|
ضمير الشر بين الدين والإنسانية (1)
عبدالخالق نجم عبدالله البهادلي
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 17 - 08:53
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أمتلئ تأريخ الإنسانية بالشر المقيت، فالغش في التعامل، والسرقة، والاختلاس، والانتهازية وحتى عدم الأمانة، أمثلة نكاد نصادفها يومياً في الحياة. بل إن الشر قد وصل أقصى التطرف عندما كره الإنسان أخيه الإنسان وقتله وعذبه وتفنن في قتله. وفي التأريخ الحديث شواهد لا يمكن عدها ولا حصرها. فيكفي ان نذكر الحربين العالميتين وما جرى فيهما من إبادة جماعية كما في هيروشيما وناكازاكي. وقمع الدول الغربية لحركات التحرر في العالم الثالث، كما فعلت فرنسا في الجزائر مثلاً. والممارسات الوحشية التي تقوم بها إسرائيل نحو الفلسطينين، وغيرها كثير. وعلى مستوى الجماعات والأفراد، فقد امتلأت وسائل الاتصال المرئية والمسموعة بأبشع صور الشر التي يمكن تخيلها "لأبطال / أشرار" الجماعات الإسلامية المتطرفة، كقتل المدنيين والذبح وتعليق الرؤؤس وأكل قلوب البشر. بين شر الدول وشر الأفراد يوجد قاسم مشترك واحد، وهو الإنسان. فالإنسان هو مَنْ يتخذ القرار بالشر وهو أداة تنفيذه. ولكن لماذا؟ وكيف يمكنه فعل ذلك؟ أعتقد جازماً إن ضمير الإنسان ومنظومته الاخلاقية هما من يقف خلف كل هذا الشر. ومادمنا بشراً، فلماذا ضمائرنا وأخلاقنا مختلفة حد التناقض؟ لماذا يرتشي بعضنا ويكذب ويخون ويقتل، في حين يرى البعض الآخر إن هذه السلوكيات تعد مثلمة لمروءته؟ لماذا تقتصر الأخلاق لدى البعض فقط على بيئته الطبيعية والاجتماعية المحيطة به، في حين يرى آخرون إن واجبهم الاخلاقي يحتم عليهم مساعدة الآخرين حتى ممن لا يعرفونهم؟ لماذا يتلذذ بعضنا بقتل بعضنا؟ في حين بعضنا لا يجرؤ حتى على إيذاء الحيوانات والحشرات. لماذا يشعر البعض بنشوة وفرح داخلي عندما يرى مجموعة تقتل بوحشية مجموعة أخرى؟ في حين أن البعض لا يمكنه الاصغاء فقط لمثل هذه الوحشية ربما يكمن جزء من الإجابة على هذه التساؤلات في معرفة الكيفية التي يكتسب بها الإنسان اخلاقه وضميره. والأخلاق والضمير هنا هما القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ. حيث يبدأ الإنسان منذ طفولته أن يتعلم كيف يكون عضواً في عائلته أولاً ومجتمعه ثانياً. وربما تعلم السلوك الصائب والسلوك الخاطئ يبدأ الإنسان باكتسابه حتى قبل أن يبلغ السنتين من عمره. ويتعلم أيضاً سلوك مساعدة الآخرين، وحتى إيذائهم. فعندما يبكي أحد أفراد الاسرة نجد الطفل ذو عمر السنتين يتقرب منه ويضع يده عليه، بل وربما يحاول أن يمسح دموعه، وقد يضطر الطفل إلى البكاء، وهو نوع من التعاطف الوجداني. وعندما يبلغ الطفل عمر الأربع سنوات فإنه سيحاول أن يفهم وجهات نظر الآخرين، وحسب قدراته العقيلة التي هي في طور النشوء. ولعل عالم النفس الاجتماعي لورانس كولبرج Kohlberg طرح نظرية مثيرة، حاول من خلالها تفسير نمو التفكير الخلقي. وهو يرى أن التفكير الخلقي ينمو بمستويات ومراحل متتابعة ومنظمة. في كل مرحلة من هذه المراحل يتعلم الأشخاص قيم الصواب والخطأ ولكن لأسباب مختلفة. وكالآتي: المستوى الأول، وهو قبل الخلقي، وفيه مرحلتين: المرحلة الأولى، العقاب – الطاعة: فالطفل هنا يفعل الصواب فقط لأنه يخاف من العقاب من أحد الوالدين. فالطفل ربما لا يكذب أمام أبيه، لأن الأب سيعاقبه. ولكن الام لا تعاقبه فربما سيكذب أمامها. المرحلة الثانية، تبادل المنفعة: يتعلم الطفل الصواب في هذه المرحلة للحصول جائزة أو مكافأة، أو لتبادل المنفعة "لا تخبر أبي بما فعلته أنا، وأنا لا أخبره بما فعلت أنت". المستوى الثاني: التقليدي: المرحلة الثالثة: طفل لطيف/ طفلة لطيفة: الطفل هنا يفعل الصواب لكي يرضى عنه الآخرون، ويجلب لهم السعادة. فعندما نطلب من الطفل ذي الأربع سنوات جلب قدح ماء، فإنه سيهرول مسرعاً لجلبه، ولا يرضى بأن يجلبه غيره. وعندما يجلبه، فإنه سيشعر بسعادة غامرة. كما يتعلم الطفل في هذه المرحلة إنه إذا غش فإن أمه لن تثق به مرة أخرى. المرحلة الرابعة، اتجاه المحافظة على نظام المجتمع: حيث ينطلق الطفل في هذه المرحلة من نطاق أسرته الضيق إلى صالح المجتمع الكبير. فيتعلم مثلاً إن اطاعة القانون هو واجب على كل مواطن صالح، وهو ما يجعل الحياة أسهل للجميع. المستوى الثالث: مستوى المبادئ المرحلة الخامسة، اتجاه العقد الاجتماعي (أخلاقية الاتفاقات، الحقوق الفردية والقانون المقبول ديمقراطياً): في هذه المرحلة يكون الطفل قد أصبح ولداً أو بنتاً، وهو هنا يُساير الأخلاق العامة بحثاً عن الاحترام من قِبل الآخرين، كما أنه يستطيع أن يُدرك المصلحة العامة للمجتمع، وإن كل أفراد المجتمع لهم الحقوق نفسها. وإن الاحترام بين أفراد المجتمع واحترام افراد المجتمع للقانون هما ما يجعل المجتمع ينمو ويتطور. هنا يتعلم الشخص المبادئ العامة ويكتسب ضميراً إذا خالفه ستتشوه صورة ذاته كما يراها، ويشعر بالاحتقار والازدراء نحو ذاته. قد تبدو هذه النظرية على مستوى عالٍ من المقبولية. ولكني أرى هنا، إن كل هذه المستويات وما تتضمنه من مراحل تحدث تحت مظلة كبيرة، وهي "إن الأطفال لا يصغون لما نقوله، وإنما يصغون لما نفعله". بمعنى، أن ما يفعله الآباء أو قدوات الطفل الآخرون في بيئته، يُعد أكثر تأثيراً في نموه الخلقي وفي ضميره. وهو ما سيشكل المعايير السلوكية لديه في المستقبل. ولعل الكاتب هنا ليس بصدد مناقشة الضمير العالمي بقدر ما يحاول أن يفسر المنظومة الاخلاقية التي تقتل العشرات منا يومياً، وتهجر الناس على أساس معتقدهم الديني والفكري، وبيع الناس في الأسواق كسلع بخسة. فأي ضمير يحرك هؤلاء؟ من أين اكتسبوا مثل هذه الوحشية التي وضعتهم ليس في عصور ما قبل التاريخ، بل انحدرت بهم إلى مستوى ما دون الإنسانية. بلا شك إن الضمير الديني هو من يقف خلف كل هذه المصائب. فهل الدين/الإسلام يدعوا إلى ذلك؟ لا أريد هنا تجريم الإسلام أو تبرئته، بقدر ما أريد تحليل المنظومة الأخلاقية لدى هؤلاء القتلة، والذين هم مسلمين بلا شك، بل وقد يكونوا من المؤمنين فعلاً. كما إني لا أأومن بصيغة التبرير الجاهزة لدى بعض المسلمين، والتي تقول: "هؤلاء المتطرفين لم يفهموا الإسلام بالطريقة الصحيحة". فلا أعتقد أن في مثل هذا التبرير ثمة تفسير يرضي فضولنا. ناهيك عن أن هؤلاء المتطرفين يرون أنفسهم هم من فهم الإسلام بالطريقة الصحيحة، والآخرون لم يفقهوا من الإسلام شيئاً. كما أن المتطرفون يبررون سلوكهم بآيات من القرآن وبأحاديث عن النبي وبوقائع قام بها السلف "الصالح" من خلفاء وصحابة. وحتى لو تكلمنا عن رجل الشارع المسلم، فأي ضمير ديني يُحرك هذا المسلم؟ مع كل هذا العدد الهائل من المساجد، وما ينفق فيها من ثروات طائلة ومن أجلها، ومع كل هذا العدد من رجال الدين مع خطبهم ومواعظهم؟ والصلوات الخمس اليومية، والمكتبة الإسلامية (الكتب التي تتحدث عن الإسلام) التي تُعد أضخم مكتبة في العالم. ناهيك عن القنوات الفضائية الإسلامية ومواقع التواصل الاجتماعي. فهل أخلاقنا أرتقت لمستوى البذخ هذا؟ وهل نحن قوم تشيع المحبة والألفة فيما بينهم؟ وهل نحن خير الناس "خير الناس من نفع الناس"، فماذا قدمنا للناس؟ ولا أريد هنا أن أتحدث عن مستوانا العلمي، فنحن وبلا فخر "أمة ضحكت من جهلها الأمم". لكن ربما التعرف على سيرورة الضمير الإسلامي تسلط الضوء على جزء بسيط من الإجابة على هذه التساؤلات.
#عبدالخالق_نجم_عبدالله_البهادلي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|