|
بالضحكة أنتصر المصري على القهر ، وبالنكتة سيهزم الحنبلي
ارنست وليم شاكر
الحوار المتمدن-العدد: 4665 - 2014 / 12 / 18 - 01:41
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
*** عندما تتأمل عن قرب، وتروي، روح بعض الشعوب الشرق أوسطية الأصيلة ..... تجد العراقي ينظر للحياة، والوجود، والكون، في حبور ووجل ... منذ بدايات العقل الأول، عندما صاغ أساطيره وملاحمه الأولي .... هو دائما يشعر بعمق المأساة الإنسانية ... هذا الوجود المنتهك، جراء خبث الطبيعة ... فهي رغم سخائها: قاتلته .. دجلة الخير ، وفرات البركة ... هما عينهما مغرقيه، وفي طميهما يتمرغ وجهه وتنكسر عينه .... الآلهة خلقته ليخدمها ... فوجوده مرهون بعبوديته لها .... العراقي هو الباكي دوما، والمنتحب حتى في أمسيات سعده ... هو يشعر بآلام كل البشر في بدنه ... يشارك كل الإنسانية حظها التعس ... وعندما تدمع عيناه ، وبعد أن ينوح حتى لطم الطبل على الرأس، وضرب الخدود ..... تصفو نفسه، وتحلق روحه، وتتطهر سريرته ... فتجدك أمام نسمة رقيقة: هي نفسه .. وصدر رحب يسع الكون كله : هو قلبه .. وسريرة نقية نقاء جوف الرضيع : هي روحه ...
*** وإذا لا مست الجذر الشامي ... تجدك أمام قلب أخضر بلون الفستقِ الحلبي ... يذوب طيبة يكسر بها كل جبار عتي .. في إباء وأنفة ... رغم عصور الجور والطغيان ووقوعه في منطقة كانت دائما وعلى الدوام بين فكي الأسد. في نقاء اللغة الرصينة، وفي بهاء الجملة الشعرية، وفي الحكمة التي تقبل كل أشكال الثراء والتعددية ... كان ذلك كله ملجأه، ومنقذه من الذوبان ... الفناء الذي أرادته له كل العقول الجاهلية للموبقات الأعرابية .. أرادوا ، ومنذ الأذل أن يكون الكنعاني الفينيقي العربي الأصيل ... مجرد جملة اعتراضية في كتاب مهجور أو محروق ... ولغة ميتة تحت التراب وحدود الإدراك .. شعرٌ منسي كعقد من نجوم في قاع محيط مظلم في ديجور ما بعده ديجور ... حرف ميت لا يقوم ... ولكنه صار كما كان وكما سيكون لغة موسيقية نابضة، وشعور فياض ساحر ... رومانسيته هي الباقية في وجه كل المشاعر البربرية التي تلعنها كل الورود الشامية ... "فيروز" روح الروح الشامية ....
*** ومصر ... مصر التي جاءها الشافعي بفقه غريب .. وأراد أن يعلم المصريين الدين ... فوجد نفسه غريب ، أجنبي عن أهل لغته ودينه .. لأنه لم يفهم طبيعتهم ومزاجهم .... المصري بالسخرية أسقط عتاة و"عتاولة" .. قهر اليأس بالبسمة ... وبالنكتة كسر الحنبلية .... وسيدك أنفها كلما تطاولت عليه .. وأردت في وقاحة نزع ثوب الستر من عليه ولو دفعوا له مال قارون ... أموالهم لونها باهت في شحوب لون الميت، مصدرها نفط أسود .. سواد عقل الأعرابي الغازي .. فظنوا في غفلة من زمن وقح : أنهم أصحاب فكر ودين وحضارة .. الشعب المصري ربما لم يكتمل تعلمه وتثقفه في بعض العصور، بل في أغلب العصور ... ولكن الفكاهة كانت المعلم والمنهج والمدرسة ... فالفكاهة لا تفهم إلا بتنمية مواهب عقلية خاصة وخالصة .. ذكاء ، سرعة بديهة ، فراسة .. حس نقدي ... تصور ذهني مجرد .. مبالغات عقلية تساعده على فهم دقائق مستترة ... معرفة للذات .. قبول أنفسنا والسخرية منها .. قبول الأخر والضحك معه وعليه .. التعامل مع طبائعنا لو انحرفت ... النكتة مضحكة في قسوتها ومبالغتها ولومها وتوبيخها ... وفي قسوتها وحنكتها وتربيتها تحطيم للجمود وللتشدد وللغباء ... أجمل النكات عن "الصعايدة" لا تسمعها إلا من فم الصعيدي .. وأن أبدعها غيره ... فهو متلقفها وناشرها ... بل يشعر بالغيرة إنها "فلتت" منه، وسبقه للفكرة غيره ... : "صعيدي بأه" .... والنكات عن التدين والمتدينين ورجل الدين .. أحلاها .. ما يردده الشيوخ والقساوسة المصريين الذين حافظوا على فطرتهم ضد التجهم الأخرق، وعبوثة الغرباء عن هذا المزاج المصري الأصيل ... النكتة الجيدة لا تعرف المجاملة .. وتتجرأ على كل المقدسات .. تضحك، وتمرح، وتقهقه من الموت، من الحاكم المستبد، من رجل الدين الدعي المدعي .. من الدين والتدين التواكل و"السبهلله " ،بل ومن الدهر والقدر .... فجر الضمير .. والدين الأخلاقي والقيم الإنسانية السامية العالية ... من هذا الطمي خرجت .. خرجت نبتة صبح ندية ... ولكنها في تدينها لم تنسى نظافة الجسد ، وقيمة العطر ، ورشاقة البردي ، وشهوة اللوتس .. وجمال جرأة المرأة التي تطلب يد الرجل .. وتدعوه لها ... وتناديه : "ياخويا" .... الدين المصري .. دين مركب متكامل منسجم ... يقول : ساعة لربك وساعة لقلبك ... وهو العالم المدرك أن ساعة قلبك هي أروع ساعات الوجود مع ربك ..... وهو الذي علمته الأرض والحكمة أن يكون كريما سخي .. ويعيل رجالات الدين، الذي أخرجهم من عبأته ... ولكن دائما لا يمل من القول : "ما يعوزه البيت يحرم على المعبد" على الجامع والكنيسة ... هو يقبل بتقبيل أيادي رجال الدين ... لا بأس !! ... يُقبل يد ذاك الذي يعطيه، هو ، مصروف جيبه وقوت أولاده ... لا بأس !! .. فهو كريم سخي، معجون بتواضع طمي النيل ... ولكنه الفطن، الواعي، الفاهم للشيء ويتلقفها "وهي طايره " .... يعرف تظاهرهم ، وتصنعهم ، وافتعالهم كلهم ... ويدرك رياء، وخبث، ومر، ومكر بعضهم ... فلا يوجد شعب عنده هذا الكم من النكات التي تبدأ : " بيقولك في مرة واحد شيخ وواحد قسيس ....... " ...
عبقرية الشعب المصري هي النكتة ... ومأساة الحنبلي السلفي الوهابي أنهم لا يعرفون كيف تصاغ النكتة ، ولا ما تخفي من عمق وحكمة ... وينظرون لها نظرتهم للسب والشتم والتحقير والاستخفاف بالآخرين أنهم حقا بلهاء!!!! مصر ستقاوم التطرف بالتنوير ؟؟ نعم !! ... ولكن بمزاجها المعتدل .. بالنكتة ... وبالنكتة تكسر نكبة التصحر ، و"الجلافة"، والتجهم، والقبح الأتي مع ريح سموم البداوة ... النكتة طوق النجاة لمصر والضامن لبقائها ..... أضحكوا .. وليموتوا هم بغيظهم ....
#ارنست_وليم_شاكر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في فقه -اللوع-
-
وسطية الأزهر ، نكته مصريه !!
-
دواعش، -بذيل قصير-
-
الهرطوقي الشهيد،
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|