|
حول الطبقات الاجتماعية و تخلخل المجتمع العراقي
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 4659 - 2014 / 12 / 11 - 12:36
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
تاريخ العراق مليء بالتغييرات الجذرية مطلقة كانت ام نسبية من كافة النواحي، و حدثت منها فجاة في غمضة عين، و منها طالت و تدرجت و وصلت لحال مختلفة جدا عن سابقتها و لكن يُس بها في حينه . المجتمع القروي اكثر نسبة من المدني في العراق، و سيطرت الفلاحة على الاعمال الاخرى طوال تاريخ العراق و حتى بعد اكتشاف النفط فيه ايضا، و خلال الاحتلال العثماني و البريطاني كان همهم الوحيد هو كيفية السيطرة عليهم للسيطرة على العراق كاملة من خلالهم، و اداروا سياساتهم وفق هذا المنفذ . كانت الحكومات المتعاقبة تعتمد كليا على استرضاء هذه الشريحة التي لم تتحول الى طبقة متراصة متوحدة مدافعة عن حقوقها، لانه كان هناك الملاك الاراضي مسيطر عليهم طوال خضوعهم له، و هناك من سمات هذا العمل التي لم تدع الطبقية تظهر فيهم بشكل جلي، والمعلوم ان الوحدة تتلاشى عند الفلاحين لاسباب متعددة ليس هنا مكان ذكرها و تحليلها، و انما تختلف صفات الفلاح و عملهم عن العمال و العمل بشكل كبير، و هذا ما بحثته الماركسية بشكل وافي و مقنع . طوال الحكومات و السلطات العراقية كانت عملية استرضاء نسبة كبيرة من الذين لديهم ثقل وموقع اجتماعي مميز و تاثير على جمع من الناس هي الوسيلة التي تمكنت بها ادارة البلاد و اخضاع الجميع و كبت الاحتجاجات و التفوق في الصراعات فيه، الى ان وصلت الحال الى التخويف و الفزع و القتل و الاعدامات في زمن الدكتاتورية، هذا عدا استخدام الترغيب في حالات معينة . هكذا كانت ادارة العراق، و السلطة هي من اثر على موقع الوجهاء و ابرازهم او تهميشهم وفق موالاتهم و تنفيذهم لارادتها . و كانت البقية الباقية من الشعب تابعة لا حول له و لا قوة، الا ان تجلت امور و وردت افكار مختلفة الى العراق من خلال الخلط و الاحتكاك مع الخارج، وخاصة بعد ثورة اكتوبر و وصول الفكر و الفلسفة الشيوعية الى العراق، و ظهور ملامح انتلجنسيا يسارية قبل تاسيس الاحزاب و خاصة بعد التاثيرات المباشرة من قبل الشريحة المثقفة الواعية الملمة بعمق في الحياة العامة لتلك المرحلة . هكذا كانت حال الفلاحين متاثرين و مؤثرين على السياسة عن طريق رؤساء العشار و الملاكين و التابعين للسلطات، و الاثرياء من الطبقة الارستقراطية كانت هي اكثر استفادة و اصبحت هي طبقة مميزة لذاتها مستغلة الاخرين، وعليه لم تنبثق او تنظم بشكل عفوي الطبقية لعدم مرور المجتمع بتطور طبيعي، بل كان احتلاله من قبل الامبراطوريات و بقاءه كساحة للحروب و الصراعات العالمية الكبيرة و تغيير صورته بشكل كامل لمرات عديدة، و التاثير السلبي على حياة الناس و ازالة الاثار المتبقية من نتاجات حضارته العريقة بشكل كامل، و استغلاله لمصالح شخصية و عقائد دينية، و كان من استغل العراق كثيرا هم الدخلاء و ليس الاصلاء دائما، و خاصة في العهد العباسي و فيما بعد، لقد اصبح من غير الممكن ان يتطور المجتمع العراقي و ينمو كما المجتمعات الاخرى و هي على هذه الحال . رغم محاولات عدة من قبل البعض باتجاه تكوين بنية اجتماعية متماسكة من خلال السلطة السياسية، الا انها لم تفلح في توحيد المجتمع و لم يتمكن من اعادة بنيانه الى وضعه الطبيعي، و سار على ما كان عليه كمجموعة من الكتل الاجتماعية و من ثم تاثر بالدين و المذاهب عدا العرق، كاساس الاختلاف الكبير من ناحية اخرى . اليوم، علاوة على ما احدثته الدكتاتورية من تغييرات شتى في البنى الاجتماعية، اننا عدنا مراحل عدة الى الوراء بعد التغيير و سقوط الدكتاتورية ايضا، لان العشيرة والقبيلة و الوجاهة و الثراء و المال والاحزاب التابعة لها سيطرت على الامور السياسية و اصبحت هذه منظومة مؤثرة لا بل مقررة احيانا و من خلال الاحزاب العرقية و الدينية المذهبية لما يخص كافة المكونات . لذلك في ظل خلو العراق من المصانع و المعامل الكبيرة و حتى المتوسطة و تشتت العمال لا يمكن ان نجد بروز طبقي حقيقي قريبا، و عليه استغلت الاحزاب المجتمع في سياساتهم بشكل سهل و سلس دون مقاومة لاي استغلال و خلل في معاملتهم اياه في هذه المرحلة . ربما حدثت استثناءات في مراحل ما، و على سبيل المثال عند بروز الانتلجنسيا اليسارية بشكل سطحي دون التعمق في ماكمنها في المجتمع العراقي و اثر الحزب الشيوعي العراقي فيها بالشكلين و بالاتجاهين السلبي و الايجابي، و لم تُدع ان تتطور و تبرز و تسيطر لتنتج احزاب و ممثلين حقيقيين من صلبها، بل كل من مثلها كانت الشريحة المثقفة المهتمة و المتعمقة في الامور النظرية و الفلسفية و اعتمدت على الايديولوجيا من خلال تاسيس حزب لتمثيل ما برزت و ليس بناء الحزب من خلال تفاعل العملية التي برزتها الانتلجنسيا التي ظهرت على ملامح الشعب، و كان لورود ما كان المعسكر الشرقي يسير عليه تاثيره على الوضع الاجتماعي و ان كان بشكل غير مباشر ، و لكنه و ان اثر على الممجتمع فلم تنبثق منه الطبقات المفروضة وجودها في مجتمع لم يعرف حاله و وضعه الطبقي في اي مرحلة هي . اي، ان مصير العراق كان متوقفا على وضعه السياسي الفوقي، ولكن التخلخل الاكبر كان في كيانه الاجتماعي و حتى اثرا على البعض بشكل سلبي في اكثر الاحيان، و عليه نرى ان الشعب لم يبين فيه اي تميز بين مكوناته او يمكن ان نحسبه فئاته او طبقاته و يمكن الحساب له علميا بين الشرائح و الطبقات للتعامل معها، من اجل العمل على اعادة مسارها . فان الوضع القائم الان هو المجتمع المتخلخل بنيانا و لم يصل الى مرحلة يمكن تسميته بالشعب و لم تبرز منه طبقات ذات سمات خاصة بها و يمكن دراستها كالمجتمعات الاخرى، و يمكن ان تتشابه هذه الحال للمجتمع العراقي في الكثير من مجتمعات المنطقة و ان كانت باختلافات يمكن فرزها .
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ما اشبه اليوم بالبارحة
-
كيف يتعامل العبادي مع الحال
-
كيف كان ماقبل السقوط و كيف اصبح مابعده
-
ستضمحل الشعائر الدينية تلقائيا مع التغيير المنشود
-
ليس تقاربا و انما توظيفا امريكيا للكورد
-
اذا فشل العبادي سيحتاج العراق الى ثورة
-
هل كل مؤمن ارهابي حقا ؟
-
مثقفو ابواب السلطة الى اين ؟
-
بالشفافية و كشفه للفساد سيدعمه الشعب
-
هل سيكون دور المالكي في العراق كنصرالله في لبنان ؟
-
هل ينجح العبادي في تنفيذ مهامه ؟
-
من يصعٌب مهمة الحكومة العراقية الجديدة ؟
-
توظيف امريكا للكورد بعد الاسلام
-
هل نصل الى مجتمع صحي بعد التغييرات المتتالية ؟
-
ماهكذا تورد يا السيد معصوم الابل
-
انسانية الكورد فوق كل شيء
-
هل يمكن لروسيا ان تلعب دورا اكبر في اقليم كوردستان ؟
-
امريكا تعيد سياسة بريطانيا السابقة في العراق
-
مرحلة الرئاسات المتنفذة في المنطقة
-
من حس بمآسي الكورد لن يكرههم
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|