|
الأحزاب السياسية والربط بين الجماهير الشعبية ومراكز القرار السياسي
سامر أبوالقاسم
الحوار المتمدن-العدد: 4659 - 2014 / 12 / 11 - 12:36
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الممارسات السياسية المتراكمة، والتصرفات الانتخابية المُحَصَّلَة، والسلوكات التأطيرية والتوجيهية الناتجة، أغلبها اليوم يصب في اتجاه بلورة منظومة قيمية ومبدئية سلبية، مبنية على الغش كمبدأ موجه لكل العلاقات والتفاعلات والتدخلات من جهة، ومرتكزة على الاستقواء كمنطق مؤطر للتنافس السياسي من جهة أخرى.
وهو ما يقوي شروط بروز المزيد من الظواهر المشينة، التي تُلْحَق بالفعل السياسي مرحلة بعد أخرى، ويُنذِر بتقهقر كبير على مستوى أداء الفاعلات والفاعلين السياسيين، ويعمل على تعزيز شروط التيئيس لدى المواطنات والمواطنين من الأفراد والتنظيمات العاملة في المجال السياسي، ويساهم بشكل كبير في إفساد النظرة إلى السياسة والمحطات السياسية، ويفشل كل جهود التنشئة السياسية، ويشارك في إضعاف مؤسسات الدولة وإطارات المجتمع المدني وعزلها عن المجتمع بكل علاقاته وتفاعلاته.
علما بأننا لا نعدم وجود أحزاب، التي من المفروض أن يتمثل دورها بالتحديد في تنظيم وتأطير وتمثيل المواطنات والمواطنين. لأن الحزب السياسي ببساطة هو ذلك التنظيم الذي يسعى إلى بلوغ السلطة السياسية عبر كل المؤسسات المنتخبة محليا وإقليميا وجهويا ووطنيا. وهو نفسه التنظيم الذي لا يصل إلى تحقيق هذا الرهان إلا عبر المشاركة في الحملات الانتخابية.
غير أن السؤال المطروح اليوم هو: هل تمارس الأحزاب السياسية الديمقراطية داخلها خلال عمليات تجديد هياكلها التنظيمية؟ انطلاقا من المجالس والأمانات المحلية مرورا بالمجالس الوطنية والأمانات الوطنية، وصولا إلى ترشيح أعضائها لمختلف المسؤوليات داخل المؤسسات المنتخبة محليا وإقليميا وجهويا والمؤسسات الوطنية ومختلف مواقع المسؤولية؟
فإذا كانت هذه الأحزاب بعيدة كل البعد عن منحى اعتماد الديمقراطية في كل علاقاتها وتفاعلاتها الداخلية، وإذا كانت هذه الأحزاب على مسافة كبيرة من الحنكة والتجربة على مستوى تدبير الاختلاف داخلها، وإذا كانت هذه الأحزاب تلجأ إلى أسهل الخيارات الكامنة في اعتماد أسلوب الإقصاء والتهميش في تدبير وتسيير أمورها، هل يمكننا أن نتوقع دورا رياديا لهذه الأحزاب على مستوى تأطير وتوجيه المواطنات والمواطنين في المحطات الانتخابية؟ وهل يُتَوَخَّى منها أن تلعب أدوارا طلائعية على مستوى التنشئة السياسية؟
إذا كانت الأحزاب السياسية هي تلك التي تتبنى تصورا معينا لعملها السياسي، ولها أطروحة سياسية تتفرع عنها موضوعات أساسية فيما يتعلق بتسيير وتدبير الشأن العام، ولها جهازا مفاهيميا يمايز بينها وبين التصورات المغايرة، ولها منطق في إقامة علاقات تنسيقية وتحالفية مع الأقرب إليها في كل لحظة من اللحظات السياسية. فإن ما يتبين اليوم؛ لدينا أحزاب سياسية قائمة على تجميع وتركيز العديد من المصالح المتباينة، ذات الاستراتيجيات الفردية أو الفئوية الضيقة، حيث يصعب على الفكر السياسي اليوم تصنيف مثل هذه الممارسات السياسية غير المبالية بالبرنامج السياسي وطرق وكيفيات ووسائل تصريفه.
كنا فيما مضى ننتقد الأحزاب السياسية من زاوية كونها تشكل أدوات للترويج والدعاية للأنظمة الفاسدة والمستبدة، ومدها ببعض شروط إضفاء الشرعية الشكلية التي تُعْتَمَدُ كورقة للترويج الخارجي وفي حظيرة المنتظم الدولي، أما اليوم فنجد أنفسنا أمام أحزاب مشلولة وغير قادرة على لعب حتى مثل هذه الأدوار المشينة سياسيا وتاريخيا، فما بالنا إذا ما استحضرنا دور الأحزاب السياسية المتمثل في المساهمة في التغيير والتطور الإيجابي على مستوى العيش الكريم للمواطنات والمواطنين، وعلى مستوى العيش المشترك بين مختلف الفئات والشرائح والمكونات والمشارب المختلفة داخل المجتمع الواحد.
جل الأحزاب السياسية اليوم هي أبعد ما تكون من أن تقدم النموذج التنظيمي/السياسي الذي بإمكانه أن ينجز مهامه ووظائفه وأدواره في مجال توعية الجمهور وتأطيره وتنظيمه، وفي مجال الاهتمام بتحسين أداء السياسات العمومية، وفي مجال تشجيع الأفراد وإبراز الطاقات والكفاءات لتولي المناصب العامة ومواقع المسؤولية. الأحزاب السياسية اليوم بعيدة عن لعب دور الوساطة، وإنجاز وظيفة الربط بين الجماهير الشعبية ومراكز القرار السياسي داخل أجهزة الدولة. وعليه يمكن التأكيد على أن الأحزاب المغربية، في سياق التحضير للانتخابات القادمة، مطالبة بـ :
• الوعي بأن المسافة الفاصلة بين الطموح وواقع الحال ليست سوى ما يمكننا أن نعمل ونكد من أجل تحقيقه، بواقعية وجرأة وفاعلية. • الوعي بمسؤوليتها في إنتاج الشروط التي تساهم في بلورة شكل من أشكال قيادة المعادلة السياسية ببلادنا، بمنطق يكون له بالغ الأثر على مستوى توجيه مسار الأداء السياسي. • العمل على ملامسة التقرحات التي تعاني منها الذوات الحزبية، في تمفصل تام مع مجموع الأمراض المزمنة التي تعرفها الممارسة السياسية اليوم، والتي أصبحت تشكل معيقا للتطور ببلادنا. • المساهمة في إعادة صياغة العمل السياسي والحزبي، وفق قواعد قيمية ومبدئية، تعيد الاعتبار لارتباط قوى الصف الديمقراطي بمهام وأدوار الفاعل السياسي في تخليق الحياة العامة.
# سامر_أبوالقاسم (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شرعية السلطة تستمد من الشعوب وقوة القانون لا يتم تثبيتها إلا
...
-
حسابات القوة والمصلحة وتفادي السقوط في كنف الوحشية المدمرة
-
التطرف الديني وضعف الثقة في التخطيط للسياسات العمومية
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
المزيد.....
|