|
صحافة الأرمن في مصرخلال القرن التاسع عشر -1
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4672 - 2014 / 12 / 25 - 11:59
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
لقد أسهم الأرمن في إصدار الصحف في مصر بلغات متباينة . وفي الواقع ، ارتبط ظهور الصحافة الأرمنية في مصر بتأسيس المجلس الملي الأرمني في عام 1864 حيث اقترح أعضاؤه خلال مداولاتهم إصدار صحيفتين باللغتين الأرمنية والتركية من أجل تنوير الأرمن. وقد تعزز هذا الاقتراح بفضل مؤازرة مجرديتش كيفسيزيان- راعي أرمن مصر المستنير والمولع بالصحافة- ونوبار باشا المشهور في مصر. وفعلا ، صدرت في 16 مارس 1865 صحيفة "أرمافيني"( النخلة) ، باكورة الصحافة الأرمنية في مصر، وهي صحيفة قومية وسياسية وأدبية تصدر نصف شهرية.كان صاحب امتيازها هو هوفسيب مانوجيان- الموظف بالحكومة المصرية ورئيس لجنة رعاية مدرسة خورينيان. أما جامع حروفها وطابعها ومحررها فهو الصحفي آبراهام مراديان (21/10/1833-1/9/1903) الذي أطلق عليه "أبي الصحافة الأرمنية في مصر". وتجدر الإشارة إلي أن أرمافيني قد انتهجت سياسة تملق السلطات العثمانية والمصرية والأرستقراطية ورحال الدين. فقد دعت الأرمن إلي التمتع بالحريات التي أغدقتها عليهم الحكومة العثمانية من منطلق رحمتها الواسعة وذكرت"...بان الإرادة الإلهية قد وضعت الأرمن تحت حماية السلطات العثمانية التي لا تبدو كأي سلطة حاكمة ب، بل ترعي الشعب كالأب الراعي، لذلك ليس هناك مبرر للشكوي أو التذمر إطلاقا " ، كما وصفت أرمافيني الحكومة المصرية بانها تستحق امتنان الجميع. وسعت آرمافيني إلي تثبيت سلطة الكنيسة الأرثوذكسية وتدعيمها. وقد عبر آبراهام مراديان عن هذا في افتتاحية العدد الأول بقوله:" علي كل منا واجب لا بد أن يؤديه أولا نحو ربه ، ثم نحو نفسه، ثم نحو شعبه. ولا شك أن من أعطانا الحق في الحياة ، ولا زال يعطينا، هو الله.لذلك يجب علينا ان نطيعه طاعة عمياء". لذا ، اعترض كثير من الأرمن علي منهج آرمافيني، وانتقد كيسفسيزيان – أبوها الروحي – بشدة في نفس الوقت الذي تعرضت فيه مصر لوباء الكوليرا مما دعا مراديان إلي إغلاق الصحيفة في مايو 1865 والرحيل إلي الآستانة. أما خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن التاسع عشر ، فقد ظهرت في مصر عدة صحف أرمنية انتهجت جميعها – علي خلاف آرمافيني- سياسة الهجوم علي السلطات العثمانية ومن يواليهم كرد فعل الثورة الأرمنية ضد السلطان وما نتج عنها من حركات قمع ومذابح. وقد اتسمت جميعها بالطابع السياسي الثوري وبترويجها فكرة الاستقلال عن الدولة العثمانية خاصة ان معظم محرريها كانوا من الأدباء والمفكرين الثوريين الهاربين من الاضطهادات العثمانية. ففي عام 1889 ، أسس الأب "غيفونت بابازيان" صحيفة " نيغوص" ( النيل) الأسبوعية بالإسكندرية.ولكنها ما كادت تصدر في عددها الخامس مهاجمة الباب العالي حتي اقتيد الأب غيفونت تحت الحراسة إلي الآستانة . ثم توقف إصدارها بناء علي طلب الحكومة العثمانية. وفي عام 1897 ، أسس الأخوان الأديبان" ديكران وآرتين آلبيار" صحيفة "باروس" ( المنارة) النصف أسبوعية بالإسكندرية، ولكنها قد توقفت أيضا في أوائل عام 1889 بسبب معارضة السلطات العثمانية لما تنشره. وجدير بالذكر أن صحيفة باروس هي الصحيفة الأرمنية الوحيدة التي تحدثت عنها بعض الصحف المصرية وتمنت لها دوام الإصدار. وربما ، يرجع هذا إلي شهرة مؤسسيها لدن الصحف المصريين. وكذا، أسس " كريكور صرافيان" في عام 1897 صحيفة " ليبرابير" ( جالب الاخبار) اليومية بالإسكندرية . وفي عام 1899 أسس " سيمباد بوراط وسيمباد بابازيان" صحيفة "نور أور" ( يوم جديد)النصف أسبوعية بالقاهرة ، ثم أسسا أيضا في أبريل من نفس العام صحيفة " بيونيج" ( العنقاء= طائر خرافي) النصف شهرية بالإسكندرية.وأيضا "يغيشيه طوروسيان" – المدرس بمدرسة كالوسديان- صحيفة " آرشالويس" ( الفجر) سنتئذ. هنا ، يلاحظ ظهور عدد كبير من الصحافة الأرمنية في الإسكندرية خلال العقد الأخير من القرن التاسع عشر. ويرجع هذا إلي أن الإسكندرية قد استوعبت عددا كبيرا من الهاربين، كما كانت لموقعها الجغرافي مناسبة لاتصال الثوريين الهاربين بموقع الأحداث في الأستانة حتي انهم فكروا في اتخاذها نقطة مركزية تنطلق منها ثورتهم ضد السلطان. ناهيك عن تواجد جالية أرمنية مزدهرة بها. وهكذا، تأسست الصحافة الأرمنية في مصر منذ عام 1865 ، أي بعد سبعة وستين عاما من معرفة مصر بالطباعة عند مجيء الحملة الفرنسية وبعد أربعة وأربعين عاما من افتتاح مطبعة بولاق. وقد اتسمت بانها موجهة أساسا إلي الأرمن بلغتهم سواء في مصر أو خارجها، وتعبر بالدرجة الأولي عن قضاياهم الخاصة ومشاكلهم الداخلية. وتباينت وجهات نظرها إزاء الدولة العثمانية، إذ تملقها عندما كانت العلاقات الأرمنية العثمانية ودية، وهاجمتها عندما ساءت علاقتهما علي أثر تصاعد مطالب الثوار الأرمن بالاستقلال التام عن الدولة العثمانية.ولذا ، أغلقت معظمها وأقتيد محرروها إلي السجن والنفي. هذا ، ولم تقتصر إسهامات الأرمن في مجال الصحافة علي إصدار صحف بلغتهم القومية فحسب، بل شاركوا أيضا في إصدار الصحف في مصر باللغات التركية والعربية والأوربية . فقد تقلد آريستاجيس آلطونيان (1801-1858 ) نظارة جريدة الوقائع المصرية بين عامي 1840- 1844 . ولكن يعد أديب إسحق من أبرز الأرمن الذين أسهموا في نهضة الصحافة المصرية وتطور الفكر المصري علي الرغم من قصر فترة تواجده بمصر خصوصا وقصر عمره عموما ؛ إذ توفي قبل أن يكمل العقد الثالث من عمره. ولد أديب بن عبد الله الأرمني الكاثوليكي في 21 يناير 1856 بدمشق، وأدخله والده مدرسة الآباء العازاريين فتلقي فيها مباديء العربية والفرنسية. ثم اشتغل بالجمرك في الحادية عشرة من عمره نظرا لحاجة أسرته الشديدة إلي المال، وأثناء عمله بالجمرك تعلم اللغة التركية وتمكن من مطالعة كتب الإنشاء في العربية والفرنسية والتركية ، وراسل المجلات الأدبية . ولم يكمل الثانية عشرة من عمره حتي اجتمع من نظمه نحو ألف بيت أكثرها في الغزل وبعضها في المدح والعتاب والرثاء. وانتقلت أسرة أديب إلي لبنان مما اتاح له فرصة التعرف علي نخبة كبيرة من الأدباء، وانتظم في سلك الجمعية الماسونية التي أنشئت في عام 1873 ، ثم قام بتحرير جريدتي " ثمرات الفنون" و" التقدم". وجاء أديب إلي القاهرة أثناء حكم الخديو إسماعيل (1863-1879) واتصل بجمال الدين الأفغاني وحضر كثيرا من دروسه في المنطق والفلسفة الأدبية والعقلية، ثم أوعز الأفغاني إليه بإنشاء جريدة " مصر" الأسبوعية التي أصدر أول أعدادها في 13 يولية 1877 بالاشتراك مع سليم نقاش، ثم أسسا " التجارة" اليومية معا في عام 1878 . بيد ان أديب إسحق قد انتقد الحكومة بشدة مما دعاها إلي إصدار أمرها بإلغاء جريدتيه في أواخر عام 1879 . فسافر أديب إلي فرنسا وأصدر هناك جريدة " مصر القاهرة". وتعرف بكثير من رجال فرنسا حتي كتبت عنه بعض الصحف الفرنسية. هذا ، وقد كتب أديب مقالات كثيرة عن الشرق كما ألف كتابا بعنوان" تراجم مصر في هذا العصر". وانتهز فرصة وجوده في باريس وتردد علي المكتبة الأهلية واطلع فيها علي طائفة كبيرة من المؤلفات الفرنسية والمخطوطات العربية. ثم عاد إلي بيروت بسبب مرضه بالصدر فتولي تحرير جريدة " التقدم" للمرة الثانية واستمر نحو سنة. عاد أديب إسحق إلي مصر في أواخر عام 1881 وعين ناظر قلم الإنشاء والترجمة بنظارة المعارف وأذنت له الحكومة بإصدار جريدته" مصر" وعين أديب في الوقت ذاته سكرتيرا لمجلس النواب ونال البكوية من الرتبة الثالثة ثم أحال امتياز الجريدة إلي شقيقه عوني إسحق ليتفرغ هو لمهام منصبه ، وظل رغم هذا يحرر القسم الأكبر منها. ولما وقعت احداث الثورة العرابية بمصر اضطر أديب إلي العودة إلي بيروت. وبعد احتلال الإنجليز لمصر عاد أديب إليها مرة أخري محاولا إعادة إصدار جريدته فلم يتمكن من هذا ، وأبعد إلي بيروت بعد أن وضع في السجن بضع ساعات. وتولي أديب في بيروت تحرير جريدة " التقدم" للمرة الثالثة واستقر به المقام هناك إلي أن توفي في 12 يونية 1885 عن تسع وعشرين سنة.
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نشاط الجالية الأرمنية في التعليم في مصر خلال القرن التاسع عش
...
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-4
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-3
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-2
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-1
-
الأيتام الأرمن في مصر (1923-1927)
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -7
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -6
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -5
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -4
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -3
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -2
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -1
-
النظم الإدارية للأرمن الكاثوليك والبروتستانت في مصر
-
أمور الزواج والطلاق عند طائفة الأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-3
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-2
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-1
-
المهن والوظائف التي اشتغل بها الأرمن في مصر-2
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|