|
نشاط الجالية الأرمنية في التعليم في مصر خلال القرن التاسع عشر
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4671 - 2014 / 12 / 24 - 09:47
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
كانت الجالية الأرمنية أولي الجاليات سبقا إلي إنشاء المدارس أثناء حكم محمد علي.ويرجع هذا إلي مكانتهم المؤثرة في البلاط وتوليهم عدة مناصب عالية أهلتهم لنيل حظوة محمد علي ورعايته. فضلا عن اهتمام الأرمن بالتعليم عموما كوسيلة للحفاظ علي هويتهم ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم. وتجدر الإشارة إلي أن أول مدرسة أرمنية في مصر تأسست في عام 1828 بجوار كنيسة القديس سركيس في خارة زويلة بالقاهرة. وقد سميت مدرسة " يغيازاريان" تخليدا لذكري يغيازار أمير بدروسيان- كبير صيارفة محمد علي – الذي تبرع بجميع نفقاتها.وتعد يغيازاريان من المدارس البدئية التي تكونت في الغالب من فصلين أو ثلاثة بالكاد، وتضم عددا ضئيلا من الأطفال الذين يدرسون اللاهوت واللغة الأرمنية بشكل أساسي علي أيدي القساوسة المنتدبين من القدس والأستانة وأزمير. وفي 15 سبتمبر 1854 استبدلت بمدرسة يغيازاريان مدرسة أحدث مكونة من طابقين سميت مدرسة "خورينيان" نسبة إلي المؤرخ الأرمني خورين( موفسيس خوريناتسي).وقد شيدت بجوار كنيسة العذراء في "درب الجنينة" .وفي مايو 1897 انتقلت إليس بولاق وتغير اسمها إلي مدرسة "كالوسديان" نسبة إلي التاجر جرابيد كالوسديان الذي أوقف معظم ثروته لخدمة التعليم. ويرجح أن مدرسة " آراميان" الواقعة في حي مطرق ( ميدان كانتو) بالإسكندرية قد تأسست في أربعينيات القرن التاسع عشر التي شهدت نمو الجالية الأرمنية وازدهارها بالإسكندرية.ولكن ظلت الدراسة غير منتظمة بها حتي أوائل الخمسينات عندما تقلدت إدارتها كل من كبريل ميسروبيان وغوجاس ماموريان وغازاروس كاسباريان فنظموها وطوروها.ثم انتقلت آراميان في عام 1867 إلي شارع أبي الدرداء وحملت اسم "بوغوصيان" تخليدا لذكري بوغوص بك يوسفيان- ناظر التجارة والأمور الإفرنجية أثناء حكم محمد علي- الذي كان قد تبرع بالأرض التي أقيمت عليها المدرسة.وكانت فصول المدرسة الجديدة يدخلها الضوء والهواء بقدر مناسب، وبها أيضا قاعات للانشطة المدرسية المختلفة. هذا، ولم يقتصر تأسيس المدارس الأرمنية في مصر خلال القرن التاسع عشر علي القاهرة والإسكندرية فحسب، بل تأسست أيضا بالزقازيق في أوائل التسعينيات علي نفقة الأسرات الأرمنية القاطنة هناك مدرسة صغيرة(كتاب) تضم عشرة أطفال من الجنسين يدرسون اللغات الأرمنية والفرنسية والعربية وبعض المعلومات العامة علي أيدي مدرسين من بني جنسهم. وقد وقعت هذه المدارس تحت إشراف الكنيسة الأرمنية الأرثوذكسية، واشترك في إدارتها والإشراف عليها كل من راعي الأرمن ولجنة سميت ب"لجنة رعاية المدرسة" مكونة من بعض أعيان الأرمن وغيرهم من الغيورين علي المصلحة العامة والمهتمين بالتربية والتعليم.وثمة لجنة خاصة بمدرسة خورينيان بالقاهرة وأخري خاصة بمدرسة بوغوصيان بالإسكندرية.وقد شملت مهام هذه اللجنة النواحي التنظيمية ووضع اللوائح وتعيين المدرسين ورفتهم وتحديد رواتبهم ووضع المناهج والإشراف علي الامتحانات وغير ذلك. ولعله من الجدير بالذكر أن جميع المديرين والمدرسين بالمدارس الأرمنية كانوا من الأرمن الوافدين للعمل في مصر من الأستانة وأزمير باستثناء مدرسي اللغة العربية الذين كانوا في الغالب من المصريين المسلمين المتخرجين في الأزهر الشريف. وتجدر الإشارة إلي أن مدرسة خورينيان كانت مشتركة وبها لجنة سيدات ينتخبها المجلس الملي لرعاية التلميذات.أما مدرسة بوغوصيان فقد ظلت في أغلب الفترات قاصرة علي البنين.ويرجع هذا إلي قلة عدد الفتيات الملتحقات بالمدارس واللائي دخلن المدارس الأجنبية مما أدي إلي عدم توافر الأعداد الكافية لفتح قسم خاص بالفتيات. ويلاحظ أن جميع تلاميذ المدارس الأرمنية حتي نهاية القرن التاسع عشر كانوا من أبناء الطبقات الدنيا.اما أبناء الأثرياء فقد أرسلوا إلي المدارس الأجنبية في مصر أو إلي أوربا.ولذا ، ظلت أعداد التلاميذ في المدارس الأرمنية قليلة جدا خلال القرن التاسع عشر.فمثلا ، بلغ عددهم ثمانية عشر تلميذا في مدرسة بوغوصيان خلال عام 1852 .وخمسة عشر تلميذا وتلميذة في مدرسة خورينيان خلال العام الدراسي 1864-1865. ومما يستلفت النظر أن التعليم لم يكن مجانيا بالمدارس الأرمنية فقط، ولكنها قدمت أيضا لتلاميذها الكتب والكراسات والأدوات الكتابية والزي المدرسي ووجبة غذائية . فمثلا في نوفمبر 1866 قررت لجنة رعاية مدرسة خورينيان شراء الكتب المدرسية ومستلزمات العام الدراسي بأكملها من الأستانة ومنحها مجانيا للتلاميذ.وكذا ، خصصت اللجنة "10.000" قرش لتفصيل ملابس التلاميذ سنويا. هذا ، ولم يكن للمدارس الأرمنية ميزانية ثابتة، بل اعتمدت في توفير متطلباتها المالية علي الأوقاف التي يتركها الأثرياء من أجل المشروعات الخيرية وعلي إيرادات الحفلات وبيع المشغولات اليدوية التي تصنعها الفتيات فضلا عن التبرعات.فعلي سبيل المثال، أوقف التاجر الثري جرابيد أغا كالوسديان معظم ثروته ( تشمل 60فدان في قرية الشيخ عتمان بالجيزة ومراكب في النيل وأموال وغير ذلك) لخدمة الانشطة التعليمية. وتبرعت الجمعية الخيرية الأرمنية بالقاهرة في عام 1887 ب"150" جنيه لرفع مستوي التعليم بمدرسة خورينيان. وفي 18 مارس 1887 أقامت الجالية الأرمنية احتفالا راقصا تحت رعاية السيدة فوليك هانم زوجة نوبار باشا خصص دخله لمدرسة خورينيان.كما خصص دخل معرض المشغولات اليدوية التي صنعتها الفتيات بمدرسة خورينيان في عام 1889 لشراء ملابس التلاميذ. كانت مقررات مدرسة خورينيان بالقاهرة هي : لغة أرمنية يوميا ، لغة فرنسية ثلاث مرات أسبوعيا ، لغة عربية وإنجليزية مرتان أسبوعيا، الحساب ثلاث مرات أسبوعيا ، الجغرافية والدين والتاريخ الأرمني والموسيقي مرتان أسبوعيا ، الأشغال اليدوية للفتيات يوميا.أما مقررات مدرسة بوغوصيان بالإسكندرية فهي: اللغة الأرمنية وقواعدها، اللغة الفرنسية، الترجمة من اللغة الأرمنية وإليها، الدين والتاريخ الأرمني والحساب والجغرافيا، خاصة أرميينية وأوربا ، والفيزياء والموسيقي والخط الأرمني والفرنسي والتربية البدنية. هنا ، يلاحظ علي هذه المقررات أنها تهدف إلي الحفاظ علي الأرمن وعاداتهم وتقاليدهم وثقافتهم خشية ذوبانهم في المجتمع المصري. وثمة أيضا اهتمامها باللغات وعلي رأسها اللغة الأرمنية.إذ كان المدرسون يتكلمون مع الطفل في السنوات الأولي باللغة الأرمنية فقط ويهتمون بتنميتها لأن اللغة العربية كانت وسيلة التحدث لمعظمهم. وأيضت ، اهتمت هذه المقررات باللغة الفرنسية لأنها لغة الثقافة والفكر وقتئذ. ودرست اللغة العربية بعد أن قل استخدام اللغة التركية خلال النصف الثاني من القرن التاسع عشر.اما اللغة الإنجليزية فلم تدخل المقررات الأرمنية إلا بعد الاحتلال البريطاني لمصر في عام 1882 .كما يلاحظ اهتمامها بالتاريخ الأرمني لدرجة أن الأرمن قد ثاروا بشدة عندما فكر السلطان عبد الحميد الثاني إلغاء مادة التاريخ الأرمني من مقررات المدارس الأرمنية في جميع المناطق التابعة له. ولكنه عدل عن هذا لشدة اعتراض الأرمن. وجدير بالذكر أن مدارس الأرمن قد قامت بالعديد من الأنشطة الرياضية والفنية والثقافية بمناسبة احتفالات الجالية بأعيادها القومية. ففي 24 فبراير 1887 احتفلت مدرسة بوغوصيان بذكري فارتان فأجريت مسابقة ثقافية للتلاميذ، وذكر الأب خاتشادور باريجيان – راعي الأرمن – أن الهدف من هذا الحفل هو شحن الأرمن بالروح الوطنية .كما ربط فاهان ماماسيان – مدير المدرسة- هذا الحفل بالإرهاصات الثورية للأرمن ضد السلطان العثماني، واختتم الاحتفال بضرورة استلهام العزيمة وروح النصر من فارتان.كما أقامت مدرسة خورينيان في 24 مايو 1887 احتفالا بمناسبة مرور سبعة وعشرين عاما علي صدور الدستور الملي الأرمني بالاشتراك مع الجمعية الخيرية الأرمنية بالقاهرة. وزيادة علي هذا ، كانت تقام حفلة في نهاية العام الدراسي يتم خلالها مراجعة النتائج علانية واختبار التلاميذ في اللغات أمام الحاضرين من الأعيان والأجانب. وتعلق موضوعات الغنشاء باللغتين الأرمنية والفرنسية علي الحائط ويختم مدير المدرسة الحفل بتلاوة التقرير السنوي عن المدرسة. كما كانت تعقد اختبارات دورية لتقييم مستوي المدرسين كل في تخصصه. ففي أثناء احتفال مدرسة خورينيان بنهاية عامها الدراسي 1896-1897 تشكلت لجنة من يوسف عزيز بوزاري- القاضي بالمحاكم المختلطة- والأسقف هاجوب بابازيان- راعي الأرمن- والأديب هارتيون آلبيار لإجراء اختبار لجميع مدرسي المدرسة كل في تخصصه. ورغم هذا ، لم تحقق المدارس الأرمنية خلال القرن التاسع عشر الهدف من إنشائها، ألا وهو الحفاظ علي هوية الأرمن ولغتهم وثقافتهم وعاداتهم . فقد آثر الأرمن الالتحاق بالمدارس الأجنبية عن مدارسهم بسبب سوء الإدارة وعدم انتظام المقررات ورغبتهم في تحقيق مستقبل أفضل بعد التخرج في المدارس الأجنبية. هذا ، وقد أغلقت مدرسة خورينيان أكثر من مرة بسبب قلة أعداد التلاميذ.كما ظلت اللغة العربية هي لغة محادثتهم حتي أن الصحافة الأرمنية انتقدت هذا الوضع بقولها:" يجب علي مدرسة خورينيان أن تعلم التلاميذ اللغة الأرمنية وتذكرهم بأنهم إذا كانوا يعيشون في مصر إلا أن أصلهم أرمن" . ناهيك انه لم تكن ثمة مدارس خاصة بالأرمن الكاثوليك أو البروتستانت الذين التحقوا بمدارس الأقباط والإرساليات الأجنبية. وجدير بالذكر أن بعض الأرمن قد أسهموا في تأسيس المدارس الخاصة والحضانات بمصر مثل السيدة أوجيني كريكوريان التي افتتحت في يولية 1886 مدرسة خاصة في حي عابدين بالقاهرة لتعليم الفتيات : القراءة والكتابة باللغات العربية والتركية والفرنسية والإنجليزية فضلا عن التفصيل والخياطة والرسم وشغل قصب الفضة علي الطرز العثمانية والأوربية.وكذا ، الصبيان من أربع إلي ست سنوات اللغات السابقة كتابة وقراءة علي أيدي متخصصين.
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-4
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-3
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-2
-
مجتمع الأرمن في مصرفي القرن التاسع عشر-1
-
الأيتام الأرمن في مصر (1923-1927)
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -7
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -6
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -5
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -4
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -3
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -2
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -1
-
النظم الإدارية للأرمن الكاثوليك والبروتستانت في مصر
-
أمور الزواج والطلاق عند طائفة الأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-3
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-2
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-1
-
المهن والوظائف التي اشتغل بها الأرمن في مصر-2
-
المهن والوظائف التي اشتغل بها الأرمن في مصر-1
المزيد.....
-
-قريب للغاية-.. مصدر يوضح لـCNN عن المفاوضات حول اتفاق وقف إ
...
-
سفارة إيران في أبوظبي تفند مزاعم ضلوع إيران في مقتل الحاخام
...
-
الدفاعات الجوية الروسية تتصدى لــ6 مسيرات أوكرانية في أجواء
...
-
-سقوط صاروخ بشكل مباشر وتصاعد الدخان-..-حزب الله- يعرض مشاهد
...
-
برلماني روسي: فرنسا تحتاج إلى الحرب في أوكرانيا لتسويق أسلحت
...
-
إعلام أوكراني: دوي صفارات الإنذار في 8 مقاطعات وسط انفجارات
...
-
بوليتيكو: إيلون ماسك يستطيع إقناع ترامب بتخصيص مليارات الدول
...
-
مصر.. غرق جزئي لسفينة بعد جنوحها في البحر الأحمر
-
بريطانيا.. عريضة تطالب باستقالة رئيس الوزراء
-
-ذا إيكونوميست-: كييف أكملت خطة التعبئة بنسبة الثلثين فقط
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|