غسان صابور
الحوار المتمدن-العدد: 4663 - 2014 / 12 / 15 - 14:11
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
خــــلاف و اخـــتـــلاف...
حتى لا يغضب مني أصدقائي.. وهنا ألفت النظر أن كلمة "أصدقائي" كلمة شمولية عابرة... حيث أن لقاءاتنا رغم قدمها سنينا وأشهرا وأياما.. وحتى أحيانا ساعات على طاولة عشاء, عند عائلة ســورية جمعتنا ــ كلنا ــ ضروريات الغربة. ولكن كجميع السوريين لا تتوحد آراؤهم على أي شــيء.. ولكن تجمعنا شـاغلات مشتركة بسيطة.. مثل المطبخ والأكلات السورية.. وبالطبع.. الأحداث السورية خلال هذه السنوات الأربعة الأخيرة... والاختلاف قاعدة طبيعية مستمرة.. حتى على مواد أكلة وطريقة طبخها.. وهذا عائد أن "حرية الفكر والتعبير" والتي كانت أعتم وأصعب تـــابــو أيام طفولتنا وشبابنا, بقيت وما زالت محرمة ممنوعة كليا.. ولهذا السبب انفجرت التعابير والاختلافات آنيا هنا في الغربة.. لأنه ما من شــيء هنا.. مهما كان هذا الشيء متطرفا صريحا معاديا. لهذا الشأن أو ذاك.. يمنعك من التفكير والكلام.. بشرط ألا تخالف القوانين السارية المفعول, من مهاجمة السامية, أو الدعوات العنصرية. يمكنك أن تنتقد الدولة ورئيسها, كتابة وبيانا وتظاهرا. فلا يمنعك القانون... ومع هذا ومع انفتاح باب الحريات وحرية التعبير على مصراعيه.. يبقى بعض مواطنينا كما تربوا واعتادوا منذ طفولتهم وشبابهم ببلد مولدهم.. محاولين التحفظ وعدم التطرق إلى أي نقد للسياسة المحلية.. وخاصة لبعض مظاهر الأحداث العاداتية التقليدية والدينية التي بدأت تمارسها بعض الجاليات القادمة من شمال إفريقيا ومن العديد من البلاد المشرقية والعربية التي توافدت إلى أوروبا وفرنسا لأسباب معيشية اضطرارية.. أو لأسباب سياسية مرسومة عديدة.. تحدثت عنها بمقالات ســابـقـة... فئات تعودت على الصمت وعدم التدخل بهذه المواضيع الحساسة, رغم انتشارها وتكاثرها بوسائل الإعلام المحلية, نظرا لتظاهراتها ــ عــمــدا ــ بأشكال مختلفة متعددة, لا تنسجم و تخالف كليا عادات وتقاليد هذا البلد المضيف, بفرنسا أو في بقية البلدان الأوروبية.. إذ بدأت هذه الخلافات المظهرية والانطوائية والعاداتية والتقاليدية.. وحتى التشريعية والمذهبية, تأخذ أشكالا مثيرة لدى ســكـان البلد الأصليين.. وخاصة بكل ما له علاقة بعلمانية الدولة الفرنسية وتفسيراتها المختلفة.. حيث اختلفت غالب التفسيرات والتطبيقات.. باتجاه ما تريد هذه الجاليات تطبيقه, حتى لا تغير أي شــيء من عاداتها وشرائعها التي جلبتها معها من بلاد مولدها, دون أن تحاول تزويجها ولو بشكل بسيط معتدل مع القوانين والعادات والتقاليد المحلية للبلد الذي احتواهم, محاولا بكل إمكانياته أن يقدم لهذه الجاليات, كل الوسائل والخدمات حتى لا تشعر أنها أقليات أو غريبة أو مستوردة... لأن القوانين العلمانية السارية المفعول منذ بداية القرن الماضي (1905) تؤمن لجميع المذاهب, دون أي استثناء.. جميع الحريات والضمانات والمساعدات.. بشرط ألا تتدخل بقوانين وشرائع الدولة... وألا تتعارض مع " عــلــمــانــيــتــهــا " الواضحة.
وبعد هذه المقدمة الطويلة.. أعود إلى (أصدقائي) الذين يتضايقون بمجتمعاتنا السورية (المحلية) من كتاباتي التي أنوه فيها غالبا عن التصاق بعض من هذه الجاليات بعاداتهم وعودتهم للمظاهر اللباسية التي تعممت جماعيا بالبلدان التي تركوها.. كما التصقوا بالتحزبات والعادات والمظاهر اللباسية التي تشكلت إثر الأحداث الأخيرة.. وخاصة بكل ما يحدث على الأرض السورية يوما بيوم. منهم الموالي للسلطة السورية الحالية.. ومنهم الداعشي العلني.. ومنهم الحيادي.. والحياد الغامض.. والحيادي المتعدد الألوان والأشكال.. ومنهم المعارض الراديكالي.. ومنهم المعارض الفلسفي أو الشكلي.. ومنهم من لم يعد يربطه أي شــيء بالأهل أو بالوطن.. ومنهم من يعيش آنيا لحظة بلحظة ملتصقا كليا بكل ما يحدث من ألم وأسى ونكبات بهذا الوطن الجريح.. حسب الأحداث والبيانات الإعلامية التي تناقض بعضها البعض حسب المد والجذر على الأرض... وحسب المصدر الإعلامي.. ومنهم نخبة نادرة من المحترفين الأذكياء الذين لا يمكن أن تصل إلى حقيقة أفكارهم.. لأنهم لاعبو شطرنج بارعون. وهؤلاء من وقت لآخر ينصحونني بلباقة وذكاء أن أكــف عن التعبير بصراحة.. وأن أنوه عما يجري بجاليتنا بشكل عام.. حفاظا على ما ســمــوه بشكل دارج كالعادة, بكلمة طنانة فارغة " جمع الشمل " والذي تأكدت شخصيا وبعد اجتماعي عدة مرات ومكاتباتي مع (لا أستطيع استعمال كلمة مساطر Echantillons) لأن هذه الكلمة أثــارت غضبهم بإحدى كتاباتي, رغم أن هذه الكلمة الإحصائية بمعناها الفرنسي, لا يوجد فيها أي استخفاف أو تــحــد أو احتقار.. وأنا أعني بها "نخبة", أو نخبة منتقاة.. إذن بعد اجتماعي بهذه النخبة عدة مرات, تبين لي أن كل المحاولات لجمع الشمل معهم.. تعني بالنسبة لهم ألا تراجع ولا ميليمتر واحد عن معتقداتهم وعاداتهم وشرائعهم.. وأنه على الآخر أن يقبل بهذا الوضع الراهن.. ولا يقبلون كلمة "تصحيح" بعض الفواصل والجمل ببعض كتبهم ومراجعهم.. والتي تظهر بوضوح عداءهم للآخر.. وهذا الآخر ما عليه سـوى الصمت الكامل عن أية محاولة نقد, مهما كانت سلمية وإيجابية...
بالنسبة لي كان هذا التزمت المفتوح, وحتى من قبل أصدقائي(معارفي) القدماء المتسامحين, حتى لا يتفكك جمع الشمل,والذين اشتركوا بمحاولة نصحي وإســكــاتي.. وهذا ما أرفضه كليا وبشكل حازم راديكالي.. دفاعا عن حرية الرأي والتعبير.. وتسمية القطة قطة, دون حواجز, مهما كانت غايات وتفسيرات ضرورة هذه الحواجز, أو عدم نفعها على الإطلاق. لأن جمع الشمل هذا الذي يطالبون فيه, هو توحيد الرأي على رأي واحد.. يسود فيه التعامي عن كل النكبات والمصائب والتعصب الطائفي ومظاهره والاختلافات الفكرية والتي كانت السبب الرئيسي لما وصلنا إليه اليوم من عتمة وموت.. وداعش!!!...
يعني يطلبون مني أن أتنازل عن كل ما اكتسبته من حرية فكر وتعبير ومكاسب فكرية وسياسية وقانونية.. وأن نعود مئات السنين إلى الوراء.. لأنه هكذا كان.. وهذه هي عاداتنا وشريعتنا.. إن كنا في فرنسا أو في جزيرة الواق الواق.. ولا نتخلى عن أي شــيء.. ولا نتطور مع أي شــيء... (واللي مو عاجبو.. ينطح راسو بالحيط) وما علي سـوى أن أصمت وأتعامى.. من أجل " جــمــع الــشــمــل ".....
وهذا ما أرفضه كليا اليوم... وبدون أي تــردد. لأن جمع الشمل بهذه الشروط وبهذا الشكل, يعيدنا سنوات بعيدة مريرة إلى الخلف.. حيث كنا ننام ونستيقظ كــالــغــنــم مع أخطائنا وتعامينا وعاداتنا وتقاليدنا التي ترفض أي تطور مع حداثات الزمان والمكان.. وكنا نراوح بمكاننا متحملين الغباء والفساد والأخطاء.. دون أية محاولة للتفكير بالتغيير أو أية بادرة إصلاح فكري أو شرائعي أوتشريعي.. تاركين للحاكم والقضاء والقدر ..تسيير الأمور... (واللي بياخد أمي بسميه عمي)... ولهذا السبب وصلنا لــنــكــبــة داعـــش!!!...
لــكــل هذا يا أصدقائي... لـن أصــمــت ولن أعتذر كما طلب مني... لأنني قانع بأنني اؤدي خدمة وتضحية للحقيقية الحقيقية.. ولست مخطئا تجاهها.. وأنني ــ خــاصــة ــ اؤدي واجبي لها.. ولست ملزما بــالــصــمــت عنها مجاراة لرغبات معارفي وأكثريات ميول من يشكل جاليتنا السورية بهذا البلد... وأنا لم أعتقد بأي يوم من الأيام بأني ملزم باتباع رغبات وميول الأكثرية...لأنني لا أتــاجــر بأفكاري وبما اؤمن... وكل اجتماع " وجمع شمل " على ديمومة اختلاف فكر... لا يمكن إلا أن يؤدي كما وصلنا إلى " داعش " وإلى ديمومة استمرار فكر داعش.. ونكبات داعش.. وأخطاء داعش اللاإنسانية!!!.................
***********
عــلــى الــهــامــش :
ــ خبر نشرته جريدة لوموند Le Monde الفرنسية بنشرتها المسائية البارحة, عن منع كتاب الفيلسوف الفرنسي ألان باديو َAlain Badiou وعنوانه Eloge de l’Amour مديح الحب أو مديح الغرام... منع من دخول مصر.. وصودرت مجموعة الكتب المرسلة بمطار القاهرة, بأمر من السلطات المصرية بأعلى المستويات, كما تنشر الصحف المصرية المحلية مجموعة من التعليمات الصادرة عن القصر الجمهوري, يعني الجنرال السيسي نفسه.. تشير إلى تشديد الرقابة على ما يسمى العادات والتقاليد والاهتمام بالأخلاق العامة.. مثلما كان تشدد ما يسمى الشرطة الأخلاقية أيام الرئيس السابق المقال السيد مرسي... تشدد ظاهر على الحريات والعودة إلى الانغلاق والتزمت.. والعودة إلى ما فرضته في السابق جماعة الأخوان المسلمين التي سيطرت على الحكم.. وأن هناك اليوم مقارنات ما بين تصرفات الشرطة الأخلاقية, بإثارة توقيفات واعتقالات لأسباب تدعى " أخلاقية " وخروج عن "الأعراف والعادات الدينية " تفوق تصرفات الشرطة التي تغلغلت فيها جماعات الأخوان المسلمين سـابـقـا... دون أن تكون هذه الاعتقالات لها حقيقة قانونية بأي خروج عن الأخلاق والعادات الدينية أو الإســلامية... والأسباب الحقيقية لهذه الموجة من الاعتقالات, تريد أن تظهر إعلاميا أن سلطة الجنرال السيسي لم تتراجع ولم تخفف من دينية وإسلامية مــصــر.. كما كانت أيام السيد مــرســي وجماعة الأخوان المسلمين... بل تــجــاوزتــهــا.....
يعني عادت مصر الرائعة الضاحكة.. إلى صمتها وخريفها وتزمتها.. وتشدد رغبات شارعها وأكثريتها.
أتمنى لمصر والمصريين.. هذا البلد الذي أحبه والذي كان بمنتصف القرن الماضي منار الفنون والسينما والــحــب والموسيقا.. والحياة الضاحكة..
أخشى عليه عودة العتمة القاتمة وديمومتها..........
بـــالانـــتـــظـــار...
للقارئات والقراء الأكارم الأحبة.. كل مودتي وصداقتي ومحبتي واحترامي ووفائي وولائي.. وأطيب تحية عاطرة مهذبة.
غـسـان صــابــور ـــ لـيـون فــرنــســا
#غسان_صابور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟