|
النفط في الدستور- عدالة التوزيع وأداة لوحدة الوطن
حمزة الجواهري
الحوار المتمدن-العدد: 1307 - 2005 / 9 / 4 - 09:55
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
2005-09-03 من المعروف أن التوافق بين الأطراف المختلفة جدا فيما بينها يعني أن يكون الدستور توافقيا في جميع فقراته، إي بقدر ما سيخسر أي طرف، سوف يربح بذات الوقت على حساب الآخرين من خلال الوصول إلى حالة التوافق التي غالبا ما تقع وسط المسافة بين الرغبات المتباعدة، إلا فيما يتعلق بمسألة وحدة تراب الوطن، فهي الوحيدة التي لم تقبل المساومة من قبل أي طرف من الأطراف، وبغض النظر عن المزايدات الرخيصة التي تهدف إلى إفشال عملية كتابة الدستور ومن ثم العملية السياسية برمتها، يبدوا أن الجميع بالفعل تنازلوا عن الكثير مما يطمحون الحصول عليه لصالح الوحدة الوطنية، حيث بقيت القاسم المشترك بين الأطراف. فلو أخذنا مسألة النفط وتوزيع الثروات الوطنية، نرى أن أي من الأطراف قدم الكثير التنازلات من حقوقه في هذه الثروة بما يضمن به وحدة التراب الوطني والشعب العراقي، وهكذا جاء مبدأ تقسيم الثروة في مسودة الدستور مبنيا على أساس أن النفط والثروات الوطنية أينما كانت فهي ملكا مشتركا للعراقيين جميعا، ويديروها بشكل تضامني بين المركز والأقاليم بما لا يقبل أي تقسيم مما يعزز وحدة التراب والمصالح ويضمن التوزيع العادل للثروة. من المعروف أن مجموعة الخمسة عشر من البعثيين التي شاركت في لجنة كتابة الدستور تضم بعثيين قياديين في حزب أغرق العراق بالدم ونهب ثرواته وفرط بالباقي ودمر ما بناه الإنسان خلال عقود طويلة، فحين نسمع تخرصات هذه المجموعة ومن يدعمها، لا نستغرب أبدا، لأن أهداف هذه المجموعة كانت مكشوفة منذ اللحظة الأولى التي قبلوا بها المشاركة بكتابة الدستور، وهي شل اللجنة البرلمانية التي تكتب الدستور تفشل عملها، ولم يخطر على بالي أبدا، أن تتفق هذه المجموعة مع أي من الأطراف بأي حال من الأحوال، ولكن الذي لم أستطع فهمه أن كيف استطاع البعض الاتفاق معهم بتلك التخرصات التي أطلقوها جزافا عن المسودة! وخصوصا ما يتعلق منها بمبدأ توزيع الثروة النفطية في العراق، والتي هي موضوع هذا المقال. لا أدري كيف استطاع أحد الكتاب العراقيين الكبار، وهو الليبرالي المستقل، أن يفهم بأن المسودة تكرس سيطرة ألأحزاب ألدينية ألحاكمة على نفط ألجنوب، ويذهب بعيدا، ليصور لنا أن الدستور يبيح لتلك الأحزاب حق إبرام اتفاقات تجارية نفطية عملاقة لبيع ألنفط ومشتقاته للدول والشركات ألغربية وغيرها وبأسعار زهيدة من أجل ألإثراء ألسريع...!!!! ويرى أيضا نفس الكاتب، أن هذا ألهدف ذاته ألمتعلق بنفط ألجنوب هو ألهدف ألحقيقي لسعي بعض ألقيادات ألكردية ضم محافظة كركوك ألغنية بالنفط للإقليم.....!!! في حين أن المسودة لم تتطرق لشيء من هذا القبيل على الإطلاق! بل على العكس من ذلك تماما، فإننا أولا نقرا في المادة 109 من الدستور "أن النفط والغاز هما ملك لكل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات"، كما ونقرأ في المادة (110): "أولا: تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون". أما الفقرة الثانية من نفس المادة فإنها تنص على ما يلي: "تقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معا برسم السياسات الإستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار". هذا كل ما ورد عن مبدأ توزيع الثروة النفطية في المسودة، فكيف استطاع الكاتب أن يقرأ ما قرأه فيها؟! إن إصدار الأحكام جزافا والتفسيرات المتسرعة التي ما انزل بها من سلطان يسيء للجهة التي تصدر مثل هذه الأحكام قبل أن تسيء لمسودة الدستور، فتوزيع الثروة كما ورد في المسودة يضمن أولا أن ملكية النط والغاز بأنها ملكية مشتركة للعراقيين وإن توزيع هذه الثروة يكون على أساس نسبة السكان، كان هذا المبدا قد ورد كما أسلفنا في المادة 109 ، أما مضمون المادة التي تليها نقرأ الآتي: "تحديد حصة لفترة محددة للأقاليم المتضررة والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد"، فالعبارة ليست بحاجة لشرح لذا لم أجد أمامي سوى إعادة كتابتها كما هي مرة أخرى، فهي من الوضوح بما لا يسمح للتأويل من قبل أي قارئ للمسودة، ولكن مع ذلك لم تترك المسودة الأمر هكذا فأوضحت بذيل الفقرة أن الأمر سوف ينظم بقانون. ونستطيع أن نفهم من مضمون الفقرة ثانيا من المادة (110) أن استراتيجية تطوير الحقول النفطية أو الغازية سوف يكون تضامنيا بين المركز والإقليم وأن تكون عمليات إدارة الإنتاج والإدارة المكمنية للحقول حاليا، كما ورد في الفقرة الأولى، يجب أن تبقى مركزية بما يضمن أعلى نسبة استخراج وفق أحدث وسائل الإنتاج والتكنلوجيا المتاحة وأن لا يترك الأمر بيد الأقاليم، وأن يكون التسويق وفق أحدث الوسائل والتقنيات الحديثة ويدار مركزيا في المرحلة الحالية، وهذا ما يدلل على أن يكون تضامنيا في المستقبل. بالطبع إن كل ما تقدم يتعلق فقط بتسويق النفط وإدارة العملية الإنتاجية، ولا يتعلق بالمشتقات وإنتاجها، حيث أن الأخيرة تعتبر منتجات صناعية كأي منتج آخر، حسب المقاييس العلمية والاقتصادية لا تختلف عن إنتاج المواد الغذائية أو أي منتج صناعي آخر، أما الاستثمار بهذه الصناعة في الأقاليم لا يمكن أن يتم إلا وفق قانون عام ينظم الاستثمار في البلد، فصناعة ما يسمى ""بالداون ستريم"" لا تختلف عن أي صناعة أخرى بالرغم من أن بعض منتجاتها تعتبر استراتيجية بالنسبة للبد، لذا فهي محكومة بقانون مركزي وليست فوضى كما يتصور البعض. إن الفقرة ثانيا من المادة 110 أيضا تقر بأن السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير الثروة النفطية مهمة تضامنية، وأنها يجب أن تنظم كما أسلفنا بقانون، ولا يمكن أن تعتبر استراتيجية ما لم تكون هذه السياسية مركزية، كما ولا يمكن أن تعتبر استراتيجية ما لم تكون البنية التحتية لهذه الصناعة ملكية عامة لأبناء الشعب العراقي جميعا، أي أن جميع المصافي والأنابيب وأحواض الخزن في موانئ التصدير والموانئ ذاتها وجميع محطات الضخ التابعة لها ستكون ملكية عامة للجميع بالرغم من وجودها موزعة في الأقاليم. حقا إن المسودة واضحة لحد الآن فيما يتعلق بتوزيع الثروات الوطنية، لكن ما يمكن نقده والتدخل بنصوصه هو القانون الذي سوف يصدر وينظم هذه العملية في المستقبل وفق هذا المفهوم بعد إقرار مسودة الدستور. كما وإن المادة (104) تنظم عملية توزيع التخصيصات المالية للأقاليم وأن هناك هيئة عامة للمراقبة تنشأ لهذا الغرض بالذات، وهذه الهيئة تضم ممثلين عن جميع الأقاليم والمحافظات، أي أن العملية تضامنية بين المركز والأقاليم ومضمونة دستوريا ومراقبة من قبل البرلمان، وهذا التخصيصات سوف تكون حقيقية بما لا يقبل الشك، ولن تكون هبات من السيد القائد حفظه الله ورعاه!! إن كل ما تقدم عن النفط والصناعة النفطية يجعل من الصعب جدا على أي إقليم أن يستأثر بهذه الثروة لوحده، أو أن يعد نفسه للانفصال، لأنه سوف يجد نفسه خالي الوفاض في لحظة خروجه عن الوطن، وإن هذا النوع من الروابط بالوطن أفضل بكثير من ربط أجزاء الوطن بقوة السلاح والحديد والنار والقمع وما يصاحب ذلك من سياسات أخرى تعسفية خبرها العراق بكل أنواعه. هناك مسألة لم ترد بشكل واضح في المسودة، وهي مسألة وضع سياسات لتطوير الحقول النفطية والغازية بحيث تكون موزعة بشكل عادل بين الأقاليم، حيث أن جميع المحافظات العراقية حاليا تحتوي على عدد لا بأس به من التراكيب الجيولوجية التي يمكن أن تكون حاضنة للنفط، لكن مع الأسف لم تكتمل بها عمليات الاستكشاف، وهذه السياسة لوحدها سوف تنهي آخر أنواع الشكوك التي تدور حول المسائل التي تتعلق بإدارة وتوزيع واستغلال الثروة النفطية والغازية في العراق، ففي حال توزيع الحقول المنتجة على أقاليم العراق بشكل عادل سيكون سببا بوضع حد للسياسات التطوير والاستكشاف التي اتبعتها الحكومات السابقة والتي كانت السبب بإثارة الشكوك التي نسمعها اليوم والتي تتعلق بالثروة النفطية وباقي الثروات الوطنية، وبذلك نعيد الطمأنينة للنفوس ونسقط أيضا أي ورقة يمكن أن تستغل للتفرقة بين أبناء الوطن الواحد وتزرع الشكوك في النوايا. كما هو معروف أيضا، إن العراق غني بالموارد البشرية، ويمكن لأي إقليم أن يسد احتياجات الصناعة النفطية من أبناءه، لكن المسودة تركت المجال للعراقي أن يكون حرا باختيار مكان عمله وأن يكون حرا في بيع بضاعته سواء كانت سلعية أو خدمية في أي ركن من أركان العراق، وهناك فقرات واضحة تضمن هذه الحقوق بالكامل، وهذه أيضا ستكون سببا بتلاحم أبناء الشعب بغض النظر عن انتمائهم للإقليم أو المحافظة.
#حمزة_الجواهري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النفاق البعثي وسجية الأعراب
-
الأهداف الحقيقية وراء رفض النظام الفدرالي
-
لا تقتلوا الشهداء مرة ثانية، فمنْ قتلهم هو البعث
-
دستور أم غابة دستورية؟
-
إنا أهديناك النجدين ......
-
النفط في الدستور- حل ربما يرضي الجميع
-
الهوية العراقية في مسودة الدستور
-
محاولة تغيير قانون الانتخابات في خمس دقائق
-
يا وزير الكهرباء، المشكلة لها جوانب اجتماعية أخرى
-
العملية السياسية البديلة، حقيقة أم هواجس
-
الزعيم عبد الكريم قاسم والعراق ضحايا لعبد الناصر
-
متى سيأتينا يوما بلا صدام؟
-
رد على مقال المهندس ساهر عريبي حول الطاقة المتجددة
-
لماذا قتلت المقاومة اللقيطة ماهر الشريف
-
يجب أن تعود الحكومة إلى موقع الهجوم
-
وشهد شاهد من أهلها، لا مفاوضات ولا هم يحزنون
-
مهمات كبيرة متزامنة وفسحة الوقت ضيقة
-
النفط والدستور - الاستثمار في الصناعة النفطية والغازية
-
النفط والدستور- معالجة مفهوم الاحتياطي دستوريا
-
يا عبد حرب ويا عدو السلام
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|