|
في الذّكرى الرّابعة للثّورة: لماذا أساند الباجي قائد السّبسي؟
عزالدّين بوغانمي
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 17 - 09:02
المحور:
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية
كلّ جرح مُعرّض للجراثيم. ولكن هذا لن يمنع الطبّ من مواصلة الجراحة من أجل استئصال الأمراض بحثا عن الشّفاء. لاشكّ أنّ هنالك من يستميت في جرّ الجميع للتّصويت للباجي قائد السّبسي من منطلقات الانتهازيّة والطّمع. ولكن هذا لا يمنع حقيقة أنّ الإطاحة الحاسمة بالمرزوقي، هي إنقاذ لتونس من الإرهاب، ومن المشروع الصّهيوني التّركي القطري، الهادف إلى تحويل بلادنا إلى مركز إقليميًّ للإرهاب، والفوضى تسهيلا لضرب عنق الجزائر. إنّ الخطر الحقيقي للثّورة التونسيّة على الرّجعيّة النّفطية في الخليج ومن ورائها دولة العدوّ ليس تحقيق أهداف الثّورة فقط، بل قبل ذلك نموذج دولة ديمقراطية في المحيط العربي الإسلامي. نموذج للتّداول السّلمي على السّلطة، يلهِمُ الشُّعوب ويصل وهجه إلى منابع البترول.ً ولذلك، دفاعًا عن عروشِها وامتيازاتِها المذْهِلة من الرّيع النّفطي، تصرف العشائر الأمّيّة الحاكمة في محْمِيات الخليج آلاف المليارات لإفساد نتائج الثّورة في منبعها (تونس) وتحْويلِها إلى مهرجان متواصل للذّبْحِ والاقتتال ضمن المشروع الاستعماري العدواني المُعِد للمنطقة بِرُمتها. حتّى تظلَّ في مُرَبّع التخلّف والتّبعيّة إلى أبدِ الآبِدين. هكذا يجب أن نفهم أهمّية إسقاط المرْزوقي الذي يشتغِلُ ضمن ذات المشروع بأجرٍ مدفوع من مصارف دولة قطر. وفي هذا السّياق وهذا السلّم الإقليمي/ الدّولي علينا أن نهتم بالطور الثّاني للرّئاسيّة في بلادنا. حتّى نتعالى على المسائل الصّغيرة، ونغادر النّرجسيّة الحزبية وننظر لسيرورة معركة الحرّيّة وتونس في بؤبؤ العين، وليس خارج الصّراع.
رفاقنا الذين يُنادون بعدم التّصويت لمرشّح نداء تونس، لهم مخاوفهم المشروعة من عودة الاستبداد، يخافون حين يتذكّرون تضحيات العقود الفائتة، ويتذكّرون ملحمة الحوض المنجمي، ويتذكّرون دماء شهداء 26 جانفي 1978. وشهداء 3 جانفي 1984. وشلّالات دمّ الثورة .. ويرون في الوقت ذاته رموز النّظام السّابق يملؤون نداء تونس، ويتهيّؤون -أحيانًا- بكلّ وقاحة لحكم البلاد من جديد... حين يتذكّرون معاناة شعبنا من هؤلاء، خصوصًا وغدًا الأربعاء 17 ديسمبر، الموافق للذّكرى الرّابعة للثّورة، ويحضر شكري والبراهمي في الأذهان وفي القلوب، لا شكّ أنّ ألَمًا لا يُطاق يمَزّقنا جميعا ، ونحن نحْصي ثمار الثّورة. غير أنّ التّاريخ له إكراهاته القاسية. والأوطان لا تصنعُها الدّموع ولا العَواطف الجميلة، بل تُبْنَى وسط الحريق بالدمّ وبالتّضحيات. وقبل هذا وذاك، تُبْنَى بنساء ورجال لهم عقول قادرة على السّير في طريق ملغّم ومحفوف بالمخاطر، بأقلّ الخسائر ودون كللٍ ولا ملَل. في هذا الباب لا ألوم رفاقي عن خوفهم المشروع. بلْ ألومهم على ضعف حسِّهم التّاريخيّ، وهذا موضوع على حِدهْ، ولكنّي أفتحُ قوسًا خفيفا لأقول إنّه واهمٌ من يعتقِدُ في إمكانيّة عودة الاستبداد. إنّما الخطر الوحيد الذي يهدّد المسار الثّوريّ هو الإرهاب.
من مصائب اليسار العربي عُمومًا، أنّ الفكر الماركسي وقع التّعامل معه تعاملا وثوقيّا مرتبطا ببنية التخلّف. وبهذا المعنى، تمّ تحويل الماركسية من أدوات تحليل لفهم الواقع وتغييره، ومنهج لتحليل التاريخ، أساسه المادية التاريخية، الى "دوغما" جامدة وعقيدة دينية مفرطة في التزمّت وفلسفة للتبرير، وهكذا أصبحت نصوص مؤسسي الماركسية-اللينينية نصوصا دينية ولاهوتية، يتم الاستشهاد بها كما الاستشهاد بنص ديني. أمّا الواقع كما هو، فلا يؤبه به، وعِوضًا أن تكون الفلسفة مفسرة للواقع، أصبح على هذا الواقع أن يُقصَّ من هنا وهناك، حتى يأتي على مقاس النصوص. وككل دوغما أصبح لها لاهوت وهرمية دينية تعطي الغفران أو الحرمان. والنتيجة كارثية، فلا إبداع ولا اكتشاف، بل اجترار و ولع لغوي بِبنية ميّتة ومغلقة، لا دور لها سوى إضافة دين جديد إلى جملة الأديان الموجودة أصلا، بل هو دين أسوأ، كونه دين بلا إلاه ولا آخرة.
همسة لأصحاب العقول في اليسار الذين استوعبوا الفكرة الجوهرية لكارل ماركس: "إن البشريّة لا تطرح على نفسها إلَّا القضايا القادرة على حلِّها".
إزاء قوّة تكفيريّة ظلاميّة تسيطر على مفاصل الإدارة، وتملك جيوشا مسلّحة في الجبال وفي المدن، وفي ليبيا وفي سوريا وفي العراق. ولها أكثر من خمسين قنصلا وسفيرا موزّعين على عواصم العالم. ولها دولة نفطيّة تموّلها بلا حساب وتزوّدها بالسّلاح. قوّة فاشستيّة تعتقد أنّ ذبحنا في الشّوارع فرض ديني، يُدْخِلُ القتَلَة للجنَّة. هذه القوّة التّكفيريّة تُرَشِّحُ شخصًا تعاون مع المخابرات وسهّل اغتيال رأْس المشروع الوطني. وإلى جوارها قوّة ليبيراليّة ليست مستعدّة لتنفيذ برنامج وطني ديمقراطي يحقّق أهداف الثّورة، ولكنّها لا تساوم في قضيّة مقاومة الإرهاب وحماية ملامح الدّولة العصريّة، وكلّ ما يتّصِلُ بهذه الدّولة من مكاسب مدنيّة، بدْءًا بِرفض التكفير واضطهاد النّساء، إلى الدّفاع على التّعليم العصري و وحدانيّة القضاء الوضعي...
وسط هذين القوّتين، لا نمثِّلُ نحن في الجبهة الشّعبيّة (قوى الثّورة) سوى 6،91٪-;---;-- من الوزن السّياسي الحقيقي التي أفرزته التشريعيّة. في هذه الوضعيّة، نحن، وعموم الطّبقات الوطنيّة المتطلّعة لنظام "ديمقراطي اجتماعي"، بحاجة إلى نصر على الإرهاب والتطرف بحيث يمكن استعادة هويّة المجتع المدنيّة، واستعادة الثقة في المستقبل، وإمكانيات تحقيق انتصارات واقعية على الفقر والجهل. أي في حاجة لمناخ سياسي/ ثقافي يسمح بالنّضالات الاجتماعيّة السّلميّة المدنية الواسعة لتغيير ميزان القوى الطبقي لصالح الثّورة. ولسنا في حاجة إلى البقاء أسرى أوهامنا في القدرة على تطبيق الاشتراكية في ظلّ وضع توشك فيه تونس على الضّياع. هذا في خصوص مقتضيات المرحلة، وما يبرّر مساندة الباجي قائد السّبسي الليبيرالي الذي يختلف عن منصف المرزوقي كون هذا الأخير مُرَشّح الاستعمار، و الفاشيّة الدّينيّة. والذي يسوّي بين الإثنين معْتَنِقًا الفكر التّعميمي السّهل، هو كمن يُسوّي بين النّازية والبرجوازية التي حكمت ألمانية غداة الحرب. لا شكّ أنّ المسيرة عسيرة والمعركة الوطنيّة الدّيمقراطيّة لن تتوقّف بانتخاب رئيس جديد، بل إنّها ستستمرُّ لسنوات طويلة. إنّما نريدها معركة ضد عدوّ لا ستخدم ضدّنا تنظيم القاعدة والكواتم والاغتيالات. أمّا في خصوص النُّزوع للتّخوين، ومطالبة الرفاق أصحاب الرّأي المخالف بمغادرة الجبهة. فمن الأفضل اعتبار دلك مجرّد زلّلات ألْسُنٍ، وكلام غاضب لرؤوس حديثة العهد بمعاني الدّيمقراطية وتقبّل الآراء المخالفة، ولا يؤخَذُ مثل هذا اللغط مأخَذَ الجدّ، ببساطة، وبلا أوهام، لأنّ الجبهة الشّعبية إلى حدود هذه السّاعة، هي تعبيرة على التقاء قوى الثّورة حول خطوط عامّة غير واضحة. وهي مشروع للإنجاز بالمعنى الحزبي. وبالتّالي لبست ملكًا لأحد.
#عزالدّين_بوغانمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
النهج الديمقراطي العمالي يدين الهجوم على النضالات العمالية و
...
-
الشبكة الديمقراطية المغربية للتضامن مع الشعوب تدين التصعيد ا
...
-
-الحلم الجورجي-: حوالي 30% من المتظاهرين جنسياتهم أجنبية
-
تايمز: رقم قياسي للمهاجرين إلى بريطانيا منذ تولي حزب العمال
...
-
المغرب يحذر من تكرار حوادث التسمم والوفاة من تعاطي -كحول الف
...
-
أردوغان: سنتخذ خطوات لمنع حزب العمال من استغلال تطورات سوريا
...
-
لم تستثن -سمك الفقراء-.. موجة غلاء غير مسبوقة لأسعار الأسماك
...
-
بيرني ساندرز: إسرائيل -ترتكب جرائم حرب وتطهير عرقي في غزة-
-
حسن العبودي// دفاعا عن الجدال ... دفاعا عن الجدل --(ملحق) دف
...
-
اليمين المتطرف يثبت وجوده في الانتخابات الرومانية
المزيد.....
-
مَشْرُوع تَلْفَزِة يَسَارِيَة مُشْتَرَكَة
/ عبد الرحمان النوضة
-
الحوكمة بين الفساد والاصلاح الاداري في الشركات الدولية رؤية
...
/ وليد محمد عبدالحليم محمد عاشور
-
عندما لا تعمل السلطات على محاصرة الفساد الانتخابي تساهم في إ
...
/ محمد الحنفي
-
الماركسية والتحالفات - قراءة تاريخية
/ مصطفى الدروبي
-
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ودور الحزب الشيوعي اللبناني
...
/ محمد الخويلدي
-
اليسار الجديد في تونس ومسألة الدولة بعد 1956
/ خميس بن محمد عرفاوي
-
من تجارب العمل الشيوعي في العراق 1963..........
/ كريم الزكي
-
مناقشة رفاقية للإعلان المشترك: -المقاومة العربية الشاملة-
/ حسان خالد شاتيلا
-
التحالفات الطائفية ومخاطرها على الوحدة الوطنية
/ فلاح علي
-
الانعطافة المفاجئة من “تحالف القوى الديمقراطية المدنية” الى
...
/ حسان عاكف
المزيد.....
|