|
مسودة دستور .. ومعضلة شعب..4
فاتن نور
الحوار المتمدن-العدد: 1306 - 2005 / 9 / 3 - 11:14
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
تناولت الكثير من الأقلام فاجعة جسر الكاظمية، وأنا لا أريد هنا أن أكرر ما تناولته تلك الأقلام سواءا في الصحافة المكتوبة او الألكترونية.. فهي بما لا يقبل الشك فاجعة كبرى ليس فقط للعوائل المتضررة من جراءها بل أنها مأساة أخذت موقعها من الألم في قلب وضمير كل عراقي وهو يرى عراق الغد معفرا بدماء الأبرياء من ابنائه..
ولكن هل كان ممكنا أن تكون تلك الفاجعة اشد وأعظم؟
حقيقة أنا أجهل الحمولة القصوى التي يمكن أن يتحملها جسر الكاظمية ولكني لا أجهل بأن لكل مبنى او هيكل هندسي طاقته القصوى في استيعاب الأثقال المسلطة او الواقعة عليه .. وأن مرور أطنان بشرية فوق جسر يجب أن لا يسمح به ألا بعد تحرير موافقة من الجهات الهندسية المختصة ...ولحسن الحظ (رغم قساوة ما حصل) أن الجسر لم ينهر بأكلمه وألا لكانت الفاجعة أوخم وأقسى وبدون تدخلات أرهابية نضع اللوم عليها أو على من لم يستطع السيطرة عليها لتقويضها ودحرها ...
من المسؤول فعلا عما حدث؟ لنعتمد هذا التسلسل التحليلي في الأجابة...
أذا كان المواطن العراقي لا يخشى الأذى والمخاطر ولا يخشى الموت وضاربا عرض الحائط كل تلك المفردات في سبيل أداء شعائره الدينية فلماذا لم يشهد العراق مسيرات دينية ألفيّة ولا أخرى مليونية طيلة نظام الحكم التعسفي البائد؟ أوليس عدم خروجه طيلة تلك الحقبة لأداء شعائره الدينية تعني الخوف من أن يصيبه الأذى والهلاك ؟ بالتاكيد نعم وتلك هي طبيعة الأنسان وكل الكائنات الحية..
حسنا... الوضع الأمني في العراق حاليا معلوم للجميع.. الأذى و المخاطر والموت ،مفردات شاخصة بجبروت في الشارع العراقي وهذه حقيقة لا غبار عليها... فما الذي تغير ليندفع المواطن العراقي بعد طول سبات الى الشارع ليمارس شعائره الدينية ؟
المتغير الوحيد هنا منطقيا هو رجل الدين وسلامته من جهة ،وعوامل التحفيز والتأجيج والأثارة الروحية المرتبطة برجل الدين من جهة أخرى.. ففي زمن الطاغية كان رجل الدين لا يجرأ على حشد البشر وتحفيزهم لممارسة شعائرهم الدينية خوفا على رقبته من أن تصبح في خبر كان .. لذلك فقد تصرف عامة الناس بحكمة، وبفطرة حب البقاء والأستمرار المفطور عليها كل كائن حي وبهذا تجنبت الهلاك بالأكتفاء بممارسة شعائرها الدينية في المنازل بأمان، فلم يكن هناك من يجرأ على تأجيج المشاعر في الجوامع والمساجد وبالخطب الطنانة..أما وقد اصبحت رقبة رجل الدين مصانة ، ورغم بقاء الخطر الذي قد يلحق بالآخرين فأننا نرى تأجيج المشاعر وخطب الترغيب والتشويق على قدم وساق ولهذا بدأنا نرى أمثال تلك المسيرات المحفوفة بالمخاطر..
وبهذا قد يقع اللوم الأكبر على رجال الدين ومنابرهم الصادحة لحشد البشر بمثل تلك المسيرات المهوولة (التي لا يمكن أن تكون عفوية.. بل بتنظيم موجه ومجرد من أي دراسة للعواقب والمحاذير)، والتي تنطلق في شوارع متوترة وبلا سقف آمني .. بدلا من حشد الصبر والتصبر، التروي والتأني، في نفوس المتحمسين لأداء شعائرهم الدينية وفي ظروف واقعة في قبضة الأرهاب والجريمة والصراع من جهة.. وخارجة عن قبضة الحكومة من جهة أخرى..
(وأنا هنا لا اريد أن أنزل اللوم على كل رجال الدين فمنهم الأخيار الأتقياء..) .....
أوليس الصبر أيمان وعبادة ..والله مع الصابرين، أم أن رجال الدين وبأنغماسهم في السياسة والتسييس قد تناسوا مسؤولياتهم وواجباتهم الدينية لتوجيه العامة نحو التحلي به لتجنب حدوث فواجع من هذا النوع.. أم لأن الرقاب مصانة لذا فلتصدح الحناجر التي أرتخت أوتارها طيلة عقود خوفا، وليلحق ما يلحق بالأبرياء من ضرر ..؟
على المواطن العراقي أن يعتمد الحذر واسلوب الحماية والوقاية الذاتية..( مثلما يقول المثل .. عقلك في راسك ..تعرف خلاصك..) وأن يضع نصب عينيه حقيقتين...
1. ان حكومته الحالية غير قادرة على حمايته، وأن الظرف الراهن هو ظرف عصيب يشوبه التناحر والتنازع من قبل التكتلات السياسية والدينية في البلد من جهة ، كما يشوبة التسيب والأنفلات الأمني والأستعراض الأرهابي من جهة أخرى، وأن وضع مسؤولية الفواجع التي ليس لها اخر في البلد على حكومة غير قادرة على حماية ذاتها وحماية أجهزتها الأمنية وهزيلة الأمكانيات سيكون من باب العبث الذي لا يأتي من ورائه اي مكسب وعلى الأقل في هذا الظرف العصيب..
2. كما عليه أن يعي بأن هناك من يريد أن يستثمر مشاعره الدينية الجياشة ويسخرها على شكل زرافات بشرية متدافعة من نساء ورجال واطفال وجموع لاهثة بعد طول كبت ، ويوظفها لتحقيق فوائد سياسية او أظهار ولاءات سياسية ترجح كتلة سياسية على أخرى إن لم أقل طائفة على أخرى...
قد يسأل سائل ... لكن ماهي علاقة فاجعة الكاظمية.. بمسودة الدستور.. ومعضلة شعب.. ؟
أقول.. العلاقة حميمة جدا فتلك الفاجعة النكراء تكشف لنا عن فواجع اخرى.... فاجعة الأستثمار.. إستثمار عواطف البشر الدينية وخلجاتهم الروحية الفطرية لتحقيق فوائد لاتمت للدين بصلة..أنها فاجعة زج النساء والأطفال والشيوخ والبسطاء في مهب الريح السياسية ورياح الأرهاب الذارية..فاجعة تلبيس الدين بالسياسة والسياسة بالدين... ومسودة الدستور خير شاهد لمن يريد أن يقرأ ويحلل،..والبقية......... ستأتي....
#فاتن_نور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مسودة دستور.. ومعضلة شعب ..3
-
مسودة دستور... ومعضلة شعب...2
-
مسودة دستور.. ومعضلة شعب 1
-
أين... وطني؟
-
تصدعات جنوبية.. بين السيكارة وعقبها
-
أنثى..
-
غريب.. بين الرصيف والرصيف
-
!! صدام.. ثروة قومية لا يستهان بها
-
البعث خطار قاصدنه
-
ويح اسمي والوطن......فضفضة حول تطويع الدين لخدمة الأرهاب وال
...
-
ولماذا لا اسخر؟
-
نفحة ٌ.. من أور
-
القدس.. التهويد.. ومواء القطط
-
ميزوبوتاميا..ودواليب الخزف
-
الحركة العمالية العراقية.. بين زمنين
-
عراق (الدين) والمصباح السحري
-
بين دجلة.. واسرارها
-
حُب ورسالة.. بمفردات سياسية..
-
من تداعيات فوضى المدائن
-
في العراق.. صراع حتى النخاع
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|