|
مَشروع ُ خُفَاش ٍ في الفصل
سيومي خليل
الحوار المتمدن-العدد: 4670 - 2014 / 12 / 23 - 23:39
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
كي أُوصلَ مَعنى الشَّك المنهجي لتلامِيذ وتِلميذات الجِدع المُشترك ، لا اكتفي بِكتابة تعريفِه على السَّبورة ، لأني لا أَرَ هذا الأَمر كَافيا لإستيعاب المَفاهيم ، بل أَعمل على تقريب المفهوم عَبر وضع التلميذ في عُمقه ، هكذا فكرت أَن أَكتُب على السبورة معلومة تُلقن لَهم على أنها حَقيقة ،كي أَطالبهم بعدَها بِوضعها في غُربال الشك المنهجي ،وأطلب أخيرا منهم البَدء في هَدمها مُعتمدين على ما يَتبادر إِلى أَذهانهم من شك فيها ، وأَنا أفكر في المُعلومة التي سأُقدمُهَا على أساس أَنها حقيقة ، انتبهت إلى هَذا الفصل الفكري الذي يَحمله التَّلاميذ والتلميذات عن بَعضهم بعضا ، وعلى تَصنيفهم فِكريا على أساس الجنس ، فَكتبتُ العبارة التالية على السبورة :
القدرات العَقلية للرِّجال أهمْ من القُدرات العقلية للنساء .
ثم طلبت منهم أَن يُمارسوا عملية الشك المنهجي عليها ، وكي أَفتح لهم باب النِّقاش أكثر ، قلت لهم :
إنْ قُدمت لي هذه المعلومة على أساس أَنها حقيقة ،فسأشك فيها ،وساعْتبرها غير صحيحة، وذَلك لأن من يَحصل على أعلى نُقط في القسم عندي هن الفَتيات ، بل إن الإحصاءات الحالية تَتحدث عَن أَن النساء أكثر تفوقا من الرجال في التَّحصيل الدراسي ...
بالفعل ،كان المثال الذي قَدمته ، بادرةً لإبتداء نِقاش جميل دَاخل الفَصل الدراسي ، ورأيت أيادي تَرتفع ،وتلميذات وتلاميذ يرغبنَ ويَرغبون في إعطاء أَجوبتهم .
انساقت الأجوبة المقدمة لي فِي نَفس سياق المثال الذي قَدمته في الأول ،وترواحت أجوبتهم ، بَين من اعتبرت أنَّ الأنثى أَصبحت تحتل مناصب إدارية وفكرية عالية ، وبَين من اعتبر أَن المرأَة شاعرة وأَديبة وفيلسوفة وعالمة ،بل قدمت تلميذة نَجيبة فكرة ممتازة ، صرحت بها أن القَمع الذي تَعرضت له المرأة جعلها لا تخرج كل قدراتها ...
كنت أطلب منهم بَعد كل جواب ، تَقديم جوابٍ آخر أكثر وُضوحا ودلالة ،كَي يشرعوا ، ويشرعن في هَدم فكرة تقدم لهم ولَهن باعتبارها حَقيقة لا يدخلها الباطل من بين يديها .
وأَنا مُستمر في إِعطاء الكلمة لمن يَرغب ، رفع التلميذ *إكس* يَده ، طَلبت منه الحديث، ولم أَكن متوقعا القذيفة التي سيحملها كلامه ، قال :
*وعلاش يا استاذ العيالات كيديرو الدعارة ...*
في هذا الجو البارد سَيكون أصعب عِقاب أتعرض له هو تَلقي جَواب مِثل هذا ، فكأَنه سطل ماء باردٍ سُكب عَلي وأَنا عار بالكامل ، لقد انتبهت إلى أَعين التَّلاميذ والتلميذات التي جمدت مَكانها ، فربما هي الآخرى لم تكن تَتوقع مثل هذا الجواب ، نبهته إلى ضرورة الحديث باللغة العربية بَدل الدارجة ، وقلتُ له إترك الدارجة في الشارع ، ثم صحت فيه :
هذا عنوان للتفكير الداعشي ...
لقد حمدت الله أَنه لم يفهم المقصود بالعبارة ، وتَذكرت أَن الكثير من مدرسي هذا التلميذ يَحملون فكرة عن تفوق الرجال على النساء عَقليا ، ومازال أحدهم رغم سَخافة إيمانه بهذه الفكرة صَديقي ، إذن كيف سَيتم هدم هذا الهراء الذي يُطلي عقل هذا التلميذ .
قلت له؛ هل لك والدة وأخت وترغب في زوجة وستكون لك إبنة ؟؟؟. أجاب ؛ نعم .عقبت ُ؛ هل تراهم على صورة غَير مشرفة؟؟؟؟. أحمرت وجنتاه قليلا ، وقال؛ لا .قلت له؛ إذن حَتى النِّساء الأُخريات لسن بالضرورة كما قلت - وَكنت أحاول جَاهدا أن ابتعد عن كلمة دعارة التي استعملها التلميذ - ثم أَضفت ؛ لما تَحصر هَذا الأمر في النساء أليس الرجال طرفا فيه أَيضا ، فَإذا كان الأمرُ دليلا عَلى عدم قُدراتهن العقلية فسيكون أيضا دليلا على عَدم قدرات الرجال العقلية وضعفها؟؟؟ . لكني تَذكرت أن منطق التلميذ هو نَفسُه ُ منطق الشيوخ، والفقهاء ، فالفصل المجحف يأخذ أسوأ حَالاته في هذا الأَمر ، ألم يكن رجال الكَهنوت يطالبون بمعاقبة المرأة الزانية وترك الرجل؟؟؟ .المرأة عندهن عُنوان الدنس ، ويكفي أن ترتَدي تنورة جَميلة ولا تظهر أي شيء من عَورتها ،كي تتهم في عفتها . أردتُ أن أُوضح له مسأَلة آخرى ،مرتبطة بالجانب العقلي والأخلاقي ، كان بودي أَن أَقول له ، القدرات العقلية لها جانب خاصة بها، وهو ليس نَفسه الجانب الذي تَشتغل به الأخلاق ، فَفكرت أن هذا الأمر سيوتيهُه أكثر مما هو تائه ، فأحجمت عن التصريح.
أشفقت على التلميذ ، لأَنه نتيجة حصار خَطير ، حصار فكري يأْخذ قُوته من الفصل الممنهج بين الذَّكر والأنثى في القُدرات العقلية ، وفي الممارسات الأَخلاقية ،وفي الممارسات المهنية والوظيفية . لقد أُقحمت أفكار خطيرة في هذا الرَّأس الصغير ، لدرجة أنه من الممكن أن يَرى أخته الصغيرة مَشروع داعرة ، ومن يدري ربما إن تعَوسجت هذه الأَفكار أَكثر يتهم أُمه ، ويتهم كل نساء الكون . لم يعلم هذا التلميذ أَن الأنثى هي نصف الوجود ، وأَن الدنس صفة تأَتي نتيجة الممارسة ،وليست حكما يُعمم على جنس دون آخر ، لقد شَاهد الفصل المقيت بينه وبين أخته التلميذة في كل مراحل تعليمه ، وسَمع بهذا الفصل على أَلسنة مُعلميه وعائلته وكل الجهلة *اللي بلانا الله بيهم *، فكيف لا يُصرح في لحظة نقاش فلسفي هادف ، بِخرائه هذا ، هذا الخراء هو نَفسُه الذي يَحمله الكثير ممن يُقبلون أقدام المومسات من أجل لمسة ، وبعدها يبصقون بصقة كريهة حين يسمعون حديثا عن مومس، وهُو نفسه من يحمله الكثير من الطهرانيين ، أو مدعي الطَّهرانية ، الذين لا يرون المرأَة مهما عفت وطهرت إلا مقدمة للدخول في نص طويل من الفجر والدنس .
لا أعرف إن كنْت قَد أزلت الهراء من رأس التلميذ ، لكن ما أصبحت أعرفه أن الظَّلام يحتل الفصول الدراسية ، فرغم المجهودات التي يقوم بها رجال التعليم الصادقين ، إلا أن الهراء والجهل يكثر .
#سيومي_خليل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بَيْنَ الذَّاكرة وعَمليات الإدراك العقلية
-
دفَاعا عن أوزين
-
منطقة للكتابة
-
خطَل ُ الفُقَهاَء
-
بين الإِسْتصقَاء والإستصْحاءِ
-
عن الأخلاقِ والكَونِية
-
صنَاعَةُ الخوف الثَقيلة
-
التَّجربة الدِيمُقراطية في تَونس وحزب العَدالة والتَّنمية
-
ابن ُ رشد حَزين ٌ
-
فئران بالألوان
-
آلو ...معكم غزة .
-
سرقة موصوفة وقضايا الحرب والحب.
-
الملائكة تبعث رسائل SMS
-
صمتنا المريب أو حول الجرف الصامد
-
محمد أبو خضير ومؤتمر شبيبة لشكر
-
الياغورت والموت السياسي
-
الاستعباد الاجتماعي والاستعباد
-
أناقة الصعاليك
-
بين الصوم الصحي والصوم التعبدي
-
جحود
المزيد.....
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
-
بعد القطيعة.. هل هناك أمل في تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق؟
...
-
ضابط أوكراني: نظام كييف تخلص من كبار مسؤولي أمن الدولة عام 2
...
-
رئيسة البرلمان الأوروبي: ما يحدث في ألمانيا اختبار حقيقي لأو
...
-
مباشر: قتلى وجرحى في ضربة إسرائيلية على مبنى سكني وسط بيروت
...
-
أوكرانيا تطلب من حلفائها الغربيين تزويدها بأنظمة دفاع جوي حد
...
-
غارات إسرائيلية مكثفة على وسط بيروت والضاحية
-
أوكرانيا تطالب الغرب بأنظمة دفاع جوي حديثة للتصدي لصواريخ رو
...
-
عشرات الشهداء والجرحى بقصف إسرائيلي على مناطق متفرقة من غزة
...
-
كيف يواصل الدفاع المدني اللبناني عمله رغم التهديدات والاستهد
...
المزيد.....
-
اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با
...
/ علي أسعد وطفة
-
خطوات البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا
...
/ سوسن شاكر مجيد
-
بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل
/ مالك ابوعليا
-
التوثيق فى البحث العلمى
/ د/ سامح سعيد عبد العزيز
-
الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو
...
/ مالك ابوعليا
-
وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب
/ مالك ابوعليا
-
مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس
/ مالك ابوعليا
-
خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد
/ مالك ابوعليا
-
مدخل إلى الديدكتيك
/ محمد الفهري
المزيد.....
|