قالها سقراط حين سأله احدهم عن استاذه، وتلك هي ضالتنا التي نريدها جميعاً ولا ننتظر في غيرها أمل؛الحقيقة الصالحة والصعبة فوق النقد الكتابي والنقد المعدني!.
الحقيقة التي تأتي بدهشتها بلا رعب.
والحقيقة في الحياة وفي الكتابة،الحقيقة في قاعة المؤتمر المتفندق ، وفي ساحة الوطن المتخندق.
وحتى الحقيقة التي يكتشف في فوضاها شاعر ازلي مثل رامبو؛ القداسة.
الحقيقة التي لا نقول لها قفي قبل موضع السرّ، الحقيقة التي تبكيني مع قول نيتشة:لسنا صادقين تماماً إلا في أحلامنا.
الحقيقة الأمنية التي يقبلها المختلف قبل الموافق في قولك: حبي لك يمنعني من الثناء عليك.
اين هي؟
تسائلت بألم عن هذا وانا اتابع اخبار مؤتمر المعارضة الاخير في لندن، وفرحت بحقيقة الاختلاف بديلاً عن الرأي الواحد، واحزنت من قول معارض مُؤتمر، وازددت حزناً بكلمات آخر غير مُؤتمر،فأين هي الحقيقة وهل اصبحت غيباً وماضياً لنتختلف عليها ونحن نعي تداعياتها وحضورها؟!.
والى كم علينا جميعاً توخي الدقة والحذر قبل اعلان حيازتنا على الحقيقة الكاملة؟، الان وفي اهم مراحل تاريخ العراق الحديث والقديم ربما؟.
ومن سيقول بفرح الانسان المستقل للمعارضة المؤتمرة ولمعارضة المعارضة: ان ما يحصل اليوم من خلاف ووجهات رأي لا تلتقي ولكنها تتقاطع في مركز عراق الجميع،وهو مظهر صحي وعملي؟.
من سيقول لهم مقولة رئيس وزراء هولندا السابق كوك: كلما كان يعلو الصراخ في البرلمان ايقنت ان قراراً مهماً سيقرّ غداً؟.
في تواتر الاسئلة هذه حزنت ايضاً، ربما من تدافع المعارضة المؤتمرة وتقاتلهم من اجل فرصة في الحكومة الانتقالية او في لجنة التنسيق الاولى وكأن المسألة توزيع حصص وتقسيم غنيمة اوالرهان على نكهة سمك لازال في مياه عميقة وبعيدة ، فعلا امر محزن ان تفكر المعارضة العراقية بنفس طريقة صدام في الاستقطاب المشوه وتتجاهل الملايين هناك... الملايين التي ربما سترفضنا غداً جميعاً وعلينا تقبلها واحترام بضاعة الديموقراطية التي حملناها لهم. وحين اقارن فعل المعارضة بنهج مرفوض اتّبعه صدام وضخََّمه بتقادم الوقت حد اللعنة، احسب بألم شديد في جانب سلبيات المعارضة العراقية ايضاً تجاهلها لهذا المستقبل ،او في محاولة استباق الزمن لوضع منهجية طارئة و ربما تشكيل نواة لدكتاتورية بمسمى اخر،على المعارضة ان تتذكّر ماقاله - السيد الحكيم- صولون الأثيني قبل الالاف من السنوات رداً على سؤال: كيف تكون الحكومة المنظمة صالحة ؟
- : "عندما يطيع الشعب الحكومة ويطيع الحكام القوانين".
ومن نصبوا انفسهم حكاماً ورعاة للحقيقة لا نراهم يطيعون قوانيين الديموقراطية المتعارف عليها ،ديموقراطية الجماعة،فكيف سننتظر منهم سنّ القانون الافضل،وهم ينشغلون في محاولات زج القضية العراقية التي هي قضية الملايين في نزاعات وسلطات شخصية .
يقول الفيلسوف الفرنسي مونتسكيو: " أن حياةَ الجماعة تحددها سلطة غير شخصية هي القانون. والذي يبقى مستقيماً إزاء تعسف الأفراد وطباعهم, وباعتبار القوانين المحصلات الضرورية الناجمة عن طبيعة الإنسان الاجتماعي بطبعه. وأن الدولةَ شركة بين أفراد, تتمتع بوسائل تهدف إلى تأمين حقوق الجميع".واكثر من هذا نقول للمعارضة العراقية ان الشعب العراقي لن يقبل بنافذة صغيرة على الحرية والديموقراطية التي انتظرها بإصغاء الدم وتراكم الجراح ، ستنمو هذه الفتحة بل ستفجر ذات يوم في السدّ الهائل الذي يخطط له البعض الان. انها النافذة و المبدأ الذي انتهجه نبي هذه الامة العظيم حين قال: "الناسُ سواسية كأسنانِ المشط". وهناك يوم يُحتكم لصناديق الاقتراع التي ستكون الفيصل والحكم ليحدّد هذا الشعب المقموع مصيره ، وسيكون اقل المقترعين عمراً من ولد في زمن الحرب الاولى قبل (18) سنة. واكبرهم سناً شاهد عصر على الجرائم والتحالفات الحزبية وحروبها.
مرة قال لي صديق في سوريا وكان ممن قدموا للتو من العراق : من يفكر للداخل بعقل الخارج لن يصل وسيبقى في الخارج.واجد هذا الامر جلياً في قولي ان المعارضة العراقية تتعامل مع مجهول فارقته منذ زمن، وفي الاعم منذ الانتفاضة المجيدة، هذه الانتفاضة التي تحدثوا عنها في مشروع بيانهم الختامي على استحياء ، وحذف الحديث عنها في النص الحرفي للبيان السياسي لمؤتمر المعارضة العراقية ،الانتفاضة... حلم 14محافظة اغتصبها النظام بعد التحرير بمجازر لاتعد ولا تحصى تحت مرآى ومسامع العالم بما لا ينساه اهل الداخل بسهولة، وبما يتحدث عنه المؤتمرون بخجل وخوف ربما بسبب جلوسهم في مكان واحد و فيهم من اشترك منتفضاً فيها واخراشترك جلاداً وقاتلاً، فكتبوا عنها :
انتفاضة آذار (مارس) المجيدة عام 1991 التي ساهم فيها الملايين من العراقيين من مدنيين وعسكريين من العرب والكرد والتركمان والاشوريين ومن الشيعة والسنة كادت ان تلقي بالنظام الى مساقط التاريخ التي يستحقها..ورغم حجم التضحيات وغزارة الدماء التي قدمت الا ان ظروفا معينة خارجة عن ارادة شعبنا الصابر حالت دون نجاح كل تلك الجهود المتواصلة وحالت دون تحقيق تطلعات العراقيين وآمالهم لاعادة بناء وطنهم على اسس من الديمقراطية والعدل والسلام.
كنت اتمنى ان اقرأ مع هذه الكلمات ، ما اجد فيه ولو عتباً شفيفاً من المعارضة العراقية لأمريكا اولا ولكل من تخلوا عن الشعب العراقي وتركوه نهباً للجلاد، وبضعيف الايمان تمنيت ان اراها باقية على الاقل بصيغتها القديمة في البيان السياسي الختامي لأن في هذه الوثيقة انتقالة تاريخية وتوثيق هام ، وكان عليهم ان يدركوا مسؤوليتهم عظيمة بقول جزء من الحقيقة و هم يحفرون مسلة جديدة ستكون بحق المسلّة الأهم في تاريخ العراق.
ختاماً على بعض وجوه المعارضةً ان تدرك انها تلعب لعبة مكشوفة؛ لعبة الحرب فيما بينها . والحرب هي لعبة الطغاة دائما مثلما يصفها ارسطو، يوم اشار في "كتاب السياسة" الى ان الطاغية يلجأ احيانا الى الحرب كي يفرض على الناس الحاجة الدائمة الى قائد.
والحقيقة السالفة اثبتت لنا أن الجميع ذاهب والعراق باق, و اننا لم نعد بحاجة الى"القائد الرمز!!" و" القائد الضرورة!!" وعلى الجميع اعلان ذلك، دون تحفظ ودون مجاملات اكراماً للحقيقة، التي هي اعزّ من القادة، واعزّ من افلاطون!.