ديفيد ج. كوج
الحوار المتمدن-العدد: 4665 - 2014 / 12 / 18 - 13:20
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
للعرب تاريخ اسود في مخيلة شعب جنوب السودان حتي في فلكلورهم. فالعرب في اساطير الجنوبيين يتم تصوريهم علي انهم اشرار وغزاة, نسبة لضلوعهم في تجارة الرقيق ابان القرن التاسع عشر الميلادي في جنوب السودان.
فمنذ الحكم التركي المصري 1820-1880م ظل الشماليون (الذين يعرفون في الجنوب بالعرب) ظلوا يقومون بالغزوات للبحث عن الرقيق في الجنوب. وقد اشتهر تاجر الرقيق الزبير ود رحمة المشهور بالزبير باشا. الذي كان يمارس تجارة الرقيق في منطقة بحر الغزال بكل حرية وبمباركة الخديوي نفسه, الذي منح الزبير لقب باشا فيما بعد.
سيطر تاجر الرقيق هذا اي الزبير علي معظم بحر الغزال خاصة الجزء الغربي وقد قاوم كل محاولة لازاحته من مكانه حتي من قبل الحكومة. واليوم يوجد منطقة في غرب بحر الغزال تسمي بـ"ديم الزبير" وهي منطقة بايو التي كانت قاعدته. وللاسف الشديد تم تسمية شارع في الخرطوم باسمه علي الرغم من تاريخه الاسود جزء من السودان.
ان تجارة الرقيق الذي كان يقوده السودانيين الشماليين ساهم بشكل كبير في عدم ثقة الجنوبيين بالشمال والانظمة المتعاقبة علي الكرسي في الخرطوم. نسبة للماضي المرير والذكري الاليمة التي يحملونه عن الشمالي العربي!
لم يتغير الامر كثيرا حتي في ظل المهدية, والثورة التي قام بها محمد احمد المهدي الذي ادعي تحرير سكان السودان من الظلم وقال انه المهدي المنتظر. لقد رحب به بعض الجنوبيين خاصة الموجودين علي الشريط الحدودي بين الشمال والجنوب واعتبروا مهدي المنقذ. لم الاخير لم يعش طويلا وخلفه عبدالله التعايشي الذي لم يغير كثيرا في نظر الجنوبيين نهج الاتراك لان تجارة الرقيق ظلت مستمرة.
الي ان جاء الانجليز 1899م وانهوا كافة انواع الظلم الواقع علي الجنوب خاصة تجارة الرقيق, الا ان المستعمري البريطاني ساهم ايضا في التباعد بين شقي السودان الشمالي والجنوبي حيث عمل علي ضم جنوب السودان الي منظومة شرق افريقيا.
ويتضح ذلك حين اعلن قانون المناطق المقفولة عام 1922م بدعوي حماية الجنوبيين من المد العربي الاسلامي, هذا القانون عمل علي توسيع الفجوة بين الشمال والجنوب.
بعد انتهاء فترة الكولونيالية حل محله نظام سوداني وان كان ذات طابع شمالي في مجمله. لم يرض الجنوبيين بذلك؛ خاصة فيما جري في مؤتمر جوبا 1947م حين غش الشنقيطي السلاطين الجنوبيين بانهم ان اختاروا الوحدة مع الشمال فانهم سينالون حقوقهم الشئ الذي لم يحدث في سودانة الوظائف في 1953م حين حصل الجنوب علي 4 وظائف فقط من اصل 800 وظيفة.
والاسوأ من ذلك كان في انقلاب الجنرال عبود 1958م حين عمل علي تعريب واسلمة الجنوب, كما اعلن يوم الجمعة بدل الاحد يوم العطلة وطرد البعثات التبشيرية من البلاد. نفس الامر تكرر لدي الانظمة اللاحقة مثلا نظام نميري اعلن الشريعة الاسلامية في البلاد عام 1983م ونقض اتفاقية اديس ابابا الذي انهي صراع دام 17 عاما. وجاء نظام الانقاذ ليزيد الطين بلة بعدان استولي علي الحكم في يونيو/ حزيران- 1989م واعلان الجهاد في الجنوب بعد بضعة سنوات من الاستيلاء علي الحكم, ما جعل الجنوبيين يكرهون العرب والمسلمين.
خاصة وان الامر تم بمباركة عدة انظمة عربية واسلامية علي سبيل المثال لا الحصر, نظام صدام حسين البعثي والنظام الايراني وغيرها من الدول الخليجية التي كانت تمد السودان بالدعم المادي لشراء الاسلحة والذخائر!
ما حاجتنا الي جامعة الدول العربية؟
جامعة الدول العربية هي منظمة تضم دولاً في آسيا وأفريقيا ويعتبر أعضاؤها دولاً عربية، ينص ميثاقها على التنسيق بين الدول الأعضاء في الشؤون الاقتصادية، ومن ضمنها العلاقات التجارية، الاتصالات، العلاقات الثقافية، الجنسيات ووثائق وأذونات السفر والعلاقات الاجتماعية والصحة.
انضم السودان الي جامعة الدول العربية 1956م عقب الاستقلال مباشرة وبذلك اصبح دولة رقم 9 في قائمة الدول المنضمة الي الجامعة انذاك. فعلي الرغم من الاختلاف الثقافي والديني في السودان؛ وكثرة الغير عرب علي العرب في البلاد الا ان النظام لم يراعي للامر وبحكم ذلك اصبحنا اعضاء في الجامعة رغما عنا.
في الاشهر القليلة الماضية التقي وزير خارجية جنوب السودان برنابا مريال بالامين العام لجامعة الدول العربية. وقد عنونت صحيفة البلد في 8- مارس/ اذار- 2014م "امين عام الجامعة العربية يبحث مع وزير خارجية جنوب السودان تطوير علاقات التعاون الثنائي"
وقد قال نبيل العربي بعد هذا اللقاء ان الجنوب كان جزءً من جامعة الدول العربية قبل الاستقلال, كما يامل في توطيد العلاقات بين جامعة الدول العربية وجنوب السودان!
وورد في جريدة الدستور 2- اكتوبر/تشرين الاول- 2014م "امين جامعة الدول العربية يلتقي وزير خارجية جنوب السودان" وعقب اللقاء قال مريال للصحفيين ان موضوع انضمام الجنوب الي جامعة الدول العربية تحتاج الي وقت!
واوردت راديو تمازج عبر موقعها الالكتروني يوم 3- اكتوبر/ تشرين الاول- 2014م "برنابا بنجامين يبحث بالقاهرة انضمام جنوب السودان لجامعة الدول العربية"
ولكن السؤال المطروح هو لماذا كل هذا التقارب ما حاجتنا الي جامعة الدول العربية؟؟
ان كان نظام جوبا يريد اقامة علاقة او حتي الانضمام الي جامعة الدول العربية عليهم اولا قراءة التاريخ ليعرفوا موقف الجامعة تجاه مشكلة الجنوب طوال سنوات الحرب الاهلية في السودان. ان العلاقات بين الدول لا تقوم وفقا لمزاج النظام الحاكم او ما شابه وانما علي اسس تاريخية.
ولماذا ينضم الجنوب الي الجامعة في حين اننا لسنا عرباً. والجامعة مخصصة للدول العربية فقط! وقس علي ذلك عدم رضانا عن دخول السودان لجامعة الدول العربية قبل الانفصال فما الجديد اليوم؟
ان كان كير وحكومته يريدون اقامة علاقات مع الدول العربية فهذا رحب به وشروع في ضوء العلاقات الدولية. لذا يمكن اقامة علاقات مع الاقطار العربية كل علي حدة وليس بالتعامل مع جامعة الدول العربية التي لا اعتقد انها ستساعدنا او تضيف شئ الينا اصلا. جامعة الدول العربية قامت لتخدم الدول العربية وليست دول مثل دولتنا.
ان ما اراه في هذ التقارب هو دور مصر في العملية ذلك ان مقر الجامعة موجود في مصر منذ 1990م الي الان كما ان الامين العام الحالي للجامعة مصري وهم بذلك يريدون استغلال هذا التقارب لصالحهم. وذلك باستمالة الجنوب الي جانب مصر من اجل مياه النيل. خاصة وان اثيوبيا مصرة علي اقامة سد النهضة.
لمصر حق في الحصول علي مياه النيل ولكن ذلك لا يكون علي حساب الشعبي الجنوبي, الذي يجب ان ياخذ نصيبه من مياه النيل واقامة مشاريع تنموية وسدود ان امكنهم ذلك!
واخيرا اقول انه يجب ان يكون العلاقات بين جنوب السودان قائمة علي المصالح المتبادلة مع اي دولة سواء اكانت عربية او غيرها, ولكن لا اعتقد ان الانضمام الي جامعة الدول العربية فكرة سديدة.
#ديفيد_ج._كوج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟