|
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -6
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 17 - 08:52
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
تعرضت بريطانيا وقواتها الاحتلالية في مصر إلي العديد من الانتقادات إثر مساعدتهم الأرمن علي الإيواء بمصر. ففي الابتداء، تعرضت بريطانيا لهجوم عنيف بسبب إثارتها الأرمن ضد السلطنة العثمانية بغية تحقيق مطامحها الذاتية. وقد علقت مجلة " الرائد المصري" علي هذا- بعد استعراض مآسي اللاجئين- بقولها:" لا يلام الأرمن لأنهم طلبوا بعض الإصلاحات والإمتيازات لولايات الاناضول ، إنما كل اللوم لأنهم اختاروا الإنجليز من بين دول أوربا كلها لضمانة تنفيذ هذه المطالب وألقوا بأنفسهم بين يدي هذه الدولة التي من مباديها أن تضحي بكل شعوب الأرض جميعا إذا أمكن لأجل أقل صالح من صوالح المملكة البريطانية". كما انتقدت الرائد بشدة اتباع الأرمن نصائح الحكومة الإنجليزية التي أدت إلي " نتيجة يبكي لها الجماد قبل الإنسان : قتل الألوف من الأرمن وهتك الأعراض ونهب المنازل وإحراقها. وفي الأخير نفي من بقي حيا ليتشتتوا في أقطار العالم". وانتهت المجلة إلي أن " مذابح الأرمن ليست سوي نتيجة تهور خطباء الإنجليز بجرائدهم وأعمال حكومتهم". هذا ، وقد تعرض الاحتلال البريطاني في مصر للانتقادات من جراء الأرمن اللاجئين. فذكرت جريدة جريدة" الفلاح " بان الأرمن قد لجأوا إلي مصر بدعوة من بريطانيا التي "اشتهرت بإلقاء القلاقل والشقاق. وأوضحت الجريدة أن بريطانيا قد ساعدت في مجيئهم إلي مصر كي تربكنا كل يوم بمشكلة جديدة حتي تلهينا عن مطالبتها بانجلاء جنودها عن وادي النيل الذي هو من ملحقات ممالكنا المحروسة". وأعربت مجلة " الرائد المصري" عن تخوفها من أن " الإنجليز لم يحضروا إلي مصر إلا لاتخاذهم آلة صماء باوامرهم". فقد اعتاد الإنجليز علي تهييج خواطر المسلمين في مصر.لذا ، خشيت المجلة ان يخدع الإنجليز الأرمن" ويزجوا بهم في هذه البئر العميقة حينما تقضي السياسة الغنجليزية بإحداث القلاقل والفتن في هذه البلاد". وقد أرجعت جريدة" الشرق" كل المصائب والنوائب التي حاقت بالأرمن والدولة العثمانية ومصر إلي " سوء تصرف الدول الأوربية وانقسامها علي ذاتها وجنوحها إلي الطمع والجشع والاستئثار بالنفع". ولهذا ، خشي الفرنسيون المقيمون في مصر ويساعدون الأرمن اللاجئين أن يتعرضوا لانتقادات شأن الإنجليز. لذا ، أعلنوا أنهم " يسعفون الأرمن عن رحمة وإنسانية وليس عن سياسة كما يتهم بذلك الإنجليز وسواهم". في هذا المناخ الذي أشيع حول الأرمن اللاجئين، اضطرت الاجهزة الأرمنية المسئولة عنهم في الثغر والعاصمة إلي تقليص جهودها نحوهم بهدف إعادتهم إلي مواطنهم ، فمنذ بداية عام 1897 أخذت المساعدات المقدمة إلي اللاجئين تنخفض رويدا رويدا من طبق حساء فقط وحوالي "100" جرام خبز يوميا إلي خبز فقط. وفوق هذا ، أنذرتهم بالابتعاد سريعا عن أفنية الكنائس والمدارس والبحث عن حلول لمشاكلهم". عنئذ، وأمام هذا المأزق، لم يجد معظم اللاجئين فكاكا إلا العودة إلي مواطنهم. وقد شجعهم علي هذا ، هدوء الاوضاع إلي حد ما في الأستانة والولايات الأرمنية وانخفاض حدة التوترات بين الأتراك والأرمن نسبيا مع بدايات عام 1897. بيد أن نفقات السفر قد عرقلت عودتهم. ولهذا ، ناشد المجلس الأرمني الحكومة المصرية بضرورة تسهيل عودة اللاجئين. وقد أسرعت الحكومة في تلبية هذا الطلب حرصا علي ألا تتوتر علاقتها بالباب العالي إثر استمرار الأرمن. ولذا ، أصدرت نظارة الداخلية أمرا في 23 يناير 1897 إلي محافظتي مصر والإسكندرية بترحيل الأرمن الذين لم يتيسر وجود عمل لهم إلي الأستانة بنصف أجرة علي وابورات الحكومة المصرية شريطة ألا يأتوا إلي مصر مرة أخري. وأيضا ، أعلنت شركة البواخر الروسية استعدادها لنقل الأرمن إلي بلادهم بنصف أجرة. وهكذا ، شهد النصف الأول من عام 1897 موجة هجرة ارتدادية من الأرمن اللاجئين في مصر إلي مواطنهم. فقد غادرها الأرمن الذين لم يتمكنوا من الحصول علي أي أعمال، والذين كانوا بلا أدوات اقتصادية، والذين لم يستضفهم أقرباؤهم وبلدياتهم القاطنين مصر. ولا نعرف تحديدا عدد الذين غادروا مصر، والذين وجدوا لأنفسهم موضع قدم بها خاصة وأن محاضر جلسات مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة لم تذكر شيئا في هذا الخصوص. بيد أن جريدة" المقطم" ذكرت في 15 أبريل 1897 أن ثمة حوالي "700" أرمني من اللاجئين لا زالوا يعيشون في مصر علي صدقات المتصدقين وهم في حاجة ماسة إلي اهتمام كل محب للبر والإحسان. وكان معظم هؤلاء من الأطفال والمسنين والأرامل والعجزة والمرضي الذين لم يستطيعوا العودة إلي ديارهم ، ولم يصلحوا لمزاولة أية أعمال في مصر، ومن ثم لم يستطيعوا العودة إلي ديارهم، ولم يصلحوا لمزاولة أية أعمال في مصر. ومن ثم، وقعت رعايتهم تماما علي عاتق مطرانيتي الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة والإسكندرية. تأزمت أوضاع بقايا الأرمن اللجئين، إذ فاقت متطلباتهم إمكانيات لجنتي إعانتهما بكثير، ففي القاهرة مثلا ، قدم"22" لاجئا خطابا إلي مجلس إدارة المطرانية في 6 أغسطس 1897 يذكرون فيه أن لجنة اللاجئين تعطيهم "خبزا حافا". ولذا ، فإنهم يطالبون إما بغذاء آخر أيضا أو الحصول علي مساهمة مالية ، تمكنهم من مغادرة المدينة. وقد ردت عليهم اللجنة في 10 سبتمبر بقولها:" نظرا لنفاد الإمكانيات المالية للجنتنا ، اضطرت إلي أقصي التوفير. ولكن إذا بقينا علي هذه الأحوال، نعلن للأسف أنه خلال أيام سوف نكون أمام الضرورة المؤسفة لوقف حتي العيش الحاف". أما في الإسكندرية ، فقد تشكلت لجنة جديدة للنظر في إغاثة الملهوفين من الأرمن..ومساعدتهم. وتصف جريدة "مصر"أحوال بقايا لاجئي الإسكندرية بانهم في ضيق شديد وعوز كثير. ولهذا ، عزمت لجنة إعانتهم علي إحياء ليلة في ملعب الهمبرا وتخصيص إيرادها لهؤلاء المساكين. وإزاء الضغط المتزايد علي لجنة رعاية لاجئي القاهرة ، استقال رئيس المجلس الملي آنذاك ديكران باشا(1846-1904) من الإشراف علي لجنة رعاية اللاجئين في 29 أكتوبر 1897. عندئذ، ارتبكت اللجنة بشدة مما دعا مجلس إدارة المطرانية ان يوافق علي قرار يجعل رعاية اللاجئين تحت إشرافه الأعلي بواسطة لجنة الفقراء بدءا من 5 نوفمبر 1897. وعندما تسلمت اللجنة الجديدة مهامها، وجدت أنه حتي يوم 30أكتوبر- يوم انتهاء عمل اللجنة السابقة- كانت تصرف يوميا "55"أقة خبز وجبن وزيتون ل"110" لاجيء يقيمون في نطاق المطرانية أو خارجها.ونظرا لاشتداد وطأة المصروفات ، فقد قرر مجلس الإدارة في 5 نوفمبر 1897" الاستمرار في هذه المساعدة فقط إلي الذين لا يقدرون علي العمل او في حالة فقر". وبموجب هذا القرار، أوقفت المساعدة إلي عشرين شخصا وتنزيل الخبز اليومي إلي "45"أقة مع خصم نفس النسبة من الزيتون والجبن. وبذا ،انخفض المبلغ المخصص يوميا لمصروفات اللاجئين من "100" قرش إلي "83" قرشا. وتفرق العشرون بين عائدين إلي أدراجهم ومستقرين في مصر. وهكذا ، بات علي لجنة الرعاية الجديدة توفير الأموال اللازمة لتوفير احتياجات تسعين لاجئا يقيمون في محيط المطرانية وفي منزل أمين كاشف. وبعد مداولات ، تقرر توفير هذه الأموال من تبرعات الخيرين. وقد ذكر مجلس الإدارة أن هذا النظام سوف يظل لمدة ستة أشهر فقط بدءا من غرة ديسمبر 1897 حتي 31 مايو 1898 . وعند هذا التاريخ، سوف تتوقف اللجنة عن تقديم أية مساعدة. وفوق هذا ، لن يقبل منذئذ أي لاجيء يصل حديثا إلي مصر. وأعلن مجلس الإدارة للاجئين أن المطرانية قد اضطرت أن تتصرف بهذه الكيفية نظرا لنضوب مواردها المالية. وتنفيذا لهذا، رفضت مطرانية الأرمن منذ 17 ديسمبر قبول لاجئين جدد ، كما أبت أن يحل لاجئون جدد محل المتناقصين حتي يمكن إنهاء رعاية اللاجئين واللجنة المنوطة بذلك في 31 ماية 1898 . وفي ظل هذه الظروف، منحت لجنة الرعايا اللاجئين تحت رعايتها غذاء عبارة عن "خبز وجبن وزيتون فقط". ولما كان أغلب بقية اللاجئين من المسنين والمرضي والعجزة، مع نظام غذائي لا يزيد عن "خبز وجبن وزيتون فقط"، فطبيعيا أن تزداد أحوالهم الصحية سوءا علي سوء. ويتضح من مناقشات أعضاء مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالقاهرة مدي تدهور صحة اللاجئين.فلم تمر جلسة بدءا من منتصف عام 1897 وحتي ما بعد انتهاء عمل لجنة الرعايا ، إلا وكانت مسألة علاج اللاجئين تحتل بدا متقدما في جدول أعمال المجلس.
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -5
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -4
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -3
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -2
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -1
-
النظم الإدارية للأرمن الكاثوليك والبروتستانت في مصر
-
أمور الزواج والطلاق عند طائفة الأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-3
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-2
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-1
-
المهن والوظائف التي اشتغل بها الأرمن في مصر-2
-
المهن والوظائف التي اشتغل بها الأرمن في مصر-1
-
النشاط التجاري للأرمن في مصر
-
النشاط الحرفي للأرمن في مصر-2
-
النشاط الحرفي للأرمن في مصر-1
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-6
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-5
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-4
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-3
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|