أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [10]















المزيد.....



الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [10]


إسلام بحيري

الحوار المتمدن-العدد: 4669 - 2014 / 12 / 22 - 17:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


-1-

تكلم السيد محمد ماضي أبو العزائم كلاماً أريد تدوينه نا حول وجود الله تعالى، ويتميز كلامه بالروحانية التي تسري في خلاياك وأعضائك، وبالعقلانية التي يفهمها العامي والباحث المثقف على السواء. يقول :
وهذا ما سمّاه الإمام السيد محمد ماضي أبو العزائم بـ"الإيجاد والإمداد" (وهو اعتقاد الصوفية)..

يقول في كتابه (عقيدة النجاة) : [وإليك الأصول التي أخذ بها العلماء الربانيون في العقيدة التي لا نجاة لمسلم إلا بها ، لا نحِصارها في الكتاب العزيز والحديث الشريف. تنحصر هذه الأصول عندهم في مسألتين هامتين :
أولا:الإمداد ، ويسمونه العناية .
ثانيا:الإيجاد ، ويسمونه الإبداع .

أولا: الإمداد
عناية الله التي سبقت للإنسان:
أما دليل الإمداد فهو عناية الله تعالى التي سبقت للإنسان ، فخلق له الكائنات جميعها ، وسخر له ما في السموات وما في الأرض ، ولمعرفة هذه العناية يجب على الإنسان أن ينظر بعين التفكير والاعتبار إلى ما خلقه الله وسخره له ،ليدرك أن الله سبحانه وتعالى عنى به عناية كبرى ، حيث خلق له كل شيء موافقا لوجوده ، مسهلا له سبيل الحياة في راحة وهناءة،فبسط الأرض ، وأنبت له فيها كل ما تشتهيه الأنفس وتلذ به الأعين ، وأجرى له الأنهار، وذلل له الحيوان، ورفع فوقه السماء ، ومهد تحته الأرض ، وصرف له الرياح في أفقه الخاص ، وأجرى السحاب ، وخلق له شمسا تضيء له الفجاج ، وتنمي له النبات ، وتحفظ بحرارتها كيان الجسم ، وجعل له نهاراً للعمل ، وأعطاه القوة ، وهيأ له الأسباب ، وليلا للراحة ، والكون أناره له بالقمر والكواكب ، وخلق للإنسان في السنة أربعة فصول مختلفة الأجواء ، بحيث تتناسب مع صحته ونمو النبات والحيوان، وخلق له من نفسه زوجا تعينه على الحياة ، وتقاسمه نعيمها.

وبالجملة فكل هذه الموجودات التي خلقها الله مناسبة لوجود الإنسان ؛ هي المرآة الصقيلة التي يرى فيها بعين بصيرته آثار عناية الله به ، فيدرك أن ذلك لم يخلق عبثا ، ولا يوجد موافقا لحياته اتفاقا ، وإنما هو صادر عن فاعل قادر مريد. هذا هو أحد الدليلين المحسوسين على معرفة وجود الله تعالى.

أسباب الوقوع في الشرك والجحود:
ولكن الذي حدا ببعض الناس إلى الوقوع في غياهب الشرك وظلمات الجحود ، وبالبعض الآخر إلى الجهل المطبق بمعاني التوحيد، هو مرورهم على هـذه الآيـات التي تحيط بهم ، بل تتصل بحياتهم، دون أن يفكروا في حكمة وجودها ، والسبب الذي خلقت من أجله ، ولماذا وجدت هكذا مناسبة وموافقة لجميع مرافق الإنسان ومقتضياته ، و إلا فلو خلق الله الأرض أخاديد وهضابا ـ بحيث لا يستطيع الإنسان أن ينتقل من مكان إلى الآخر إلا بعد أن يتسلق جبلا شاهقا ثم يهبط في حفرة عميقة ـ كيف كان يتسنى لواحد أن يعيش فوق الأرض ؟! وكيف يشيد له دارا أو مزرعة ينتفع بها أو يجد له مأوى يعيش فيه ؟! ولو لم يخلق الله تلك الشمس ، أو حبس الهواء ، أو منع الماء ، هل كان يستطيع ذلك الإنسان الضعيف أن يبقى حيًا يومًا واحداً ؟ ولو لم يسخر الله تلك الحيوانات وخلقها متوحشة ضارية ، لا ترى الإنسان حتى تفتك به وتحاربه ، هل كان يقوى على البقاء في هذا العالم ؟!.

ارق بنظرك لما خلق الله :
أنظر إلى هذا كله ثم ارق بنظرك لما خلق الله لك من أنواع المعادن ، خصوصا الحديد الذي لولاه ما قهرت حيوانا ، ولا اتخذت معدنا ،ولا سارت بك قاطرة ولا باخرة ولا طيارة ولا غواصة ، ولا انتفعت بالأخبار البرقية.
ثم انظر بعد ذلك إلى النار ، وما أحدثت لك من العيشة الطيبة في مأكلك ومشربك وملبسك .
ثم انظر إلى البحار الملحة كيف خلقها ربك واسعة عميقة، وجعلها تخزن لك كمية وافرة من الماء ، فيبخره سبحانه فيحفظ لك الملح ويرفع الماء إلى السماء ،حيث يهطل عليك مطرًا يحي موات كل كائن.
ثم انظر إلى هذا البحر العظيم الذي غمر ثلاثة أرباع الأرض، كيف جعله ملحا مع شدة احتياج الناس إلى الماء العذب ! و لكنك لو تفكرت قليلا لعلمت أنه أرحم الراحمين ،فإنه قادر أن يجعله عذبا ، ولو جعله كـذلك لتعفن بعد أربعة أيام ، وانتشرت العفونة على وجه الأرض فسممت الجو ، وحرم الناس الماء العذب . ولكن رحمة ربـك قضت أن يحفظ لك الماء بالملح ، ويخرج لك منه في كل سنة ما فيـه كفايتك من الأمطار ، التي يشترك في تكـوينها الشمس والسحاب والهـواء ، فسبحان مسبب الأسباب، قال تعالى : (وَتلْكَ الأُمْثَالُ نَضْرِبها للنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُها إلا َّالْعَالِمُونَ) وكم في البحر من منافع ونعم، فمنه نستخرج من الأسماك أنواعا لا تحصى، ومن اللؤلؤ والصدف والمرجان واليسر أشكالا لا حد لها ـ قال سبحانه :(وَتَرَى ٱ-;---;-----;---لْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيِه وَلِتَبْتغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تّشْكُرُونَ)، فذكر ثلاث كلمات : جريان الفلك على وجه الماء ، ونظرنا إلى المنافع التي سخرها لنا فيه ، ثم أوجب علينا الشكر .

الإسلام جامع للعلم:
فالواجب عليك أيها المسلم النظر إلى النعم التي تحيط بك ، لتعلم مبلغ العناية التي تفضل الله بها عليك ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اٌللهِ لاَ تُحْصُوهَاَ) ولو أردتُ أن أكتب على نعمة واحدة من تلك النعم لما وسعتنى المجلدات .. ولكن ، قبح الله أهل الجهالة، يقولون: نتكلم بلسان العلم ، حتى أوهموا العامة أن العلم شيء والإسلام شيء آخر، وكذبوا ، فالإسلام جامع للعلم ؛ والعلمُ بعضه ، والبعض الثاني إيمان ، أي : تصديق وتسليم ، والبعض الثالث شهود وإيقان.
وهل من أشهده الله عجائـب حكمته وبدائع صنعته في الكـون المحسوس؛ ينخدع لقوم أعمى الله بصرهم وبصيرتـهم ؟ إن من ينخدع بهم هو من لم يعلم من الإسلام ظاهرا ولا باطنا، ولم يذق له طعماً، مَن جهل مُنْـزِلَهُ سبحانه ، وجهل مُبَلِّغَهُ ﴿-;---;-----;--- ص وآله﴾-;---;-----;--- الذي أقام الحجة البالغة بإعجاز القرآن ، وما أتى به من الآيات الباهرات التي لا نزال نراها بأعيننا ، من أخبار سابقة لوقتها تحققت ، وإنذار لم ننته عما حذرنا منه فوقعنا فيه . ولكن من سجل عليه القضاء أن يكون من أهل جهنم لا ينتهي عن غيه ولو جئته بـكل آية . نعوذ بالله من سلب النعمة ، ومن العناد المخرج عن الحق.

ثم انظر بعد ذلك إلى ما فوقك من نجوم منتثرة ، لكل نجم خاصية فى النبات والمعادن ، فمنها ما يودع الزيت ،ومنها ما يعطي الصبغة، أو الطعم ، أو الرائحة .
ثم انظر إلى نفسك تر العجب العجاب .. تر بولة جرت في مجرى البول مرتين ، ثم صورت فكانت حيواناً ناطقاً ، مستقيم القامة ممنوحا قوة وعقلا ، مسخراً له كل شيء !! وبلغ من العناية بالإنسان أن ارتفع قدره حتى كلم الله كفاحاً. ومن الإنسان من نزل عن ذلك فصارت تخدمه الملائكة في فردوس الله الأعلى. ومنه من منح المشيئة الكبرى وتصرف بكلمة كن ( لَهُم مَّا يَشَآءُونَ عندَ ربَّهمْ ) ومنه من مُنح التصريف الأكبر في الدنيا حتى شيدت له المعابد والهياكل وعُبد من دون الله . كل ذلك
والإنسان يجهل نفسه وقيمته ، ويجهل المنعم عليه سبحانه ، فترى من الإنسان من انحط عن الجماد فاتخذ الكواكب أو الأحجار أو قطع النحاس آلهة ، ومنه من اتخذ إنسانا نظيره إلهَا، وهذا هو العجب العجاب !! إنسان دون الخنزير قيمة ، وإنسان فوق الملائكة قدرا، وإنسان جمَّله الله بمعاني صفاته فكان هاديا مهديا ، عالما معلما ، يلبيه الله تعالى عند أول كلمة من فيه، ويرفع به البلاء والعناء..
إنما أخاطب أهل العقل ممن يعقل عن الله ، ولا أتكلم مع من سلب الله منهم العقل.


ثانيا : دليل الإيجاد:
وأما دليل الإيجاد : فاختراع جواهر الأشياء مثل اختراع الحياة في الجماد ، بل اختراع الجماد نفسه والقوى الحسية والعقل، وسائر المخلوقات التي خلقت على غير مثال . فلو نظر الإنسان إلى نفسه بعين المتأمل لوجد فيه من دلائل الإبداع ما يعجز عقله عن إدراك كنهه والوقوف على سر حقيقته ، وإلا، فهل يدرك الإنسان مثلا كيف خلقه الله من نطفة قذرة ؟! وكيف سوّاه وأنزله من مكان ضيق ثم أنشأه فإذا هو إنسان سميع بصير متكلم عاقل ؟
وهل يمكنه أن يفهم كيف تبصر تلك العين ، أو تسمع الأذن ، أو يـنطق الفم ، أو يعقل العقل ، أو تتحرك اليد والرجل ؟ .
ثم إذا نظر إلى ما حوله من الكائنات فرأى تلك السماء المرفوعة بغير عمد نراها ، وما فيها من كواكب وأفلاك ، ونظر إلى ما في الأرض من أنواع الحيوان والنبات تنمو وتخرج الغذاء وهي لم تكن شيئاً ، أفلا يتحقق أن كل هذه المخلوقات آيات ناطقات بعجيب الاختراع على غير مثال سبق ؟!.
وإذن ، فلا بد أن يكون لهذه المخترعات مخترع قادر حكيم ، أوجد فيها هذه القوة وتلك الروح ، فصيَّرها حية متحركة بعد أن كانت ميتة جامدة . لذلك كان من الواجب على من أراد معرفة الله حق معرفته ؛ أن يعرف جواهر الأشياء ليقف على الاختراع الحقيقى فى جميع الكائنات ؛ لأن من لم يعرف حقيقة الشيء لم يعرف حقيقة الاختراع ، وإلى هذا الإشارة بقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَنظُرُواْْ في مَلَكُوتِ اٌلسَّمٰ-;---;-----;---وَاتِ وَاٌلأرْضِ وَمَا خَلَقَ اٌللهُ مِن شيء ).
فهذان هما دليلا الإيجاد والإمداد اللذان نبتت عليهما طريقة الخواص من العلماء الربانيين . وقد جاء ذكر هذين الدليلين في كثير من آيـات القرآن المجيد ، إما بتفصيل كل دليل على حدة و إما بذكرهما معاً.

الأدلة على الإيجاد والإمداد
أدلة الإمداد :
فمـثـال دليل الإمـداد قـوله تعالى :( أَلَمْ نَجْعَلِ اٌلأَرْضَ مِهَاداً وَاٌلْجـبَالَ أوْتـاَداً وَخَلَقْنَاكُـمْ أزْوَاجاً وَجَعَلْنَا نَـوْمَكٌمْ سُباَتاً و َجَعَلْناَ اٌللَّيـْلَ لبـاَساً وَجَعَلْناَ اٌلنَّهَارَ مَعَاشاً )الآية وقـوله : ( تَـبَارَكَ الذي جَعَلَ في اٌلسَّمَآءِ بُرُوجاً وَجَعَلَ فيِهآ ِسرَاجـاً وَقَمَـراً مُّنِيراً ) الآية . ومثل قوله : (فَلْيَنظُر اٌلإْنسَانُ إلَى طَعَـامِهِ أَناَّ صَبَبْناَ المَاءَ صَبّـَا ثُمَّ شَقَْقناَ اٌلأْرْضَ شَقّـَا فَأنبَتْنَا فِيهـاَ حَبََّا وَعنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً).
أدلة الإيجاد :
ومثـال دليل الإيجاد قوله تعالى : ( أَفَلاَ يَنظُرُونَ إلَى اٌلإْبِلِ كَـيْفَ خُلِقَتْ ). وقولـه : ( إنَّ الـَّذِينَ تَدْعونَ مِن دُونِ اٌللهِ لَن يَخْلُقُواْ ذُباَباً وَلَوِ اٌجْتَمَعٌواْ لَهُ ) إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة .

أدلة الإيجاد والإمداد :
وأما الآيات التي ذكرت الدليلين معاً فهى الأكثر ، مثل قوله تعالى : ( يـٰ-;---;-----;---ـأَيُهاَ اٌلنَّاسُ اٌعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الذي خَلَقَكُمْ وَاٌلَّـذِينَ مِن قَـبِلكُمْ ) إلى قوله : ( فَلاَ تَجْعَلُواْ ِللهِ أندَاداً وَأنتُمْ تَعْلَمُون ) فالقسم الأول دليل الإيجاد، وقوله : ( جَعَلَ لَكُمُ اٌلأْرْضَ فِرَااشاً) دليل الإمداد] اهـ

-2-
برهان الحدوث
من البراهين الدالة على وجود الله: برهان الحدوث.
وظيفة برهان الحدوث مثل برهان النظم تماماً وهي: الدلالة على أن هذا الكون المُحدَث لابد له من مُحدِث. وأما هل هذا المُحدِث أزلي أم غير أزلي، واحد أم ثلاثة، الخ.. كل هذا لا يتعرض له هذان البرهانان.. وإنما يتعرض له "البرهان الآيوي" الذي أكثر القرآن من الإشارة إليه (إن في ذلك لآية) (إن في ذلك لآيات) عند النظر في الكون يمكن الاستدلال على كثير من صفات الله تعالى المبثوثة فيه، لأنه ليس في الكون على الحقيقة إلا أسماؤه وصفاته.
الآن ما هو برهان الحدوث ؟ نقول أن الكون في ظرف الزمان، مامعنى الكون في ظرف الزمان؟ معناه ان ينبثق هذا الشيء من العدم، أي ان يكون مبسوقا بعدم. فكل ماسُبِقَ بعدم وأُخرِج من كتم العدم الى انوار الوجود يسمى ويُدعى حادثا، والعملية كلها تسمى ا"لحدوث"، أي شيء خرج من العدم الى الوجود.. لم يكن ثم كان.
يُقابله "القديم" والقديم في اللغة الكلامية العقائدية لايعني العتيق، بل القديم الذي لا اول له بمعنى الذي لايقع في ظرف الزمان، فلا يكون حادثاً.
والله تبارك وتعالى قديم، مامعنى قديم؟ معناه ان الله غير واقع في ظرف الزمان، بل هو مُزَمّن الزمان كما هو مكمّن المكان، ومظرّف الظروف زمانيّها ومكانيّها، (وسوف نثبت هذا)، فإذا كان الله كذلك، فهذا ستنتج عنه نواتج، وتلزمه لوازم كثيرة جدا نتبين بها عُقم تفكيرنا وقصورنا في قياس الله على الحوادث والمخلوقات وعلى الانسان بالذات، وستنحل به معضلات كثيرة في العقيدة وفي الفهم.
فالحادث دائما يحتاج الى عِلّة، لو اردنا ان نصوغ هذا صياغة استنباطية تقليدية نقول :
- هذا الشيء المعين حادث، هذا مقدمة صغرى
- وكل حادث لابد له من محدث وهذه مقدمة كبرى
- النتيجة: هذا الشيء لابد له من محدِث
هنا نبحث عن هذا المُحدِث، ونتسائل : من هو ؟ هل هو نفسه الكون احدث نفسه؟ ممكن او غير ممكن ؟ سوف نرى..
قد يقول لي احد الملحدين: هذا الكلام منطقي شكلي لا وزن له، من قال لك ان الكون اصلا حادث؟!، انت هكذا قفزت، والنتيجة مقررة لديك سلفا، الكون ليس حادثا، الكون أزلي الكون قديم لم يَزَل، (فكما تؤمن بإله قديم لم يزل، فلماذا لا يكون الكون قديماً ليس مسبوقا بعدم)..!
ونحن نردّ عليه بـ"القانون الثاني للديناميكا الحرارية" (قانون أو دورة كارنو)، هذا القانون واضح جداً، فبموجب هذا القانون :
[تنتقل الحرارة في الوجود كله من الأجسام والحيّز الأكثر حرارة إلى تلك الأقل حرارة، ولا عكس].
لو كان هذا الكون أزليا يعني ماضيه يعود الى ما لا نهاية، ما كنا الآن نتكلم هذا الكلام! .. لأنه سيكون الكون "قد تموَّت حرارياً"، أي بلغ درجة الصفر المطلق.
في الفضاء العميق السحيق : الدرجات هناك قريبة من الصفر المطلق، كون بارد جداً ومعتم جدا وفارغ بشكل لاتتخيله. أي أنك يمكن أن تمشي –بحسب كارل ساجان- (10) أس (32) سنة - كم بليون سنة - ولاتعثر على مجرة !
لكن نحن هنا مازالت العمليات الفيزيائية والكيميائية تحدث، أليس كذلك ؟ مازالت النجوم تتوهج وتشتعل وتبث الطاقة.. معناها لم يبلغ الكون درجة الصفر المطلق.. ومعنى أن يبلغ الصفر المطلق أن حركة الألكترونات وأي مفردة تتوقف وتنتهي .. وهذا هو التموّت، كل شيء يتوقف بالكامل، وتنتهي كل مظاهر الحياة.
فإذا كان هذا ليس هو الكون الذي نعرفه، معناها ان الكون ليس أزليا.. أي ان الكون خُلِق البارحة ! وبحسب علم الكونيات هو مخلوق قبل 13.7 مليار، ثلاثة عشر مليار وسبعمائة مليون سنة.

-3-
الان قد يأتي ملحد او مادي يقول لنا: (ما علاقة هذا بوجود الله ؟! نحن نؤمن بأن هذا الكون أزلي، ومع ذلك هو غير متموِّت حراريا لأنه فقط بدأ يشتغل ويتفاعل، وخرج عن حالة التجانس التام قبل فترة بسيطة). وهذا ما اعترض به (برِتراند رسِل) في اكثر من كتاب له، يقول: "الكون كان في حالة تجانس.. لاتوجد اية تفاعلات ولا اية انتقالات، وفي ظروف محددة - لانعرف لماذا - اختل هذا التجانس، فبدأت هذه العمليات والتفاعلات". كلام فلسفي جميل.. بماذا نجيب ؟ نجيب بالتساؤل: لو افترضنا اننا سلّمنا بأن الكون كان على الصفة التي ذكرت فكيف اختلَّ التجانس؟ بحكم ان العقل الانساني مضطر رغما عنه (وحتى الملحدون يفعلون ذلك) لقانون العِلّيّة أي لابد ان يكون هناك سبب ما، هذا السبب إما ان يكون سببا كامنا في جوف المادة، في جوف العالم المادي نفسه، أو ان يكون سببا خارجا عن هذا الكون المادي.
طبعا سيُهرَع الملحد او المادي الى القول: (طبعا هو الاول اما الثاني فلا يؤمن به) هو أكيد انه سبب كامن في جوف المادة. في عمق المادة والكون.
نقول له : وقعتَ في التفكير الدائري.. أي يُجعَل الشيء سببا و مُسَببا في الوقت ذاته.. وهذا مستحيل. هذا اسمه التفكير الدائري او (الدَّوْر) كما في مصطلح الفلاسفة. يستحيل أن يتوقف الشيء على نفسه، قال تعالى: (أم خُلِقوا من غير شيء) وهذا ابطال القول الذي يبطل العلية، فلا يوجد شيء اسمه "نحن مخلوقين وفقط" لايوجد، فلكل معلول علّة، (أم همُ الخالقون)، وهذا إبطال "الدّوْر"، مخلوق خَلَقَ مخلوق، فالقرآن أبطل هاتين الحماقتين بكلمتين.. في سورة الطور.

القاعدة الفلسفية ومبدأ من مباديء الفسفة العقلية تقول :
[العَرَضي لابد ان يعود الى الذاتي، والذاتي لا يُفسر بغيره]
معناه : أن حجرة مضاءة بالنور، إضاءة هذه الحجرة تعود إلى المصباح، وحين أقول لك هذا فلا تقل لي من أضاء المصباح ! هو مضي بذاته! لأنه ذاتي الإضاءة وليس عرَضي الإضاءة. مثال آخر : كوب عصير حليته لك بالسكر، من المعقول أن تفهم أن السكر هو علة حلاوة العصير، لكن ليس من المعقول أن تسأل من حلّى السكر.
[تذكّر: كل ما بالعَرَض لابد ان يعود الى ما بالذات، و ما بالذات لايعود الى شيء].
الان التبادل الحراري الذي يحدث في الكون من ذاتيات المادة او من عَرَضياتها ؟ من عرضياتها بدليل قولكم: (أتى على المادة حين لا نهائي كانت متجانسة ولم توجد تفاعلات وتبادلات، ثم حدث التبادل هذا)، معناها عَرَض لها بعد ان لم يكن، لأن [الذاتي لا يتغير ولا يعود إلى شئ].
بماذا يُفسَّر هذا ؟ لابد في النهاية ان نسنده إلى سبب.. إلى مُحدِث ذاتي لا يُطلَب له مُحدِث آخر ولا سبب آخر يسببه.. اطلب منهم ان يعينوا لك سببا نقبله حول اختلال التجانس، لن تجد عندهم سبباً، ولن يبقى الا ان يقولوا : واضح ان السبب خارج المادة. وهو موجد هذا الوجود.. هو الخالق الذي لا اله الا هو.. رأيته أو لم تره، هو ظاهر في مخلوقاته، لكن هذه مسألة أخرى تماماً.. والملاحدة يخلطون بينها وبين البرهان (العقلي) الذي يوجب وجود الله تبارك وتعالى.. لذلك كان الأستاذ الصوفي الكبير "سعيد النورسي" الأب الروحي للإسلام التركي الجميل يقول عن الملاحدة: (هؤلاء بصريون لا عقلانيون).
إذن انتهى سؤال الملحدين (لماذا لا تكون الطبيعة هي التي خلقت وليس الله) لأن هذا السؤال خطأ من أساسه كما تبيّن، وغير مبني على بحث علمي.. فكل الأبحاث العلمية التي تتم لا يستفيد بها هؤلاء للأسف، ويظلون (محلّك سر) لا يراوحون مكانهم.
وأما نحن فنستخدم الابحاث العلمية كمقدمة فقط (وقد لا نستخدمها أصلاً)، ثم نبني عليها الأبحاث العقلية التي هي أهم منها بكثير وأكثر صعوبة وأشد تعقيداً.. والتي يهملها كثير من الكسالى الذين ليس لديهم استعداد للتعب وإرهاق الفكر.. كيف تريد أن تصل إلى الحق دون أن تتعب وتبذل بعض الجهد ؟!
هذا هو العقل الإنساني (الذي أماته الملاحدة والسلفيون على السواء، وربما يكون الملحدون العرب أكثرهم وأداً وإماتةً له).
الاستدلال على وجود الله يعتمد على الأبحاث العقلية فقط، ولا دخل للعلم بهذا، العلم يوضح لك مقدمات البرهان فقط ، لكن البرهان كله لابد أن يكون عقلياً محضاً.. وأما جهلة الملاحدة وأفراخهم الذين يحتقرون الفلسفة: فهؤلاء لا علم ولا حتى عقل من الأساس! وإنما هم مخلوقات كسولة منحطّة، ليسوا بشر إن كانوا يقصدون ما يقولون! ولو علموا معنى قولهم هذا وأبعاده وكيف أنه "فضيحة" بمعنى الكلمة، لما تفوّهوا به.. ولا أشك أن هؤلاء أشد تعطيلاً للعقل من السلفيين، وأشد تقليداً و(قُطعانيةً) – من السير مع القطيع، إن صح التعبير - من غيلان الوهابية.

-4-
قد يسألني احدهم : بعد أن وضحتَ برهان حدوث الكون، أين الإشارة له في القرآن ؟ كثير جداً، القرآن ملآن ريّان من الاشارات والتصريحات الى برهان الحدوث، ومن أشهرها محاجة ابراهيم عليه السلام قومه، وربما يقول السلفيون : (كيف تتفلسف.. الأنبياء لم يتفلسفوا والدين ليس بفلسفة)! أقول لهذا الجهول الذي شوّه الدين: أنت لاتعرف شيئا، فالكثير يخافون من الفلسفة أن تؤدي الى الالحاد، وهذا من التخلف العقلي وتعطيل العقل، والخوف من المجهول.. الفلسفة ليست مذاهب، الفلسفة منهج في التفكير ونشاط عقلي، وهي في صميمها لا تتناقص مع مسائل الدين بل تعززها. وقد استخدمها أنبياء الله تعالى في الدعوة، كإبراهيم عليه السلام مع قومه كما في سورة الأنعام : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78) هو في الحقيقة هو لم يعتقد أنه ربه، وإنما كان في مقام المناظرة والمحاجّة.. يحتج عليهم، بدليل قوله في آخر السياق الكريم (وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) إذن ابراهيم عليه السلام كان في مقام المناظرة وليس النظر، يحتج بالكواكب والنجوم عليهم.. (قال هذا ربي) يقول لهم: هذا ينفع ان يكون إلـها، ممكن جداً، لمَ لا !.. يريد ان يستدرجهم الى الحق.. لم لا يكون هذا الكوكب هو المدبّر، وخاصة في بيئة بابلية في أور، يعتقدون بالتنجيم وبثبات العالم العلوي وبأثيريته وبلطافته وببساطته، وكونه خارجا عن عالم الكون والفساد، فهم يعتقدون بهذا، يسمونها مدبرات للكون ولبني الإنسان.. (فلما أفَل قال لا أحِبُّ الآفِلين) يقول لهم يا جماعة هذا محكوم بقانون يسري عليه، يظهر ويختفي بطريقة نمطيّة، إذن هو مسحّر مربوب وليس ربّاً! وبما أن النجم أو الكوكب يظهر ويختفي، إذن فيه تغير، التغير علامة الحدوث.. (كما سبق القول: السكر لن يكون حلوا وبعد ساعة يتحوّل الى مالح.. إذن العَرَضي متغير والذاتي ثابت). هذا استدلال ببرهان الحدوث والتغيّر على ان الحادث لايكون رباً ولا خالقاً.

-5-
نأتي إلى نقطة مهمة غاية في الأهمية : مايُثبته برهاننا الآن أن الوجود الحادث او المُحدَث لابد له من مُحدِث، لكن لايثبت لنا البرهان أن هذا المُحدِث لا مُحدِثَ له، ممكن أن يكون مُحدِث و له محدِث..مثلا ! ، لا يُثبِت لنا.. هنا تكون المشكلة الفلسفية ! وهذه مشكلة للأسف الشديد تورّط و تهوّر بسببها جماعة من كبار الفلاسفة، وكبار عقلائهم مثل (إمانويل كانط)، و (ديفيد هيوم)، و (جون ستيورات مِل)، و (برِتراند رسِّل)، و(جان بول سارتِر).. قالوا: (أنتم تقولون أن كل موجود هو معلول بعلة واحدة، وتقولون أنها الله، ولكن وقعتم في خطأ فادح وهو: أنكم قلتم أن كل شئ خاضع لقانون العلية، ولكن حين وصلتم إلى الله استثنيتموه من هذا وقلتم أنه لا علة له.. لماذا ؟!) هذه الشبهة ربما تكون قوية عند من لم يتمرّس في الفلسفة العقلية، وأما من تمرّس بها فهذه الشبهة تكون بالنسبة له تافهة. والجواب عليها جواب مجمل ومفصّل:

الجواب المجمل : هل قلنا أو قال أحد الفلاسفة أن كل "موجود" معلل ؟ غير صحيح بالمرة! وإنما ماقلناه أن كل "حادث" لابد له من مُحدِث، لابد له من علة.. أليس كذلك ؟
والآن نحن نلقي الكرة في ملعبك بعد أن ثبت وجود المُحدِث – ونحن كما ترى نسير سراً منطقياً في خطوات عقلية موزونة – ونقول : هل ثبت لديك أن الله حادث أو محدَث كما ثبت في المادة الكونية ؟! لا تستطيع إثبات هذا لأنه خارج إطار العلم لا يمكن رصده ولا تجريبه، وهنا يطمئن العقل أيضاً لأنه يرى أن كل حادث لابد له من محدِث وليس كل موجود.. ويرى كذلك أنه ما لم يثبت أن المحدِث (بكسر الثاء) محدَث (بفتحها): فإن العقل هنا يسلّم بعدم "الدَوْر" والتسلسل، وأن الله تعالى هو العلة الوحيدة التي لا تعلل.

الجواب المفصل وهو الأهم: فهو التحقيق الفلسفي في مِلاك او مناط الإحتياج الى العلّة، ماهو مِلاك الإحتياج إلى العلّة؟ لدينا ثلاث نظريات..
1- النظرية الكلامية لعلماء العقيدة المسلمين كالأشاعرة والماتريدية وغيرهم، تقول: أن ملاك الاحتياج إلى العلة هي الحدوث.
وهل هناك من خالف في هذه المسألة؟ نعم، الفلاسفة الذين قالوا بأزلية الكون وأنه ليس محدَثاً، وليس مسبوقاً بزمان على أنهم مؤمنون بالله، وأقاموا أدلة من أروع مايكون على وجود الله مثل (ابن سينا) و (الفارابي) و (ابن رشد) الذي كان فاضي القضاة وفقيه المالكية ويقول بِقِدَم العالَم، (ابن تيمية) أيضا تورط في القول بهذا في كتبه بشكل صريح.
2- النظرية الثانية : أن ملاك الاحتياج إلى العلة ليس الحدوث، وإنما هي الإمكان الذاتي.. نطرية (ابن سينا)، وقد قلنا أنه لا يعني كون الشيء ممكناً أنه بالضرورة حادث، قد يكون قديماً، على انه ليس واجبا بل من أقسام الممكنات، وعند (ابن سينا) و (الفارابي) و (ابن رشد) وكل هؤلاء الفلاسفة العقليين عندهم الواجب بالذات هو الله فقط، وكل ماعداه ممكن، و كونه ممكنا لا يتناقض مع كونه قديما غير مسبوق بعدم.
3- النظرية الثالثة والأخيرة وهي أروعها و أقواها وأمتنها، وفيها تحقيق فلسفي رائع على أنه بسيط و مفهوم: نظرية "المُلاّ صدرا" رحمه الله، يقول: أن ملاك الاحتياج الى العلة ليس الحدوث، وليس الامكاني الذاتي، بل هو الإمكان الوجودي، يمعنى أن وجود كل شيء عدا الله تبارك وتعالى هو من قبيل الوجود التعلّقي، كل شئ متعلق به ووجوده متوقف عليه في كل لحظة ما دام حياً، وليس لحظة الخلق فقط.
وصل الملاّ صدرا الى هذا الكلام بتحليل مفهوم العليّة.. ماهي العليّة، فوجد أن كل ماعدا الحق سبحانه إنما يتمتع بوجود تعلّقي بالله، وجوده دائما مُسند الى الله. كيف هذا ؟ الملاّ صدرا يقول: "كل مافي الوجود من دقيق وجليل، وظاهر وخفي، كل ماعدا الله تبارك وتعالى في حركة مستمرة دائبة، لاشيء ثابت، كل شيء محكوم بالحركة." وحتى أوضح لكم معنى "الحركة الجوهرية"، لابد ان نفرّق بين مفهومين للحركة.. المفهوم الفلسفي، والمفهوم الهندسي العلمي الفيزيائي، فالمفهوم العلمي للحركة يجعلها حركة نسبية رهناً بالمكان، وأما الفلاسفة لايتحدثون عن الحركة بهذا المعنى..
على فكرة وجدنا في كتابات الماركسية يتحدثون عن الإيمان ويناقضونا كمؤمنين يحاكمون كلامنا في الحركة إلى مفهومهم هم في الحركة الفيزيائية، وهذا خطأ.. لابد من توسيع الدائرة المعرفية وإدراك دلالة المصطلحات، فأنت كفيزيائي تتحدث فقط من منطلق فيزيائي وتناقشني فلسفياً و لاهوتياً..! تفشل ! والعكس صحيح أيضا، فلا يجوز لفيسلوف إلهي أو عقلاني أن يحاكم الفيزيائيين الى مفهومه هو فى الحركة! وينقض مفهومهم بمفهومه..لايجوز، فهذا فهم وهذا فهم، لابد أن تراعي الاصطلاحات، لكل اهل فن اصطلاحهم، وأما محاكمة اصطلاح اهل فن ما باصطلاح فن آخر فهذا خلط و خبط في العلم والمناظرة، ولكن في الغرب يقع هذا كثيراً، ولايتفطنون اليه.

مامعنى الحركة التي يتحدث عنها الفلاسفة الإلهيون والعقلانيون بما فيهم المُلاّ صدرا، ماهي هذه الحركة؟ الحركة عندهم عبارة عن مطلق التغير، هناك درجات وجودية تسمى حركة، بغض النظر عن نسبتها الى غيرها، بمعنى: هذا الشئ لونه ابيض، فبفعل معين لو ان لونه استحال الى لون اغمق قليلا، هذا التغير يسمى حركة، فلسفياً ولا يسمى حركة فيزيائياً، لأن هذا اللون انتقل من رتبة وجودية الى رتبة وجودية أشد من لونه الابيض. المُلاّ صدرا يقول: (كل مافي الوجود بإستثناء الخالق الذي لا إله الا هو، وهو رب هذا الوجود، كله يخضع لـ"الحركة الجوهرية")، أي حركة مستمرة دائبة، بمعنى لايبقى أي شيء على حاله لحظتين متواليتين، تماما كما تحدث السادة الأشاعرة عن استحالة بقاء العَرَض زمانين متواليين كما قال الله تعالى (وكل في فلكٍ يسبحون).
هذا في نهاية المطاف أوحى لكثير من الفلاسفة المؤلّهة بما فيهم (ابو حامد الغزالي) بل الأشاعرة عموما، "مالبرانش" من الديكارتيين بنظرية "الخلق المستمر"، أن الله تبارك وتعالى لايزال يُعدِم هذا الوجود بكل مافيه ويخلقه من جديد دائماً، لأن هذا الوجود لايستغني عن خالقه ولا أقلّ من لحظة (لا تأخذه سِنَةٌ و لا نوم)، بخلاف الفهم البدائي البسيط الساذج لخالقية الله تبارك وتعالى أنه - كالخزّاف أو البنّاء في معماره - الذي انجز عمله و أدار ظهره وتركه.. للأسف، بعض الفلاسفة الأوروبيين يظنون هذا الظن بالله ! أبداً، بل الأشياء محتاجة الى الله ليس فقط في اصل اخراجها من العدم الى الوجود، او تشكيلها من شكل إلى شكل بحسب نظرية قِدَم العالَم، لا ليس في هذا فحسب، بل في دوام ماهي عليه وعلى ما آلت إليه.. بإستمرار تحتاج الى الله عز و جل، وهذا معنى القيّومية ، فهو الحي القيوم الذي لا اله الا هو.. لذلك "آية الكرسي" هي أعظم آية في كتاب الله، فلو أخذته سبحانه سِنَة من النوم ماذا سيحدث؟ يزول الوجود تماماً، سواء قلت بقِدَم العالَم أو بحدوثه.
"المُلاّ صدرا" يقول أنه وإن فشل الحس الإنساني في الملاحظة، فإن كل شئ يتغير، هذا الجهاز يتغير، هذا الحائط يتغير، وفي كل لحظة.. وقد اكتشف العلم الحديث هذا، أن كل شئ يتغير فيزيائياً بالفعل، على المدى الطويل، لكن هذا لا تلاحظه في زمن قصير. وهذا هو الفرق بين إنسان تقريباً لايرى التغير الدراماتيكي في ابنه لأنه متعايش معه بإستمرار، وبين من يغيب عن ابنه سنوات طوال ثم يرى التغير الذي حصل له.
واتخذ "الملا صدرا" رحمه الله هذه "الحركة الجوهرية" برهاناً على مخلوقية العالم لله، وحاجة العالم لله تبارك وتعالى، وكلامه أبلغ من مجرد الكلام في حدوث العالم، أو إحداث الله للعالم، قال أنه ليس فقط أحدَثَهُ، بل أحدثه ويُحدثه بإستمرار في كل لحظة سبحانه وتعالى الرب العلي الكبير الذي لا إله الا هو. هذه الحركة الجوهرية تتوائم وتلتئم بمفهوم قيّوميّة الله تبارك وتعالى على خلقه.

يتبع



#إسلام_بحيري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [9]
- كلمة السيد علاء ابوالعزائم رئيس الاتحاد العالمي للطرق الصوفي ...
- علماء الأزهر.. هل تحولوا إلى دعاة يصدون عن سبيل الله ؟!
- الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [8]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [7]
- إذا كان الإسلام هو سبب التخلف فبماذا نفسر حضارة الإسلام بعلم ...
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [6]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [5]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [4]
- الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [3]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [2]
- الدين والإلحاد وجهاً لوجه [1]
- -سلفيون ملاحدة- موقف االسلفيين والملحدين/اللادينيين من نموذج ...
- كيف يكون الإسلام هو الحل ؟!
- جمعة رفع المصاحف.. بنو أمية يطلبون تحكيم شرع الله في ميدان ا ...


المزيد.....




- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
- إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
- “ألف مبروك للحجاج”.. نتائج أسماء الفائزين بقرعة الحج 2025 في ...


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - إسلام بحيري - الدين و الإلحاد وجهاً لوجه [10]