|
بيزنس الساحات الشعبية وإهدار الطاقات الشبابية
السيد شبل
الحوار المتمدن-العدد: 4667 - 2014 / 12 / 20 - 15:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
لا جدال أن الأمور الفاسدة في عمومها، يجب إصلاحها من حيث الجذور، وأن أي محاولة أو مساعي لتطييب وإصلاح الفروع لن يؤتي بثماره مادامت الأساسات خربة. تلك القاعدة تطال كل تفاصيل الحياة، ولا تنحصر في سبيل دون سبيل أو موطن دون موطن، وبما أن الكلام يتكاثر اليوم حول السبل التي تفضي إلي احتواء الشباب وتوظيف حدتهم وعنفوانهم في اتجاهات سلمية ونافعة؛ فإننا سنسعى لإنزال تلك القاعدة على هذا الأمر، لعلنا نصيب، فنصلح جانبًا من العلّة، إن كان هذا مُقدّر له أن يحدث.
إن الكلام عن حال الشباب المصري عقب ثورتي الخامس والعشرين من يناير، والثلاثين من يونيو – أو الهبتيّن الشعبيتين على وجه الدقة -، قد كثر وتشعب، فمن فرقة ترى أن الشباب في عمومهم غير مسئولين، وعامل هدم، يعطل كل مساعي التنمية والإصلاح بسبب عنفوانهم الثوري، وبين فرقة ترى حراكهم في تفاصيله وكليته أمر طبيعي بل ومطلوب ومبارك، وتغض الطرف عن أي سلبيات ترافق أو نتائج تترتب عن هذا الحراك، وبين فرقة ثالثة ترى الحراك أمر جيد على وجه العموم، لكن مذموم في بعض تفاصيله، بل وأن أغلب هذا العنفوان، والذي جاء في سياق ثوري، وضمن حالة سياسية عامة، هو ناتج عن انسداد منافذ تفريغ فائض الطاقة في الأطر السليمة، فما كان منه إلا أن تنفّس في الحقل السياسي أو – الفوضوي على وجه أصح – خلال الأربعة أعوام الماضية؛ وإن كان كلام الفرقة الأولى والثانية لا يخلو من وجه من الصحة، إلا أن وجهة نظر الفرقة الثالثة هي الأقرب للصواب.
ولن نكثر الحديث عن النتائج، سلبية كانت أو إيجابية، التي ترتبت على مشاركة الشباب في حالة المخاض التي مرّت بها البلاد خلال الأربع سنوات الماضية، فلهذا مجال آخر، ولكن سنحاول في السطور القليلة القادمة التركيز على واحد من الأسباب الثانوية التي دفعت عدد منهم إلي المشاركة في الحياة السياسية على الوجه المعلوم، والكيفية المرصودة في الفترة السابقة، وليس على الوجه العلمي الدقيق للممارسة السياسية، ووصف الأسباب بالثانوية ليس راجع لقلة أهميتها، وإنما لكونها عوامل مساعدة، أو محفّزة، لا يفقهها من يتناول الأمور بسطحية. والأسباب المعنية، هي ما أُشير إليه عند الحديث عن وجهة نظر الفرقة الثالثة، وهي المتعلقة بانسداد منافذ تفريغ الطاقة الشبابية.
والحديث عن انسداد تلك المنافذ، يتشعب بنا في اتجاهات عدة لو استرسلنا معها لجاوزنا الحد، لكنه يلتقي بنا، عند ما يناسب مقامنا الحديث عنه، وهو تراجع دور الساحات الشعبية والأندية الرياضية، وتعطّل أغلبها عن القيام بوظيفتها، وتقاعسها عن القيام بمهامها الرئيسية، وتحوّلها – خاصة الإقليمية منها – إلى كيانات "رأسمالية" مشوهة، تدر أموالُا، لا نعرف إن كانت تؤدي دورًا ما في دعم ميزاينة الدولة، أم أنها تضيع هباءًا في تفريعات وتخريجات حكومية بيروقراطية نمطية، والحالتان تتنافستان في أيتهما أفدح وأضل!.
إنّ وصف حال مراكز الشباب والساحات الشعبية اليوم، بالكارثة، لهو وصف مهذب في حق كيانات انتكست أحوالها إلي حد بعيد، حتى صارت عاملًا يذكر على استحياء عند ذكر عوامل التغيير والتأثير الاجتماعي، والأمر لا يحتاج أكثر من إعمال النظر عن بصيرة في حال أي مركز رياضي إقليمي، كان يقوم حتى منتصف التسعينيات تقريبًا بدور، ولو محدود، في تقديم خدمات رياضية في شتى أصناف الألعاب، قبل أن تتحول شتى ملاعبه وصالاته إلي ملاعب كرة قدم خماسية، تُؤجر بالساعة للهواة، وكل مساحة خالية فيه إلي كافتريا ومطعم وجبات سريعة!.
الأمر له من الشواهد ما يؤكد خطورته، حتى وإن اعتبر ثانوي في مجال دراسة أسباب تهور الشباب في الجامعات والمدارس، إلي الحد الذي جعلهم خطرًا على الاستقرار والسلم العام في البلاد - على حد وصف البعض -؛ ولا أدري إن كانت دراسات حديثة قد رصدت التحولات التي طالت الساحات الشعبية ومراكز الشباب في المحافظات والأقاليم خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، ولكن ما أعرفه على وجه اليقين - بحكم التجربة - أن أحد مراكز الشباب الرياضية الحكومية الإقليمية، والذي أتجاهل ذكر اسمه خشية أن يُحصر الاتهام فيه دون غيره، قد تحولت فيه ملاعب كرة السلة والتنس والكرة الطائرة إلي ملاعب لكرة القدم الخماسية يتم فتحها أمام الراغبين بعد سداد ما تم تحديده كثمن للإيجار، وفي الغالب يتراوح ما بين ستين جنيهًا إلي ثمانين، للساعة الواحدة، بالشكل الذي يحرم أغلب شباب الطبقة الوسطى فما دونها من لعب الكرة - حتى ولو على سبيل الترفيه -، فضلًا عن تراجع شتى الرياضات الأخرى في مقابل إفساح المجال لممارسة كرة القدم بأسلوب الهواة البعيد عن الاحترافية والالتزام الرياضي؛ حتى الصالة المغطاة التي كانت مخصصة لألعاب الجودو والكاراتية والكونغوفو، قد وضعت فيها العارضات وحُوّلت إلى ملعب كرة. أما عن حلبة الملاكمة فقد أزيلت من مكانها، لتحل محلها كافتيريا حديثة مجهزة بشاشة ضخمة، لعرض قنوات الأفلام والأغاني المتخصصة، أما مكان الكافتريا القديم والمسرح - ! - فقد تحولا إلي قاعتين للأفراح.. ولاحظ أننا لا نتحدث عن فساد موظفين لأن مؤجري ملاعب الكرة يحصلون على إيصال مختوم في مقابل ما يدفعونه، وباقي الأنشطة كـ"المقهى وقاعة الأفراح" مرخصة، ولكن نتحدث عن فساد سياسات ومناهج بالأساس، وهذا التنبيه ضرروي حتى لا نحيد عن المقصد.
أعرف أن عددًا ليس بالقليل ممن تقع أعمارهم بين أواخر العشرينات وأوائل الثلاثينات، قد بتعجبون عند سماعهم عن أنشطة رياضية أو عروض مسرحية كانت تقام في مراكز الشباب الإقليمية في التسعينات، ولهم تمام الحق في هذا، لأن خراب هذه المراكز قد جرى على مراحل. وإن كان أفدحها المرحلة الحالية، فإنه بدأ ولا شك منذ ثلاثة عقود تقريبًا، حين كان عدد ممارسي الأنشطة الرياضية والثقافية في تلك المراكز محدود، إلى الحد الذي يجعلنا نجزم بأن أبناء الأقاليم ما كانوا بالأساس على علم بوجود صالة مغطاة أو ملعب لكرة السلة أو مسرح في مركز شباب مدينتهم التي يقطنوها منذ طفولتهم.
أكثر ما يصيب بالإحباط في هذه القضية هو أن الكلام عن توظيف طاقة الشباب في نواحي إيجابية كثيرٌ عبر الفضائيات، غير أنه لا أحد يتفضل علينا فيشير إلي أي من تلك النواحي !. وحسبنا أن نشير في هذا السياق إلي أنه ليس أفضل من السبل الثقافية والرياضية، لاحتواء وتوظيف الطاقة الطبيعية للأفراد في سن المراهقة وما يعقب ذلك، لكن ما يضاعف من جرعة الإحباط في هذا الشأن أنه لا يُشهد أي تغيير في ممارسات الوزارات المعنية بالشباب والرياضة فيما يتعلق بأنشطة المراكز الإقليمية التابعة لها، خاصة إن أقررنا، كما يشهد بهذا الواقع، بوجود ملاعب وصالات ومسارح، يمكن استغلالها، وإنتاج مناخ جديد يستوعب المتغيرات الجديدة ويتفاعل معها، وينتج ثمار جيدة.
ما ذكرناه في السطور السابقة عن الدور المنوط بمراكز الشباب والساحات الشعبية، القيام به لانتشال الفئة العمرية المتوسطة من حالة الفراغ، وما أصاب هذا الدور من خلل، نطمح أن يُعتبر، كما قدمنا للمقال، من المساعي الإصلاحية التي تتناول بالعلاج أصل الأمراض المجتمعية الحالية، دون أن تتوقف عند أعراضها، وتطيل الحديث فيها وعنها بلا عائد.
#السيد_شبل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن بشكل واقعي الانتصار على الإخوان.. وكيف؟ (دراسة)
-
أسماء القرى والمدن، ورُخص الباحثين!
-
وعود السيسي، وأحلام البسطاء
-
-السقا- الذي ارتدى ملابس رئيس الوزراء
-
فؤادة أكثر -فرعنة- من عتريس!
-
القضية الفلسطينية.. الحل في تبنيها لا الفرار منها
-
بعيدًا عن فوضى الشعارات.. ماذا نريد من النظام القادم ؟
-
-فلسطنة- الطابور الخامس !
-
الانتخابات والإخوان ورجال الأعمال
-
الإخوان وأمريكا (الشياطين الصغار في خدمة شيطانهم الأكبر)
-
-صربيا- كلمة السر المنسية في أحداث العالم العربي
-
قراءة في فرية دعم الفلول للسيسي..
-
أربع سنوات مضت.. وأربع قادمة
-
-نابوكو- والشرق الأوسط الجديد.. ما خفي كان عظيم !.. بقلم: ال
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|