|
إبراهيم اليوسف الكردي الممنوع من الصرف
ابراهيم محمود
الحوار المتمدن-العدد: 1306 - 2005 / 9 / 3 - 10:55
المحور:
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير
.
" إلى ابراهيم اليوسف، ستبقى داخل المكان رغم أنف خارجه"
يبدو الكردي راهناً في أكثر لحظاته التاريخية إثارة للشبهات، ليس لأنه يسعى كما يسعى غيره إلى التعبير عن نفسه، في ضوء المستجدات الحالية، وإنما لأن الذين يريدون تمثيله بوصفه الحاضر الغائب، أو الحي الميت، وأنَّى التفت المعنيون بأمره: طي جمره، يجدون أنفسهم الغائبين بالفعل رغم حضورهم، والموتى المعدومي الأشكال رغم تجليهم حياتياً، ولهذا تكون تبعات التهم الموجهة للكردي مضاعفة.
أتحدث هنا عن رقعة جغرافية شاء لها التاريخ المرقع أن تتسور حدودياً ذات يوم ، ليكون الكردي في بعض منه، مأخوذاً بفذاذة بعض جغرافيته، كما لو أن العصر الرقّي لما يزل قائماً، رغم دخول الكثير من العالم في مرحلة ما فوق الحداثة وليس ما بعدها، ورغم أن المتحدَّث عنه يشابه الأطراف الأخرى، لحظة تغيير الأسماء، فالجهات واحدة والأسماء واحدة، وفي الجهات والأسماء يحضر الكردي الضميرالمستترفي عرف القيمين عليه، والفعل الذي يهاب جانبه مضمراً، كما هو الاسم الممنوع من الصرف، رغم كل ضروب التحويل فيه.
الرقعة هي سوريا، والقيمون على الرقعة هم الذين يطوبون المكان بأسمائهم أعطيات ذاتية أو هبات أو مكرمات أو علاوات خاصة، كما لو أنه في اللوح المحفوظ، بوصفه عروبي الحسب والنسب، وباسم أمة اجتباها الله لتكون لغتها لغته دنيا وآخرة وليس العكس ، وهي المعنية به( بالمكان ذاك) مجسَّداً، ليكون الكردي خارج التاريخ المجتبى، بوصفه القادم من جهة إله عاق شِركي، ومن أمة وهم ، ومن أرض خيالات، حتى لو كانت كردستان الممهورة بأختام مواقع ولغات من فجر التكوين، حتى لو كان الشهود أحياء رغم قدم عهدهم من( واسيكاني) إلى ( Girê Mozan) و(تل ليليان) على الأقل، ومن خلال الميتانيين العملاء لأعداء أمة كانت في حكم المجهول عهوداً سحيقة، والميديين الدخلاء على أرض لشعب لم تش به نطفة بشري في محيطهم وقتذاك، والحوريين الامبرياليين نهَّابي ممتلكات أقوام رحَّل، كان عليهم انتظار قرون طويلة ليظهروا، حتى لو اتفق الأركيوليوجيون كافة على أن الكردي ليس كائناً مستحدثاً، وقدموا أوراقهم الثبوتية لرموز الأمن المفوضين بالتحدث باسم ملكوت مطوطم مُتبَون عروبي المنحى قوموي العلامة، مقرري مصائر شعب بكامله، وسباقي مسافات طويلة لإعلان حالة حصار على الكردي هنا وهناك، هروباً من هزائم، لا هزيمة وحيدة ملحقة ومحدقة بهم، عاجزين عن مواجهتها.
-2-
كأن المطلوب من الكردي أن يعتمد لغة الصراخ، ليثبت فيه حكم القيمين عليه، لأن ليس له لغة خاصة به، وها هي لغته جسده، وهاهو جسده ملؤه الصراخ، وهاهو صراخه أنات وتأوهات، دون التدقيق في لغته التي يؤرشفها التاريخ، ولا أعتقد أن القيمين الضاديين هنا قادرون على استيعابها لفظاً وتلفظاً ونحواً وصرفاً وقواعد مختلفة، ليس لأنهم عاجزون فعلاً عن بلوغ مراتبها اللسانية والصرفية، بقدر ما أن التطويق الأمني الاستثنائي والكاريزمي اللغوي المناقبي( المعسكراتي الفتحي) الذي يعلنونه على أنفسهم، ولو بها تثريب، يقصيهم عن مقاربة أي لغة تبلورت تاريخياً وداخل بوتقة جغرافية شاءت لهم إرادة قدرية خاصة أن يفعّلوا تاريخاً ضادياً لهم فيها، وما ملكت يمينهم من حيازة ما يخص سواهم ضمناً، اعتقاداً قدرياً بالمقابل في أن اللغة الضادية والضدية تلك، تكفيهم ما بقي دهرهم، استغناء عن لغات الغير: الضير، والكردية هي في صدارة الخارج عن مألوفهم.
كأن المطلوب من الكردي أن يقول ( لا) باستمرار، ليقول القيمون عليه أن انظروا إلى هذا العاق التاريخي الذي يُعرَف بـ( لا) فقط، وكيف أن ( نعم) غير موجودة في قاموسه المحكي اليومي، ليصعّدوا من كثافة أدرنالين غيّهم وعنفهم فيه، وليروّضوا فيه(لا:ءه) المزمن، مع المعرفة المسبقة أن ( لا:ءه) تلك، لم تتشكل إلا لأن ممثليه اللامعتبرين لم يقولوا يوما ما له ( نعم) لما تقول أو تفعل. فـ(لا:ؤه) المتصاعدة والمستفحلة، أثر مكين، ونتيجة لتلك الـ( نعم) المعدومة، وأن الكردي المعرّف بـ( لا:ئه)، هو الحالة الصحية الوحيدة لتأكيد كينونته، لئلا يفقد مناعة الـ( نعم) المنشودة، خارج سياق/ نطاق / فتاق القيمين عليه بفتاوى محكمة قدر استطاعتهم.
تُرى كيف يرد الذبيح على سكين الجلاد سوى بالخرخرة والصراخ المتقطع، وهو ينزف دمه التاريخي على عتبته الجغرافية، وهو يتحصن حتى الرمق الأخير داخل ( لائه) ضداً على ( نعم) هلامية، شأن أصحابها؟
-3-
يعيش الكردي في النطاق/ الخناق السوري راهناً، كما حال الكثيرين من أمثاله، لكنه مستثنى بعلامات تجرده أكثر من كونه انساناً مختلفاً خارج المعجم العروبوي العفلقي المتورت يقيناً في دين يفتقد يقينه التاريخي الهبابي، على مذبح شهوات أخوة الضاد وصحابتها وتابعيها وتابعي تابعيها من الذين يحللون أعراض الكردي وماله ودينه اللادين تقويماً، وفي وضح النهار، وهم يتلمظون، بحراسة معلومة تشاركية، كما يشهد بذلك التاريخ القريب جداً، قبل البعيد جداً، يعيش وباء التمييز ضد اسم دال عليه، وضد فعل هو دليله فيما هو فيه، وفكر هو مدلوله العملي واقعاً.
إنها جملة التهم الفارطة التي تطاله، لتخفيف وزر الذين لم يفلحوا من سلالة الضاد النجباء، في تأكيد ذواتهم تاريخياً، وخوفهم من تذرير المتبقي فيهم، تحت وطأة بلاغة الضاد المقدسة أو المتعالية بحكم صراطية فحولة تتوقد غريزياً: الإرث المحبب ممن يتشجعون على المضي قدماً في تأكيد رسالة أصولها في الأعماق الأرضية وفروعها في السماء السابعة، نوعاً من المصعد المتخيل، خروجاً من دنيا مباحة لهم، ودخولاً في جنة متاحة لهم.
أني اتجه الكردي فثمة ملثَّم، قاطع طريق عليه، أنى تحدث فثمة تسفيه لما يقول، أنى مارس عملاً فثمة تأثيم له.
محكوم هو الكردي حتى اللحظة، في النظفة التي تحفظ نوعه، بوصفها ارهابية ( لائية) تماماً، في الرأس الذي يتوسط كتفيه، لأنه يماثل الـ( لا) تلك، في الذين ينجبهم، لأنهم يتابعون ويكملون خطى الأجداد، رغم أن خطاهم لا توسع طريقاً يضايق معابر الآخرين، بقدر ما تربط إيقاعاتها بحركة الليل والنهار ضماناً لحياة رمقية، كما يبدو، في الذين يفصح عنهم، بوصفهم ضرباً مروّعاً من ضروب العنصرية، أو الشعوبية السيئة الصيت، دون التدقيق كلياً في المسببات الفظائعية التي تدفع بالكردي هنا، ليقول (لا) لكل التاريخ الذي يستهدف تصفية الكردية فيه.
-4-
ليس للكردي إلا أن يقول ما يدركه، ليس له إلا أن يقوم بفعل ما يؤكد وجوده، وليس على الآخرين هنا، سوى أن يقوموا بذكر القرائن، أن يقاربوا مدى عافية القول، وشفافية الفعل، لتقويم شخصه. هذا هو الرهان للحكم عليه.
تُرى ما فحوى القبض على الكردي ساعة أو لحظة يشاء المعتبر نفسه قيماً عليه، وفي أي مكان كان، استناداً إلى تقرير مستنسخ أو تدبير مفخخ أو تحوير مؤرَّخ، والزج به في سجن أو في قعر زنزانة أُعدت له قبل ولادته؟ سوى هذا الإلحاح الفضائحي في التعبير عن بربرية تقويم له، عن رفض عبثي له، تجاوباً مع أحادية ذات، تخشى على ذاتها تلك من الهدر، بوجود من اعتاد الجدية في القول والفعل؟
أي قيمة لهؤلاء الذين يأتون من كل فج عميق صفيق، من ذوي البزات المموهة والصريحة، واللهجات المكسورة والمشدودة والساكنة النهايات، في رفقة بطانتهم، خفيفي الوزن تباعاً، ليجربوا كل الحقد الذين أُورِثوا إياه والذي تعلموه وتلبسوه واستطعموه تحت راية عقائدية ضادية محكمة، في الكردي : صغيراً أو كبيراً، رجلاً أو امرأة، مريضاً أو معافى، مدنياً بالاسم أو عسكرياً منزوع الحيل، سنيناً من تجذير المواهب التي لا مهوى لها إلا حيث يكون الكردي في أرضه اللاأرض، وفي بيته اللابيت وفي مقر عمله اللامقر، ليرجعوا ثقالاً مبغددين ملحَّمين مشحمين مشفوعين بمكافآت وترقيات وأرقام حسابات مالية، وذكريات متعية، يعرفها الآثمون المقربون منهم؟
أي جريرة للكردي، حين توقيفه، سوى أنه يفتح عينيه على وسعهما، حرصاً على وطن لا يخص كرديته وحدها، وعلى عالم يؤخذ بسحر إيقاعه، ليكون وطنه المحكوم به كائناً فيه؟ أليس لأنه يرى في المحيطين ما لا يريدون أن يُروا فيه؟ أليس لأن الجرم بات العلامة الفارقة لمجمل الذين يعرّفون بأنفسهم أولي المجتمع هنا وهناك؟
تُرى باسم أي قانون، ووفق أي مادة مدسترة، يطرد الكردي من وظيفته، أو يجري تغييرها ، سوى قانون اللاقانون، سوى ما جاء به الدستور الذي يخص أهل/ لا أهل الحل والعقل؟
كيف تدار وظيفة خارج حرفيتها المدرَّب عليها؟ كيف يؤدي موظف المطلوب منه، وهو غريب عنه؟
كيف يبرز الكردي الكفء والجدير بالتقدير مثيراً للشبهات؟ وفق أي مقياس تكون الأحكام/ الآثام هنا؟
كيف يكون طريد كردي مثل ابراهيم اليوسف( رغم أن الـ: مثل هذه، غير دقيقة تماماً)، كأكفأ صحفي في تتبع مشاهد الخطأ والزيغ في مجالات مختلفة من مجتمعه الذي يعيش فيه، عدا عن كونه شاعراً، عدا عن كونه مدرساً يحمل مجتمعه المتعدد الأطياف في رأسه، في خانة العاقين المبعدين عن مركز عملهم، فقط لأنه يفتح عينيه على وسعهما، وهذا مالا يتمناه من يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن الحرث والنسل، بتعددية مراتبهم ورتبهم؟
هل حقاً بات السكوت عن الخطأ فضيلة قومية عروبوية بعثوية أمنوية، وعلامة العفة الوطنية الوحيدة لمن يريد استقراراً في وطن يرتج من ألف المتصحر فيه إلى ياء المتلوث فيه؟
هل حقاً بات التستر على العيوب والنواقص(وما أكثرها/ أوفرها) علامة اليد المنتجة في البلد؟
تُرى هل يمكن حصر عدد الذين يريدون جعل البلد هذا أثراً بعد عين؟ لا، فقط يمكن تعداد الذين كلما ذُكِر اسم الوطن/ البلد بحضورهم، أغلقوا أعينهم حرصاًعليه.
يبقى الكردي الاسم الممنوع من الصرف، رغم كل صنوف القهر فيه. هذا ما يدركه المتربصون به منذ عهود طويلة، والذين لا يرف لهم جفن خوفاً منه أو كرهاً له، كلما ذُكِر الكردي أمامهم، فهم وحدهم يعلمون أي خطيئة تاريخية ارتكبوها ويرتكبونها بحقه في طول البلاد وعرضها
#ابراهيم_محمود (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة عزاء إلى الارهابيين ومن معهم من إرهابي مضاد ... على خل
...
-
بين حجب الموقع وحجب الانسان
-
سلامات يامحمد غانم ولكن
-
من يثير الدولة في سوريا:في ضوء أحداث القامشلي؟
-
القامشلي،وحدث القامشلي
-
محمد غانم يأكل من خبزالتنور الكردي
-
عزائيات لكاوا والأم الكرديين
-
من يحدد مصير الشعوب؟
-
فتنة المثقف الصدامي
المزيد.....
-
مزارع يجد نفسه بمواجهة نمر سيبيري عدائي.. شاهد مصيره وما فعل
...
-
متأثرا وحابسا دموعه.. السيسي يرد على نصيحة -هون على نفسك- بح
...
-
الدفاع الروسية تعلن حصيلة جديدة لخسائر قوات كييف على أطراف م
...
-
السيسي يطلب نصيحة من متحدث الجيش المصري
-
مذكرات الجنائية الدولية: -حضيض أخلاقي لإسرائيل- – هآرتس
-
فرض طوق أمني حول السفارة الأمريكية في لندن والشرطة تنفذ تفجي
...
-
الكرملين: رسالة بوتين للغرب الليلة الماضية مفادها أن أي قرار
...
-
لندن وباريس تتعهدان بمواصلة دعم أوكرانيا رغم ضربة -أوريشنيك-
...
-
-الذعر- يخيم على الصفحات الأولى للصحف الغربية
-
بيان تضامني: من أجل إطلاق سراح الناشط إسماعيل الغزاوي
المزيد.....
-
حملة دولية للنشر والتعميم :أوقفوا التسوية الجزئية لقضية الاي
...
/ أحمد سليمان
-
ائتلاف السلم والحرية : يستعد لمحاججة النظام الليبي عبر وثيقة
...
/ أحمد سليمان
المزيد.....
|