ناصر اليونس
الحوار المتمدن-العدد: 4661 - 2014 / 12 / 13 - 00:46
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الفيتشية من الخفاء إلى العلانية
تطور الرموز ودلالتها
لم تعد علوم النفس تعتبر الشذوذ من الامراض التي يجب معالجتها ,وخصوصا بعد الجدل الطبي الكبير حول أسبابه النفسية او الهرمونية او التربوية واختلاف الحالات وتعددها وفشل العلاجات النفسية والسلوكية في معظمها , ويدخل في انواع الشذوذ الفتشية أو بودوفيليا وتعني استثارة الرغبة عن طريق الاقدام او الاحذية او الملابس الداخلية , صحيح أن علم النفس –في اغلب علماءه الجدد- لم يعتبره مرض لكن لن تجد ولا عالم واحد يحض عليه ويدعو المجتمع للتحول باتجاهه كما يفعل طغمة العسكر في سوريا بعد أن أصبح الفيتش او الوثن رمزا للجيش الاسدي في ساحات و شوراع ولافتات المدن والفيتش المستخدم هنا هو الحذاء العسكري.
وفي مادتنا هذه نحاول الكشف عن خلفيات هذا الشذوذ وكيف يمكن للأمراض النفسية أن تنتشر وتتطور بدورها وتتفاعل اجتماعيا وتصبح حالة طبيعية ومن يخالفها شاذ مريض عميل وخائن .
الفيتشية هي أحد انماط السلوك الجنسي المنحرف ونمط الشخصية الفيتشية تستبدل الموضوع الجنسي الطبيعي بأخر غير طبيعي من أجل الحصول على الاثارة الجنسية مثل التركيز على اعضاء في الجسم أو اشياء جامدة ليس علاقة بالاعضاء الجنسية وغير ملائمة للمتعة الجنسية السوية التي تحققها اشياء متعارف عليها , أي انه خروج عن المألوف .
وهنالك اختلاف أيضا في اسباب الفيتشية حيث يؤكد باحثون على أن تمكين المرأة وبروز شخصياتها وتوليها مهاما فاعلة داخل المجتمع كان عاملا أساسا في ظهور البودوفيليا، فتقبيل القدم المرأة كناية ورمزية عن سطوة وقوة المرأة. لكن التفسير الشائع والذي تم انتقاده بشدة هو تفسير سيغموند فرويد بحيث يعتبر أن تفضيل الشخص المصاب لطرف معين من جسم المرأة (القدم كمثال) على سائر باقي أطراف الجسد سببه هو أن المصاب كان يربط بطريقة لاشعورية الجنس بالقدم، واستدل على ذلك عن طريق بعض الممارسات الصينية القديمة، حيث كان بعض الصينين يقومون بتضميض قوي لأرجل النساء (عنف واضح) من أجل زيادة اثارتهن. لكنه كان خاطئا لأن هاته الممارسة اللاانسانية كانت بهدف تصغير أرجل الفتيات.1
وهنالك سبب أخر يتصل بشخصية الفرد وعدم ثقته بنفسه وبقدراته , وخوفه من الرفض أو التعرض للإهانة , فيسعى إلى ما يحقق له الامان النفسي وما يعوضه عن شعور النقص الذي يكمن بداخله .
وهذا الرأي الاخير برأي هو الاصح لأن هذه الشخصية تتناسب تماما مع شخصية الانسان المقهور التي هي السمة الغالبة للشعوب المستعبدة من قبل الانظمة الحاكمة والتي اسهب في تحليلها الدكتور مصطفى حجازي في كتابه (التخلف الاجتماعي الانسان المقهور) والتي يمكن تلخيصها بحادثة استوكهولم والتي كانت الفاتحة لدراسة حالة التماهي مع المعتدي وهي ببساطة تبني المخطوف قيم و قضية الخاطف أثناء عملية الاختطاف وما بعدها حيث يكرس هذا الموقف من تبني افكار المستبد إلى الشعور من الطمأنينة يشعر بها المخطوف بعد إن فشل في تحقيق الذات بعد فشل الوصول الى قيمة ذاتية تعطي للوجود معناه ,فالمعتدى عليه يولد لديه أشد مشاعر الذنب إيلاما للنفس وأقلها قابلية للكبت والإنكار . هذه المشاعر تفجر بدورها عدوانية شديدة تزداد وطأتها تدريجيا بمقدار تراكمها الداخلي . وعندما تصل العدوانية إلى هذا الحد لا بد لها من تصريف يتجاوز الارتداد إلى الذات وتحطيمها كي يصل حد الإسقاط على الآخرين , لب الشعور الاضطهادي هو التفتيش عن مخطئ يحمل وزر العدوانية المتراكمة داخليا .
كما إن هذه الممارسات تساعد على إسقاط مسؤولية التقصير الذاتي على الآخرين , إذا أصابني سؤ أو فشل أو تعثر فليس بسبب قلة حيلة وتدبير أو جهد بل لنتيجة حسد الآخرين الذين يتربصون بي ويريدون تحطيمي أو بقائي في موقع الفشل والمعاناة.
تقول آنا فرويد : "يشكل التماهي إحدى أقوى وسائل النضال ضد الموضوعات الخارجية المولدة للقلق"
فالشخص الذي يواجه بخطر خارجي يتماهى بالمعتدي , بمن يمثل أو يجسد هذه السلطة مصدر الخطر , إما بأن يأخذ لحسابه العدوان كما هو , أو بمحاكاة الفيزيقية أو المعنوية لشخص المعتدي , أو بتبني رموز القوة التي تدل عليه . إلا ان هذه الوسيلة تشيع كثيرا عند الأطفال كوسيلة للتغلب على خوفهم من الأخطار الخارجية . فالطفل الذي يخاف الأشباح في الظلام قد يتغلب على خوفه من خلال لهب دور الشبح الذي يخيف طفلا آخر يسقط عليه دور الضحية التي تخاف
ويصبح الموضوع كالأتي : أنا لا أخيف أنا لا أخاف , أنا أخيف , هو يخاف , أنا أخيفه . هذه الوضعية الذاتية تؤدي إلى التخلص من كل المخاوف ومشاعر الضعف الداخلية أو كل مشاعر الذنب الذاتية , فليس أكثر قسوة من المعلم الظالم الا التلميذ الذي يوكل إليه هذا المعلم حفظ النظام في الصف.
ويمثل الوثن هنا أو الفيتش الرمز لهذه المستبد الذي يعيد الاعتبار للنفس ويحميها من التحطم واي مساس بهذا المستبد أو رمزه يعتبر مساس بهذه الذات فالدفاع عنه تتحول إلى دفاع عن النفس .
وفي هذه اللحظة يتحول الفيتش من أداة اثارة جنسية فردية أو عند فئة قليلة من الجلادين داخل أقبية السجون إلى المجتمع ككل ويتطور دور الوثن من اداة حسية يمتلكها اصحابها ويخزنها بعيدا عن اعين المجتمع او قد يقدم عليها باسلوب غير مباشر حيث اورد كولون ولسون في كتابه الجنس والشباب الذكي مثالا عن احد الاشخاص يقوم بكي ملابس زوجته الداخلية و ان زوجته اعتادت ذلك ولاحظت سروره بذلك .
ولكن هنا بات الرمز ظاهرة اجتماعية وبات مصدر فخر بل دواء أيضا حيث انتشرت صور الحذاء العسكري وكتبت جملة فوقه (لنداوي جراحكن) وباتت الفيتش يلعب دور ثنائي عند الجلاد الذي يعتبره مصدر الهاء جنسي وعند المجلود باعتباره استلاب لحالة الاعتداء وعكسها من الذات للخارج باتجاه الاخر الذي يحمله تبعات فشله اجتماعيا وصحيا و سلوكيا , ويتحول الاخر إلي خائن عميل مصدر قلق واضطراب لبنيان المجتمع المتوافق المستكين مع اضطراب جلاده والمتعايش معه براحة و طمأنينة .
المصادر
1. ويكبيديا عن الفيتشية
2. ص 126 سيكولوجيا الانسان المقهور د. مصطفى حجازي
#ناصر_اليونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟