|
التناقض الرئيس وحتمية الاستقلاب السياسي في السودان!
تيسير حسن إدريس
الحوار المتمدن-العدد: 4664 - 2014 / 12 / 16 - 11:04
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(1) ما تشهده ساحة العمل السياسي السوداني اليوم من ماراثون محموم، طرفاه تكتل القوى المعارضة التي وقَّعت مؤخرا في العاصمة الأثيوبية أديس أبابا على وثيقة (نداء السودان)، تقابله الكتلة الإسلاموية التي تتقارب أطرافها المتفاصلة بقوة جذب المصالح المشتركة وحب المحافظة علي الذات؛ هذا الحراك يمثل نذر عملية (استقلاب سياسي) حان أوان حدوثها ستجري على سنة عملية ((الهدم والبناء داخل خلايا)) الجسم البشري، وهي السبيل الوحيد المتبقي اليوم أمام المجتمع السوداني لاستعادة العملية السياسية لصحتها وتعافيها من بؤس الممارسات السياسية السابقة؛ حيث من المؤمل أن يحدث هذا التفاعل فرزا جذريا عميقا بين الكتلة التاريخية الداعية للانكفاء نحو الماضي والتقهقر إيغالا في ظلماته، والكتلة الوطنية المتطلعة لانعتاق الوطن من عصور الجهل والخرافة، والمضي قدما نحو فجر دولة المواطنة المدنية الديمقراطية ودون هذا الفرز الخراب الشامل وضياع وحدة السودان. (2) وليس من سبيل لاستعادة العمل السياسي لتوازنه ورشده والمحافظة على الدولة السودانية، ما لم يتعرض كامل المشهد السياسي الحالي لهزة عنيفة (الريخترات) تعيد ترتيب أسسه البنيوية على أساس يخدم ويسرِّع عملية هدم العقليات القديمة والقيم والسلوكيات التي استنفذت قوة دفعها الايجابي وغدت عالة على المجتمع، ومن ثم العمل الجاد على إعادة إنتاج قيادات فاعلة متجردة تراعي مصالح الوطن العليا، وتؤمن بقيم وأفكار قائمة على النزاهة والرؤى الاستراتيجي العلمية؛ تمكنها من قيادة المجتمع وفق معايير رشيدة ترتقي تلقائيا بفعالية المواعين المنظمة لنشاط الجماهير، وتدفعها نحو أداء دورها المرجو في عملية البناء والسير بالوطن نحو أفاق التقدم والازدهار. (3) والأمر أيضا يعتمد على مدى احتمال المواعين السياسية القائمة لتفاعلات عملية الاستقلاب الحيوية المعقدة ونجاحها من بعد في عقد شراكة إستراتيجية بين بعضها البعض - منظمات مجتمع مدني وأحزاب سياسية - وجعل هذا التحالف رأس الرمح في كافة أوجه الحراك المجتمعي باعتباره قاطرة التغيير الحقيقية التي تستطيع إعادة صياغة المفاهيم والرؤى المجتمعية بما يدعم مشاريع الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي فالتنظيمات السياسية والمدنية أيا كانت ليس الغرض من إنشائها مجرد التواجد والشعارات، وإنما الغاية من وجودها هو المساهمة في إحداث التغيير وملاحقة إيقاع العصر وتحصيل النتائج الايجابية التي تلبي طموحات المجتمع، في نشر الوعي وتحفيز المواطن ليضطلع بالأدوار الوطنية المطلوبة منه لبناء دولة معافاة قادرة على مواكبة التقدم الإنساني والاسهام فيه. (4) واقع حال السودان اليوم بعد ربع قرن من حكم النظام الإسلاموي يبدو بعيدا كل البعد عن هذه الغايات، وتنذر الأزمة الوطنية التي يرزح تحت عبائها بشر مستطير، فهو يوغل بقوة دفع حماقات الحركة الإسلامية السودانية في عمق أزمة وطنية طاحنة يصعب الخروج من شباكها، أو الفكاك منها، وإيجاد تسوية لتعقيداتها دون انجاز عملية (استقلاب سياسي) متكاملة، يقوم فيها الجسد السياسي السوداني عبر مسارات البناء والهدم بالتخلص من الأنسجة الهرمة، وبناء أنسجة شابة تتولى أمر قيادة حراك التغيير، وتمضي به قدما بطاقة حيوية متجددة قادرة على تخطي عقم أدوات النضال السابقة، واجتراح ممارسات سياسية حكيمة تحتوي سبيكة صهارتها على المبدئي الأخلاقي، بجانب العملي البراغماتي، في تناغم يغرس بذور قيم ومعايير حديثة، تعيد صياغة العقل الجمعي؛ وترتب الأولويات الوطنية وفق فهم جديد، يضع مصالح الدولة فوق ما دونها من مصالح شخصية وحزبية. (5) لقد آن أوان انجاز هذه المهمة السياسية الحيوية بالتوازي مع مسعى التخلص من سقم النظام الحالي، باعتبار أن النظام الإسلاموي -الذي وصل للسلطة عن طريق الانقلاب، وخرق الشرعية الدستورية، ثم استمر يحكم طوال هذا المدة- هو تعبير ومظهر من مظاهر الأزمة الوطنية ، الكامنة في الجسد الوطني منذ الاستقلال، وتتجاهل مكونات المشهد السياسي السوداني تأثيراتها السالبة، وترفض مجرد الاعتراف بها خشية دفع استحقاقات حلها، إلى أن سبق السيف العذل وتمكنت الحركة الإسلامية من السطو ليلا على البلاد، وراحت تمارس هوس برامجها الاقصائية، كاشفة عورة الجميع ؛ فقد عجزت مكونات المشهد السياسي القائم عن ردعها، والتصدي لخطر مشاريعها. (6) لقد بات جليا أن ما يوفر الأوكسجين للنظام الحركة الإسلامية المتهالك، ويطبع على شفتيه قبلة الحياة ليستمر في الحكم رغم الوهن والعزلة، هو التناقضات الثانوية بين مكونات المعارضة والتي أحسن النظام اللعب عليها، فغدا يتلون ويتخذ الموقف ونقيضه، فيطرح مبادرة للحوار الوطني ويعتقل محاوريه في ذات الوقت، لإرباك المشهد السياسي وكسب الوقت، ورغم استهلاكه الفج لهذا التكتيك لا زالت بعض مكونات الكيان المعارض تلدغ من جحره المرة تلو الأخرى، وفي هذا أيضا دلالة على ضرورة انجاز (استقلاب سياسي) يعيد ترتيب تناقضات الكيان المعارض ، ويعري تناقضات المشهد السياسي الكلية؛ لتتمكن القوى الثورية من تحديد (التناقض الأساس) بدقة، وتميز بينه وبين (التناقضات الثانوية) التي تشغل حيز مقدرا من تفكير كثير من القوى المعارضة وبتالي تأخر عملية نضوج اشتراطات الأزمة الثورية. (7) إن فشل مكونات الجسد المعارض في تحريك جماهيرها طوال ربع قرن، رغم أن الجماهير قد تحركت عشوائيا في أحيان كثيرة من تلقاء نفسها، وخاضت المواجهة عُزَّلاً ضد نظام مدجج بالسلاح، وسوء الخلق، دون أن تجد السند التنظيمي، وهذا شاهد ثاني يؤكد عمق أزمة مكونات المعارضة، فمهما حاول البعض تبرير الضعف وإرجاعه لطبيعة النظام العقائدي الباطش، وعدم توانيه في استخدام العنف المفرط ضد معارضيه -وهو صحيح- إلا أن هذا الواقع لا ينفي حقيقة ضعف أحزاب المعارضة، وهوانها، فلو وجدت السلطة الغاشمة ندًّا قويا ومهابا لما استمرأت اتخاذ العنف نهجا لحوارها معه؛ فمن الأجدى لمكونات المعارضة من أحزاب ومنظمات الاعتراف بأزماتها الداخلية، والعمل الجاد على حلها، وتوفيق أوضاعها حتى تسترد ثقة الجماهير (ففاقد الشيء لا يعطيه)، وحينها يسهل أمر إنقاذ الوطن من مخالب الحركة الإسلامية، وإرساء دعائم مشهد سياسي معافى. (8) ليس المقصود من هذه الدعوة في هذه المرحلة الحساسة تأجيل قضية تغير النظام، والتفرغ لتحديث الذوات التنظيمية ، مهملين أمر حل الأزمة الوطنية الكبرى، إنما المقصود أن تمضي مساعي التحديث و(الاستقلاب السياسي) بتوازٍ مع حراك التغير؛ حتى نتمكن من أنتاج واقع سياسي جديد تحكمه معادلات سياسية أكثر انضباطا تجنب الوطن والساحة السياسية إعادة تكرار الإخفاق الذي لازم ثورة أكتوبر 1964م، وانتفاضة إبريل 1985م؛ فالتحلي بنهج وفكر ثوري جديد، والتخلي عن عقم الممارسات الحزبية القديمة داخل المواعين التنظيمية، وخارجها أوساط التحالفات البينية والاهتمام بنشر الوعي وقيم الديمقراطية، قضية حيوية تضمن سلامة المخرج الثوري، وتقيه شر الاختطاف، والسرقة على يد قوى الثورة المضادة. الديمقراطية قادمة وراشدة لا محال ولو كره المنافقون.
#تيسير_حسن_إدريس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سَوْءة الجماعة!
-
مساومة أم تغيير راديكالي جدل الحصان والعربة!
-
العصا والجزرة الأمريكية وشد الأطراف السودانية!!
-
داعش الفصل الأكثر قبحًا في أسطورة فرانكنشتاين
-
نواطير المعارضة وثعالب النظام الشهد والدموع في المشهد السودا
...
-
اسْتِبْهَامِ الثورة السودانية !
-
نهج تدوير الأزمة السودانية!
-
التعويذة الوطنية أعمدة حصانة الوطن!!
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|