أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الفيلسوف والتخلص من آفة الثوابت















المزيد.....

الفيلسوف والتخلص من آفة الثوابت


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 23:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



من بيت كوراث البشرية آفة اسمها (ثوابت الأمة) وبتحليل هذا التعبير، يتبيّن أنّ أصحابه يعيشون بيننا بأجسادهم ، بينما عقولهم وميولهم ترتد بهم إلى زمن غير زمننا ، ومجتمع غير مجتمعنا وثقافة غير ثقافتنا . والأشد خطورة أنهم يـُـقاتلون لفرض رؤيتهم ، ويقتلون كل من يخلف معهم ، وكأنّ الزمن لم يتحرك وأنّ المجتمع لم يتغير، وأنّ الثقافة لم تتجدّد .
رفض كثيرون من الفلاسفة الانصياع لتعبير (ثوابت الأمة) وكان من بينهم – وبالأدق – من أبرزهم الفيلسوف الهولندى باروخ اسبينوزا (1632- 1677) فرغم نشأته الدينية (الدين اليهودى) إلاّ أنه اختلف مع تلك الديانة ورفض التسليم بما جاءتْ به من فرضيات تتنافى مع لغة العلم ووقائع التاريخ ، ولذلك قال عنه من أرّخوا لحياته أنه ((كان منتميًا لعصره أكثر مما كان يهوديًا ، وأنّ تفكيره كان أوثق صلة بتفكير ديكارت وغيره من المفكرين الأوروبيين البارزين منه بأى مذهب يهودى)) والأكثر من ذلك أنّ اسبينوزا ((قد انفصل عن الأمة اليهودية التى تنكــّرتْ له انفصالا تامًا وتعلــّـق بالوطن (هولندا) ودافع عن حزب (ديفيت) الجمهورى وفسّر ماهية الدين تفسيرًا علميًا. ورغم ذلك – ونظرًا لمكانته الكبيرة بين الفلاسفة – فإنّ بعض الشراح اليهود حاولوا – رغمًا عنه – التقريب بينه وببن اليهودية. بينما أنّ مذهب اسبينوزا مُـتحرّر من كل أصل يهودى ، وأنّ النتائج التى انتهى إليها تتعارض تعارضًا أساسيًا ، لا مع المبادىء الأساسية لليهودية فحسب ، بل أيضًا مع صورتها المُعدلة ، كما عبّر عنها فلاسفة يهود. كما أكد من أرّخوا لحياته وكتبوا عن فلسفته أنّ هدف فلسفته الأساسى هو ((تحرير المسيحية من تراثها اليهودى)) بينما رأى آخرون أنّ اسبينوزا ((قد ابتعد عن التراث الدينى اليهودى والمسيحى معًا ، وأنه كان يعتمد على العقل وأنّ تجربة العقل ينبعى ألا تتشابه أو تتشابك مع أى دين ، لأنها فريدة فى نوعها))
والشراح اليهود الذين حاولوا التقريب بين فلسفة اسبينوزا واليهودية ، فإنهم فى نفس الوقت يتجنبون ويتجاهلون واقعة طرده من الطائفة اليهودية وانفصاله عنها طوال حياته الناضجة (أى منذ كان فى الرابعة والعشرين من عمره) حتى وفاته. وتلك الواقعة دليل قاطع على عصيانه الروحى للطائفة اليهودية التى نشأ فيها ، كما أنه لم يتراجع عن موقفه فى أى وقت ، أو حاول استرضاء السلطة الدينية ، بل إنه رحّب بطرده من طائفتهم وبذل كل ما استطاع من جهد لإزالة آخر المؤثرات اليهودية فى تفكيره.
اجتزأ بعض اليهود فقرات من كتابات اسبينوزا ليُـدللوا على أنه كان مع إقامة (دولة يهودية) تكون خاصة خالصة لليهود ، من ذلك الفقرة التالية من كتاب (البحث اللاهوتى السياسى) قال فيها اسبينوزا ((إننى أذهب لحد الاعتقاد بأنه لو لم تكن مبادىء عقيدة اليهود قد أضعفتْ عقولهم. ولو سنحت الفرصة وسط التغيرات التى تتعرّض لها أحوال البشر بسهولة ، فقد يُـنشئون مملكتهم من جديد ، وقد يختارهم الله مرة ثانية)) ورغم روح السخرية فى كلام اسبينوزا فإنّ أحد اليهود (كايزر) هلــّـل لهذا النص الذى يتكرّر الاستشهاد به عشرات المرات فى مؤلفات الشراح اليهود المتعصبين لليهودية. وفى شرحه لما حدث كتب د. فؤاد زكريا ((من الملاحظ أنه ليس من الروح العلمية فى شىء أنْ يبنى المرء حكمًا عامًا على نص واحد ، ويتجاهل آلاف النصوص الأخرى التى تشهد بطريقة قاطعة على خروج اسبينوزا على التراث اليهودى ، بل وعلى كل تراث لاهوتى بشكل عام . وثانيًا فمن الضرورى لفهم هذا النص أنْ نـُوضح أنّ رأى اسبينوزا الخاص قى فكرة (المملكة أو الامبراطورية) وفكرة (اختيار الله لليهود) هو رأى عرضه اسبينوزا مرارًا فى هذا الكتاب نفسه ويختلف تمامًا عن المعانى التى استخلصها (كايزر) وأمثاله مثل معانى العودة للدولة القديمة وإحياء مجد إسرائيل . وثالثــًا فإنّ هذا النص الذى استشهد به عدد كبير من شراح اسبينوزا اليهود ، مُـنتزع من سياق لا شأن له على الإطلاق بتمجيد اليهود ، بل إنه على العكس من ذلك يتضمّن انتقادًا مريرًا لهم . أما معنى (اختيار الله لليهود) فإنّ اسبينوزا لا يكف عن القول بأنّ هذا الاختيار لا يرجع إلى امتيازهم فى الفضيلة أو العقيدة أو فى أية صفة أخرى ، وإنما كان المعنى الوحيد لهذا الاختيار هو أنّ دولتهم القديمة خضعتْ لقوانين تكفل تنظيمًا سليمًا للمجتمع فحسب ، والاختيار هنا لا يضمن إلاّ سلامة نظام الحكومة فحسب. أما فكرة امتياز شعب على شعب ، أو على بقية الشعوب ، فإنّ اسبينوزا رفضها بشدة ، وكتب اسبينوزا فى هذا الصدد ((هكذا نستنتج أنه لما كان الفضل الإلهى يعم جميع الناس على السواء ، ولما كان الله لم يختر العبرانيين إلاّ من حيث تنظيمهم الاجتماعى وحكومتهم ، فإنّ اليهودى الفرد إذا ما نـُـظر إليه بمعزل عن تنظيمه الاجتماعى وحكومته ، لا يملك أية موهبة يخصه بها الله عن سائر البشر، ولا يوجد فارق يُميّـز بين اليهودى عن غير اليهودى)) (د. فؤاد زكريا فى كتابه عن اسبينوزا- دار النهضة العربية- عام 1962- الصفحات من 357- 369)
وفيما يلى السياق الذى ورد فيه النص الذى استشهد به (كايزر) لتأييد مزاعمه : فقد كتب اسبينوزا ((لا يوجد على الإطلاق فى الوقت الحالى أى شىء يستطيع به اليهود أنْ يُباهوا به غيرهم من الشعوب ، أما استمرار اليهود كل هذا الوقت بعد تشتتهم وضياع ملكهم ، فليس فيه ما يدعو إلى العجب ، إذ أنهم قد انفصلوا عن كل أمة أخرى إلى حدٍ جلب عليهم كراهية الجميع، ولم يتحقق ذلك الانفصال فقط عن طريق طقوسهم ، وهى طقوس تتعارض مع شعائر الأمم الأخرى ، بل تحقق أيضًا عن طريق علامة الختان التى يحرصون كل الحرص على مراعاتها)) ثم ضرب اسبينوزا مثلا بيهود إسبانيا الذين أرغموا على التحول للمسيحية ، ثم عوملوا معاملة حسنة، فاندمجوا مع السكان بمضى الوقت ، بحيث تلاشتْ كل الفوارق بينهم وبين السكان الأصليين ، أما يهود البرتغال الذين أرغموا أيضًا على التحول للمسيحية ، ولكنهم اضطهدوا وعوملوا معاملة سيئة ، فقد ظلوا محتفظين بهويتهم الدينية، وفى هذا الصدد يأتى النص الذى اقتبسه (كايزر) وتسبقه العبارة التالية ((إنّ علامة الختان وحدها لها من الأهمية ما يجعلها تكاد تكون كافية لحفظ الأمة إلى الأبد)) ومن الواضح أنّ اسبينوزا كان يسخر من هذا الاعتقاد. وأنه انتقد اليهود بشدة وأكد على أنّ ما يُسمونه (معجزة البقاء) عبر العصور الطويلة ، لا يرجع إلاّ إلى ما جلبوه على أنفسهم من كراهية الآخرين ، فهى ليست معجزة على الإطلاق ، وإنما هى مظهر اعتلال وانحراف . وقد دلــّـل اسبينوزا على ذلك بمقارنته بين يهود عوملوا معاملة حسنة فتلاشوا – بوصفهم يهودًا – لا بوصفهم أفرادًا (أى مواطنين بغض النظر عن الدين) بينما احتفظ آخرون بديانتهم اليهودية عندما تعرّضوا للاضطهاد ، أى أنّ هذه الكراهية التى جلبها اليهود على أنفسهم ، والتى ضاعفها اضطهاد الآخرين لهم ، هى التى تعمل على بقائهم ، ولولاها لاندمجوا كغيرهم من الشعوب المتطورة عبر التاريخ . وليس معنى الاندماج على الإطلاق أنْ تتلاشى الشعوب (أو تذوب الخصوصية لكل شعب) وإنما أنْ تخضع فقط لتطور التاريخ حلال الزمان ، وتستفيد من مزايا الاختلاط والانصهار مع غيرها ، كما حدث مع عشرات الأمم القديمة التى لم يعد لها وجود بصورتها الأثرية، لا لأنها قد فنتْ ، بل لأنها قد انصهرتْ واختلطتْ بغيرها عبر الزمان . وأفادها هذا الخضوع لمنطق التطور فائدة لا تقدر. وأنّ اسبينوزا عاب على اليهود تحجرهم وافتقارهم إلى التكيف مع مجتمعاتهم التى يعيشون فيها، وحرصوا على تمييز أنفسهم بعلامة الختان حتى يظل جنسهم منفصلا عن غيره .
والنص الثانى الذى طالما استشهد به المفسرون اليهود ، ورد فى رسالة اسبينوزا رقم 76 إلى ألبرت برج ، وفى هذه الرسالة تحدث عن اليهود فكتب ((إنّ أكثر ما يباهون به هو أنّ لديهم شهداء يزيدون على ما لدى أية أمة أخرى . وأنّ كل يوم يشهد أعدادًا جديدة ممن يتحملون العذاب من بينهم ، بسبب عقيدتهم بقلب راسخ إلى حد يبعث على الدهشة. وتلك ليست أسطورة، فقد عرفتُ بنفسى ، من بين الكثيرين ممن عرفتُ شخصًا يُـدعى (يهودا) ويُـلقب ب (المخلــّص) أخذ ينشد وسط اللهيب – فى وقت ظنه الناس ميتـًا – هذا النشيد : إليك يا رب أقدم روحى . ومات وهو ينشد)) وهذا النص فى نظر كثيرين من اليهود ، اعتبروه عطف من اسبينوزا على اليهود ، لكن هل هو بالفعل كذلك ؟ لنتأمل السياق الذى ورد فيه النص : إنّ رسالة اسبينوزا كانت موجهة إلى كاثوليكى شديد التعصب هو ألبرت برج ، وكان اسبينوزا يُـناقش فيها الحجة التى سبق أنْ تقدم بها برج ، وأيــّـد فيها عقيدته الكاثوليكية على أساس أنّ ملايين من الناس يؤمنون بها ، وأنها ظلــّتْ محتفظة بكيانها عبر العصور دون انقطاع ، والرد الذى أتى به اسبينوزا هو أنّ اليهود المُـتعصبين بدورهم يلجأون إلى هذه الحجة دائمًا ، فهم – كما جاء فى الرسالة ذاتها - : يشيدون بنفس القدر من الغرور بكنيستهم التى ظلتْ حتى اليوم – من وجهة نظرهم – ثابتة راسخة ، رغم ما يُبديه نحوها غير اليهود والمسيحيون من عداوة مريرة . وهم يحتجون خاصة بقدمهم ويدّعون – بصوت واحد – أنّ لديهم تراثــًا تلقوه من الله ذاته. وأنهم هم وحدهم حفظة كلمة الله المكتوبة وغير المكتوبة. ولكن أكثر ما يفخرون به هو أنّ بينهم شهداء .
وكان تعقيب د. فؤاد زكريا ((من الواضح عندما يوضع نص اسبينوزا فى سياقه فإنّ المقصود به الرد على حجة هذا الكاثوليكى المتعصب بما يماثلها لدى اليهود ، لإثبات أنّ الموقفيْن معًا باطلان ، والمقصود من الأمثلة الأخيرة التى استشهد بها الشراح اليهود هو إثبات وجود أمة أخرى لا يقل أفرادها عن الكاثوليكيين تمسكــًا بعقيدتهم واحتفاظــًا بها مهما كانت الظروف . وتكملة الحجة – كما هو واضح من السياق – هو كما يأتى : إنك تظن أنك صاحب الدين الحق لأنّ عقيدتك باقية ، ولكن هناك أناسًا آخرين ، هم اليهود ، لديهم كل الأسباب التى تجعلهم يؤكدون أنهم أشد الناس تمسكــًا بعقيدتهم ، فهل يكون لهؤلاء بدورهم أنْ يزعموا أنّ دينهم هو الحق ؟ والواقع أنه لا الكاثوليكية ولا اليهودية ، يحق لها أنْ تدّعى احتكار الحقيقة لنفسها ، ومن الممكن الإتيان دائمًا – فى كل حالة تلجأ فيها إحدى العقائد إلى الحجة القائلة بقدرتها على البقاء – بأمثلة أخرى لعقائد مخالفة لا تقل عنها قدرة على البقاء ، ولكن لا هذه ولا تلك يحق لها أنْ تدّعى لنفسها احتكار الحقيقة))
كما أنّ اسبينوزا تعرّض – بسبب حملته على فكرة (الشعب المختار) لانتقاد بعض معاصريه ممن كانوا يعتبرون هذا النقد – بما فيه من خروج على بعض تعاليم العهد القديم – منطويًا على مساس بتعاليم الإنجيل بأسره ، وهكذا لاحظ (لامبرت دى فلتهويزن) فى الرسالة رقم 42 الموجّهة إلى اسبينوزا ، أنّ هذا الأخير أنكر فكرة اختيار اليهود أو تفضيلهم على بقية الأمم ، وأكد أنّ ممارسة الفضائل الأخلاقية أجدى من ممارسة شعائر العقيدة اليهودية.
كما أنّ الشراح اليهود تجاهلوا نص اسبينوزا الذى قال فيه ((إنّ السعادة والبركة الحقيقية لكل شخص إنما تكون فقط من تمتعه بما هو خير، لا فى مباهاته بأنه هو وحده الذى يتمتع به دون كل من عداه . أما ذلك الذى يعتقد أنه أكثر من غيره سعادة لأنه يتمتع بنعم يفتقر إليها الآخرون ، أو لأنه أكثر غبطة أو أسعد حظــًا من أقرانه ، فإنه جاهل بطبيعة السعادة والبركة ، ولا يمكن أنْ يكون السرور الذى يحس به إلاّ صبيانيًا أو حسودًا خبيثــًا ، مثال ذلك أنّ سعادة الإنسان الحقة لا تكون إلاّ فى الحكمة ومعرفة الحقيقة ، وهى لا تكون أبدًا فى شعوره بأنه أحكم من الآخرين ، أو أنّ الآخرين يفتقرون إلى مثل هذه المعرفة ، فمثل هذه الأمور لا تزيد من حكمته أو سعادته الحقة. وعلى ذلك فإنّ كل من يغتبط لأسباب كهذه ، إنما يغتبط لتعاسة الآخرين ، وبذلك يكون خبيثــًا وشريرًا لا يعرف السعادة الحقة ولا طمأنينة الحياة الصحيحة.
ومع ملاحظة أنّ تلك الفقرة وردتْ فى فصل تناول فيه اسبينوزا موضوع اقتصار النبوة أو عدم اقتصارها على العبرانيين ، ومعناها الواضح هو أنه حتى لو كان اليهود ممتازين عن غيرهم بحق ، فإنّ تباهيهم بهذا الامتياز يكفى لجعلهم أشرارًا ، إذْ أنّ المرء يسعد بمتعه بالخير، لا بإدراكه أنّ الآخرين محرومون منه. وهنا نقد أساسى لفكرة (الشعب المختار) مبنى على القول بأنّ الفكرة ذاتها ليست مما تشرف به أية أمة أو يفخر به أى فرد يعرف معنى الأخلاق ، إذْ أنها تنطوى على مقارنة فيها حط من شأن الآخرين ، وليس الحط من شأن الآخرين من شيم الفضلاء . هذا فضلا عما تتضمنه الفكرة من أنانية واضحة، تظهر فى الاغتباط بافتقار الآخرين إلى السعادة التى يتمتع بها هذا (الشعب المختار) والأنانية صفة بعيدة كل البُـعد عن الفضيلة الحقة. وبعبارة أخرى ففكرة (الشعب المختار) فكرة مُـناقضة لذاتها ، لأنّ من بلغ أسمى درجات الفضيلة لن يجد لذة فى تأكيد تميزه عن الآخرين . ولأنّ مجرد النظر إلى الآخرين على أى نحو ينطوى على الحط من شأنهم ، معناه أنك (أيها اليهودى) لم تعد كامل الفضيلة ولم تعد (مختارًا)
أما الذين احتفلوا فى إسرائيل بمرور 300 سنة على طرد اليهود لاسبينوزا ، وأرادو رد اعتباره بتشييد نصب تذكارى كتبوا عليه (أهلك) فسوف يجدون فى كتابات اسبينوزا نصوصًا عديدة نستطيع أن نستدل منها بكل وضوح على رأيه فى الدولة اليهودية القديمة. وبالتالى فى الدولة الحديثة التى تأسّستْ كى تكون إحياءً للقديمة أو استمرارًا لها ، لأنّ اسبينوزا أكد تأكيدًا قاطعًا أنّ الدين ينبغى أنْ ينفصل عن الدولة ، وأنّ الهيئات الدينية ينبغى أنْ تترك للدولة الكلمة الأخيرة . وأنّ الأحكام التى يفرضها الله على الناس لا ينبغى أنْ تصدر إلاّ من خلال الحـُـكام الزمنيين . وأنّ الدولة مبنية على عقد بشرى وسلطتها مُستمدة من سيادتها لا من الأوامر الإلهية. أما فى الدولة اليهودية القديمة فقد خلط اليهود بين السلطتيْن الإلهية والزمنية. واعتقدوا أنّ دولتهم تنتمى إلى الله. وأنهم هم أنفسهم أبناء الله. ونظروا إلى الأمم الأخرى على أنها عدوة الله. وعاملوها بكراهية شديدة. ولأنّ اسبينوزا مرّ بتجربة اعتناق اليهوديه واحتكّ بالطائفة اليهودية حتى تم طرده منها ، لذلك جاء تشخيصه للعلل الحقيقة فى نفسية اليهود من واقع تجربته معهم ، وتأكد من كراهية الشعوب الأخرى لهم ورفض اندماجهم فى مجتمعاتهم على أساس مبدأ المواطنة وليس على أساس الانتماء الدينى ، وخلطهم بين السلطة الإلهية وسلطة الحكم فى دولتهم القديمة وهو خلط لابد أنْ ينعكس على دولتهم الحديثة. ولو صدر هذا الكلام من شخص غير يهودى لأصبح موقعه فى تاريخ الفكر فى قائمة (أعداء السامية) وهذا ما اتهمتْ به الطائفة اليهودية اسبينوزا فى أثناء حياته. ولكنه بعد وفاته ب 300 سنة أصبح فجأة فى نظر شراحه اليهود مدافعًا عن التراث اليهودى ومتعلقــًا بالأمة اليهودية. وهكذا تمّ تزييف الحقيقة وتشويهها عندما احتفلوا به فى إسرائيل ، لمجرد أنْ يضموا إلى التراث اليهودى مفكرًا عظيمًا مثل اسبينوزا ، الذى كان أعظم ما فيه ((تحديه لكل تراث سابق عليه))
ويبقى السؤال المهم من خلال عرض سيرة وفلسفة اسبينوزا : هل كان بمقدوره أنْ يُحدد موقفه من اليهودية (وهو يهودى المولد والنشأة) إلاّ بفضل استخدامه لعقله ؟ وهل هناك سبب غير أنه رفض الإيمان بأكذوبة اسمها (ثوابت الأمة) ؟



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفلسفة والبحث عن التحرر
- خطاب التنوير (2)
- خطاب التنوير (1)
- قواعد اللغة والتنقيط فى القرآن
- الإكراه فى الدين إبداعيًا
- الخطاب الدينى : هل يقبل التجديد ؟
- اختلاف المصاحف (7)
- اختلافات المصاحف (6)
- اختلاف المصاحف (5)
- اختلافات المصاحف (4)
- مصر (الشعب) ومصر (النخبة)
- الاختلافات بين المصاحف (3)
- باب اختلاف المصاحف (2)
- باب اختلاف المصاحف (1)
- تفسير القرآن وأسباب النزول (9)
- كتب التفسير وأسباب المزول (8)
- من أين يأتى العدو ؟
- هامش على أسباب النزول عن مارية القبطية (7)
- تابع تفسير القرآن وأسباب النزول (6)
- مصر بين الوهم العروبى و(حقيقة أفريقيا)


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى بحماية شرطة الاحتلال الإسرائي ...
- أجراس كاتدرائية نوتردام بباريس ستقرع من جديد بحضور نحو 60 زع ...
- الأوقاف الفلسطينية: الاحتلال الإسرائيلي اقتحم المسجد الأقصى ...
- الاحتلال اقتحم الأقصى 20 مرة ومنع رفع الأذان في -الإبراهيمي- ...
- استطلاع رأي إسرائيلي: 32% من الشباب اليهود في الخارج متعاطفو ...
- في أولى رحلاته الدولية.. ترامب في باريس السبت للمشاركة في حف ...
- ترامب يعلن حضوره حفل افتتاح كاتدرائية نوتردام -الرائعة والتا ...
- فرح اولادك مع طيور الجنة.. استقبل تردد قناة طيور الجنة بيبي ...
- استطلاع: ثلث شباب اليهود بالخارج يتعاطفون مع حماس
- ضبط تردد قناة طيور الجنة بيبي على النايل سات لمتابعة الأغاني ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - الفيلسوف والتخلص من آفة الثوابت