|
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -2
عطا درغام
الحوار المتمدن-العدد: 4661 - 2014 / 12 / 13 - 09:16
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
لاذ الأرمن إلي مصر لأنها القطر السعيد الذي ميزه الله من بلاد الأتراك بانتظام الأحكام واستتباب الامن ووجود العدالة والحرية.ناهيك عن وجود جالية أرمنية مستقرة ومزدهرة .زد أيضا، وقوع مصر آنذاك في قبضة بريطايا " الراعية الرسمية لقضية الأرمني" وإن كان ذلك ظاهريا. ولهذا ، أخذ الأرمن اللاجئون يتدفقون علي مصر من مختلف بقاع الدولة العثمانية حتي بلغ عددهم"2300 نفس عدا" خلال عام 1896. وقد استقروا بداية في الثغر "بعد أن أضناهم العذاب وكثرت عليهم المصائب ، وصارت أحوالهم يرثي لها من الفقر والفاقة". وتجمعوا بالمئات تحت الخيام والعش في فنائي الكنيسة الأرمنية ومدرسة بوغوصيان. وأقيمت في هذه الأماكن وفيما حولها وبالقرب منها المطاعم والمقاهي ومحال البقالة وبيع الدخان والحلاقة وغيرها لقضاء حلجات اللاجئين. وجدير بالذكر أن بعضا من اللاجئين كانوا من الأغنياء الذين استطاعوا ممارسة الأشغال التجارية والمصارف المالية. وثمة آخرون ممن يمتلكون بعض المال والحطام ، قد استأجروا منازل ومخازن ساعدتهم علي أن تدور حركة أشغالهم ، ومن ثم استقرارهم بالإسكندرية. أضف هنا ، أن بعض المهنيين منهم قد توظفوا –بمساعدة نوبار وديكران وبوغوص نوبار- في المؤسسات المتباينة . فمثلا ، تعين أحد عشر محاسبا أرمنيا من مستخدمي البنك العثماني بالأستانة في بنوك الإسكندرية والقاهرة. وزد أيضا ، أن قليلا من الحرفيين قد شرعوا في الاشتغال بأعمالهم مثل الحلاقة والبقالة والعطارة وغيرها . أما في القاع الاجتماعي للأرمن اللاجئين،ويأتي فقراؤهم الذين لا يملكون أية أدوات اقتصادية. وتصف جريدة "مصر" أحوالهم بقولها :" ولا يخفي ان الإسكندرية ازدحمت بهؤلاء المنكودي الحظ الذين ليست لهم حرف يتعاطونها ولا أشغال يشتغلون بها". وقد ساءت أوضاعهم إلي درجة تعالت معها الصيحات " علي القائمين بمساعدتهم أن يغيروا بقدر الإمكان ملابسهم الأصلية سواء بلبس اللباس الوطني أو الإفرنجي. فإن ملابسهم الحالية تجعلهم مطمح الأنظار خصوصا المشتغلين بالحرف الدنيئة". وثمة مقترحات طرحتها الجرائد المعاصرة ترمي إلي الاستفادة من طاقات اللاجئين بلا أدوات اقتصادية ولكنهم قادرون علي العمل . فقد طالبت جريدة " مصر" الحكومة بضرورة تدبير الطرق لتشغيلهم أولي من تركهم بلا عمل فيدعوهم ذلك إلي الإتيان بأعمال لا تحمد عقباها". وفي المقابل ، أبي القادرون من اللاجئين ألا يقتاتوا إلا من عرق الجبين لا بالاستعطاء.هنا ، نادت مجلة "الرأي العام " بإحلال الأرمن محل البوابين " البرابرة المتوحشين" الذين يجلسون علي الكراسي عند الأبواب ويخشي من شرهم وتوحشهم في كل حين. وقد دعم هذا الاقتراح جملة الجرائم التي اقترفها هؤلاء البوابون ضد أسيادهم ومواليهم والمحسنين إليهم " بلا علة غير التوحش والتعصب الأعمى وحب السلب. وبخلاف هذا، أثيرت فكرة إرسال هؤلاء الأرمن إلي مديرية دنقلة لتعميرها نظرا لصعوبة وجود شغل لهم في مصر. بيد أننا لم نعثر علي ما يشير إلي تنفيذ هذين الاقتراحين. وأمام هذا الإخفاق ،أخذ نوبار بضع مئين منهم للعمل في تفتيش شركة بسنديلة. علي أية حال، اكتظت أحواش مطرانية الأرمن الأرثوذكس ومدرسة بوغوصيان بالإسكندرية بمئات الأرمن اللاجئين الفقراء من الأطفال والأيتام والأرامل والمسنين والعاجزين. في ابتداء الأمر ، وفرت المطرانية حاجاتهم من إيراد أملاكها وعقاراتها ثم ساعدتها " لجنة إعانة" مكونة من عشرة أفراد من وجهاء الأرمن الذين ما انفكوا ينظمون توزيع المساعدات ويوفرون أعمالا مناسبة لبعض اللاجئين. وأيضا ، قدمت إليهم مساعدات مالية وملابس وأحذية ووجبتين غذائيتين يوميا تشملان لحوم باستثناء يومي الأربعاء والجمعة من كل أسبوع حيث قدمت إليهم وجبات صيامية. وكذا ، عينت اللجنة طبيبا خاصا وأعدت أجزاخانة لرعاية المرضي وتقديم الأدوية اللازمة إليهم بالمجان. راحت لجنة الإعانة المتألقة في الثغر تبحث عن وسائل مادية مختلفة من أجل تلبية احتياجات فقراء الأرمن المحتاجين. في هذا الإطار ، ناشدت الموسرين والمؤسسات بخطاب إنساني بغية المساعدة المالية للأرمن ، الذين ذاقوا من وحوش الظلم وزنادقة الجور ما لم يذقه بشر من قبلهم. ونادت اللجنة بان يكون فعل هذا الخير ابتغاء لوجه الله وقياما بفروض الإنسانية. وما برحت لجنة الثغر ، "تستفز مروءة أولي الإحسان.. علي الإقدام والاهتمام بمساعدة من نكب بتقلب الزمان وتغير الأحوال.. من سكان أرمينية المساكين". ثم أخيرا ، وجهت اللجنة نداء صريحا إلي أهالي الإسكندرية الراغبين في عمل الإحسان وكسب البر إلي هؤلاء الفقراء المعدمين الذين سدت في وجوههم سبل الرزق..أنها تقبل كل العطايا من أي نوع كانت من الملابس والنقود والمأكل". أسفر وجود اللاجئين في الإسكندرية وجهود لجنة إعانتهم عن حركة نشيطة في ميادين العمل الخيري . ولا غرو أن تبوأت الصفوة الأرمنية قمة هرم المتبرعين لصالح منكوبي الأرمن. ونخص هنا بالذات عائلات نوباريان وآبرويان وتشراكيان الذين استأثروا بأعلى المناصب الحكومية طيلة القرن التاسع عشر، ومن ثم، توافرت لديهم ثروات أسهمت نسبيا في تخفيف المعاناة عن بني جلدتهم. ولم تنقطع إعانات هذه النخبة من ذوي الثروة عن اللاجئين طوال عام 1896 .أكثر من هذا ، ترأسوا حملات تبرع من أجل منكوبيهم. ولم يقتصر إسهام أرمن مصر علي صفوتها فقط في رفع المعاناة عن اللاجئين، بل أسهم بعض القادرين منهم في هذا الصدد. فعندما اقترب الشتاء ، تبرع بعض الأرمن في الثغر لبناء دار واسعة لإيواء اللاجئين بغية حفظ أرمامهم مدة الشتاء. وبجانب هؤلاء، تكونت لجنة من وجهاء الجاليات الأوربية في الثغر بهدف جمع الأموال لمساعدة الأرمن المنكودي الحظ. ولا تزال الإعانات تتوالي علي منكوبي الأرمن من المؤسسات الأهلية لا سيما " ملجأ رودلف" الذي أسسه بيتر رودلف بالإسكندرية ليطعم الجياع ويكسي العراة ويأوي المساكين. ولا غاية له غير تخفيف مصاب الذين ثقلت عليهم وطأة الدهر. قدم هذا الملجأ مساعدات مهمة للأرمن اللاجئين. بداية ، أخذ بعض هؤلاء للإيواء، لاسيما الأطفال وأمهاتهم الحزاني، ثم تولي مسئولو الملجأ عملية تنظيم ومتابعة تسليم بعض الأطفال اليتامي إلي الموسرين من أي جنس لتربيتهم وتهذيبهم بالمدارس. اجتهد ملجأ رودلف معاونة جمعية السيدات الأرمنيات بالثغر في توظيف طاقات اللاجئين واستثمارها في إنتاج مصنوعات تدر عليهم أرباحا. وقد تمثلت المحاولة الأولية في تجهيز عدة قطع من حرير مطرزة اعدها اللاجئون وطرحها الملجأ للبيع إسعافا لهم علي غربتهم. وعندما نجحت هذه المحاولة الأولية ، وسعت جمعية السيدات الأرمنيات دائرة استثمار جهود اللاجئين لتشمل مصنوعات الصوف والحرير المطرز وأشغال الإبرة والستاير والبسط والطنافس. وقد زاد الإنتاج مما دعا جمعية السيدات إلي عرضه بأرخص الأثمان في ملجأ رودلف يومي الثلاثاء والأربعاء 8-9 ديسمبر 1896. ولعل ما أسهم في تسويق مبيعات الأرمن هو حلول السنة الميلادية الجديدة (1897) ، الأمر الذي دعا أهالي الثغر إلي شراء المصنوعات الجميلة والتحف النفيسة لإهدائها إلي أحبائهم وذويهم وخلانهم وأقاربهم. زد أيضا ، الخطاب الإنساني الذي وجهه القائمون علي رعاية الأرمن الذين وصلوا إلي درجات الفاقة والاحتياج. إذ ناشدت جمعية السيدات ضرورة مساعدة جميع الأهليين بالثغر علي اختلاف جنسياتهم وديانتهم ، بغض النظر عن المذاهب ، لأن إنقاذ بني الإنسان من أنياب الفقر وإغاثة الملهوف بالمال اللازم لقوته أمر يمدح لما له من الأجرة والآخرة الصالحة. وفعلا ، نجحت هذه السوق بفضل جهود مسئولي ملجأ رودلف وجمعية السيدات الأرمنيات والدعاية المنظمة فضلا عن مؤازرة الصحافة لها. وبينما لبي الزائرون حاجاتهم من ناحية ، أغاثوا مساكين الأرمن من ناحية أخري. ففي اليوم الأول بلغت المبيعات "50" جنيها ن وفي الثاني وصلت إلي "40" جنيها . كما تبرع المحسنون ب" 3994" قرشا صاغا علاوة علي مقادير وافرة من الملابس. وثمة ملاحظة أن جميع المتصدقين كانوا من الغربيين دون الشرقيين. ويرجع هذا إلي أن الأخيرين، لا سيما العثمانيين منهم قد اعتبروا هؤلاء اللاجئين من العصاة علي دولتهم. وبالتالي ، امتنعوا عن مساعدتهم. والحق أن هؤلاء اللاجئين حسبما أوردت المقطم:"ليسوا من العصاة علي الدولة، ولا يد لهم في ثورة حتي يصح الاعتذار عن مساعدتهم ، بل إن المساعي كانت من سواهم، وأما المصائب فوقعت كلها عليهم". وفوق كل هذا ، أقيمت عدة حفلات فنية خلال عام 1896 علي مسارح الإسكندرية بهدف وقف إيرادها لصالح الأرمن اللاجئين . فمثلا أقيم حفل فني مساء يوم السبت 5 ديسمبر 1896 علي ملعب "زيزنيا" حيث تنوعت فيه العروض بين إنشاد الأغاني وعزف الموسيقي وتمثيل رواية باللغة الفرنسية. وقد أتي هذا الحفل ثماره كما يبدو في كثرة الحضور ووفرة الأموال. وهو ما يدل علي غيرة ذوي الإحسان ومعرفتهم قدر مصيبة هذا الشعب البائس المنكوب. ورغم كل هذه الجهود المبذولة لإسعاف اللاجئين بالإسكندرية، إلا أنها لم تف بقضاء حاجات أكثر من ألفي لاجيء. ولذا ، بات طبيعيا أن يتحرك اللاجئون إلي القاهرة. وهو الأمر الذي دعا مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالإسكندرية أن يرسل إلي قرينه القاهري خطابا دعا مجلس إدارة مطرانية الأرمن الأرثوذكس بالإسكندرية أن يرسل برقية إلي قرينه بالقاهرة خطابا في 7 أكتوبر 1896 يعلن فيه أنه" يصل إلي الإسكندرية كل أسبوع مئات الفارين. وقد تم اتخاذ اللازم نحو إيوائهم.ونظرا لأنه من المستحيل قضاء كل حاجات أكثر من ألفي لاجيء بالوسائل المحلية، فسيكون من الطبيعي أن تصل المئات إلي القاهرة ، وسيحتاجون أبناء الطائفة بها ". وفعلا ، أخذ اللاجئون يهبطون إلي العاصمة منذ نهاية سبتمبر 1896 حتي أضحي عددهم "800" نسمة . وقد أقاموا في الابتداء بجوار قصر النيل في معمل سجائر ماتوسيان وشركاه. وكان أغلبهم في فقر مدقع.
#عطا_درغام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الأرمن اللاجئون إلي مصر 1896-1906 -1
-
النظم الإدارية للأرمن الكاثوليك والبروتستانت في مصر
-
أمور الزواج والطلاق عند طائفة الأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الأحوال الشخصية للأرمن الأرثوذكس في مصر
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-3
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-2
-
الوضع القانوني للأرمن في مصر-1
-
المهن والوظائف التي اشتغل بها الأرمن في مصر-2
-
المهن والوظائف التي اشتغل بها الأرمن في مصر-1
-
النشاط التجاري للأرمن في مصر
-
النشاط الحرفي للأرمن في مصر-2
-
النشاط الحرفي للأرمن في مصر-1
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-6
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-5
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-4
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-3
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-2
-
النشاط الاقتصادي للأرمن في مصر-1
-
الأرمن المصريون والسياسة المصرية-7
-
الأرمن المصريون والسياسة المصرية-6
المزيد.....
-
السعودية تعدم مواطنا ويمنيين بسبب جرائم إرهابية
-
الكرملين: استخدام ستورم شادو تصعيد خطر
-
معلمة تعنف طفلة وتثير جدلا في مصر
-
طرائف وأسئلة محرجة وغناء في تعداد العراق السكاني
-
أوكرانيا تستخدم صواريخ غربية لضرب عمق روسيا، كيف سيغير ذلك ا
...
-
في مذكرات ميركل ـ ترامب -مفتون- بالقادة السلطويين
-
طائرة روسية خاصة تجلي مواطني روسيا وبيلاروس من بيروت إلى موس
...
-
السفير الروسي في لندن: بريطانيا أصبحت متورطة بشكل مباشر في ا
...
-
قصف على تدمر.. إسرائيل توسع بنك أهدافها
-
لتنشيط قطاع السياحة.. الجزائر تقيم النسخة السادسة من المهرجا
...
المزيد.....
-
العلاقة البنيوية بين الرأسمالية والهجرة الدولية
/ هاشم نعمة
-
من -المؤامرة اليهودية- إلى -المؤامرة الصهيونية
/ مرزوق الحلالي
-
الحملة العنصرية ضد الأفارقة جنوب الصحراويين في تونس:خلفياتها
...
/ علي الجلولي
-
السكان والسياسات الطبقية نظرية الهيمنة لغرامشي.. اقتراب من ق
...
/ رشيد غويلب
-
المخاطر الجدية لقطعان اليمين المتطرف والنازية الجديدة في أور
...
/ كاظم حبيب
-
الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر
/ أيمن زهري
-
المرأة المسلمة في بلاد اللجوء؛ بين ثقافتي الشرق والغرب؟
/ هوازن خداج
-
حتما ستشرق الشمس
/ عيد الماجد
-
تقدير أعداد المصريين في الخارج في تعداد 2017
/ الجمعية المصرية لدراسات الهجرة
-
كارل ماركس: حول الهجرة
/ ديفد إل. ويلسون
المزيد.....
|