|
تحديات المجتمع المتخلف للدولة
صاحب الربيعي
الحوار المتمدن-العدد: 1306 - 2005 / 9 / 3 - 10:54
المحور:
المجتمع المدني
تعاني المجتمعات التي تعرضت للتجهيل من أنظمتها الاستبدادية من عدم إدراك لمصالحها وتفتقد لروح المسؤولية ويضعف ولاءها للوطن وتصبح أسيرة أوهام وخرافات بالية وتتفكك الأواصر بين أفرادها لتصبح عبارة عن ولاءات مناطقية وفئوية وقومية ضالة تحاول فرض توجهاتها على الواقع باستخدام العنف والقوة لتحقيق مصالحها وعلى حساب بقية الفئات الاجتماعية. وتصبح سهلة الانقياد من الزعامات العشائرية ووكلاء الدين والمافيات نتيجة غياب نخبها السياسية والثقافية عن الساحة بفعل الإرهاب والاستبداد الذي طالها. وتنصاع لتوجهات زعاماتها الجاهلة التي تستغلها أبشع استغلال لتحقيق مآربها الخاصة وتحت يافطة شعارات لاتمت بصلة للمواطنة وتعبث بمصيرها وتدفعها نحو الانتحار السياسي لتحقيق رغباتها الخاصة وعلى حساب التوجهات الجديدة للدولة الساعية لإنقاذ المجتمع من الجهل والتجهيل. إن المجتمع المتخلف الذي لايعي مصالحه، يشكل أكبر عقبة للنظام الديمقراطي. فهو يطالب بالحد الأعلى من حقوقه المنتهكة عبر التاريخ من النظام الجديد وبشكل آني دون أن يعي واجباته تجاه الدولة، ويتهمها بشكل متواصل بالتقصير مستغلاً أجواء الحرية لإعلان العصيان ضدها أو استخدام العنف ضد مؤسساتها. اعتقداً منه بأنها تملك عصا سحرية قادرة على تحقيق مطالبه، بضربة عصا واحدة. يرى ((توفيق الحكيم))"أن الحقيقية ضعيفة في المجتمع، أي عابث يستطيع أن يرجمها بحجر". تلك الصورة المأساوية تعبر عن واقع المجتمع الجاهل الذي ليس من السهولة التخلص منها لأنها تحتاج لعمل مضني لإعادة تأهيله ثقافياً ليعي مصالحه وحقوقه وواجباته تجاه الدولة. إن إحدى أهم الإشكاليات التي يتعرض لها النظام الجديد في المجتمعات التي تعرضت للتجهيل نتيجة الاستبداد هو تغيب نخبه السياسية والثقافية الفعالة عن الصراع الاجتماعي وبروز زعامات عشائرية وفئوية ذات نزعات شخصية يصعب التعاطي معها ضمن الثوابت الوطنية لكن النظام الجديد مجبر (لحين من الزمن) على التعاطي معها وتلبية رغباتها لاستخدام نفوذها لفرض حالة الأمن والاستقرار والحد من الانفلات الأمني الذي يعيق عمل مؤسسات الدولة ويضعف هيبتها أمام المجتمع. وبذات الوقت فإن النظام الجديد يتحاشى استخدام العنف ضد المجتمع المتخلف، أملاً بكسب المزيد من الوقت لتثقيفه وسحب البساط من تحت أقدام زعاماته العشائرية والفئوية والقومية لصالح النخب السياسية والثقافية لإرساء قاعدة الحقوق والواجبات في ذهنية المواطن دون اللجوء لاستخدام العنف ضده خاصة أنه تحمل ما يفوق طاقته من العنف والاستبداد في ظل الأنظمة السابقة. يعتقد ((توفيق الحكيم))"ليس في مقدور شعب أن يتحرر سريعاً من سحر صورة ألفها". إن المجتمع المتخلف والخارج تواً من حقبة استبدادية اعتاد على عبادة الأصنام والزعامات السياسية والاجتماعية وبعد تحرره من الاستبداد وسقوط تلك الأصنام يعمل على خلق أصنام جديدة له، يطلب مشورتها وآرائها وينساق لتوجهاتها ومستعد لتقديم الضحايا دفاعاً عنها لأنه يفتقد إلى الرؤية الصائبة والقادرة على التميز بين الخطأ والصواب ويستغل أجواء الحرية في النظام الجديد للتعبير عما يكمن في داخله من خراب نفسي وفكري تتقاذفه رغبات ومصالح زعاماته العشائرية والفئوية. إن هذا الواقع الشائك قد يستمر لسنوات عديدة في النظام الجديدة، ريثما تعيد الدولة بناء مؤسساتها القمعية والقضائية المترافقة مع قيامها بحملة توعية في المجتمع لتعريفه بحقوقه ومصالحه للحد من الرغبات المنفلتة عن حدود المجتمع. ويترافق ذلك مع استعادة النخب السياسية والثقافية لدورها في الساحة لاستقطاب فئات المجتمع، وإعادة تثقيفها بماهية النظام الجديد وحقوق وواجبات المواطن تجاه الدولة والمجتمع. إن المجتمع المتخلف يرضخ لزعماته (أصنامه الجديدة) كما يرضخ العبيد لأسيادهم لأنه اعتاد خلال عقود من الاستبداد على قيم السيد والعبد وهو سعيد وفرح بتقديم فروض الطاعة العمياء وإبداء الخضوع بكل أشكاله من أجل كسب رضى (زعماءه) أسياده الجدد. وبذات الوقت فإنه يتحدى الدولة ومؤسساتها لأنه غير قادر على التخلص من هواجسه المعادية للدولة بكل أشكالها فهي تسيطر عليه في اللاوعي كونها كانت على مدى عقود من الزمن هي المنتهكة لكرامته وحقوقه. يعتقد ((توفيق الحكيم))"أن الرق لم يختفِ من الوجود، لقد اتخذ شكلاً أخر يناسب العصر فلكل عصر رقه وعبيده" إن أكبر تحدي يواجه الدولة ونظامها الجديد، هو الجهل والأمية المتفشية في المجتمع. اللذان يفرضان في اللاوعي سلوك وتصرفات غير مسؤولة على أفراده فيحتكموا إلى العنف والاستبداد للمطالبة بتحقيق رغبات ومصالح زعامتهم ويغفلوا مصالحهم الأساس.
#صاحب_الربيعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
السياسيون السفلة
-
التاريخ ودعاة الديمقراطية
-
إدارة الصراع السياسي
-
المسؤول والمسؤولية
-
طغيان الرأي العام
-
الرأي الأخر
-
الديمقراطية والاحتلال
-
السياسة والمصالح
-
كبوة الأمم
-
الفكر والسلطة
-
الفكر والحزب
-
الحكمة والحكيم
-
ماهية المعرفة
-
التعدي على حقوق الآخرين
-
علم الفلسفة -الهدف والغاية
-
تبرير السقطات في الكيانات الحزبية
-
ماهية الحق
-
ماهية الخسة والحماقة
-
ماهية الغيرة والحسد
-
استحقاقات الانتخابات وحكومة المحاصصة
المزيد.....
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
-
الإطار التنسيقي العراقي يرحب بقرار الجنائية الدولية اعتقال ن
...
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وغالانت لأ
...
-
قرار الجنائية الدولية.. كيف سيؤثر أمر الاعتقال على نتانياهو؟
...
-
أول تعليق للبنتاغون على أمر الجنائية الدولية باعتقال نتانياه
...
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|