|
تأملات فى السقوط 3
رمسيس حنا
الحوار المتمدن-العدد: 4659 - 2014 / 12 / 11 - 21:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
أوردنا فى المقال السابق الأيات التى تناولت خلق الملائكة و المادة أو المواد التى خُلِقوا منها و التفسيرات الواردة فى هذا الشأن و عرفنا طبقاً للمزمور 104 عدد 4 و الرسالة العبرانيين أصحاح 1 عدد 7 أن الملائكة خدام الله الذى صنعهم من لهيب نار و من رياح. كما عرفنا ان سفر أيوب – و هو أقدم أسفار العهد القديم – أصحاح 1 عدد 6 دعى الملائكة "أبناء الله" بينما دُعى الملائكة "خدام الله" فى سفرى المزامير و الرسالة الى العبرانيين. و يتناول هذا المقال رؤى (جمع رؤيا) بعض الأشخاص او الأنبياء أو الرسل للملائكة و يتعرض المقال بالسؤال عن الظروف و المواقف الواقعية و الحالات النفسية الناجمة عن هذه الظروف و المواقف لهؤلا الأشخاص و التى قد تؤثر على الحواس البصرية و السمعية و الحسية لدى الأشخاص العاديين و التى لم تتناولها التفسيرات التى تناولت هذه الرؤى بالشرح و التحليل. نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلى من رؤى:
نقرأ فى سفر التكوين أصحاح 32 العددين 1 و 2 :
1 وَأَمَّا يَعْقُوبُ فَمَضَى فِي طَرِيقِهِ وَلاَقَاهُ مَلاَئِكَةُ اللهِ. 2 وَقَالَ يَعْقُوبُ إِذْ رَآهُمْ: «هذَا جَيْشُ اللهِ!». فَدَعَا اسْمَ ذلِكَ الْمَكَانِ "مَحَنَايِمَ."
يقول القمص تادرس يعقوب ملطى بالنص فى تفسيره للعددين 1 و 2 من أصحاح 32 من سفر التكوين فى موقع (St-takla):
(إن كان لابان قد عاد مع أخوته إلى أرضه التي وضع قلبه فيها، فإن يعقوب بدوره انطلق مع أسرته وكل ممتلكاته نحو الكنعان، وكأنه منطلق نحو كنعان السماوية، نحو أرض الموعد، لذا لاقته ملائكة الله. يعقوب يمثل الكنيسة المتغربة على الأرض تنطلق بقلبها وبأعضائها وبكل ما لها نحو حضن الآب بالروح القدس خلال اتحادها في المسيح يسوع رأسها وثبوتها فيه، تسير مختفية في مسيحها ومستندة أيضًا. بجيشه (ملائكة الله). هذا ما نظره يعقوب، إذ قال: " هذا جيش الله"... فنحن نسير في موكب إلهي ترافقنا الملائكة المحبين لخلاصنا. يبدو أن عدد الملائكة كان ضخمًا حتى دعاهم يعقوب "جيش الله"، وقد دعى الموضع "محنايم" ويعني "معسكرين" أو "محلتين"، إذ كان يعقوب بقومه يمثل جيشًا منظورًا، والملائكة الحافظة لهم تمثل جيشًا إلهيًا غير منظور. يرى العلامة أوريجانوس أن الكنيسة وهي تضم خائفي الرب إذ تجتمع معًا تجتمع أيضًا ملائكة الله التي تحوط بخائفيه، فيكون مع الكنيسة المنظورة الكنيسة من الملائكة غير منظورة... يجتمع الكل معًا في المسيح يسوع حجر الزاوية، الذي يوّحد الأرضيين مع السمائيين. هكذا تصير الكنيسة "محنايم" أي تصير معسكرين (أو محلتين) متحدين معًا.)
انظر هذا الرابط لتفسير القمص تادرس يعقوب ملطى http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/01-Sefr-El-Takween/Tafseer-Sefr-El-Takwin__01-Chapter-32.html
و نورد هنا بالنص أيضاً تفسير القس أنطونيوس فكرى لهذين العددين من موقع (St-takla) أيضاً:
(لاقاه ملائكة الله= لقد كان الملائكة حوله دائمًا لكنه لم يكن يراهم. وهم الآن يشعرونه بوجودهم تشجيعًا له لإزالة مخاوفه من عيسو. وهناك معني آخر رائع. فها هو موكب الكنيسة المنطلق في اتجاه كنعان السماوية والملائكة ترافق الموكب كما حملت الملائكة لعازر المسكين وهو منطلق للسماء. ويبدو أن عدد الملائكة كان كبيرًا جدًا فأسماهم يعقوب جيش الله. ودعا الموضع محنايم أي معسكرين أو محلتين. لأن يعقوب وعائلته كانا يمثلان جيشًا والملائكة جيشًا آخر. وما أروع هذه الصورة عن الكنيسة المجاهدة والكنيسة المنتصرة في السماء، والمسيح هو حجر الزاوية الذي وحد الأرضيين مع السمائيين. وهذا له تطبيق رائع في الطقس القبطي في صلاة الساعة الثانية عشر يوم الجمعة العظيمة حينما يردد الشمامسة في الهيكل لحن ثوك تي تي جوم (ممثلين للسمائيين) ويرد عليهم الشعب من الكنيسة بنفس اللحن (ممثلين الكنيسة علي الأرض). جيش الله = عند العبرانيين حينما يضاف اسم الله على شيء فهذا للدلالة على ضخامته. وهنا تعنى جيشا عظيما وكبيرا جدا. ولو قلنا جبل الله فهذا يعنى جبل ضخم جدا وهكذا.)
انظر هذا الرابط لتفسير القس انطونيوس فكرى http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/01-Sefr-El-Takween/Tafseer-Sefr-El-Takwin__01-Chapter-32.html
و يتضح من التفسيرين الذين قدمهما كل من القمص تادرس يعقوب ملطى و القس أنطونيوس فكرى أنهما يقران بوجود (جيش) الملائكة فعلياً و حرفياً و لكنهما يعطيان – إن لم يغيبان – شخصية يعقوب تفسيراً رمزياً على أنه "الكنيسة المتغربة المنتصرة المنطلقة الى السماء." و كان يعقوب لم يؤثر أو يتأثر بالحدث و بالتالى فأن أنظارنا تتوجه الى و تنحصر فى وجودية تختلف تماماً عن وجودية يعقوب الإنسان بكل نقاط ضعفه و قوته
و نحن هنا نركز على مادية و وجودية الحدث. فيعقوب بالنسبة لنا هو بشر و يظل يعقوب الحاضر فى قلب الحدث بشحمه و لحمه ... بمخاوفه و إضطراباته ... و جزعه و تشككه فى نوايا أخيه عيسو ... و مشاعره نتيجة تصرفه الذكى المخادع نحو خاله لابان و نحو أخيه عيسو و إحتياجه الشديد الى تبرئة سلوكياته و إحتياجه و تطلعه الى تعضيد و مساندة مواقفه لا يقل إلحاحاً عليه من إحتياجه الى الأمان. و طبيعى أن ضمان هذا الأمن و الأمان يحتاج نوعاً من الدبلوماسية و السياسة و نوعاً من القوة. أما الدبلوماسية و السياسة فقد تولاها يعقوب بذكاءه الحاد الذى أرشده الى أن يهدئ أو يتغلب على غضب أخيه عيسو بما أرسله له من هدايا و الطريقة التى أستقبله بها "سجوداً و ركوعاً و تعبداً" لأخيه عيسو.
و السؤال هنا هو: 1- هل إحتياج و حاجة يعقوب الماسة الى القوة جعله يستعيض عنها فى رؤيتة لجيش الملائكة؟؟ 2- و هل جيش الملائكة هذا ظهر فقط "لتشجيع يعقوب و إزالة مخاوفه من عيسو" كما يقول القس أنطونيوس فكرى أو أن الملائكة تمثل "جيشاً حافظاً" ليعقوب كما يقول القمص تادرس يعقوب ملطى؟؟
ثم نقرأ فى سفر التكوين أصحاح 32 الأعداد من 22 الى 32: بعد أن رتب يعقوب للقاء أخيه عيسو بارسال الهدايا له و تقسيم نساءه و ابناءه و رجاله الى افواج لملاقاة أخيه، نلاحظ هنا أن هذا التقسيم قد و ضعه حسب كم العواطف "الحب" نحو بنيه، كما أن هذا السلوك يكشف عن حالة يعقوب النفسية و العقلية التى لا يحسد عليها: فهو لم يكد يتخلص من الخوف و الرعب بسبب مطاردة خاله لابان و أبناءه و رجاله الذىن كانوا يتهمونه بسرقة أموالهم حتى يقع فى الخوف و الرعب من ملاقاة أخيه عيسو الذى سبق ليعقوب و سرق منه البكورية مقابل أكلة عدس مستغلاً عودة عيسو و جوعه (تكوين أصحاح 25 الأعداد من 29 : 34) كما سرق يعقوب بمساعدة أمه رفقة بركة و مباركة إسحاق أبيه التى كان يجب أن يعطيهما لأخيه عيسو (تكوين أصحاح 27 بالكامل). و يكفى أن نقول أن يعقوب يشعر أنه مطارد – إن لم يكن مكروهاً – و لكنه لم نجده نادم لحظة واحدة على ما أقترفه فى حق أخيه عيسو و لا حتى خداعه لأبيه المسن الذى كان قد فقد بصره. فهل يعقوب هنا يمثل "البراجماتية" الحديثة بكل تركيزها على انه لا مبدأ و لا أخلاق إلا بوجود منفعة. لنقرأ ما جاء فى الأصحاح 32 من العدد 22 الى 32.
22 ثُمَّ قَامَ "يعقوب" فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23 أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ الْوَادِيَ، وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ. 24 فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ، وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25 وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ، فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26 وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي، لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27 فَقَالَ لَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28 فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ، لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدَرْتَ». 29 وَسَأَلَ يَعْقُوبُ وَقَالَ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ. 30 فَدَعَا يَعْقُوبُ اسْمَ الْمَكَانِ «فَنِيئِيلَ» قَائِلاً: «لأَنِّي نَظَرْتُ اللهَ وَجْهًا لِوَجْهٍ، وَنُجِّيَتْ نَفْسِي». 31 وَأَشْرَقَتْ لَهُ الشَّمْسُ إِذْ عَبَرَ فَنُوئِيلَ وَهُوَ يَخْمَعُ عَلَى فَخْذِهِ. 32 لِذلِكَ لاَ يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ عِرْقَ النَّسَا الَّذِي عَلَى حُقِّ الْفَخِذِ إِلَى هذَا الْيَوْمِ، لأَنَّهُ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِ يَعْقُوبَ عَلَى عِرْقِ النَّسَا.
التزم القمص تادرس يعقوب فى تفسيره للعددين 22 و 23 بحرفية النص فى عبور يعقوب و أهل بيته و ممتلكاته مخاضة يبوق "النهر المتدفق" و " هو أحد روافد نهر الأردن و يبعد حوالي ٢-;-٣-;- ميلًا شمالي البحر الميت، يدعى الآن الزرقاء." ثم إنفرد يعقوب بنفسه لتحدث مصارعة بينه و بين "ملاك" فى هيئة إنسان "32 : 24" و لما رأى الملاك أن يعقوب لم يستسلم و بدأ الملاك كالمغلوب و يعقوب كالغالب ضربه الملاك على حق فخذه "32 : 25" (ضربة خفيفة حتى جاءت في بعض الترجمات "لمس حق فخذه") و يعقوب يصر على انه لا يطلق الملاك إلا إذا باركه "32 : 26" (إذ أدرك أنه كائن سماوي.) و يورد القمص تادرس تعليق القديس أوغسطينوس الذى يرى أن الصراع يجعل يعقوب يتمسك بما يحصل عليه بعد تعب و جهد؛ و أن طلب يعقوب الغالب البركة من الملاك المغلوب هو رمز الى السيد المسيح الذى صلب فى ضعف ليحمل عارنا و قام فى قوة لـ"يبارك طبيعتنا ويجددها فيه." كما يورد القمص تادرس وجهة نظر القديس أمبروسيوس الذى يرى ان إصابة يعقوب فى حق فخذه "تشير الى شركة آلامه مع السيد المسيح الذي يأتي متجسدًا خلال نسله." و يستمر القمص تادرس فيقول ان الصراع ينتهى بسؤال كل منهما للاَخر عن إسمه "32 : 27 و 29." فيغير الملاك إسم يعقوب الى إسرائيل "32 : 28"، و يورد القمص تادرس مقولة القديس إكليمنضس الإسكندري بأن هبة الأسم الجديد لم تكن "ليعقوب فى شخصه وإنما لكل شعب الله علامة جهادهم الروحي"؛ و يواصل القمص تادرس تفسيره لأصحاح 32 العددين 30 و 31 تفسيراُ مطابقاً لحرفية النص.
أنظر تفسير القمص تادرس على هذا الرابط: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/01-Sefr-El-Takween/Tafseer-Sefr-El-Takwin__01-Chapter-32.html
اما القس أنطونيوس فكرى يترجم ظهور الملاك ليعقوب و مصارعتهما على انه اسلوب جديد يتعامل به الله مع يعقوب "ليشجعه و يعطيه ثقة بنفسه"؛ ثم يورد القس أنطونيوس رأيين فى شأن الملاك، حيث يرى الأول أن الملاك هو " أحد ظهورات المسيح قبل التجسد" و يرى الثانى أن الملاك "علي شكل إنسان لكنه يمثل الحضرة الإلهية"؛ كما يعطى القس أنطونيوس معنى للصراع بين يعقوب و الملاك على أنه "جهاد في الصلاة وثمرة الجهاد والتمسك بمواعيد الله لذلك بدأ الصراع جسديًا وانتهى صراعًا روحيًا" لم يستسلم فيه يعقوب الذى بدا فيه كغالب و الملاك كمغلوب؛ و يفسر القس أنطونيوس فكرى الصراع على انه "بكاء وطلب رحمة من الله." و انه "تمسك بالله" كما يستشهد القس أنطونيوس فكرى بسفر نشيد الأنشاد "حولي عنى عينيك فإنهما قد غلبتاني 6 : 5 " أن الله يُغلب بدموع و توبة الأنسان. و يواصل القس أنطونيوس أن الملاك بمجرد لمسة خفيفة كسر حق فخذ يعقوب مما يدل على مدى قوته الغير عادية و حتى لا يغتر يعقوب بغلبته فتدخله الكبرياء مثله فى ذلك مثل بولس الرسول الذى أُعطى شوكة فى الجسد حتى "لا يرتفع من فرط الإعلانات". و يقول القس أنطونيوس فكرى أنه صارت صداقة بين يعقوب و الملاك الذى لا يريد أن يفارق يعقوب حتى يأذن له فيطلب منه أن يطلقه "إطلقنى 32 : 26". و هكذا يرى القس أنطونيوس أن فى صراع يعقوب مع الملاك لطلب البركة هو جهاد لنيل ملكوت السموات الذى " يُغصَب والغاصبون يختطفونه: مت 12:11." كما يشير القس أنطونيوس فكرى الى حالة يعقوب النفسية التى يكتنفها الخوف و الرعب من مقابلة عيسو كما يشير الى اساليب يعقوب فى الغش و الخداع لكى يصل الى مطلبه فكان لابد له من مواجهة الملاك و التصارع معه وجهاً لوجه حيث لا تنفع أساليب الغش و المكر و الخداع التى يستخدمها يعقوب للتغلب على ضعفه.
انظر تفسير القس أنطونيوس فكرى على هذا الرابط: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-01-Old-Testament/Father-Antonious-Fekry/01-Sefr-El-Takween/Tafseer-Sefr-El-Takwin__01-Chapter-32.html
و نحن هنا نأخذ الحدث و الأشخاص كما هم دون أن نتطرق الى الى الرمزية أو المجازية التى يسقطها كل مفسر على النص حتى يُطَّوع النص لما يؤيد وجهة نظره المسبقة و التى بالطبع نجدها مختلفة بين تفسيرات الإنتليجستيا المسيحية و بين الإنتليجستيا اليهودية. نحن نتناول الحدث المادى ببساطته السردية و تعقيداته السلوكيىة و تطوراته النفسية و مدى تأثيره على"يعقوب" , و هو الشخصية المحورية فى الحدث نفسه بما له من خلفية العلاقة بينه و بين أخيه عيسو من ناحية و بينه و بين خاله لابان من ناحية أخرى، و حتى خلفية العلاقة بينه و بين امه "رفقة" بما لهذه الخلفيات من تأثير على تكوين شخصية يعقوب و على سلوكه و نتائج هذه المؤثرات من حيث الحالة النفسية و العقلية و العاطفية. أليس يعقوب إنسان يتأثر نفسياً و عقلياً و جسدياً أيضاً كأى أنسان و له ردود أفعال سلوكية كأى شخص يقع تحت نفس المؤثرات. دعنا نرى الظرف أو الموقف ثم نسأل عن إحتماليات التأثر و ردود فعل يعقوب عليها. و فى هذا الموقف بالذات نرى يعقوب فى حالة توتر كاملة و واضحة مما دعاه لأن يؤمّن أزواجه و بنيه – كما أعتقد – و ذلك بنقلهم على الجانب الاَخر من النهر الذى يعمل كمانع طبيعى لتحصين عائلته. ثم يعود الرجل وحده الى خط متقدم ليقابل عيسو أولاً... كأنه واثق من ذكاء نفسه أنه سيعالج الأمر طالما لا يوجد عامل ضغط أو نقطة ضعف "و هما أسرته" يستغلها عيسو. أى أن يعقوب أراد أن يختلى بنفسه و بمفرده ليس لكى يصلى بل ليفكر فى كل الأحتمالات أو النتائج المحتملة لمقابلته مع أخيه عيسو. و بالطبع كان يعقوب يفكر فى تصور معين لهذه المقابلة.
و السؤال: 1- بداية من المخطئ فى حق الاَخر، عيسو أم يعقوب؟ 2- هل تخيل يعقوب أن أخيه عيسو سوف يأتى برجاله لينتقم منه لخداعه و سرقته و بدون أى تفاهم أو كلام يقوم عيسو و رجاله بالتنكيل و ذبح كل أبناء يعقوب و يسبى النساء و الأطفال و كل ممتلكات يعقوب؟ فإذا كانت الأجابة بنعم فهل هذا يعنى أن تفكير يعقوب متأثر بالموقف و بالتالى سوف يؤثر ذلك على حالته العقلية و العاطفية و الوجدانية و بالتالى سوف يؤثر على تفكيره سلباً أو إيجاباً؟ و إذا كانت الأجابة سلباً يكون السؤال إذاً لما اتخذ يعقوب كل هذه الأجراءات و الاحتياطات الأمنية و التأمينية؟ 3- هل يمكن أن يكون يعقوب قد تخيل أحتمالية توصلهما الى مبارزة أو مصارعة (بينه و بين عيسو فقط) و بالتالى يقتصر الصراع على حالة شخصية بينهما دون أن يلحق الأذى أى فرد من جماعته؟ 4- هل يمكن لهذه الحالة النفسية المتوترة أن تؤدى بيعقوب أن يتخيل هذه المصارعة بينه وبين "إنسان" و تكون المصارعة "مصارعة أخوية" بين يعقوب "الأصغر" المخطئ المخادع و السياسى و بين الأخ الأكبر الأقل ذكاءاً أو الأقل دهاءاً و ربما الأكثر قوة و شراسة الاَن؟ 5- هل كان يخطط يعقوب لأن ينهى هذا الصراع بالتسليم المخادع الجميل بتعلق الأخ الأصغر "يعقوب" بكل دلال بأخيه الأكبر "عيسو" الذى يطلب من هذا الطفل المشاكس "يعقوب" أن يتركه يذهب و شأنه فيرفض الأخير "إلا بشرط أن يعطيه بركة" فما كان من الأخ الأكبر الذى لم يقدر على هذا "الدلع" إلا أن يضربه "دلعاً" على حُق فخذه فيخلعه. ثم يباركه و يغير اسمه "إمعاناً فى "الدلع" الى "أسرائيل"؟ 6- أو هل تمنى يعقوب أن يكون به "إصابة أو عجز أو عاهة" حتى يستدر بها عطف أخيه عيسو فلا يقع بينهما أى نوع من الصراع ليحوز فى النهاية على سماحة و رضا أخيه؟ 7- هل الضربة التى خلعت حق فخد يعقوب تدل على صحوة ضميره و إعترافه بأنه يستحق العقاب "من أخيه" و بهذا يكون قد أراح ضميره؟ هذا إذا كان قد تكون الضمير فى يعقوب أصلاً – فإذا لم يكن الضمير قد تكون عند يعقوب ماذا كنت تتوقع أن يفعل؟ و هل لو كان يعقوب متأكداً أن قوته تفوق قوة أخيه فهل كان سوف يسلك معه نفس السلوك؟ 8- و أذا حدث صراع بينهما فمن له الحق فى الصراع؟ و من المُتَوَقع أن يأخذ المبادرة الأولى فى الصراع؟ و أى جانب سوف يؤيد القارئ/ة الكريم/ة؟ و إذا لم يحدث صراع هل يعنى هذا أن عيسو أكثر تسامحاً و أكثر طيبةً و أكثر حباً و أكثر أخلاقاً طبيعيةً من يعقوب؟ و بالتالى هل تستطيع أن ترى يعقوب عكس هذه الصورة؟ أم هل تبحث له عن مبررات حتى تحافظ على صورة يعقوب النمطية؟ 9- هل الله عادل فى موقفه من يعقوب و عيسو؟ أم ترى أن الله مقرراً لأشياء مسبقاً بغض النظر عن طبيعة كل شخص؟ السؤال بطريقة أخرى أنك مهما فعلت من خير أو شر فان مصيرك مقرر مسبقاً و لا يهم الخير أو الشر الذى فعلته؟ 10- هل انت إنسان تركز على حرية الله فى أن يصنع ما يشاء و أنت تصمت لأن الله فعل؟ ام إنسان يهمك جداً و تركز جداً على عدل الله؟
ننتقل الاَن الى رؤية ثانية من سفر دانيال و من سفر الرؤيا:
فى سفر دانيال أصحاح 10 عدد 4: 7 نقرأ عن رؤية دانيال لـ"رجل" و يوصفه و صفاً دقيقاً بأوصاف مادية بحتة لكى يتناوله القس أنطونيوس فكرى مجازياً و رمزياً ليسقط هذا الوصف على شخص السيد المسيح. بمعنى أن الشخص الذى راَه دانيال هو شخص المسيح قبل أن يُولد من السيدة العذراء مريم. يقول النص فى سفر دانيال: "4 وفي اليوم الرابع والعشرين من الشهر الاول اذ كنت على جانب النهر العظيم هو دجلة. 5 رفعت عيني ونظرت فاذا برجل لابس كتانا وحقواه متنطقان بذهب اوفاز. 6 وجسمه كالزبرجد ووجهه كمنظر البرق وعيناه كمصباحي نار وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول وصوت كلامه كصوت جمهور. 7 فرايت انا دانيال الرؤيا وحدي والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم فهربوا ليختبئوا."
ويدلل القس أنطونيوس فكرى على توصله لدلالة ما راًه دانيال النبى بربطه بما راَه يوحنا اللاهوتى فى سفر الرؤيا أصحاح 1 عدد 12: 16
"12 فالتفت لانظر الصوت الذي تكلم معي ولما التفت رايت سبع مناير من ذهب. 13 وفي وسط السبع المناير شبه ابن انسان متسربلا بثوب الى الرجلين ومتمنطقا عند ثدييه بمنطقة من ذهب. 14 واما راسه وشعره فابيضان كالصوف الابيض كالثلج وعيناه كلهيب نار. 15 ورجلاه شبه النحاس النقي كانهما محميتان في اتون وصوته كصوت مياه كثيرة. 16 ومعه في يده اليمنى سبعة كواكب. وسيف ماض ذو حدين يخرج من فمه ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها." تفسير سفر رؤيا دانيال على هذا الموقع: http://www.stmaryelgolf.com/%D8%AA%D9%81%D8%B3%D9%8A%D8%B1-%D8%B3%D9%81%D8%B1-%D8%B1%D8%A4%D9%8A%D8%A7-%D9%8A%D9%88%D8%AD%D9%86%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A7%D9%87%D9%88%D8%AA%D9%89.html وعلى هذا الموقع: https://hrefaat.wordpress.com/2011/04/19/rev0114/ و على هذا الموقع: http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/27-Sefr-El-Ro2ya/Tafseer-Sefr-Roia-Youhanna-El-Lahouty__01-Chapter-01.html
و السؤال بالنسبة لدانيال النبى:
و نقرأ اايضاً فى سفر الرؤيا أصحاح 10 عدد 1 : "1 ثم رايت ملاكا اخر قويا نازلا من السماء متسربلا بسحابة وعلى راسه قوس قزح ووجهه كالشمس ورجلاه كعمودي نار."
انظر تفسير هذه الاَية أو العدد للقمص تادرس يعقوب ملطى على الموقع التالي:
http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Tadros-Yacoub-Malaty/27-Sefr-El-Ro2ya/Tafseer-Sefr-Roia-Youhanna-El-Lahouty__01-Chapter-10.html
و انظر ايضاً تفسير هذه الاَية او هذا العدد للقس انطونيوس فكرى على هذا الموقع http://st-takla.org/pub_Bible-Interpretations/Holy-Bible-Tafsir-02-New-Testament/Father-Antonious-Fekry/27-Sefr-El-Ro2ya/Tafseer-Sefr-Roia-Youhanna-El-Lahouty__01-Chapter-10.html و انظر ايضاً تفسير هذه الاَية او هذا العدد لماثيو هنرى على هذا الموقع: http://st-takla.org/bible/commentary/en/nt/matthew-henry/apocalypse/ch10.html
و من خلال أضطلاعنا على كل هذه التفسيرات رأينا أنها تجمع على أن الشخص أو الملاك الذى راَه يوحنا فى الأصحاح الأول الأعداد من 12 الى 16 و الأصحاح العاشر العدد 1 هو شخص السيد المسيح كما ان النص واضح من ذكر عبارة "شبه ابن إنسان" فى الأصحاح الأول و عبارة "ابن الإنسان" هى ما كان السيد المسيح يطلقها على نفسه فى الأناجيل و لكن السيد المسيح لم يستخدم صيغة "إبن إنسان" بل إستخدم الصيغة المعرفة "ابن الأنسان" . أما ما أضافه يوحنا و هى كلمة "شبه" فقد نفت كون الشخص الذى راَه يوحنا "إنسان" أو "إبن إنسان". و السؤال ما الفرق بين استخدام "كلمة "إنسان" و عبارة "إبن إنسان" و عبارة "إبن الإنسان"؟؟ و أى كان الشخص الذى راَه يوحنا سواء كان شخص المسيح أو ملاك فالوصف هنا مادى بحت من تراكم خبرات العقل السابقة التى أستقى منها يوحنا أوصاف الشخص الذى راَه. و بغض النظر عن كل التفسيرات التى تحاول ان تضفى على كل عبارة و كل كلمة فى النص معنى أو رؤية من زاوية مختلفة يرى المفسر أو الشارح من خلالها النص فان التفسير لا يعنى انه اصاب كبد الحقيقة المجردة و لا يمكن لأى مفسر أو شارح ان يدعى ان تفسيره هو الصواب لان ذلك يعنى أن المفسر قد توصل الى قصد الله و لكن كما جاء فى رسالة بولس الرسول الى أهل رومية الأصحاح 11 العدد 33 " 33 يَا لَعُمْقِ غِنَى اللهِ وَحِكْمَتِهِ وَعِلْمِهِ! مَا أَبْعَدَ أَحْكَامَهُ عَنِ الْفَحْصِ وَطُرُقَهُ عَنِ الاسْتِقْصَاءِ! "، فهذه كلها تظل إجتهادات لا يمكن إعتبارها ملزمة لقارئ الكتاب المقدس الذى قد يكون له وجهة نظر مختلفة عما يبديه هولاء المفسرون. و نود ان نلفت نظر القارئ/ة الكريم/ة اننا لا نفحص أحكام الله و لكننا نفحص رؤى و أحكام بشر حتى و لو كان هولاء البشر أنبياء أو رسل أو قديسين أو اولياء صالحيين فهم أولاً و أخيراً بشر، كما اننا لا نستقصى طرق الله و لكننا حق لنا و حق علينا ان نستقصى طرق البشر حتى و لو كان هولاء البشر أنبياء أو رسل أو قديسين أو اولياء صالحيين فهم أولاً و أخيراً بشر و لا يعنى أن ما توصلوا اليه هو نهاية المطاف أو قد أشبع غريزة حب الأستطلاع التى أوجدها الله فى عقول البشر، و لو كان كذلك ما كنا لنسأل هذه الأسئلة أو لكنا قد وجدنا إجابات على هذه الأسئلة فيما تركوه لنا من كل هذا التراث الدينى الذى يبدو فيه ما بذلوه من جهد يحمدوا عليه و الذى غير وجه العالم بما له من إيجابيات و سلبيات.
و لكن يبقى السؤال:
هل الرائى يكون محايداً تماماً فى رؤياه؟؟ بمعنى هل الحالة الجسدية (كالجوع و العطش و التعب و المرض أو أى حرمان لإشباع الإحتياجات الضرورية للجسم) و كذلك الحالة النفسية و العاطفية و الشعورية و العقلية للرائى لا تؤثر إطلاقاً على ما يراه النبى أو الرسول أو لا تؤثر على رؤيته الشخصية؟ و إذا كانت الإجابة بالنفى إذاً لماذا لا يقدم لنا الرائى رؤيا جديدة – حتى و لو كانت مادية – لا تعبر عن تراكم خبراته الشخصية السابقة – التى قد يشترك فيها اَخرون – لصور مادية كل ما ساهم به الرائى هو أعادة ترتيب هذه الصور لتتطابق مع أحتياجات الرائى النفسية و العاطفية و حتى الجسدية أيضاً؟ أما إذا كانت الإجابة بالإثبات فنحن فى غنى عن القول بأن ما يراه الرائى هو خبرة ذاتية تحتاج – لتفسيرها – الى التعرف على الزمكان بكل أبعاده بما فى ذلك قيمه و ثقافاته و عاداته و تقاليده و الوضع السياسى و الأقتصادى و الإجتماعى؛ كما أيضاً يتطلب التعرف على الحالة النفسية و العاطفية و العقلية و الجسدية و تداعيات الأحداث الخارجية على حالة الرائى هذه؟ و أخيراً نسأل الا يمكن أن يقوم علماء النفس بتحليل نفسى لشخصية الرائى من خلال معرفة الظروف المحيطة به و علاقة كل موقف و كل ظرف بما رأَه و من ثم تحليل رؤياه فنتوصل لفهم أعمق لهذه الشخصية كما فعل ميل جيبسون فى فلمه (The Passion of The Christ) و الذى تُرجم الى (الاَم المسيح)؟
و هناك سؤال مهم جداً يتعلق بالموقف الذى رأى فيه دانيال الملاك أصحاح 10 عدد 7:
"7 فرايت انا دانيال الرؤيا وحدي والرجال الذين كانوا معي لم يروا الرؤيا لكن وقع عليهم ارتعاد عظيم فهربوا ليختبئوا."
نفهم من هذا العدد أن دانيال لم يكن وحده. و الرجال الذين كانوا معه وقع عليهم إرتعاد عظيم فهربوا ليختبئوا. و هناك أمر مهم جداً الا و هو المكان. فأين كان دانيال عندما رأى هذا "الرجل"؟؟ ... لقد كان دانيال حسب قوله "على جانب النهر العظيم هو دجلة"؟؟ و نهر دجلة ليس فى فلسطين بل موجود بأرض بابل "العراق حالياً" ... فما الذى جعل دانيال يتواجد فى أرض "بابل"؟؟ و الإجابة بسيطة... لقد تم سُبى بنى يهوذا جميعاً الى أرض بابل. و الخلفية التاريخية هى انه: كانت مملكة إسرائيل موحدة حتى عصر سليمان. و بعد موت سليمان إنقسمت دولة أسرائيل الى مملكتين أحدهما فى الشمال و كانت تُسمى مملكة إسرايئل و الثانية فى الجنوب وتُسمى مملكة يهوذا. و كان الصراع السياسى و العسكرى على مناطق النفوذ و السيطرة فى بلاد الشام (خاصةً فلسطين) قد إحتدم بين الإمبراطورية الأشورية و الإمبراطورية المصرية التى كانت تساندها مملكة أسرائيل الشمالية مما دفع ملك أشور "سنحاريب" الى الأستيلاء على مملكة اسرائيل الشمالية و دمر هيكل سليمان و قتل من قتل و سبى من سبى فى سنة 697 ق.م. و انتهت بذلك المملكة الشمالية. و استمرت مملكة يهوذا الجنوبية فترة من الزمن، و لكن حاول الأشوريون إسقاطها لعدم دفعهم الجزية و بعد سقوط الإمبراطورية الأشورية و قيام مملكة بابل نشب الصراع بين المصريين و البابليين الذين إنتصروا على المصريين فى حكم نبوخذنصر الذى أسقط مملكة يهوذا الجنوبية و استولى على كل فلسطين ودمر كل أورشليم وما بقى من الهيكل و سبى أهلها الى بابل. و كان ذلك فى سنة 586 ق.م. فكان دانيال ممن تم سبيهم الى بابل.
أنظر هذين الرابطين للتعرف على الخلفية التاريخية http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B3%D8%B1_%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%A7%D8%A8%D9%84%D9%8A
http://st-takla.org/Full-Free-Coptic-Books/FreeCopticBooks-002-Holy-Arabic-Bible-Dictionary/12_S/S_035_02.html
و الاَن لنتعرف أولاً على رؤيا دانيال:
رجل ... لابس كتاناً ... متمنطقاً "أى يرتدى حزاماً" من ذهب اوفاز "اوفاز منطقة استخراج ذهب عالى الجودة" ... جسم الرجل من الزبرجد "نوع من الأحجار الكريمة" ... وجه الرجل كالبرق ... عيناه كمصباحى نار ... وذراعاه ورجلاه كعين النحاس المصقول... وصوت كلامه كصوت جمهور.
انتهى وصف دانيال... و السؤال لم ينته بعد: 1- كيف كانت الحالة النفسية و الوجدانية و العاطفية و العقلية لدانيال وهو رجل "مسبى و مستعبد و مقهور و كذلك كل أهله و عشيرته بعد خراب دولتهم و تدمير اكبر صرح حضارى و رمز دينى لدولتهم؟ 2- كل هذه الأوصاف المادية للرجل و لم يره إلا دانيال... لماذا لم ير الرجال الاَخرون هذا الرجل الذى لا تخطئ العين البسيطة المجردة أى جزء منه ؟ 3- إذا لم يكن الرجال قد رأوا هذا الرجل، إذاً لماذا و قع عليهم "إرتعاد عظيم" لدرجة أنهم هربوا ليختبئوا؟ 4- و ربما يجيب أحد أن الرجال ربما يكونوا قد ارتعدوا و هربوا لسماعهم صوت كلام الرجل الذى كان كصوت جمهور ... نسأل إذاً كان الرجال قد ادركوا "الرجل" بحاسة السمع إذاُ لماذا لم يدركوه بحاسة البصر؟؟ 5- إذا كان هناك شخصان فقط فقال أحدهما أنه راى شخصاً أو شيئاً و الاَخر لم يره فماذا تكون نسبة حقيقة وجود الشيئ أو الشخص المزعوم؟ أما إذا كان هناك جماعة (أكثر من إثنين) و كان بينهم شخص واحد إدعى رؤيته لشيئ ما فماذا تكون نسبة حقيقة و جود هذا الشيئ؟
و الأن لنتعرف على رؤيا يوحنا: يجمع التقليد و الأنتليجستيا المسيحيان أن سفر الرؤيا هو السفر الوخيد النبؤاءتى من كل أسفار العهد الجديد و قد كُتب بعد سنة 70 م. و هى السنة التى دَمَر فيها الرومان مدينة أورشليم. و بحسب التقليد المسيحى فان يوحنا بن زبدى أحد تلاميذ السيد المسيح الإثنى عشر هو الذى كتب سفر الرؤيا فى جزيرة بطمس اليونانية حيث نُفى الى هناك سنة 95 م. وكان يبلغ من العمر حوالى 87 عاماً بسبب نشاطه التبشيرى فى أفسس و اسيا الصغرى فى زمن حكم الإمبراطور الرومانى دومتيان. و إذا أستخدمت الجزيرة كمنفى للمجرمين فلنا أن نتعرف على طوبغرافيتها التى تتكون من صخور بركانية وتربة خشنة و يوجد بها بعض غابات من شجر البلوط و لكنها لم تكن مأهولة بالسكان فى ذلك الوقت و إلا ما كانت تُعتبر منفى.
و الاَن هل يمكن أن نتعرف على يوحنا كإنسان عادى لكى نتلمس بعضاً من نفسية و تفكير و عقلية رجل صاحب فى شبابه السيد المسيح لمدة ثلاث سنوات إذ كان يبلغ يوحنا من العمر 25 عاما عندما دعاه السيد المسيح الى التلمذة ثم حمل رسالة السيد المسيح لحوالى 59 سنة ليجد نفسه قيد منفى أجبارى و لكنه ليس كالسجن فهو الحر السجين و هو أيضاً السجين الحر كما أن سنه و رحلات تبشيره قد أعطته خبرة عميقة بمدى نفسيات البشر "الكنائس" الذين كان يتعامل معهم و كذلك تعاملاته مع الرسل أمثال بطرس و بولس جعلته يدرك مدى المعاناة فى التبشير سواء كانت هذه المعاناة من المُبَشَرين (بضم الميم و فتح الشين) او المُبشِرين (بضم الميم و كسر الشين) رفقاءه أو المقاومين و المُضطهِدين. فهو الاَن يفكر و يتأمل ما سوف تكون عليه الإمور مستقبلاً. و رغم كل هذا فهو الرجل المملؤ ثقة و حباً لشخص معلمه الأول. من هذه الخلفية تكون رؤياه نقدية و توقعية مستقبلية لحال الكنائس التى بشرها و لكن فى رؤياه لابد له أن يكون مصدر إيمانه و كلامه ليس مصدراُ ضعيفاً. فلنتذكر سوياً ما راَه يوحنا:
شبه ابن انسان ... بثوب كتان الى الرجلين ... وحزام من ذهب على الصدر... 14 واما شعر راسه ابيض كالصوف الابيض كالثلج ... وعيناه كلهيب نار... ورجلاه شبه النحاس النقي كانهما محميتان في اتون ... وصوته كصوت مياه كثيرة. و في يده اليمنى سبعة كواكب... يخرج من فمه سيف ماض ذو حدين ... ووجهه كالشمس وهي تضيء في قوتها.
و فى رؤية ثانية:
ملاكا اخر قويا نازلا من السماء متسربلا بسحابة وعلى راسه قوس قزح ووجهه كالشمس ورجلاه كعمودي نار.
و السؤال: 1- هل يمكن أن يكون لكبر السن تأثير على يوحنا فى رؤياه؟ (بالطبع لا أقصد بتأثير كبر السن أى من التوابع السلبية ... ولكن حالة الضعف الجسدى العامة) 2- هل للوحدة و الإنقطاع عن الناس فى وضع غير مقيد للحرية و لكن بارادة خارجية له تأثير على الحالة الفكرية و النفسية؟ 3- ماذا يحتاج رجل كبير فى السن فى وحدة تامة لا يؤانسه حيوان أو إنسان ... و ماذا يمكن أن يتخيل لنوع المساعدة التى يتمناها؟ 4- هل كان يوحنا يشعر بالعجز و التقصير فى منفاه و يشعر بالقلق الشديد و الخوف من تراجع أو إرتداد المؤمنين بسبب عدم وجوده معهم و بسبب الإضطهاد الواقع عليهم؟ 5- هل كان يوحنا يريد أن يبعث من منفاه برسالة ترغيب و طمئنة و رسالة إنذار و وعيد فى نفس الوقت حتى يثبت المؤمنين على إيمانهم و بهذا يواصل عمله التبشيرى؟ 6- هل كان يوحنا يشعر بالإهمال و الترك كمن أُحيل الى الإستيداع أو الإحتياط أو المعاش و يريد معونة تنتشله مما هو فيىه ليواصل عمله الرعوى و التبشيرى؟ 7- هل صورة "إبن إنسان" و "وجه الشمس" و "السحابة" و "وقوس القزح" و "الصوف الأبيض" و "حزام الذهب" و "لهيب النار" و "النحاس النقى" و "المحمى فى اَتون" و "رجلين عمودى نار" و "السيف ذى الحدين الخارج من الفم" و هذه الأشياء المكونة لمحتويات الصورة لها مخزون وجودى سابق فى ذاكرة يوحنا سواءاً فى العقل الواعى او فى العقل الباطن؟ 8- ألا يوجد تناقض فى مكونات الصورة بين "إبن إنسان" و "السحابة" و "قوس القزح" و "الصوف الأبيض" و "حزام الذهب" من ناحية و "لهيب النار" و "النحاس النقى" و "المحمى فى اَتون" و "رجلين عمودى نار" و "السيف ذى الحدين الخارج من الفم" من ناحية اخرى. 9- بمعنى أخر لماذا يجمع يوحنا فى رؤياه نقيضين متمثلين فى مجموعة المكونات الأولى "إبن إنسان" و "السحابة" و "الصوف الأبيض" و "حزام الذهب" التى تمثل النعومة و الوداعة و السلاسة و الرومانسية بينما المجموعة الثانية "لهيب النار" و "النحاس النقى" و "المحمى فى اَتون" و "رجلين عمودى نار" و "السيف ذى الحدين الخارج من الفم" تمثل الشدة و القسوة و الرعب؟ 10- و أخيراً هل هذه الأسئلة مشروعة و هل الإجابات عليها يمكن أن تعطينا فهماً أعمق لأدبيات دينية مكتوبة بلغة البشر؟ دمتم بخير "رمسيس حنا"
#رمسيس_حنا (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تأملات فى السقوط 2
-
تأملات فى السقوط 1
-
الفلاح و التلميذ
-
الرافض للحقيقة (قصة قصيرة)
-
-موسرب- أو الفلاح المصرى الذى مات واقفاً -قصة قصيرة-
-
الى إمرأة غانية (شِعر)
-
إعتذار لسيدتى العراقية (شِعر)
-
تباريح وطن (شِعر)
-
الطاعون فى العراق - شِعر - الى المضطهدين و المهمشين بالعراق
-
إغتراب (شِعر)
-
دماء فى القلب المقدس (قصة قصيرة جزء 3 و الأخير)
-
دماء فى القلب المقدس (قصة قصيرة جزء 2)
-
دماء فى القلب المقدس (قصة قصيرة جزء 1)
-
سياسة (1)
-
الهروب منه إليه
-
الصوفية المصرية
-
شخصية يسوع فى الألحان الفرعونية
-
أسبوع الألاَم خصوصية مصرية
-
همس الدولار -شِعر-
-
الطفل المشاغب يترافع عن عخان إبن كرمى (قصة قصيرة)
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|