|
إشكاليات ومناقشات دستورية 2 من 2
عزيز الحاج
الحوار المتمدن-العدد: 1307 - 2005 / 9 / 4 - 14:21
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
إشكاليات أخرى: أولا: توليف توافقي عضوي عام متقدم أم تلصيق وترقيع؟؟ هل المسودة نتاج عملية التوليف الديمقراطي لمفاهيم مبادئ مشتركة ديمقراطية متفق عليها، أم تجميع تلفيقي لأفكار وإيديولوجيات ومشاريع سياسية وبرامج متناقضة جذريا ؟ هناك من يفرحون للإشارات في الديباجة لسومر وحمورابي ومنجزات ما قبل الإسلام. وهذه بالطبع ليست لغة معتادة من الإسلاميين. ولكن هل هذا كاف للتقييم المتكامل؟ إن ما يبدو وما اعرفه أن كل طرف ممثل في اللجنة أضاف أو عدل شيئا ما من المسودات الأولى، وعلما بأن حوالي مائة مسودة كانت قد وصلت للجنة الدستور. ومن هنا ضعف السبك والهلهلة في الديباجة وكأنها بيان سياسي مع أن الدساتير تكتب بلغة محددة ودقيقة وخالية من الفضفاضية التي تفسح المجال لتعدد التفسيرات وبالتالي تعدد نماذج التطبيق. اقرءوا مثلا في ديباجة ميثاق الامم المتحدة المبرم عام 1945 وبتوقيع دول العالم عهد ذاك. إنها مختصر مفيد ولا تشير حتى لأسماء هتلر وموسوليني والميكادو الذين تسببوا في حرب أبادت أكثر من 50 مليون شخص، عدا الجرحى والمعوقين وهو عدد ضعف عدد الشعب العراقي كله. طبعا لم ينتظر أحد أن يأتي الدستور العراقي ديمقراطيا متكاملا، أي أن يضم كل المطلوب، ولكن لم ننتظر أن يأتي متخلفا بمراحل عن الدستور المؤقت الذي أبرم قبل أكثر من عام! لم نكن نتوقع أبدا بعد كل الكوارث والمآسي والخراب للعهد المنهار أن يتصرف شعبنا بين عشية وضحاها كشعوب بلجيكا أو كندا أو بريطانيا وغيرها! ولكن هل إن ذلك يعني تبريرا للتراجع خطوات حتى عما تحقق قبل أكثر من عام وفي هذا العراق الانتقالي نفسه؟! ليست القضية هي هل (كل شيء او لاشيء) ولا هي مطلب الحد الأعلى على عجل، بل مطلب الحد الأدنى المطلوب في مرحلة ستظل انتقالية حتى بعد الانتخابات القادمة. إن الأطراف الإسلامية الشيعية طرحت أكبر ما تستطيع حاليا طرحه من برامجها البعيدة ورفعت سقف المطالب، لكي يتم التنازل عن بعضها مؤقتا مقابل موافقة الآخرين على ما هو أساسي وممكن بالنسبة لها في المرحلة الراهنة وكبداية، أي صياغة دستور تسيطر عليه الروح الإسلامية ونصوص قابلة لتفسيرات متضاربة ومتصادمة وهو ما اعترف به سكرتير الحزب الشيوعي بحديثه عن تضارب المفاهيم وتفسيرها. قد أجلوا مثلا موضوع الفيدرالية الشيعية لما بعد، أي بعد العودة بالأكثرية في البرلمان القادم مما يمكنهم من قانون بإنشاء تلك المرجعية. أما الجبهة الكوردستانية فهي، كما ورد في مقال الدكتور كاظم حبيب في عدد 31 آب المنصرم، فقد قبلت بالمساومة لتحقيق أهدافها القومية الخاصة "على حساب أسس ومبادئ معينة كان المفروض أن لا يتم التنازل عنها لأن ثمنها غال جدا." طبعا هناك ظروف واعتبارات نفهمها من تناسب القوى، والحملات الشرسة على الحقوق الكردية والفيدرالية الكوردستانية، حتى صارت قيادات التحالف الكوردستاني بين ابتزاز الائتلافيين من جهة وحملات الشوفينيين العنصرين المعادين للكورد داخل العراق وخارجه. كما كان هناك ضغط الشارع الكوردي الذي شحنته دعوات انعزالية متواترة غذت الحملة الشرسة على القومية الكوردية. مع ذلك فكل هذا لا يبرر في نظري تلك الصفقة الدستورية وكما تمت. ثانيا: حديث الديمقراطية المتكاملة أم الحد الأدنى مرحليا؟ قيل لنا إن علينا القبول بالوثيقة رغم ثغراتها الكبرى، حتى وإن حملت تركة صدام، لأن معارضتها سيزيد الوضع تأزما. ونقول إننا ننتقد ونبدي رأينا كمواطنين ومثقفين بلا سلطة تحرك الشارع أو حزب من أحزاب الحكم. ونقول إن الشارع المتخلف الذي ورثه عهد ما بعد صدام استمر خرابه وزاد أضعافا بدل أن يتحسن ويتطور. إن المسؤولية تقع على الأطراف الوطنية وبالدرجة الأولى الأطراف السياسية الدينية، وغني عن القول ذكر الدور الرئيسي للإرهابيين المجرمين، الملطخة أيديهم بالدم الغزير، وآخر جرائمهم كارثة جسر الأئمة. إن الأحزاب الإسلامية لم تقم بأي جهد لرفع المستوى السياسي والفكري للجماهير بل على العكس استغلت العواطف الدينية والمذهبية الفائرة والثائرة لتجنيدها في الطريق نحو السلطة. أما رجال الدين فإن غالبيتهم راحوا يغذون التزمت والتطرف ويضللون الجموع باسم الدين والمذهب. وبالنسبة للديمقراطيين العراقيين، فقد تركوا الشارع لسيطرة الغوغائية والجماعات المتطرفة، مما استغله الإرهاب لأبعد الحدود.. ليس صحيحا تبرير النصوص الإسلامية الصريحة من المسودة بأن ذلك يعكس رأي الشارع ورغباته. فهل من واجب النخب السياسية والثقافية مراعاة كل العواطف والعقد الشعبية أم العمل الدؤوب لتهذيبها ورفع مستوى الناس؟ ومن ساهم في تعميق الإرث الصدامي وفي صياغة العقليات المهيمنة على الشارع اليوم، وما ينجم عنها من ممارسات، غير نخب الإسلام السياسي في السعي المحموم نحو التسلط واحتكار السلطة والسير تدريجيا نحو بناء نظام إسلامي متكامل؟ إن العلاقة بين النخب وجماهير المواطنين يجب أن تكون متوازنة فلا طفرة في المجهول ولا خضوع للتخلف والشحن الشعبية العاطفية. ويقولون إن الدستور يعكس واقع العراق اليوم. ولم أعرف أن الدساتير تكتب لنقل كل التركات والمساوئ والعيوب الحاضرة من مرحلة لأخرى! إن الدستور بحسب اعتقادي لا يكتب ليعكس عراق اليوم كما هو بكل السلبيات بل هو يكتب من أجل غد أفضل ومجتمع أحسن وخطوة خطوة. ويبقى من واجب النخب كما قلت واجب الشرح والإيضاح لبنود الدستور خلال التهيئة للاستفتاء وما بعدها، وليس الذهاب للشعب وإعلامه: "هذه هدية للشعب [ بتعبير السيد حسين الشهرستاني خلال جلسة الجمعية الوطنية مما يذكرنا بمفردات "عطايا" و"هبات" القائد الضرورة!]، لقد سجلنا بأمانة وضعكم الراهن، بما في ذلك صيانة طقوس السلاسل والتطبير الممنوعة حتى في إيران. فقرّوا عينا."
ثالثا: المركز الاتحادي والأقاليم: هذا موضوع يحتاج لمعالجة مستقلة. هنا نذكر فقط بما ورد في المسودات الأولى من إعطاء صلاحيات للأقليم وحكوماتها بعقد اتفاقات مع دول أخرى مما يناقض شرط وحدة الدبلوماسية من المركز الاتحادي. فهل سيعود الائتلافيون لسن قوانين بذلك لو صاروا مرة أكثرية مطلقة في البرلمان الجديد؟ وفي المادة 118 من المسودة النهائية إعطاء حق للأقاليم والمحافظات بتشكيل مكاتب لها في السفارات والبعثات الدبلوماسية "لمتابعة الشؤون الثقافية والاجتماعية والإنمائية" كما ورد. أعتقد أن مواد كهذه تخل أيضا بوحدة الدبلوماسية الاتحادية كما تخل بصلاحيات الملحقيات الثقافية الاتحادية المكلفة بشؤون الطلبة العراقيين، والتي يجب إعادة تشكيلها مع تطعيمها بعناصر مؤهلة من مختلف المكونات القومية.
ثالثا: بين التشاؤم والتفاؤل! وصف كاتب فاضل موقفي من الدستور بالمتشائم لحد من يرثي ميتا. وقال إنه الرئيس بوش كان بالعكس مغاليا في التفاؤل. ويستند هذا الرأي، وهناك آراء مماثلة، إلى إمكانات تعديل الدستور وإلى احتمال تراجع نفوذ الإسلاميين في الانتخابات القادمة ولاسيما ثمة منافسات وصراعات في صفوفهم. أعتقد أن هذا تقدير مغال في التفاؤل وللأسباب التالية: 1 ـ لا أستطيع القول بأن نتائج الانتخابات القادمة ستكون قفزة للأمام من حيث تركيب الجمعية الوطنية القادمة. صحيح إن هناك صراعات ولاسيما بين تيار الصدر والمجلس الأعلى، ولكن هناك قاعدة سارت عليها جميع الكتل والتنظيمات السياسية والدينية الشيعية وهي قاعدة "الحفاظ على وحدة البيت الشيعي". وحتى لو دخل الائتلافيون في قائمتين انتخابيتين، فإن غالبية شرائح الشارع ستظل معهم حتى أمد يطول أو يقصر، مما سيشكلون بمجموعهم الكتلة الأقوى والأضخم في البرلمان، وحيث لا ضمانات لعدم تكرار فتاوى المرجعية، وحيث يكونون في وضع يمكنهم من فرض قوانين لتطبيق المحافظة الشيعية ومن الفوز بغالبية مقاعد المحكمة العليا التي ستكون صاحبة الكلمة الفاصلة في شرعية القوانين وعدم شرعيتها، وفي الحكم بأن هذا القانون أو ذاك وهذا الموقف أو ذاك، مخالف ل"الآداب" الوارد ذكرها مرارا وبلا تحديد أو كونه يمس الدين. وحينئذ ستواجه حريات التعبير والنشر والفنون خطر الاتهامات والحظر والمحاكمة كما وقع في مصر ويقع في إيران. أما عن فرضيات التعديل وهو ما أشار لها الأستاذ حميد موسى وما أكد عليه السيد بختيار امين في تصريح له لصحيفة لبراسيون اليسارية الفرنسية بتاريخ الأول من سبتمبر الجاري، فنحيل السادة المحترمين إلى بنود المسودة الدستورية نفسها. تقول المادة 123: " لا يجوز تعديل المبادئ الأساسية الواردة في الباب الأول والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، إلا بعد دورتين انتخابيتين، وبناء على موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ومصادقة رئيس الجمهورية خلال سبعة أيام." انظروا لهذه القيود وخصوصا عدم جواز التعديل إلا بعد ثماني سنوات، لا غير! أي بعد أن تكون الأكثرية الجاهزة قد أقامت نظام حكم الشريعة وعبأت الشارع لدعمه ولرفض أي تعديل على المواد الخاصة بالمصدر الأساسي للتشريع وعدم مخالفة ثوابت "أحكام الإسلام." فعن أية فرص يتحدثون؟ وماذا لو أن المحكمة العليا قضت بالحد من حريات التعبير والضمير ولو وصلت الحال لاعتبار العلمانية كفرا ودعاتها يجب ملاحقتهم قضائيا؟
تقييم عام مكثف أتفق مع السفيرة سهيلة السهيل في أن المرأة ستكون أكثر المظلومين. تقول في تصريح لها: " بعد العودة من المنفى اعتقدنا أننا سنحسن حقوق المرأة وأوضاعها، لكن بالنظر إلى ما حدث فقد خسرنا كل المكاسب.."[ رويترز في 24 آب المنصرم]. أما الأستاذ عبد الرحمن الراشد فإنني أتفق مع تقييمه العام في العدد عدد 30 الماضي من الشرق الأوسط. يقول الراشد إن نتائج الانتخابات" خلت من كل ملامح الديمقراطية باستثناء ساعة الانتخاب كل أربع سنوات، فبقيت دينية، عشائرية، وطائفية."
#عزيز_الحاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إشكاليات ومناقشات دستورية -1/2
-
الأزمة الدستورية والخراب الشامل في العراق..
-
بؤس السجال العراقي العراقي!
-
أي دستور؟! ولأي عراق؟! وأخيرا تمخضت الجهود ليل نهار عن مشروع
...
-
هل صحيح أن كارثة على وشك الوقوع؟؟!!
-
بلد خطفه الإرهاب، وشعب ممزق، وحائر، ومسحوق..
-
المرأة طريدتهم الأولى
-
مناورات الساعات الأخيرة.. هل سيقف الزعماء وقفة التاريخ؟!
-
عودة إلى -فارسية- الكورد الفيلية!
-
نعم، أجلوا كتابة الدستور الدائم واسترشدوا بالدستور المؤقت
-
إيران النووية على طريق صدام!
-
التذكير مجددا بقانون الإدارة والخلافات الساخنة اليوم!!
-
حدود التحالفات السياسية
-
اغتيال الصحفي ستيفن في البصرة...
-
خطاب موجه إلى رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ جلال طالباني
-
نظرة أولى على مسودة الدستور
-
ملاحظات ونقاط عن رجال الدين والسياسة في العراق
-
إيديولوجية التطرف الإسلامي: إرهاب بلا حدود!
-
حذار، حذار من الدستور إسلاميا!
-
عن ندوة اليونسكو حول الثقافة في العراق
المزيد.....
-
من معرض للأسلحة.. زعيم كوريا الشمالية يوجه انتقادات لأمريكا
...
-
ترامب يعلن بام بوندي مرشحة جديدة لمنصب وزيرة العدل بعد انسحا
...
-
قرار واشنطن بإرسال ألغام إلى أوكرانيا يمثل -تطورا صادما ومدم
...
-
مسؤول لبناني: 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية عل
...
-
وزيرة خارجية النمسا السابقة تؤكد عجز الولايات المتحدة والغرب
...
-
واشنطن تهدد بفرض عقوبات على المؤسسات المالية الأجنبية المرتب
...
-
مصدر دفاعي كبير يؤيد قرار نتنياهو مهاجمة إسرائيل البرنامج ال
...
-
-استهداف قوات إسرائيلية 10 مرات وقاعدة لأول مرة-..-حزب الله-
...
-
-التايمز-: استخدام صواريخ -ستورم شادو- لضرب العمق الروسي لن
...
-
مصادر عبرية: صلية صاروخية أطلقت من لبنان وسقطت في حيفا
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|