محمد محبوب
الحوار المتمدن-العدد: 1306 - 2005 / 9 / 3 - 08:28
المحور:
حقوق الانسان
رغم عظم فاجعة جسر الأئمه المروعه والتي حصدت أرواح أكثر من ألف ضحيه معظمهم من النساء والشيوخ والأطفال , فإن الكاتب العراقي وأعني بالتحديد الشيعي مازال مترددا خائفا في تحديد الأطراف المسؤوله عما حدث في الأربعاء السوداء , مثقفوا الداخل أنتقلوا من رعب النظام السابق وأجهزته الأمنيه القمعيه الى الخوف من الأحزاب النافذه وميليشياتها المسلحه , ومثقفوا الخارج رغم بعض الإستثناءات القليله لايمتلكون الجرأه على مواجهة تيارات التجهيل العارمه التي تحظى بتأييد الملايين من البسطاء والمُظللين الشيعه في سواء في الداخل أو الخارج , هذه التيارات المتخلفه التي أعتادت اللعب بعواطف الشيعه البسطاء وإستغلال حبهم الكبير لإهل البيت عليهم السلام لإغراض التحارب السياسي.
قبل أسبوعين من الإربعاء السوداء بدأت حملات محمومه لإستنفار الناس لزيارة الأمام موسى الكاظم
( ع ) من قبل الأحزاب والجماعات الأسلاميه الشيعيه ولاسيما من قبل ماصار يعرف بالصدريين
( التيار الصدري ) والبدريين ( منظمة بدر التابعه للمجلس الأعلى للثوره الإسلاميه ) الذين يخوضان تنافسا محموما على إستقطاب البسطاء وإستعراض مظاهر القوه والنفوذ , الأمر الذي بلغ
حد زعم العديد من الشيوخ والخطباء في حسينيات مدينة الثوره من إن هذه الزياره تعادل ألف
ألف حجه !!
والمضحك المبكي إن جنرال المجلس الأعلى الشيخ ـ الأفندي باقر صولاغ وزير الداخليه راح يتغزل بهذه الكارثه الإنسانيه المروعه محاولا الربط بين إلقاء جثمان الأمام موسى الكاظم على جسر الرصافه ببغداد وبين مقتل المئات من الأبرياء على جسر الأئمه الذي يربط مدينتي الكاظميه والأعظميه , حيث يزعم إن هؤلاء قدموا أرواحهم فداءا للأمام وحبا لإهل البيت ( ع ) وهو أمر عادي في نظره ولايدعو للإستغراب والمسائله مؤكدا إنه يحدث دائما ...
ولم تغب هذه الفرصه عن عمار الحكيم حيث أطل علينا بإبتسامته العريضه ليلقي المسؤوليه كعادته دوما على مشجب الصداميين والتكفيريين ويخرج منها سالما وكأنه ومؤسسته الأخطبوطيه , مبلغوه ومبلغاته الذين أعدهم على عجل ونشرهم في أنحاء العراق لم يحرضوا البسطاء على الخروج في هذه
( الزياره ـ المظاهره ) المليونيه..
مقتدى الصدر الذي حشد الألاف لهذه ( الزياره ـ المظاهره ) في إطار الحرب البارده التي يخوضها مع حزبي الحكيم والجعفري , الصدر ألقى بمسؤولية ماحدث كعادته التي تعلمها من حسن نصر الله والحكومتين الإيرانيه والسوريه على قوات الإحتلال محاولا التنصل من إية مسؤوليه في توريط الناس ودفعهم الى حتوفهم , الشعور بخطورة الموقف والضغوط جعلته يلغي دعوة سابقه لإنصاره لزياره مليونيه في النجف بمناسبة المبعث النبوي الشريف وذلك بهدف أستعراض عضلاته وقوة نفوذه أمام النجفيين الساخطين عليه.
إن الأمر الأمر لخطير والحادث لجلل وطالما حذرنا من تيارات التجهيل التي تتخذ من الدين والمرجعيه الدينيه بنفوذهما الكبير على الملايين من المضللين والبسطاء لتحقيق مكاسب سياسيه على حساب أرواح الشيعه البسطاء , هذه الدكاكين التي تقودها غالبا أسر ثريه مترفه تشتغل في الدين وتعتاش منذ مئات السنين على مص دماء الفقراء من الشيعه تحت أغطية الخمس والزكاة والنذور , ولا أذيع سرا إذا قلت إن الصدريين والبدريين وغيرهم من الجماعات الدينيه كانوا يتحدثون عن قيام عبد المجيد الخوئي بسرقة أموال الخمس والزكاة بعد وفاة والده المرجع الديني الكبير أبو القاسم الخوئي وإستثمارها في لندن وكانت هذه القضيه أحد أسباب مقتله على يد إتباع مقتدى الصدر , كما إن النجفيين يتداولون روايات كثيره ومنذ سنوات طويله حول حالات الإثراء السريع والإختلاسات من بيت المال من قبل أولاد وبنات وأسر رجال الدين في النجف وكربلاء.
كانت رجال الدين دوما حلفاء لشيوخ الإقطاع ضد فقراء الشيعه من الفلاحين المعدمين وكانت النجف ترسل ملالي متخلفين يقومون بمص ماتبقى من دماء الفلاحين المصابين بأمراض فقر الدم وسوء التغذيه , وغالبا مايتخذ هؤلاء الملالي مكانهم في حاشية شيوخ الإقطاع مناصرين لهم , ويستغلون بساطة الفلاحين ويسرقون قوت الفقراء بذريعة خرافة النذور ولا سيما في جنوب العراق.
هذا التسليم الأعمى لرجال الدين ولهذه الأسر النجفيه المترفه على حساب الفقراء قاد الشيعه من كارثة الى أخرى , فمن الفتاوي التي أطلقها رجال الدين منذ عشرينيات القرن الماضي لمنع الشيعه من المشاركه في بناء الدوله العراقيه الحديثه وتحريم العمل فيها الى التآمر مع البعثيين والقوميين ضد الزعيم الوطني الخالد عبد الكريم قاسم الذي أنصف الشيعه ورفع الذل عنهم ومرورا بتشويه إنتفاضة الشيعه ضد صدام حسين عام 1991 من خلال رفع شعارات تطالب بإقامة دوله إسلاميه شيعيه في وسط وجنوب العراق الأمر الذي أثار قلق الولايات المتحده ودول الجوار العربي.
واليوم فإن هذه الإقطاعيات الدينيه والتي تحولت اليوم الى أحزاب مازالت تصر على المضي في نفس الطريق الذي ضلل الشيعه وأهلك حرثهم ونسلهم وأذلهم وجعلهم مسبة بين الأمم , مازالوا يحاولون السباحه عكس التيار الجارف غير مكترثين بحاضرنا ومستقبلنا , مصرين على عدم مسايرة الحضاره البشريه في بناء دوله ديمقراطيه متحضره تحترم المعاهدات والإتفاقات الدوليه التي تمثل عصارة التجربه الإنسانيه , مطلقين الشعارات الدينيه التي تثير قلق الشركاء والحلفاء ودول الجوار.
إن المرجعيه الدينيه وهذه الأسر الدينيه المتنفذه لم تقم بواجبها يوما في تنوير البسطاء من الشيعه بل سعت دوما الى إغراقهم في ثقافة اللطم وشج الرؤوس وتقديم النذور والإنكفاء على الذات بذريعة هذا مايريده العوام , إنهم كانوا ومازالوا ينظرون الى عوام الشيعه نظره إستعلائيه ويصفونهم ( المعدان ) أي المتخلفين ..
ورغم تاريخها الطويل لم تقدم حاضرة النجف وحوزتها شيخا وخطيبا متنورا أفاد البسطاء والمثقفين معا بإستثناء الشيخ العظيم الراحل أحمد الوائلي , وهنا أروي حادثه مانسيتها أبدا حيث أصطحبني والدي يوما الى مجلس كبير للشيخ الوائلي في مطلع سبعينات القرن الماضي وبعد إختتام المجلس كان أبي يود أن يستفتي الشيخ في مسأله أشكلت عليه فوجدنا بين يديه رجلا عجوزا هزيلا شاحبا أحدودب ظهره من ثقل القهر والذل يمرغ وجهه في التراب بين قدمي الشيخ الوائلي متوسلا باكيا راجيا شفاعة الوائلي له أمام مولانا العباس ( ع ) , قال هذا العجوز المسكين إن المله الذي أوفدته الحوزه الى قريته أمره أن ينذر أربعة دنانير لمولانا العباس حتى يشفى ولده المريض , وهو الآن غير قادر على الوفاء بهذا النذر , لهذا فإن الأمام العباس دخل رأس الولد مهددا متوعدا في حالة عدم تسديد النذر , ويبدو إن الولد كان مصابا بحالة حمى وهذيان , فهدأ الشيخ الوائلي من روع المسكين وقال له نذرك في عنقي وهذه أربعة دنانير هدية لك من الأمام العباس وسوف تجد ولدك معافى إن شاء الله.
نسمع كثيرا عن دور الإصلاحيين في إيران ولكننا للأسف لم نسمع يوما عن دعوة لإصلاح الفكر الشيعي أو لإصلاح المرجعيه الدينيه في النجف , واليوم في ظل الحريه لا أحد من علماء الدين الشيعه يهتم بالإصلاح والتحديث وإنقاذ البسطاء من الجهل والخرافه , مازالوا يرددون أمامهم ذات الخطاب الذي يعظم الزياره ويجعلها تعادل ألف ألف حجه , ومازال المشعوذون الدجالون يمسكون أبواب مراقد الأئمه للإحتيال على الفقراء وجباية النذور منهم.
وحتى عندما أرادوا أن يكتبوا دستورا دائما للبلاد جاءوا بشيخ معمم وفرضوه على شركائهم وعلى الأمريكان رعاة العمليه السياسيه في العراق دون مراعاة للحساسيات المرتبطه بدور رجال الدين الشيعه في الدوله , وأصروا على حشو الدستور بعبارات إسلاميه مثيره للقلق بقصد تنفير الولايات المتحده من الشيعه وإستعدائها عليهم وإفتعال خلافات مع الشركاء في العمليه السياسيه في هذا المجال.
إن أحدى أهم وسائل مكافحة الإرهاب وتجفيف منابعه تتمثل في إبطال ذرائعه وفضحها أمام المتعاطفين معه والمتورطين فيه , وليس في إعطاء الإرهاب مزيد من الذرائع من خلال المطالبه المستعجله وغير المدروسه وقبل ثمانيه وأربعين ساعه فقط من إنتهاء المهله المحدده لكتابة الدستورلتأسيس فدراليه شيعيه , هذا على سبيل المثال لا الحصر.
من السهل جدا أن نلقي تبعات كل الأخطاء على الصداميين والتكفيريين , وماذا بعد هل يعيد هذا
أباء الأيتام , هل يعيد أرواح شهداء مرآب النهضه الذين قتلهم الأرهابيون ردا على الإعلان الحماسي
لعبد العزيز الحكيم عن فدرالية الشيعه التي لم تكن يوما على أجندته كما لم تكن على البرنامج السياسي لقائمة الإتلاف العراقي الموحد.
وأية كلمه يمكن أن يقولها هؤلاء الذين دفعوا بالفقراء الى مظاهرات مليونيه تحت غطاء زيارة الأمام موسى الكاظم ( ع ) لأستعراض مظاهر القوه والنفوذ السياسي فيما بينهم , هل تنفع الضحايا والأسر المنكوبه كلمات الجنرال الشيخ ـ الأفندي صولاغ عن الربط بين حادثتي الجسر في الأمس واليوم.
إن القوى والشخصيات الشيعيه المثقفه الديمقراطيه ينبغي أن تغادر أسوار السلبيه وتمسك بزمام المبادره لتوجيه الناس وقيادتهم الى بر الأمان ولاسيما بعد إن بدأت تتكشف فضائح الأحزاب التي تتخفى بغطاء الدين , بدأت الناس في بغداد ومحافظات الوسط والجنوب تتداول قصص عن هذه الفضائح الماليه والإداريه التي فاحت رائحتها وبعدما صار الغسيل القذر يُنشر على حبال مواقع
النشر الألكتروني.
كاتب من معدان الشيعه !
#محمد_محبوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟