابراهيم يستعديان عليهما في طريقة وأهداف تبرعاتهم تلك أسر عراقية فقدت الكثير من أفرادها ، وهي أسر تعد بالألوف ، وتمتد بامتداد مساحة العراق ، ولكنها مع ذلك لم تحصل على شيء يذكر من أية جهة حكومية ، وإذا كانت هناك أسر في مسيس الحاجة للمساعدة الآن في العراق ، فهي تلك الأسر التي تقطن أهوار الجنوب العراقي التي تاجر الكثيرون بمأساتها ، ولكنها ما ربحت من ذلك شيئا سوى الوعود الفارغة ، أو تجنيد بعض أبنائها شرطة ليموتوا في سعير نيران الحرب التي تدور رحاها على أرض العراق اليوم ، أو في أحسن الأحوال اللطم على الصدور هذه الثقافة القديمة الجديدة التي انتشرت هذه الأيام في العراق ، تحت ظلال المدافع الأمريكية ، حتى أن الناس صارت تتمنى عودة صدام خلاصا من تلك الثقافة ، وهاهم أهل مدينة الناصرية يرددون : يصدام رد لينه = = = = = من اللطم ملينه . وترجمة هذا الى اللغة الفصحى هو : عدْ يا صدام لنا ، فقد مللنا من اللطم . بعد هذا كله يمكن لأي منا نحن العراقيين أن يسأل : كيف يعيش الجعفري في الأشهر المتبقية من هذه السنة بعد أن تبرع برواتب تلك الأشهر لأسر ضحايا فاجعة جسر الأئمة ، تلك الفاجعة التي كان من الممكن أن لا تقع لو بذل من يسوس العراق قدرا من الحرص ، ولاستطاع توفير مال العراقيين ، مثلما استطاع توفير أرواحهم التي لا تقدر بثمن ؟ العراقيون ليس من السذاجة أن يأتي لهم رجل في آخر الزمان ، ويسخر منهم بهذا المبلغ من المال ، أو بتلك الدجاجة من الدجاجات ! وهم الذين منذ أزمنة خلت قد ملئوا قلب الإمام علي عليه السلام قيحا ، وهم الذين سألوه : كم شعرة في رأسي ؟ مثلما رد أحدهم عليه بعد أن سألهم هو في آخر ساعات له في هذه الدنيا بقوله : سلوني قبل أن تفقدوني ! ؟ وحين استشعر الأمام سخرية السائل والسؤال رد عليه بقوله : إن تحت كل شعرة من شعر رأسك شيطان رجيم ! وهاكم هذا الموقف الذي جمع بين العراقيين وحاكمهم ، وهو أن الخليفة أبا جعفر المنصور أو الدوانيقي ، باني بغداد ، قد كظه والدولة افلاس شديد ، فطرح أمر تدبير بعض الأموال على أحد مستشاريه الذي نصحه بحيلة تليق بالحكام على مر العصور قائلا له : فرق القليل من الدوانق على العراقيين بحيث يصيب كل فرد منهم دانق واحد ( الدانق عملة صغيرة القيمة قد تعادل الفلس ) ، ثم اجب ِ بعد فترة أربعين دانقا من كل واحد منهم . أخذ أبو جعفر المنصور بهذا النصيحة ، وطبقها في الواقع مثلما نزلت من لسان مستشاره ، لكن العراقيين لم تنطل ِ عليهم لعبة دانق أبي جعفر المنصور في هدفها ، مثلما لم تنتطل ِ عليهمِ دجاجة صدام في مكرمته ، فقال شاعرهم وقتها : وزّع الدانق فينا = = = = وجبانا الأربعينا . ومن تلك الساعة أزاح العراقيون لقب المنصور عنه ، ووضعوا له لقبا جديدا ، فبعد أن كان أبو جعفر المنصور ، صار أبو جعفر الدوانيقي ، وهي لعمري سبة ما محاها زمن ، ولا أغفلها ذكر للساعة ! فهلا اتعظ من اتعظ من حكام العراق الجدد ! ؟
#سهر_العامري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الجريمة والقرن الأفريقي !
-
خطى في الجحيم !
-
الحكمة من تشكيل الائتلاف العراقي الموحد -
-
دستور مشلول لا ولن ينقذ بوش من الورطة !
-
الصرخي علامة من علامات تخلف العراق في العهد الأمريكي !
-
السستاني يصفع الجميع !
-
إمارة الحكيم الإيرانية !
-
بعد تعاظم الورطة السستاني يمزق صمته !
-
الجوع سيوحد العراقيين !
-
العرب ورياح الديمقراطية الأمريكية ! 3
-
العرب ورياح الديمقراطية الأمريكية ! 2
-
العرب ورياح الديمقراطية الأمريكية-1
-
علاوي وأحلام العصافير !
-
حكومات تحت ظلال سيوف الديمقراطية الأمريكية !
-
بوش الدجال بين طالبان سنة العربان وطالبان سنة إيران !
-
أوربا نحو القبول بالحصة من الغنيمة العراقية !
-
حليفكم الجبل يا مسعود !
-
العراق نحو ولاية الفقيه !
-
جنود من بطيخ !
-
ويسألونك عن الزرقاوي !
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|